رواية لعن الله القائد والراكب والسائق.
قال علّامتهم الشيعي علي الميلاني: ” ثم الملعونين على لسان رسول اللّه ، في عدّة مواطن وعدّة مواضع . . . ومنه : قول الرسول عليه السلام – وقد رآه مقبلاً على حمار يقوده به ويزيد ابنه يسوق به – : « لعن اللّه القائد والراكب والسائق . . » .
[شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، ج ٢، السيد علي الحسيني الميلاني، ص ١٧١].
والجواب على هذه الشبهة من زجوه:
أولا: جميع الروايات الواردة في ذلك لا تصح، ونحن نستعرضها تباعا.
الرواية الاولى 3839 – حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: نَا أَبِي، وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فَمَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَائِدٌ وَخَلْفَهُ سَائِقٌ، فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالسَّائِقَ وَالرَّاكِبَ»
[«مسند البزار = البحر الزخار» (9/ 286)].
قال الهيثمي: “رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
[«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (1/ 113)].
وهذه الرواية فيها عدة علل
العلة الأولى: رجالها ليسوا ثقاة كما قال الهيثمي وهذا كلام الهيثمي نفسه لما قال «وَشَيْخُ الْبَزَّارِ السَّكَنُ بْنُ سَعِيدٍ وَلَمْ أَعْرِفْهُ»
[«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (7/ 192)].
إذا فقول الهيثمي أن رجاله ثقاة لابد أنه يقصد عدا السكن بن سعيد هذا وإلا فكيف يوثق من قال فيه لا أعرفه؟! والسكن بن سعيد كما قال الهيثمي لا نعرفه ولم نجد له ترجمة، ولذلك قال الشيخ الألباني “«والسكن بن سعيد – شيخ البزار – لم أعرفه!»
[«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (11/ 806)].
فهذا رجل مجهول تسقط به الرواية باتفاق.قال شيخهم حسين عبد الصمد العاملي: “لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الجماهير منا ومن العامة”.
[وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص190].
العلة الثانية: حماد بن سلمة على الرغم من أنه ثقة ثبت حافظ الا ان في حديثه اضطراب شديد وأوهام رد العلماء بها بعض حديثه قال الحافظ عنه «ثقه عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه بأخرة»
[«تقريب التهذيب» (ص178)].
قال يعقوب بن شيبة: حماد بن سلمة ثقة في حديثه اضطراب شديد، إلا عن شيوخ فإنه حسن الحديث عنهم متقن لحديثهم مقدم على غيره فيهم.منهم: ثابت البناني، وعمار بن أبي عمار»
[«شرح علل الترمذي» (2/ 781)].
ولم يذكر من شيوخه هؤلاء الذين أتقن حديثهم سعيد بن طهمان وقال الذهبي: «كَانَ بَحْراً مِنْ بُحُورِ العِلْمِ، وَلَهُ أَوهَامٌ فِي سَعَةِ مَا رَوَى»
[«سير أعلام النبلاء – ط الحديث» (7/ 107)].
وعند التفرد بمثل ذلك نتوقف في حديثه.
العلة الثالثة : حديث سعيد بن جهمان عن سفينة قال أهل العلم لا يحتج به
قال الذهبي: «سعيد بن جمْهَان الْأَسْلَمِيّ عَن سفينة قَالَ أَبُو حَاتِم لَا يحْتَج بِهِ وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان»
[«المغني في الضعفاء» (1/ 256)].
قال الذهبي «1587 – سعيد بن جمهان الأسلمي: صالح الحديث، لا يحتج به. -عه-»
[«ديوان الضعفاء» (ص156)].
وقال المزي: “«وَقَال أبو أحمد بْن عدي (3) : روى عن سفينة أحاديث لا يرويها غيره، وأرجو أنه لا بأس بِهِ، فإن حديثه أقل من ذَلِكَ.وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري (4) ، عَن أبي دَاوُد: ثقة.وَقَال فِي موضع آخر (5) : هُوَ ثقة إن شاء الله، وقوم يضعفونه (6) ، إنما يخاف ممن فوقه – وسمى رجلا، يَعْنِي: سفينة -»
[«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (10/ 377)].
فهذا كلام أهل العلم في حديث سعيد بن جهمان وأنه لا يحتج به، فضلا عن روايته عن سفينة متكلم فيها.
وعليه فهذا الإسناد ساقط . فضلا عن المتن كما سنبينه.
