قول الشيعة أن لأبي بكر سنة تشريعية كالنبي صلي الله عليه وسلم.
اتهم الشيعة أهل السنة بأنهم يعتقدون العصمة في أبي بكر كونه له سنة كالنبي صلي الله عليه وسلم كما ورد في حديث “عَلَيْكُمْ بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ..”، قالوا فهذا دليل على أن للخلفاء عندكم سنة تشريعية متبعة وهذا يلزم منه العصمة .
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الروايات التي استدلوا بها صحيحة، ومن تلك الروايات ما رواه الإمام أحمد بسنده عن: ” الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: ” قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ ” (3) حديث صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد حسن…. ”
[مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 28 ص 367 , وسنن أبي داود – سليمان بن الاشعث السجستاني – ج 4 ص 201 , وصحيح ابن حبان – ابو حاتم محمد بن حبان البستي – ج 1 ص 178 , وسنن الدارمي – عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي – ج 1 ص 229 , والمعجم الكبير – ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني – ج 18 ص 245].
وفي رواية عنه قال ” …فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ” (3)
(3) حديث صحيح “.
[مسند الامام احمد – تحقيق شعيب الارناؤوط – ج 28 ص 375، وسنن أبي داود – سليمان بن الاشعث السجستاني – ج 4 ص 200 ].
وفي سنن ابن ماجة عنه قال: “قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ……….فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» .
[تحقيق الألباني : صحيح ، الإرواء ( 2455 ) ، المشكاة ( 165 ) ، الظلال ( 26 – 34 ) ، التراويح ]” .
[ صحيح وضعيف سنن ابن ماجة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 1 ص 114 ].
عليه فالرواية صحيحة الإسناد، أما من ناحية المتن فلا تدل على ما زعمه الشيعة من أن لأبي بكر أو للخلفاء سنة تشريعية، إذ ليس في الرواية الا الأمر باتباع طريقة الخلفاء الراشدين في نقل الكتاب والسنة وفي فهمهم لهما، وقد أمرنا الله في القرآن باتباع المهاجرين والأنصار فقال: (وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَـٰجِرِینَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَـٰنࣲ رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ)
[سورة التوبة 100].
وهذا الأمر بالاتباع لم يوجب لهم عصمة ولا سنة تشريعية كما زعم الشيعة
قال علَّامتهم الطباطبائي: “وإذ ذكر الله سبحانه ثالث الأصناف الثلاثة بقوله : « وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ » ولم يقيده بتابعي عصر دون عصر ولا وصفهم بتقدم وأولية ونحوهما وكان شاملا لجميع من يتبع السابقين الأولين كان لازم ذلك أن يصنف المؤمنون غير المنافقين من يوم البعثة إلى يوم البعث في الآية ثلاثة أصناف : السابقون الأولون من المهاجرين ، والسابقون الأولون من الأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، والصنفان الأولان فاقدان لوصف التبعية وإنما هما إمامان متبوعان لغيرهما والصنف الثالث ليس متبوعا إلا بالقياس”.
[الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 9 صفحة : 373].
فالصحابة على وجه العموم يجب اتباعهم في نقل القرآن والسنة وفهمهما، لكن اختص هذا الحديث بذكر الخلفاء الراشدين لاختصاصهم برسول الله صلى الله عليه واله وسلم بطول الصحبة، والقرب منه صلى الله عليه واله وسلم، فسنتهم هي نفس سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا غير، قال الشاطبي : ” فَقَرَنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا تَرَى سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِسُنَّتِهِ، وَإِنَّ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ اتِّبَاعَ سُنَّتِهِمُ، وَإِنَّ الْمُحْدَثَاتِ خِلَافُ ذَلِكَ، لَيْسَتْ مِنْهَا فِي شَيْءٍ، لِأَنَّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيمَا سَنُّوهُ: إِمَّا مُتَّبِعُونَ لِسُّنَّةِ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْسِهَا، وَإِمَّا مُتَّبِعُونَ لِمَا فَهِمُوا مِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِمْ مِثْلُهُ، لَا زَائِدَ عَلَى ذَلِكَ ”
[الاعتصام – ابو اسحاق ابراهيم بن موسى الشاطبي – ج 1 ص 118] .
