قالوا تخلف أبو بكر عن جيش أسامة وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عنه .
قال المجلسي: “قال أصحابنا: كان أبو بكر وعمر وعثمان من جيش أسامة، وقد كرر رسول الله صلى الله عليه وآله -لما اشتد مرضه ـ الأمر بتجهيز جيش أسامة ولعن المتخلف عنه، فتأخروا عنه واشتغلوا بعقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ، وخالفوا أمره، وشملهم اللعن.
[اسم الکتاب : بحار الأنوار – ط مؤسسةالوفاء المؤلف : العلامة المجلسي الجزء : 30 صفحة : 427].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: النبي صلى الله عليه وسلم أمر وحث الناس على إنفاذ جيش أسامة، ولن يكن للمسلمين ديوان ولم تكن من عادته صلى الله عليه وسلم تحديد الأسماء، ولذلك كان الأمر بتجهيز جيش ليغير على مؤتة وعلى جانب فلسطين، فتجهز الجيش وكانوا ثلاثة آلاف فقط وهذا عدد قليل مقارنة بجيش العسرة الذي كان قبلها بسنة ونصف تقريبا وقد بلغ عدده الثلاثين ألفا، وعليه فحتى يصح تحديد الأسماء فلابد من رواية صحيحة في ذلك، وهذا ما لم يحصل قط .روى الإمام البيهقي عن موسى بن عقبة قال: «وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ، وَخَرَجَ فِي نَقْلِهِ إِلَى الْجُرُفِ، فَأَقَامَ تِلْكَ الْأَيَّامَ بِشَكْوَى رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَى جيش عامتهم الْمُهَاجِرُونَ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يُغِيرَ عَلَى مُؤْتَةَ، وَعَلَى جَانِبِ فِلَسْطِينَ- حَيْثُ أُصِيبَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ- فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُونَ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ فَقَالَ: اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، وَالنَّصْرِ وَالْعَافِيَةِ، ثُمَّ أَغِرْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ أَنْ تُغِيرَ. قَالَ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَصْبَحْتَ مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يكون اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عافاك، فائذن لِي، فَأَمْكُثَ حَتَّى يَشْفِيَكَ اللهُ، فَإِنِّي إِنْ خَرَجْتُ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، خَرَجْتُ وَفِي نَفْسِي مِنْكَ قُرْحَةٌ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْكَ النَّاسَ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
[«دلائل النبوة للبيهقي» (7/ 200)].
فالرواية إذا لن تذكر أن أبا بكر كان فيهم، ولم يعزم النبي صلى الله عليه وسلم على أحد بالخروج مع أسامة وإنما كان كل فرد ينتدب نفسه إذا رأى قوة لذلك .
ثانيا: الرواية التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من تخلف عن جيش أسامة
فهذه رواية مردودة من وجوه:
الوجه الأول: أنها لم ترو في دوواين السنة المعروفة، وإنما نسبها ابن أبي الحديد إلى كتاب منسوب إلى احمد بن عبد العزيز الجوهري، وهذا الكتاب لم يثبت عن صاحبه كما هو معلوم عند أهل الحديث.
الوجه الثاني أن الإسناد الذي في كتاب السقيفة وفدك إسناد ساقط على مباني السنة والشيعة.قال الشيخ الألباني رحمه الله : ” 4972 – ( أنفذوا بعث أسامة ، لعن الله من تخلف عنه . وكرر ذلك ) .منكرأخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في “كتاب السقيفة” قال : حدثنا حمد بن إسحاق بن صالح عن أحمد بن سيار عن سعيد بن كثير الأنصاري عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مرض موته أمر أسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلة المهاجرين والأنصار ؛ منهم أبو بكر ، وعمر ، و أبو عبيدة بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة (قلت : فساق الحديث فيه) . وقام أسامة فتجهز للخروج ، فلما أفاق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سأل عن أسامة والبعث ، فأخبر أنهم يتجهزون ، فجعل يقول … فذكره .فخرج أسامة واللواء على رأسه ؛ والصحابة بين يديه … إلخ .
قلت : ساقه هكذا – إلا ما اختصرته أنا – عبد الحسين الشيعي في “مراجعاته” (291-292) ، وسكت عليه كعادته ؛ إلا أنه زعم أن الشهرستاني أرسله إرسال المسلمات في المقدمة الرابعة من كتاب “الملل والنحل” !
وكأنه – لبالغ جهله بالحديث – لا يعلم أن الشهرستاني ليس من علماء هذا الشأن أولاً ، وأن إسناد الحديث الذي نقله عن الجوهري ضعيف لا يصح ثانياً !! وبيان هذا من وجوه :
الأول : أن عبد الله بن عبد الرحمن هذا ؛ يغلب على الظن أنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري الذي روى له ابن جرير في “تاريخه” (3/ 218-222) قطعة كبيرة من قصة بيعة السقيفة ، ولم أجد من ذكره غير ابن أبي حاتم (2/ 2/ 96) . وقال : “روى عن جده أبي عمرة . روى عنه المسعودي” .ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً !
الثاني : رجال سعيد بن كثير الأنصاري ؛ مبهمون لا يعرفون .
الثالث : حمد بن إسحاق بن صالح ؛ لم أجده .