الرواية الثانية: في أنساب الأشراف 372- حَدَّثَنَا خَلَفٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سعيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا فَمَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى بَعِيرٍ وَمَعَهُ مُعَاوِيَةُ وَأَخٌ لَهُ «2» ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ وَالآخَرُ يَسُوقُهُ، [فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَنَ اللَّهُ الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ وَالْقَائدُ وَالسَّائِقُ]
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 129)].
وهذه الرواية فيها عدة علل.
العلة الأولى: البلاذري نفسه لم يوثقه أحد من أهل العلم كما بيناه في الرد على شبهة (حديث يطلع عليكم رجل من هذا الفج).
العلة الثانية: خلف شيخ البلاذري ثقة ثبت في القراءات لكنه ليس من أصحاب الحديث قال الحافظ: “«عن محمد بن حاتم الكندي قال سألت يحيى بن معين عن خلف البزار فقال لم يكن يدري إيش الحديث قال الخطيب أحسبه سأله عن حفاظ الحديث وثقاته فأجابه بهذا والمحفوظ عن يحيى توثيق خلف»
«تهذيب التهذيب» (3/ 157)
وقول أهل العلم أنه لا يدري الحديث جرح في الراوي يقول الشيخ اللاحم: «ومنه أيضا مصطلح (ليس من أصحاب الحديث)، أو (ليس بصاحب حديث)، أو (ليس من أهل الحديث) أو (ليس من فرسان الحديث) – يريدون به تارة أنه ليس من المعتنين بالحديث الضابطين له، فعلى هذا فهو جرح في الراوي »
[«الجرح والتعديل» للاحم (ص414)].
ثم ذكر قول يحيى في خلف.
العلة الثالثة: سعيد يروي عن سفينة وقد مر بيان ما في روايته عنه من إشكال.هذا فضلا عما في متن الرواية من لعن للناقة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن البهائمفي صحيح مسلم: “عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ» قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ
[«صحيح مسلم» (4/ 2004 ت عبد الباقي)].
في سنن أبي داود: “وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ»
[«سنن أبي داود» (4/ 278 ت محيي الدين عبد الحميد)].
بل وعند الشيعة أيضا لا يجوز لعن الحيوان قال الطوسي: واللعنة : الابعاد من رحمة الله عقابا على معصيته ، فلذلك لا يجوز لعن البهائم ، ولا من ليس بعاقل من المجانين ، والأطفال ، لأنه سؤال العقوبة لمن لا يستحقها . فمن لعن حية أو عقربا أو نحو ذلك مما لا معصية له فقد أخطأ ، لأنه سأل الله عز وجل ما لا يجوز في حكمته” .
[التبيان في تفسير القرآن، ج ٣، الشيخ الطوسي، ص ٢٢٥].
وقال شيخهم عبد الله الجزائري: “فإذا قيل لعن الله فالمعنى الابعاد عن الخبر والرحمة وورد لا تكونوا لعانين وأن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت فيما بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها بل ورد النهي عن لعن الحيوانات والجمادات وأنه ينتصر الملعون ويقول لعن أعصانا لربه فالمتهذب لا يطلق لسانه به”.
[التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية ( مخطوط )، عبد الله الجزائري، ص ٣٢٣].
أفيريد الشيعة منا أن نصدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفعل ما نهى عنه وما لا يمكن أن يصدر من إنسان مهذب!!
الرواية الثالثة: 2698 – حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْمِسْمَعِيُّ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَيِيُّ، وَإِنَّ لَهُ كَلَامًا وَرَأَيًا، وَإِنَّهُ قَدْ عَلِمْنَا كَلَامَهُ، فَيَتَكَلَّمُ كَلَامًا فَلَا يَجِدُ كَلَامًا. فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا. فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَصَعِدَ عَمْرٌو الْمِنْبَرَ، فَذَكَرَ عَلِيًّا وَوَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ صَعِدَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ثُمَّ قِيلَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: اصْعَدْ، فَقَالَ: لَا أَصْعَدُ وَلَا أَتَكَلَّمُ حَتَّى تُعْطُونِي إِنْ قُلْتُ حَقًّا أَنْ تُصَدِّقُونِي، وَإِنْ قُلْتُ بَاطِلًا أَنْ تُكَذِّبُونِي. فَأَعْطَوْهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: بِاللهِ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُغِيرَةُ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللهُ السَّائِقَ وَالرَّاكِبَ» أَحَدُهُمَا فُلَانٌ؟ قَالَا: اللهُمَّ نَعَمْ بَلَى. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ وَيَا مُغِيرَةُ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ عَمْرًا بِكُلِّ قَافِيَةٍ قَالَهَا لَعْنَةً؟ قَالَا: اللهُمَّ بَلَى. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عَمْرُو وَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ قَوْمَ هَذَا؟ قَالَا: بَلَى. قَالَ الْحَسَنُ: فَإِنِّي أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي وَقَعْتُمْ فِيمَنْ تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
[«المعجم الكبير للطبراني» (3/ 71)].