فليس للخلفاء سنة مستقلة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وإنما هم تبع لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فلا تخرج سنتهم من ان تكون نقلا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالنص، او فهما واستباطا من النصوص، كما قال الامام الشاطبي، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (( تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ )) ولم يقل تمسكوا بهما، وعضوا عليهما بالنواجذ، وذلك لأن السنة واحدة وهي سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، والواو في قوله عليه الصلاة والسلام ((بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )) تفيد اشتراك المعطوف والمعطوف عليه، ولا تفيد الترتيب، ولا التعقيب، ونظيرها في القرآن قوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) : البقرة }، فمن المعلوم أن الصلاة الوسطى هي من جنس الصلوات ولم تكن زائدة عليها، فيوجد في لغة العرب عطف الشيء على نفسه من باب التأكيد، ولذلك نقول كما أن الصلاة الوسطى من جنس الصلوات، ولا تقتضي الواو التغاير، فكذلك هي سنة الخلفاء الراشدين بالنسبة لسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تقتضي المغايرة لانها من نفس الجنس، والقرينة الدالة على ما قلناه أن لفظ الحديث : “فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء” فكلاهما معرف بالإضافة، فاذا كانا كلاهما معرف فالغالب أن الثاني هو الأول.قال السيوطي رحمه الله : ” فَإِنْ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ غَالِبًا دَلَالَةً عَلَى الْمَعْهُودِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ فِي اللَّامِ أَوِ الْإِضَافَةِ نَحْوَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} …”
[الاتقان – جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 2 ص 351 ].
والقرينة الأخرى قوله عليه الصلاة والسلام “تمسكوا بها , وعضوا عليها” بالمفرد لا المثنى وذلك لأن المؤدى واحد، وهذا نظير قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) : التوبة } , وذلك لأن إرضاء الله تعالى لا ينفك عن إرضاء الرسول صلى الله عليه واله وسلم، ولهذا قال الله تعالى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) : النساء } , فلما كان التلازم متحقق للطاعة والرضى أفرد الضمير، ولهذا قال الامام السيوطي : ” مِثَالُ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُثَنَّى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أَيْ يُرْضُوهُمَا فَأُفْرِدَ لِتَلَازُمِ الرِّضَاءَيْنِ ”
[الاتقان – جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 3 ص 129 ].
وقال ابو عبيدة : ” «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها» (34) صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل «ولا ينفقونهما» والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناء بذلك وتخفيفا، لمعرفة السامع بأن الآخر قد شاركه ودخل معه فى ذلك الخبر “.
[مجاز القران – ابو عبيدة معمر بن المثنى التيمي – ج 1 ص 257 ].
ومن يعترض على عود الضمير للأقرب فيقول التمسك بالسنة، والعض عليها بالنواجذ يكون لسنة الخلفاء لانها الاقرب، فهذا مخطيء , وذلك لان الله تعالى قال : { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) : الفتح } , فالضمير في قوله تعالى { وتسبحوه بكرة واصيلا} لو عاد للأقرب وهو الرسول لفسد المعنى، فيعود التسبيح لله تعالى قطعا .ولهذا نقول ان قوله عليه الصلاة والسلام (( تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ )) يفيد بأنه لا يحصل التمسك باحدهما إلا والآخر معه، فتبين من هذا معنى الحديث وأن المراد منه هو الحث والتمسك بسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بما نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وبما استنبطوه، وفهموه من نصوص القران والسنة والله اعلم .
