عزل الصديق عن إمارة الحج وعدم صلاحيته لتبليغ سورة براءة.
زعم الشيعة أن الصديق لا يصلح للخلافة كون النبي صلى الله عليه وسلم قد عزله عن إمارة الناس في الحج سنة تسع، وأرسل عليا خلفه ليبلع سورة براءة.قال جعفر مرتضى العاملي : “حقيقة ما جرى: عن الحارث بن مالك : أنه سأل سعد بن أبي وقاص ( أو : سعد بن مالك ) : هل سمعت لعلي منقبة ؟ !قد شهدت له أربعاً ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا ، أُعمّر فيها مثل عمر نوح : إن رسول الله « صلى الله عليه وآله » بعث أبا بكر ببراءة إلى مشركي قريش ، فسار بها يوماً وليلة . ثم قال لعلي : اتبع أبا بكر فخذها وبلغها .فَرَدَّ عليٌّ أبا بكر ، فرجع يبكي ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيَّ شيء ؟ !قال : لا ، إلا خيراً ، إنه ليس يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني .أو قال : من أهل بيتي الخ . . »
[الصحيح من سيرة الإمام علي ( ع )، ج ٧، السيد جعفر مرتضى العاملي، ص ٩].
ثم قال: “لو قبلنا بأن أبا بكر واصل طريقه إلى مكة ، فذلك لا يعني أنه هو الذي حج بالناس ، إذ يمكن أن يكون قد حج تحت إمرة علي « عليه السلام » أيضاً .
ج : ويمكن أن يستدل على ذلك أيضاً بقولهم : إنه « صلى الله عليه وآله » لم يؤمر على علي « عليه السلام » أحداً طيلة حياته . .أهلية أبي بكر للخلافة : هذا ، وقد استدل علماء الشيعة بهذه الواقعة على عدم صلاحية أبي بكر للخلافة ، فضلاً عن الإمامة ، فقالوا : من لم يصلح لأداء سورة واحدة إلى أهل بلدة . فهو لا يصلح للرئاسة العامة ، المتضمنة لأداء جميع الأحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد
[الصحيح من سيرة الإمام علي ( ع )، ج ٧، السيد جعفر مرتضى العاملي، ص ٣١].
واستدلوا بأشياء أخرى تأتي في ثنايا البحث.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: ثبت بالتواتر القطعي الذي لا مجال لرده أن الصديق كان هو أمير الناس على الحج سنة تسع، وهذا التواتر لا يرد خلاف الشيعة في ذلك، مع أننا سننقل من كتبهم ما يؤيد ذلك التواتر، لكن لو ثبت إجماعهم على خلاف الثابت عند المسلمين فإن خلافهم ليس إلا كخلاف اليهود والنصارى، قال ابن حزم فَإِن الروافض لَيْسُوا من الْمُسلمين إِنَّمَا هِيَ فرق حدث أَولهَا بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخمْس وَعشْرين سنة وَكَانَ مبدؤها إِجَابَة من خذله الله تَعَالَى لدَعْوَة من كَاد الْإِسْلَام وَهِي طَائِفَة تجْرِي مجْرى الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي الْكَذِب وَالْكفْر
[ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ٦٥/٢].
في صحيح البخاري قال «حدثنا إسحق قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أخي شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ:بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ، في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا، فأمره أن يؤذن بـ “براءة”. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْل مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان»
[«صحيح البخاري» (1/ 144 ت البغا)].
قال البغوي في تفسيره«وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْأَمِيرَ: ..وساق إسناده إلى رواية البخاري»
[«تفسير البغوي – طيبة» (4/ 11)].
وفي سنن البيهقي: “«قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَحُكِيَ عَنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى ” أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ” قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ إِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، ..»
[«السنن الكبرى – البيهقي» (5/ 272 ط العلمية)].
وقد اعترف الشيعة بإمارة أبي بكر للحج في ذلك العام .قال المؤرخ الشيعي المسعودي ((هامش “قال في منتهى المقال: “أقول : المسعودي هذا من أجلَّة العلماء الإماميّة ومن قدماء الفضلاء الاثني عشريّة،…وممّن صرّح بذلك أيضا السيّد ابن طاوس في كتاب النجوم عند ذكر العلماء العالمين بالنجوم ، حيث قال : ومنهم الشيخ الفاضل الشيعي علي ابن الحسين بن علي المسعودي مصنّف كتاب مروج الذهب))) .