والجواب عن هذا الحديث من أربعة أوجه:
الأول: أن الراوي -وهو عبد الملك بن الصباح- قال في روايته:”وأظنه” فهذا شك منه في اسم الراوي، والشك من أسباب ضعف الخبر عند أهل العلم، إذ يحتمل أن يكون الراوي الذي حدثه هو ذلك الثقة، ويحتمل أن يكون الراوي من الضعفاء.
الثاني: أن عبد الملك بن الصباح -الراوي عن عمران- صدوق، كما قال أبو حاتم، والذهبي في الميزان (2/657) ووثقه غيرهما كما في تهذيب الكمال (18/332) ، ومن كانت هذه حاله فيحتمل أنه لم يضبط حديثه، خاصة وأن في هذا الحديث قرينة على عدم ضبطه، وهو شكه في شيخ شيخه.
الثالث: هذا الحديث فيه إرسال لأن أبا مجلز قال: قال عمرو … إلخ، وهذه الصيغة عند المحدثين لا تفيد السماع، بل هي تدل على أن الراوي لم يسمع القصة، بل حكاها حكاية، وهذا معنى الإرسال عندهم، أي أنه لم يقل: سمعت، أو حدثنا أو عن بشرط أن يكون غير مشهور بالتدليس حينما يقول: عن وقد راجعت أحاديث أبي مجلز عن معاوية في الكتب التسعة ومسند الشافعي وأبي عوانة ومصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومنتقى ابن الجارود وصحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم وسنن الدارقطني وغيرها كثير، فلم أجد رواية واحدة تصرِّح بسماعه من معاوية -رضي الله عنه-، ولم أقف له عن معاوية إلا على خمسة أحاديث:
أحدها: حديث “من سره أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار”أخرجه أحمد (4/100) وغيره، والثاني: عند الطبراني في الكبير (19/352) :”إن تسوية القبور من السنة، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهما” والثالث: عند ابن حبان في المجروحين (3/159) ، والرابع: عند ابن عدي في الكامل (2/109) وكلاهما منكر، والخامس: عند ابن أبي عاصم في الزهد موقوفاً عليه (113) ، ولم أقف في جميع هذه الطرق على ما يدل على سماع أبي مجلز من معاوية -رضي الله عنه-، وعليه فلا يحكم لهذا الحديث بالاتصال مع عدم ثبوت دليل واضح على سماعه منه.
الرابع: أنه على فرض صحته فقد ثبت في الصحيحين البخاري (6000) ومسلم (2601) واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:”اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة”.
وفي صحيح مسلم (4/2007) ح (2600) من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو! فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا، قلت: يا رسول الله من أصاب من الخبر شيئاً ما أصابه هذان! قال: وما ذاك؟ قالت: قلت لعنتهما وسببتهما، قال:“أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قال:”اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً”.
وجاء نحوه من حديث جابر وأنس -رضي الله عنهما-.ولهذا كان من فقه الإمام مسلم -رحمه الله- أنه أورد في صحيحه ح (2604) حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:“كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة، وقال:”اذهب وادع لي معاوية”، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت، فقلت: هو يأكل، فقال:”لا أشبع الله بطنه” أورد مسلم هذا الحديث بعد حديث عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- وغيرهما ليبين أن هذه الدعوة التي لحقت معاوية -رضي الله عنه- صارت بذلك الشرط الذي اشترطه النبي -صلى الله عليه وسلم- منقبة له -رضي الله عنه-، فقد تحولت هذه الدعوة إلى كونها زكاة ورحمة، وقربة يتقرب بها يوم القيامة، ولهذا يعد أهل السنة هذا الحديث وأمثاله في مناقب معاوية -رضي الله عنه-، والله أعلم»
[«فتاوى واستشارات الإسلام اليوم» (13/ 429 بترقيم الشاملة آليا)].
وزيادة على ما قاله الموقع أقول إن أبو مجلز مع كونه ثقة إلا انه جاء فيه «عَنْ يَحْيَى بْن مَعِين: مضطرب الحديث»
[«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (31/ 178)].
«وَقَال أَبُو داود الطيالسي، عَنْ شُعْبَة: تجيئنا عنه أحاديث كأنه شيعي، وتجيئنا عنه أحاديث كأنه عثماني»
[«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (31/ 178)].