قال الملا علي القاري: “(فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي) : اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمُوا، أَيْ: بِطَرِيقَتِي الثَّابِتَةِ عَنِّي وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا (وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ) : فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي، فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا (الْمَهْدِيِّينَ) ، أَيِ: الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ إِلَى الْحَقِّ. قِيلَ: هُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: ” «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً» “. وَقَدِ انْتَهَتْ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ.قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَوَصْفُ الرَّاشِدِينَ بِالْمَهْدِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ هَادِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْخَلْقَ فِي الضَّلَالَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يُشْعِرُهُمْ، الصِّدِّيقُ، وَالْفَارُوقُ، وَذُو النُّورَيْنِ، وَأَبُو تُرَابٍ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَوَاظَبُوا عَلَى اسْتِمْطَارِ الرَّحْمَةِ مِنَ السَّحَابَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَخَصَّهُمُ اللَّهُ بِالْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَنَاقِبِ السَّنِيَّةِ، وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَشَاقِّ الْأَسْفَارِ وَمُجَاهَدَةِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ الْعُظْمَى وَالتَّصَدِّي إِلَى الرِّئَاسَةِ الْكُبْرَى لِإِشَاعَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ أَعْلَامِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ وَازْدِيَادًا لِمَثُوبَاتِهِمْ
[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (1/ 252)].
قال ابن القيم:«وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَوْا بِهِ وَسَنُّوهُ لِلْأُمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ نَبِيِّهِمْ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ سُنَّتَهُ، وَيَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَى بِهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَسُنُّوا ذَلِكَ [وَهُمْ خُلَفَاءُ] فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا سَنَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَقْتِهِ فَهُوَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ»
[«إعلام الموقعين عن رب العالمين» (4/ 107 ط العلمية)].
وقال ابن تيمية: “«وَاَلَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ مَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِي سَنُّوهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهُمْ فِيهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ أَنَّهُ حُجَّةٌ بَلْ إجْمَاعٌ. وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ»
[«مجموع الفتاوى» (20/ 573)].
ثانيا: ورد في كتب الرافضة أن علي بن أبي طالب له سنة
كالنبي صلي الله عليه وسلم في الكافي بسنده عن: “حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبِي وَ جَدِّي وَ عَمِّي حَمَّاماً بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا رَجُلٌ فِي بَيْتِ الْمَسْلَخِ فَقَالَ لَنَا مِمَّنِ الْقَوْمُ فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ وَأَيُّ الْعِرَاقِ قُلْنَا كُوفِيُّونَ فَقَالَ مَرْحَباً بِكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمُ الشِّعَارُ دُونَ الدِّثَارِ ثُمَّ قَالَ مَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْأُزُرِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَالَ عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرَامٌ قَالَ فَبَعَثَ إِلَى أَبِي كِرْبَاسَةً فَشَقَّهَا بِأَرْبَعَةٍ ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا وَاحِداً ثُمَّ دَخَلْنَا فِيهَا فَلَمَّا كُنَّا فِي الْبَيْتِ الْحَارِّ صَمَدَ لِجَدِّي فَقَالَ يَا كَهْلُ مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْخِضَابِ فَقَالَ لَهُ جَدِّي أَدْرَكْتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَ مِنْكَ لَا يَخْتَضِبُ قَالَ فَغَضِبَ لِذَلِكَ حَتَّى عَرَفْنَا غَضَبَهُ فِي الْحَمَّامِ قَالَ وَ مَنْ ذَلِكَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَقَالَ أَدْرَكْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام ) وَ هُوَ لَا يَخْتَضِبُ قَالَ فَنَكَسَ رَأْسَهُ وَ تَصَابَّ عَرَقاً فَقَالَ صَدَقْتَ وَ بَرِرْتَ ثُمَّ قَالَ يَا كَهْلُ إِنْ تَخْتَضِبْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَدْ خَضَبَ وَ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ ( عليه السلام ) وَ إِنْ تَتْرُكْ فَلَكَ بِعَلِيٍّ سُنَّةٌ قَالَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْحَمَّامِ سَأَلْنَا عَنِ الرَّجُلِ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) وَ مَعَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ( عليه السلام ) ”
[الكافي – الكليني – ج 6 ص 497 – 498 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – موثق – ج 22 ص 398]. .
فهل يقول الرافضة بأن سنة علي رضي الله عنه مختلفة عن سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟!