[منتهى المقال في احوال الرجال، ج ٤، الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني، ص ٣٩١].
في مروج الذهب: “ثم كانت سنة تسع ، فحج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، حين خرج من المدينة مع ثلاثمائة ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عشرين بَدَنَةً ، ثم ارسل على أثره علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، فأدركه بالعرج ومعه سورة براءة ، فأذن بها يوم النحر عند العقبة ، فأقام أبو بكر الحج ، وخطب أبو بكر بمكة قبل التروية بيوم ، ويوم عرفة بعرفة ، ويوم النحر بمنى .
[مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج ٤، المسعودي، ص ٣٠١].
وقال شيخهم الشيعي على كاشف الغطاء: “وفي السنة التاسعة حج بالناس أبو بكر”.
[أدوار علم الفقه وأطواره، ج ١، الشيخ علي كاشف الغطاء، ص ١٣].
وقد اعترف الشريف المرتضى بأن أكثر الأخبار إنما تنص على أن أمير الناس في تلك السنة هو الصديق رضي الله عنه ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية الذين رووا عكس ذلك .يقول الشريف المرتضى: “أنا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة بأن أبا بكر حج بالناس في تلك السنة ، إلا أنه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك ، وأن أمير المؤمنين عليه السلام كان أمير الموسم في تلك السنة ، وأن عزله الرجل كان عن الأمرين ، فاستكبار ذلك وفيه خلاف لا معنى له”.
[الشافي في الامامة، ج ٤، الشريف المرتضى، ص ١٥٥].
قلت: وقد ذكرنا أن خلاف الرافضة مع المسلمين لا يعتد به فكيف بخلاف بعضهم؟
ثانيا: الثابت عن علي نفسه أنه أرسل فقط لبلاغ البراءة لحل العقد مع المشركين، وهو ما رواه الترمذي في سننه: “عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا، بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الحَجَّةِ؟ قَالَ: بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ: أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلاَ يَجْتَمِعُ الْمُشْرِكُونَ وَالمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا”.هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي ت بشار، ١٢٧/٥].
ورواه الدارمي برقم (1919) كتاب المناسك، ورواه سعيد بن منصور في سننه برقم (1005، 5/ 233: وقال محققه: سنده صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك 4/ 178 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي»
[«الإيمان الأوسط – ط ابن الجوزي» (ص525)].
فأتت ترى أن عليا لم يقل أنه بعث بإمارة الناس وهي الأصل وما دونها فرع فلا يمكن إهمال الأصل، مع ذكر تفاصيل الفرع، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه أميرا لذكره من باب أولى.
ثالثا: الروايات التي ذكروها من عزل الصديق أو رجوعه عن الحج هذا العام لا تصح لا عند أهل السنة ولا عند الشيعة .
وإليك بعض الروايات التي يستدلون بها:
الرواية الأولى: عند ابن حبان: ” 6644 – أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عَبْدَانُ بِعَسْكَرِ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَبِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ضَجْنَانَ سَمِعَ بُغَامَ نَاقَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَرَفَهُ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنِي؟ قَالَ: خَيْرٌ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِبَرَاءَةَ، فَلَمَّا رَجَعْنَا انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي؟ قَالَ: «خَيْرٌ أَنْتَ صَاحِبِي فِي الْغَارِ، [وَأَنْتَ مَعِي عَلَى الحَوْضِ] * غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَلِّغُ غَيْرِي، أَوْ رَجُلٌ مِنِّي – يَعْنِي عَلِيًّا -»
[ابن حبان، صحيح ابن حبان – مخرجا، ١٦/١٥].
وهذه رواية ضعيفة ، قال المحقق في الهامش: “«إسناده ضعيف، أبو ربيعة: اسمه زيد بن عوف القطعي، روى عن أبي عوانة، وحماد بن سلمة، وعون بن موسى، وهشيم، وشريك، وغيرهم، ضعفه غير واحد، وذكره المؤلف في المجروحين 1/311، فقال: كان ممن اختلط بأخره، فما حدث قبل اختلاطه، فمستقيم، وما حدث بعد التخليط ففيه المناكير، يجب التنكب عما انفرد به من الأخبار، وكان يحيى بن معين سيء الرأي فيه»
[«صحيح ابن حبان» (15/ 17)].