وإذا اغمضنا الطرف عن كل هذا فإن الرواية مردودة عند أهل العلم بالشك في الرواي عن عمران بن حدير فإن أهل العلم يعدون ذلك جهالة في السند مسقطة له .وهذا مثال من كلام ابن القطان، قال «فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد ” أَظُنهُ ” عَن حَمَّاد وَهِي متسعة للتشكك فِي رَفعه وَفِي اتِّصَاله، وَإِن كَانَ غَيره لم يذكر ذَلِك عَن أبي دَاوُد، فَهُوَ بِذكرِهِ إِيَّاه قد قدح فِي الْخَبَر الشَّك، وَلَا يدرؤه إِسْقَاط من أسْقطه، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون شكّ بعد الْيَقِين، فَذَلِك قَادِح، أَو تَيَقّن الشَّك، فَلَا يكون قادحاً، وَلم يتَعَيَّن هَذَا الْأَخير، فبقى مشكوكاً فِيهِ»
[«بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام» (2/ 282)أبو الحسن ابن القطان (المتوفى : ٦٢٨هـ)].
وقرر في موضع آخر أن هذا جاهلة في السند مسقطة له «قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف بن الْمَرْزُبَان، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله – قَالَ أَبُو أَحْمد: أَظُنهُ الْكَجِّي – قَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن أخي / عبد الرَّزَّاق، فَذكر الحَدِيث كَمَا قَالَ.فإبراهيم هَذَا الَّذِي ظن بِهِ أَبُو أَحْمد أَنه الْكَجِّي، لَا يتَحَقَّق أَنه هُوَ، فَهُوَ مَجْهُول، والكجي أحد الْأَثْبَات»
[«بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام» (3/ 239)].
وكذلك قرر ابن الموافق أن الشك في الراوي قادح في الحديث.
[«بغية النقاد النقلة» (2/ 254)].
فنقول كما قال ابن الملقن أَنَّهَا رِوَايَة لَو سلم راويها من الْكَلَام لم يجْزم بهَا الرَّاوِي، إِنَّمَا قَالَ: «أَظُنهُ عَن عمر (هنا أبو مجلز)» فَلَا يعْتَرض بهَا عَلَى الْمُتَيَقن
[«البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير» (3/ 98)].
اما متن الرواية فساقط كونه لا يلائم الأحداث التاريخية الثابتة إذ أن الحسن قد اشترط على معاوية كما يقررون عدم سب علي علي المنابر وفي الوقت ذاته يقرر الشيعة إن الحسن والحسين لم يخرما بيعتهما ولا عهدهما مع معاوية وهذا لا يناسب سب علي علي المنابر امام الحسن والحسين، هذا فضلا عما في الرواية من كلام لا يتصور صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم كقوله ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة)! وهذا ركيك ولا يوافق ما صح من فضائل عمرو بن العاص وإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره على جيش المسلمين في ذات السلاسل كما في صحيح البخاري الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ
«صحيح البخاري» (5/ 166 ط السلطانية)
بل شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو أنه مؤمن: “عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَتَفَرَّقُوا، فَنَظَرْتُ إِلَى سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قَدْ أَخَذَ سَيْفَهُ مُحْتَبِيًا، فَلَمَّا رَأَيْتُ مَا صَنَعَ سَالِمٌ دَعَوْتُ بِسَيْفِي فَاحْتَبَيْتُ بِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا يَكُونُ فَزَعُكُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ، مَا هَذَا؟ أَلَا فَعَلْتُمْ كَمَا فَعَلَ الرَّجُلَانِ الْمُؤْمِنَانِ»
«الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم» (2/ 99)
الرواية الثالثة: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه :
رواه البخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) ، والترمذي كما في « العلل » (381) ، والطبراني في « الأوسط » (4/208) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه قال : مرَّ أبو سفيان على قبة وكان معاوية رجلاً مستهاً فقال رسول الله ? : « اللهم عليك بصاحب الأستاه » .
قال أبو عيسى الترمذي كما في « العلل » (714) : سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : قد عرفته ولم أره يعرفه إلا من هذا الوجه .
ورواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/204) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه ورواه الروياني في « مسنده » (335) وهذه الرواية فيها عدة علل :
العلة الأولى : فيه سلمة بن الفضل أبو عبدالله الأبرش وهو ضعيف الحديث له مناكير وغرائب وما رواه عن محمد بن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديثه ضعيف مطلقاً .