الرابع : أحمد بن عبد العزيز الجوهري : هو من رجال الشيعة المجهولين ، أورده الطوسي في “الفهرست” (36/ 100) . وقال : “له كتاب السقيفة” .ولم يزد على ذلك شيئاً ، فدل على أنه غير معروف لديهم ؛ فضلاً عن غيرهم من أهل السنة ؛ فقد قال في “المقدمة” (ص 2) : “.. فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الأصول ؛ فلا بد من أن أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعول على روايته أم لا ؟ …”قلت : ومن هذا تعلم جهل عبد الحسين الشيعي حتى برجال مذهبه ! فيحتج بحديث الجوهري هذا ؛ وهو غير معروف عندهم ، فضلاً عمن فوقه ممن لا يعرفون أيضاً !ومن الترجمة السابقة ؛ تعلم أن كتاب “السقيفة” هو من كتب الشيعة التي لا يعتمد عليها عندنا . وقد علق عليه السيد محمد صادق آل بحر العلوم بقوله :
“ينقل عن كتاب “السقيفة” هذا كثيراً : ابن أبي الحديد المعتزلي في “شرح نهج البلاغة” ؛ مع نسبته لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ؛ فراجع”.قلت : وعن ابن أبي الحديد الشيعي ؛ نقله عبد الحسين ؛ كما صرح بذلك عقب الحديث ، مع تدليسه على القراء وإيهامه إياهم أن مؤلف “السقيفة” هو من أهل السنة ! كما يظهر ذلك لمن أمعن النظر في المراجعة (91) ، وجوابه عليها في المراجعة التي بعدها ! ”
[ سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 10 ص 718 – 720] .
الوجه الثالث: قال محسن الأمين في أعيان الشيعة أن الرجل كان شيعيا إماميا ومن قال بأنه من أهل السنة فهو واهم.
قال في أعيان الشيعة: “أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في الفهرست: أحمد بن عبد العزيز الجوهري له كتاب السقيفة وظاهر الميرزا في رجاله انه جعله هو والذي قبله واحدا ومقتضى ذكر الشيخ له في الفهرست انه إمامي لأنه موضوع لذكر مصنفي الامامية ولكن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال عند الكلام على فدك الفصل الأول فيما ورد من الأخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم لا من كتب الشيعة ورجالهم لأنا مشترطون على أنفسنا ان لا نحفل بذلك وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري وهو عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع اثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته اه وهو كالصريح في أنه غير إمامي فيجوز ان يكون خفي حاله على ابن أبي الحديد”.
[أعيان الشيعة -محسن الأمين- ج٣ ص٦].
وصرح الخوئي بأن الرجل شيعي لكنه مجهول الحال عندهم فقال بعدما تقل كلام ابن أبي الحديد: “صريح كلام ابن أبي الحديد أن الرجل من أهل السنة. ولكن ذِكر الشيخ له في الفهرست: كاشف عن (كونه شيعيا، وعلى كل حال فالرجل لم تثبت وثاقته، إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد”
[(معجم رجال الحديث2/ 142:143)].
وعليه فالرجل وكتابه ساقطان عند الشيعة، وأما عند أهل السنة فلم يثبت أنه قد ألف هذا الكتاب المنسوب إليه
راجع ترجمته في كتاب
[ «إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني» (ص167)].
فضلا عن سقوط الإسناد المذكور كما حققه الشيخ الألباني رحمه الله.
ثالثا: نحن نقلبها عليهم في علي رضي الله عنه-وحاشاه- فنقول إن عليا تخلف عن جيش أسامة فهو مشمول باللعن، فإن قالوا لم يكن علي معهم قلنا هاتوا لنا رواية صحيحة تستثني عليا من الخروج مع الجيش، وليس لهم مخرج إلا ما ذكرناه في أبي بكر فإن سلموا لنا في أبي بكر فقد سقطت الشبهة وإن لم يسلموا لزمهم ذلك في علي رضي الله عنه وحاشاه من طعن الرافضة.
رابعا: معلوم أن أبا بكر كان يصلي بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو فرضنا جدلا أنه كان في الجيش في بداية الأمر ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس مدة مرضه صلى الله عليه وسلم، فيكون الذي أذن له بعدم الخروج مع الجيش هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسا: كيف يطعنون في الصديق في أمر هو الذي أصر عليه وأنفذه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلمقال ابن كثير: «لَمَّا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ -الردة- أَشَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى الصِّدِّيقِ أَنْ لَا يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ الْآنَ مِمَّا جُهِّزَ بِسَبَبِهِ فِي حَالِ السَّلَامَةِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَشَارَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَامْتَنَعَ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ إِلَّا أَنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَنَّ الطَّيْرَ تَخَطَفُنَا، وَالسِّبَاعَ مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْكِلَابَ جَرَّتْ بِأَرْجُلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لَأُجَهِّزَنَّ جَيْشَ أُسَامَةَ. فَجَهَّزَهُ وَأَمَرَ الْحَرَسَ يَكُونُونَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ خُرُوجُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَالِحِ»
[«البداية والنهاية ط هجر» (9/ 421)].
فرجع ذم الرافضة للصديق مدحا، وظهر أنه غاظم لما أظهر قوة الإسلام والمسلمين بإنفاذ جيش أسامة وتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مواضيع شبيهة