وهناك من صحح الرواية لغيرها كالشيخ الألباني رحمه الله قال في المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة لصهيب عبد الجبار: “«[قال الألباني]: صحيح لغيره – “التعليق على صحيح كشف الأستار” (2485). * [وَأَنْتَ مَعِي عَلَى الحَوْضِ] قال الشيخ: زيادة من “الدُّرِّ المنثور” (3/ 210)، وقد عزاه لابن حبَّان، وابن مردويه، وهي ثابتة في بعض روايات القصَّة» «المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة» (7/ 270 بترقيم الشاملة آليا).وعلى القول بصحة الرواية فهي دليل لنا على أن عليا إنما كان فقط مأمور ببلاغ براءة ، وكان الصديق هو الأمير على الناس ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولذلك جاء نص الرواية “فَلَمَّا رَجَعْنَا، انْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مالي؟ قال: “خير، أنت صاحبي في الغار، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَلِّغُ غَيْرِي، أَوْ رَجُلٌ مني -يعني عليا” وهو نص في أن الرجوع إنما كان بعد أداء فريضة الحج، وهو نص في أن عليا فقط كانت مهمته مجرد البلاغ ببراءة
ولذلك فقد «قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ بَلِ الْمُرَادُ رَجَعَ مِنْ حَجَّتِهِ»
«فتح الباري لابن حجر» (8/ 320)
الرواية الثانية: في مسند أحمد قال «حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: قَالَ إِسْرَائِيلُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ
عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ بِبَرَاءَةٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّةٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَاللهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَسَارَ بِهَا ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: ” الْحَقْهُ فَرُدَّ عَلَيَّ أَبَا بَكْرٍ، وَبَلِّغْهَا أَنْتَ ” قَالَ: فَفَعَلَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ بَكَى، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدَثَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: ” مَا حَدَثَ فِيكَ إِلَّا خَيْرٌ، وَلَكِنْ أُمِرْتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَهُ إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي “»
[«مسند أحمد» (1/ 183 ط الرسالة)].
وهذه رواية ضعيفة، قال محققو المسند: “«إسناده ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غيرَ زيد بن يُثيع – ويقال: أثيع – فقد روى له الترمذي والنسائي في ” الخصائص “، و” مسند علي “، وانفرد بالرواية عنه أبو إسحاق، ولم يوثقه غير العجلي، وابن حبان، فهو في عداد المجهولين.
وقال ابن حجر في ” أطراف المسند ” 2 / ورقة 312: هذا منقطع – يعني بين زيد وأبي بكر -.وأخرجه الجورقاني في ” الأباطيل والمناكير ” (124) من طريق أحمد بن حنبل، بهذا الإسناد. وقال: هذا حديث منكر، ثم أورد نحوه من عدة روايات، وقال: فهذه الروايات كلها مضطربة مختلفة منكرة. وأخرجه المروزي (132) ، وأبو يعلى (104) من طريق وكيع، به. وسيأتي في مسند علي مختصراً برقم (594) وهو المحفوظ، وله شواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله.وأخرجه الطبري 10 / 64 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع مرسلاً»
[«مسند أحمد» (1/ 183 ط الرسالة)].
قلت ودائما ما يذكرون سياق رواية خصائص النسائي «عَن أبي إِسْحَاق عَن زيد بن يثيع عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بِبَرَاءَة إِلَى أهل مَكَّة مَعَ أبي بكر ثمَّ أتبعه بعلي فَقَالَ لَهُ خُذ الْكتاب فأمض بِهِ إِلَى أهل مَكَّة قَالَ فلحقته فَأخذت الْكتب مِنْهُ فأنصرف أَبُو بكر وَهُوَ كئيب فَقَالَ يَا رَسُول الله أنزل فِي شَيْء قَالَ لَا إِلَّا إِنِّي أمرت»
[«خصائص علي» (ص92)].
والرواية ضعيفة كما سبق ذكره من كلام محققي المسند.