وقد سبق الكلام عليه
العلة الثانية :في الإسناد عنعنة محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي فقد وصف رحمه الله بالتدليس فإذا عنعن فإنه يتأنى في خبره لاسيما إذا كانت روايته في غير المغازي فإذا ثبت تدليسه رد خبره .
العلة الثالثة :الاضطراب في سنده فقد جاء من رواية محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه .
وجاء من غير ذكر سلمة بن كهيل من رواية محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه .
لذا قال البخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) : « يختلفون في إسناده »
العلة الرابعة :
إبراهيم بن البراء بن عازب فيه جهالة لم يوثقه غير ابن حبان في « الثقات » (4/6) وذكره ابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » (2/89) والبخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) وسكوت البخاري وأبو حاتم الرازي لا يعد شيئاً .
العلة الخامسة :أن هذه الرواية تفرد بها سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء وتفرد به عنه محمد بن إسحاق .
في « أطراف الغرائب والأفراد » (2/285):حديث أن رسول الله جلس في قبة له الحديث تفرد به سلمة بن كهيل عنه وتفرد به عنه محمد بن إسحاق .وذكر للحديث متابعة عن البراء رواها نصر بن مزاحم في كتاب « صفين » (218) عن عبدالغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله ? : « اللهم ألعن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس » ، فقال ابن البراء لأبيه من : الأقيعس ؟ قال : معاوية !
وهذا لا يصح .
نصر بن مزاحم متروك .قال أبو حاتم في « الجرح والتعديل » (8/468) : واهي الحديث ، متروك الحديث لا يكتب حديثه .
وقال العقيلي في « الضعفاء » (4/300) كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير وقال الجوزجاني في « الشجرة في أحوال الرجال » : كان زائغاً عن الحق مائلاً ( 2) .وقال أبو خيثمة : كان كذاباً (2) وقال يحيى : ليس حديثه بشيء (2)
وقال الدارقطني : ضعيف (2) وقال صالح بن محمد : روى عنه الضعفاء أحاديث مناكير (2)وقال أبو الفتح الأزدي : كان غالياً في مذهبه غير محمود في حديثه ( ) .وقال الذهبي في « الميزان » (4/253) : (تركوه)وقول المالكي : وثقه ابن حبان ووثقه ابن أبي حديد وترجم له الخطيب البغدادي أقول ثم ماذا ؟!ابن حبان انفرد بتوثيقه ( ) دون سائر الأئمة وأئمة الجرح والتعديل متفقون على أنه متروك الحديث .وابن حبان متساهل في التوثيق كيف إذا خالفه هؤلاء الأئمة ؟! ( )
وابن أبي الحديد هو عز الدين عبدالحميد بن أبي الحسين المدائني صاحب كتاب « شرح نهج البلاغة » ، توفي سنة 655هـ من أرباب البدع ومن أهل الكيد للإسلام ( ) . وترجمة الخطيب البغدادي له لا تغني شيئاً ، وعبدالغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري رافضي وضاع .
قال علي بن المديني : كان يضع الحديث .وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ( ) .وقال البخاري : عبدالغفار بن القاسم بن قيس بن فهد ليس بالقوي عندهم ( ) ، قال أبو داود : سمعت شعبة سمعت سماكاً الحنفي يقول لأبي مريم في شيء ذكره كذبت والله ، قال أبو داود : وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب لأني قد لقيته وسمعت منه واسمه عبدالغفار بن القاسم .وعامة حديثه بواطيل قال أحمد كان أبو مريم يحدث ببلايا في عثمان ( ) .وقال أبو حاتم والنسائي وغيرهما : متروك الحديث ( ) ، وقال الآجري : سألت أبا داود عنه فقال : كان يضع الحديث ( ) ، وقال الدارقطني : متروك وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء”.
[منقول من سل السنان ص١٣٠:١٣٤].