ثالثا: قد أقر الشيعة أن لأئمتهم سنة تشريعية يقول محمد علي صالح المعلم: “فلهم حق التشريع، وبعبارة أخرى: أنه تعالى فوّض لهم جعل الأحكام بحسب ما يرونه من المصالح، وبناء عليه فلهم التحليل والتحريم والأمر والنهي لا أنهم مبلّغون عن الله وبين المعنيين فرق كبير كما لا يخفى…..وأما عن الجهة الثانية فنقول: إنّ هذا المنصب ثابت للنبي صلي الله عليه و آله والأئمة عليهم السلام بالأدلة الأربعة بلا خلاف، وإنما وقع الخلاف في مصاديق أولي الأمر فعند الإمامية هم الأئمة عليهم السلام من ذريته الذين عيّنهم من بعده، ونصّ عليهم بأسمائهم، وجعلهم أوصياءه وخلفاءه على الأمة.
[اسم الکتاب : التقية في فقه أهل البيت عليهم السلام المؤلف : المعلم، محمد علي صالح الجزء : 2 صفحة : 347].
ويقول محمد رضا المظفر: “أن الأئمة من آل البيت (عليهم السلام) ليسوا هم من قبيل الرواة عن النبي والمحدثين عنه ليكون قولهم حجة من جهة أنهم ثقات في الرواية، بل لأ نهم هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي لتبليغ الأحكام الواقعية، فلا يحكون إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي، وذلك من طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي، أو من طريق التلقي من المعصوم قبله، كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ” علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم ينفتح لي من كل باب ألف باب ” (١). وعليه، فليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنة وحكايتها، ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع، بل هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولهم سنة لا حكاية السنة“.
[أصول الفقه محمد رضا المظفر ج3 ص 64، وذكر هذا أيضا إبراهيم إسماعيل شهركاني في كتابه المفيد في شرح أصول الفقه ج2 ص85].
ويقول الطهراني: “وكان مصدر التشريع عند الشيعة آنذاك الكتاب والسنة، ويعنون_بالسنة قول النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام (ع) أو فعلهما أو تقريرهما.
[حصر الاجتهاد لآقا بزرگ الطهراني ص 34].
بل والأئمة لهم حق التشريع بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول السيستاني في الرافد في علم الأصول”
١ – النسخ: وتحدثنا فيه عن امكان صدور النسخ من قبل أهل البيت عليهم السلام للآية القرآنية والحديث النبوي والحديث المعصومي السابق، وأقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني كون الناسخ مودعا عندهم عليهم السلام من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكنهم يقومون بتبليغه في وقته، والنسخ التشريعي وهو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداءا وهذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم عليهم السلام كما كان ثابتا للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم”.
[الرافد في علم الأصول” تقرير بحث السيستاني ، للسيد منيرص26].
ولذلك فقد جاء في الكافي أن الإمامة يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء فقد رووا عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ثم قال: يا محمد هذه الديانة التي من تتدينها مرق ومن تخلف عنها محق، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد”.
[الكافي الكليني – (ج 1 / ص 648)، بحار الأنوار – العلامة المجلسي – (ج 15 / ص 19)]،
[حلية الأبرار – (ج 1 / ص 17)].
فهذه سنة تشريعية بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر بها الشيعة قاطبة لأئمتهم، وهذا عين القول بالنبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الشيعي الخدعه التي جاء بها من صنع هذا الدين الشيعي ليبطل به تشريع خاتم النبيين باسم الأئمة وأهل البيت…!!!
وأختم الجواب عن هذه الشبهة بنقل كلام لأحد مراجعهم المعاصرين، وهو ما يسمونه بآية الله العظمى صادق الحسيني الشيرازي، قال: “من لوازم مقام السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) مسألة الولاية التشريعية والولاية التكوينية؛ فإذا ما قالت السيدة الزهراء(عليها السلام) شيئاً، يصبح من الواجب على جميع الأنبياء والأولياء والملائكة وسائر الخلق من الإنس والجان، الامتثال له، كما أكّده حديث الإمام الباقر(عليه السلام)، فهي(عليها السلام) حجة على النساء والرجال”.
[نيل رضا المعصوم(عليه السلام) ص٢٥:٢٦ محاضرة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى].
[السيد صادق الحسيني الشيرازي ألقاها سماحته فی ۱٥/شعبان المعظم/۱٤۲۳هـ].
وأهل بيت نبينا من هذا الغلو والهراء براء.
مواضيع شبيهة