رابعا: زعم الشيعة أننا قلنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر على علي أحدا طيلة حياته فهذا من الكذب على أهل السنة، وليس هو في كتاب أحد من أهل السنة، فهذا من جملة الكذب على أهل السنة فضلا عن الكذب علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من سنته جعل الأمير في كل سرية او غزوه شخصا واحدا بعينه وإنما كان يناوب بين أصحابه في القيادة، فقد ولى عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وخالد بن الوليد، وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وغيرهم وهؤلاء كان في الصحابة من هو أفضل منهم، إنما كانت تقتضي المصلحة تولية خالد مثلا وفي جيشه من هو أفضل منهم لأمور تخص المهمة التي كُلف بها، والأصل أن عليا كغيره من الصحابة إذا تولى أحدهم قيادة جيش كان الجميع يكون تحت لوائه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “..طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، كَانَ فِي الحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ”.
[البخاري، صحيح البخاري، ٣٤/٤].
وقد ثبت بالتواتر تولية غير علي رضي الله عنه على سرايا وغزوات، فإن كان علي قد تخلف عن كل غزوة وكل سرية لم يحضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بطل قولهم أن الإسلام لم ينتصر الا بسيف علي، وإذا كان النصر لا يكون إلا بعلي فلماذا أخرج النبي صلى الله عليه وسلم جيش مؤتة بقيادة زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب ؟ فإن كان علي فيهم فقد بطل قول الشيعة أن عليا لم يكن تحت إمرة أحد، وإن لكن فيهم فقد اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد هزيمة الإسلام والمسلمين كونه لم يخرج عليا الذي هو سبب النصر في كل معركة!!
خامسا: إرسال علي لبلاغ براءة ليس طعنا في الصديق بل هو غاية المدح ليكون علي تحت إمرة الصديق، وهو المبلغ بفضائله وذلك أن سورة التوبة تنطق بفضل الصديق الذي كان مع النبي في الغار، ومعلوم أن أهل العلم ذكروا في سبب إرسال علي بالبراءة أن العقد مع المشركين كان لا يحله الا المطاع أو رجل من أهله.قال ابن العربي: “«وَكَانَتْ سِيرَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْعَقْدُ إلَّا الَّذِي عَقَدَهُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَقْطَعَ أَلْسِنَةَ الْعَرَبِ بِالْحُجَّةِ، وَأَنْ يُرْسِلَ ابْنَ عَمِّهِ الْهَاشِمِيِّ مِنْ بَيْتِهِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ مُتَكَلِّمٌ. وَهَذَا بَدِيعٌ فِي فَنِّهِ.»
[«أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية» (2/ 454)].
وقال ابن الجوزي: “«ثم لما رجع من تبوك أمر (2) أبا بكر على الموسم، يقيم الحج والصلاة، ويأمر أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (3)، وأتبعه بعلي لأجل نقض العهود، إذ كانت عادة العرب أنهم لا يقبلون إلا من المطاع الكبير، أو من رجل من أهل بيته»
[«الإيمان الأوسط – ط ابن الجوزي» (ص529)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: إِنَّهُ لَمَّا أَنْفَذَهُ بِبَرَاءَةَ رَدَّهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَذِبٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمَّا أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، ذَهَبَ كَمَا أَمَرَهُ، وَأَقَامَ الْحَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، عَامَ تِسْعٍ، لِلنَّاسِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى قَضَى الْحَجَّ، وَأَنْفَذَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عُهُودٌ مُطْلَقَةٌ، فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: «أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ، فَنَادَى بِذَلِكَ مَنْ أَمَرَهُ أَبُو بَكْرٍ بِالنِّدَاءِ ذَلِكَ الْعَامَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ نَادَى بِذَلِكَ فِي الْمَوْسِمِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَكِنْ لَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ أَرْدَفَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْعُهُودَ.
قَالُوا: وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُهُودَ وَلَا يَفْسَخُهَا إِلَّا الْمُطَاعُ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. فَبَعَثَ عَلِيًّا لِأَجْلِ فَسْخِ الْعُهُودِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً، لَمْ يَبْعَثْهُ لِشَيْءٍ آخَرَ، وَلِهَذَا كَانَ عَلِيٌّ يُصَلِّي خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ فِي الْحَجِّ، كَسَائِرِ رَعِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمَوْسِمِ.وَكَانَ هَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَاسْتِخْلَافِهِ لَهُ فِيهَا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ لَهُ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْمَوْسِمِ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ مَأْمُورًا عَلَيْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ هَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً لَهُ، إِلَّا مُدَّةَ مَغِيبِهِ عَنِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ. ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهِ عَامَ تِسْعٍ..”.
[ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ٤٩٣/٥]
سادسا: قول الشيعة أن الصديق لا يصلح لبلاغ سورة براءة، ولا يصلح لها إلا علي ولذلك ارسله هذا جوابه من وجهين
الأول: أنه من أبين الباطل وذلك أنه خلاف المعلوم من الدين بالضرورة من أن البلاغ لدين الله إنما يكون مو كل مسلم قد استطاعته يقول محمد رشيد رضا في ذلك : “إن بعض الشيعة يكبرون هذه المزيد لعلي عليه السلام كعادتهم ويضيفون إليها ما لا تصح به رواية، ولا تؤيده دراية فيستدلون بها على تفضيله على أبي بكر رضي الله عنهما، وكونه أحق بالخلافة منه، ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم عزل أبا بكر من تبليغ سورة براءة لأن جبريل أمره بذلك، وأنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه ولا يخصون هذا النفي بتبليغ نبذ العهود وما يتعلق به بل يجعلونه عاما لأمر الدين كله، مع استفاضه الأخبار الصحيحة بوجوب تبليغ الدين على المسلمين كافة، كالجهاد في حمايته والدفاع عنه، وكونه فريضة لا فضيلة فقط، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على مسمعالألوف من الناس ((ألا فليبلغ الشاهد الغائب)) ، وهو مكرر في الصحيين وغيرهما، وفي بعض الروايات عن ابن عباس ((فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته: فليبلغ الشاهد الغائب)) الخ وحديث ((بلغوا غني ولو آية)) رواه البخاري في صحيحه والترمذي ولولا ذلك لما انتشر الإسلام ذلك الانتشار السر يع في العالم.
رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا
[المؤلف: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني الحسيني (المتوفى: 1354هـ) ج2 ص7:8].
الوجه الثاني: إن هذا فيه طعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم عند الشيعة، وذلك أنهم رووا أن الله هلال النبي صلى الله عليه وسلم لسوء اختياره -وحاشاه- لما اختار الصديق لبلاغ سورة براءة
ففي بصائر الدرجات: “عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ(ص)بِبَرَاءَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَتْرُكُ مَنْ نَاجَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَ تَبْعَثُ مَنْ لَمْ أُنَاجِهِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ(ص)فَأَخَذَ بَرَاءَةَ مِنْهُ وَ دَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ(ع)فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ(ص)فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكَ وَ يُنَاجِيكَ قَالَ فَنَاجَاهُ يَوْمَ بَرَاءَةَ قَبْلَ صَلَاةِ الْأُولَى إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ”.
[بصائر الدرجات المؤلف : الصفار القمي، محمد بن الحسن الجزء : 1 صفحة : 411].
فأين هي دعوى العصمة المطلقة مع هذا العتاب الشديد والتجهيل للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ولذلك فقد تناقض الشيعة في ذلك ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرسل أبا بكر ببراءة أصلا، فقد رووا أن الباقر قال: “لا والله ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر ببراءة، أهو كان يبعث بها ثم يأخذها منه؟! … ” إلخ الرواية.
[تفسير العياشي (2/80) ، نور الثقلين (2/180) ، تفسير البرهان (2/101) ، بحار الأنوار (35/295)] .
وهناك روايات تذكر أن عليا رضي الله عنه كان يحتج ويعتذر ليذهب هو بكونه أصغر سناً من النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في بحار الأنوار (35/303) يوم أن أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بسورة براءة، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنك خطيب وأنا حديث السن” ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لابد أن تذهب بها أو أذهب بها” ، فقال علي رضي الله عنه: ((أما إذا كان كذلك، فأنا أذهب يا رسول الله” .وكفى بهذا طعنا في النبي صلى الله عليه وسلم كونه يجهل تدبير الأمور فيعاتبه الله بهذا العتاب، وهو أيضا طعن في علي رضي الله عنه كونه يؤمر من النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج فيعتذر بأنه حديث السن !!
وخلاصة الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزل الصديق عن إمارة الحج، بل الذي ثبت بالتواتر أن عليا إنما ذهب لإعلان البراءة وألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وكان علي مأمورا بأمر الصديق يصلي خلفه ويتصرف تحت قيادته.
والحمد لله رب العالمين
مواضيع شبيهة