الرواية الرابعة:حديث عاصم الليثي :
روى الطبراني في « المعجم الكبير » (17/176) حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا موسى بن اسماعيل ح وحدثنا عبدالرحمن بن الحسين العابوري ( ) التستري ثنا عقبة بن سنان الدارع ( ) قالا ثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال : دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، قال قلت : ماذا ، قالوا : كان رسول الله يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد أبنه فأخرجه من المسجد ، فقال رسول الله ? : لعن الله القائد والمقود ويل لهذه الأمة ( ) من فلان ذي الاستاه .ورواه ابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (938) مختصراً وابن عبد البر في « الاستيعاب » (575) بنحوه ( ) . وليس لمعاوية فيه ذكر !!وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أبا نصر عاصم بن عمرو الليثي ليس بصحابي قال ابن عبد البر في « الاستيعاب » (575) : قال أحمد : لا أدري أسمع عاصم هذا عن رسول الله ? أم لا ؟!وفي « الإصابة » (3/574) قال البغوي : ولا أدري له صحبة أم لا ؟ والحديث ليس فيه التصريح بأن المراد معاوية رضي الله عنه .ومتن الحديث منكر بل فيه قدح بالنبي ? وسائر المسلمين لو كان من صحح الحديث يعقل!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « منهاج السنة النبوية » (4/445) : « إن خطب النبي ? لم تكن واحدة ، بل كان يخطب في الجمع والأعياد والحج وغير ذلك ، ومعاوية وأبواه يشهدان الخطب كما يشهدها المسلمون كلهم ، أفتراهما في كل خطبة كانا يقومان ويمكنان من ذلك ؟!هذا قدح في النبي ? وفي سائر المسلمين إذ يمكنون اثنين دائما يقومان ولا يحضران الخطبة ولا الجمعة وإن كانا يشهدان كل خطبة فما بالهما يمتنعان عن سماع خطبة واحدة قبل أن يتكلم بها ؟! » .
[منقول من سل السنان ص 136:137].
قلت: وفضلا عن الشك في صحبة عاصم بن عمرو الليثي، فإن الحديث ليس فيه ذكر لأبي سفيان ولا لمعاوية، فإذا جاء خارجي وقال بأن المقصود به علي والحسين مثلا لكان الرد عليه أن الحديث مبهم لم يذكر اسما وهذا تحكم وهو باطل ولذلك يعد العلماء المبهم في حكم المجهول.يقول الدكتور عبد الرحمن البر: “مما ينبغي التنبيه إليه أن الراوي إذا كنى عن المبهم في الإسناد أو في المتن بقوله فلان فإنه يكون معروفا بالنسبة للراوي ومن يحدثه وإبهامه إنما هو بالنسبة لنا على أن معرفة المحدِّث والمحدَّث له لا تعني الحكم بعدالته إذ أنه بالنسبة لنا غير مسمى فصار في حكم المجهول”.
[المستفاد من مبهمات المتن والإسناد-الحافظ أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي تقديم الدكتور عبد الرحمن عبد الحميد البر ج١ ص٢٣].
فلو صح إسناده جدلا فلا حجة فيه.
الرواية الخامسة رواية وقعة صفين
قال نصر بن مزاحم: “نَصْرٌ عَنْ بَلِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ[1] حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ[2] قَالَ:: وَفَدْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ وَ قَضَيْنَا حَوَائِجَنَا ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِرَجُلٍ قَدْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ عَايَنَهُ فَأَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقُلْنَا يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ص حَدِّثْنَا مَا شَهِدْتَ وَ رَأَيْتَ قَالَ: إِنَّ هَذَا أَرْسَلَ إِلَيَّ يَعْنِي مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ.
فَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: وَدِدْتُ أَنَّ أَحَدَّ سَيْفٍ فِي جُنْدِكَ[3] عَلَى عُنُقِي فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُقَاتِلَكَ وَ لَا أَقْتُلَكَ وَ ايْمُ اللَّهِ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ مَا سَمِعْتُ[4] رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ فِيهِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ وَ كَانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَاءَ الرَّسُولُ فَقَالَ: هُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ فَهَلْ تَرَوْنَهُ يَشْبَعُ قَالَ: وَ خَرَجَ مِنْ فَجٍّ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَ هُوَ رَاكِبٌ وَ مُعَاوِيَةُ وَ أَخُوهُ أَحَدُهُمَا قَائِدٌ وَ الْآخَرُ سَائِقٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ «اللَّهُمَّ الْعَنِ الْقَائِدَ وَ السَّائِقَ وَ الرَّاكِبَ» قُلْنَا: أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ نَعَمْ وَ إِلَّا فَصَمَّتَا أُذُنَايَ كَمَا عَمِيَتَا عَيْنَايَ».
«3518 – نصر بن مُزَاحم الْمنْقري الْكُوفِي الْعَطَّار قَالَ أَبُو خثيمَةَ كَانَ كذابا قَالَ يحيى لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ واهي الحَدِيث مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ الدراقطني ضَعِيف وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجوزحاني كَانَ زائغا عَن الْحق قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب يُرِيد بذلك غلوة فِي الرَّفْض وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ كَانَ غاليا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه»
«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 160)
قال شيخهم النجاشي
[1148] نصر بن مزاحم المنقري العطار أبو المفضل، كوفي، مستقيم الطريقة، صالح الامر، غير أنه يروي عن الضعفاء.
رجال النجاشي – النجاشي – الصفحة ٤٢٧
معجم رجال الحديث – السيد الخوئي – ج ٢٠ – الصفحة ١٥٧
وهذا ليس توثيقا له وإنما هو شهادة بأن الرجل رافضي منهم.
الرواي الثاني: «594 – تليد بن سُلَيْمَان أَبُو إِدْرِيس الْمحَاربي الْكُوفِي
حدث عَن عبد الْملك بن عُمَيْر روى عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل
قَالَ أَحْمد وَيحيى كَانَ كذابا وَقَالَ يحيى فِي رِوَايَة لَيْسَ بِشَيْء كَانَ يشْتم عُثْمَان أَو أحدا من الصَّحَابَة فَهُوَ دجال وَقَالَ أَبُو دَاوُد رَافِضِي خَبِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف»
«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (1/ 155).
فالرواية إذا كذاب عن كذاب رافضي عن رافضي!
ثم إن ابن عمر ثبت عنه مدح معاوية رضي الله عنه.
«عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: ” مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَقِيلَ: وَلَا أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ خَيْرٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَسْوَدَ مِنْهُ “»
«السنة لأبي بكر بن الخلال» (2/ 443)
الرواية السادسة رواية المهاجم بن قنفذ في المعجم الكبير قال
782 – حَدَّثَنَا الْمِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ فَقَالَ: «الثَّالِثُ مَلْعُونٌ»
«المعجم الكبير للطبراني» (20/ 330)
وهذه الرواية لا تصح، فيها مقدام بن داود: «قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه.
وقال النسائي في الكنى: ليس ثقة.
وقال محمد بن يوسف الكندي: كان فقيهاً، ولم يكن بالمحمود في الرواية»
«التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل» (1/ 168)
«المغني في الضعفاء» (2/ 675)
والعلة الثانية في إِسْمَاعِيل بن مُسلم المَخْزُومِي الْمَكِّيّ قال ابن الجوزي: “ضعفه ابْن الْمُبَارك وَقَالَ سُفْيَان كَانَ يخطىء فِي الحَدِيث وَقَالَ أَحْمد مُنكر الحَدِيث وَقَالَ يحيى لم يزل مختلطا وَلَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ عَليّ ضَعِيف لَا يكْتب حَدِيثه أجمع أَصْحَابنَا على ترك حَدِيثه وَقَالَ النَّسَائِيّ وَعلي بن الْجُنَيْد مَتْرُوك الحَدِيثوَقَالَ المُصَنّف وَجُمْلَة من يَجِيء فِي الحَدِيثإِسْمَاعِيل بن مُسلم خَمْسَة هَذَا أحدهم»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (1/ 120)].
وفي مسند ابن قانع قال «حَدَّثَنَا الْعَنَزِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، نا أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ .. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ»
[«معجم الصحابة لابن قانع» (3/ 60)].
وهذا إسناد منقطع إذ أن الحسن لم يرو عن مهاجر الا بواسطة وهي هنا ساقطة (تهذيب الكمال ٢٨/٥٧٨).
هذا فضلا عن أن الرواية مبهمة الأسماء فلا حجة فيها من أي وجه.
ثانيا: الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرد الحكم باللعن قطعا يرد نا ادعوه في معاوية رضي الله عنه.
فقد ثبت في صحيح البخاري
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِتْيَانٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ.»
«صحيح البخاري» (4/ 200 ط السلطانية)
وهذا قاطع في أن معاوية يدعو إلى نفس ما يدعو إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكل طعن في دين معاوية هو طعن في دين علي رضي الله عنهما.
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»
[«صحيح مسلم» (2/ 745 ت عبد الباقي)].
قال ابن كثير «فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ الطَّائِفَتَيْنِ ; أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، لَا كَمَا يَزْعُمُهُ فِرْقَةُ الرَّافِضَةِ، أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْجَوْرِ، مِنْ تَكْفِيرِهِمْ أَهْلَ الشَّامِ»
«البداية والنهاية» (10/ 563 ت التركي)
فهذه أحاديث الصحيحين قاضية على غيرها باتفاق أهل العلم.
وهذا ما قاله المرجع الشيعي “صادق الحسيني الشيرازي” فقد قال في كتابه “[بيان الأصول” ج ٩ ص١١٣]: ” إن التعارض يلزم فيه التكافؤ، حتى يصدق: التنافي، المأخوذ في العنوان، وحيث إنّ الأدلة مراتب، فذو المرتبة التالية لا يعارض مع ذي المرتبة السابقة، لتوقّف حجية التالية على عدم العلم -إذ الشك آخذ فيه ظرفاً أو موضوعا-“.
وعليه فلا تعارض بين قوي وأقوى منه فضلا عن ضعيف مع قوي.
وقد جاء الأمر المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة رجل كان في جيش معاوية رضي الله عنه، وهذا فيه غاية الكرامة والتزكية لمعاوية وجيشه.
«6538 – حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي أَسْوَدُ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْبرِيِّ (1) قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ “، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا تَعْصِهِ ” فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ (2)»
«مسند أحمد» (11/ 96 ط الرسالة)
صحح إسناده أحمد شاكر
«مسند أحمد» (6/ 107 ت أحمد شاكر).
قلت: فلو كانت تلك الروايات ثابتة فلماذا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملعون؟!
هذا فضلا عما ثبت لمعاوية من الفضائل الكثيرة «عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، يَقُولُ: “اللهُمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ”»
[«صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع» (4/ 348)].
[«مسند أحمد» (28/ 383 ط الرسالة)].
[«مسند البزار = البحر الزخار» (10/ 138)].
«أخرجه ابن خزيمة في “صحيحه ” (1938) ، وابن حبان (278 2) ، وأحمد(4/127) ، وفي “فضائل الصحابة ” (1748) ، والبزار (2723) ، والفسوي في “التاريخ ” (2/345) ، والحسن بن عرفة في “جزئه ” (61/122) ، والطبراني في ” المعجم الكبير” (18/ 251/628) ، وابن عدي في “الكامل ” (6/406) ، ومن المخطوطات: أبو القاسم الكتَّاني في “جزء من حديثه ” (ق 4/2) ، وفي مجلس البطاقة”أيضاً (ق 188/ 1) ، وا بن بِشران في “الأمالي ” (ق 14/ 1) ، وابن حمصة في “جزء البطاقة” (ق70/2) ، وأبو طاهر الأنباري في “مشيخته ” (ق 149/1) ، وابن عساكرفي”تاريخ دمشق ” (16/682 و 683) ، وأبو موسى المديني في “جزء من الأمالي ” (ق 1/2) كلهم عن يونس به.قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد»
[«سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (7/ 688)].
«18067 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كُنَّا مُعَسْكِرِينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ، فَقَامَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ فَقَالَ: لَوْلَا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُمْتُ هَذَا الْمَقَامَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْلَسَ النَّاسَ، فَقَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ مَرَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ (1) مُرَجِّلًا قَالَ:، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَتَخْرُجَنَّ فِتْنَةٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ، أَوْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْ، هَذَا (2) ، يَوْمَئِذٍ وَمَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى الْهُدَى ” قَالَ: فَقَامَ ابْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ مِنْ عِنْدِ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَصَاحِبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَحَاضِرٌ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِي فِي الْجَيْشِ مُصَدِّقًا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ (3)»
[«مسند أحمد» (29/ 608 ط الرسالة)].
[ «واسناد أحمد صحيح على شرط مسلم»]
«سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (7/ 319)
«عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ (1) الْأَزْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: ” اللهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ “»
[«مسند أحمد» (29/ 426 ط الرسالة)].
«رجاله ثقات رجال الصحيح»
«مسند أحمد» (29/ 426 ط الرسالة)
«[حكم الألباني] : صحيح»
[«سنن الترمذي» (5/ 687 ت شاكر)].
«[تعليق أيمن صالح شعبان – ط دار الكتب العلمية]إسناده حسن»
[«جامع الأصول» (9/ 107)].
فكيف بعد كل هذا يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن معاوية؟!!!
وخلاصة الأمر أننا لو سلمنا جدلا بصحة الرواية، وأن هناك تعارضاً بينها وبين روايات الصحيحين وغيرهما، فبلا خلاف لابد من تقديم رواية الصحيحين، والأضعف لا يعارض الأقوى منه، وهذا متفق عليه عند المسلمين، بل حتى عند الرافضة أنفسهم، فهم يقسمون الحديث إلى درجات في الصحة ليقدموا الأصح على الصحيح عند التعارض.
فالمجلسي مثلا صاحب البحار يرى جواز العمل بكل روايات الكافي، مع أنه قسم رواياته إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف وليس هذا لرد الروايات بل هي للترجيح عند التعارض أي عند التعارض تقدم الرواية الأقوى
يقول المجلسي: “والحق عندي فيه: أن وجود الخبر في أمثال تلك الأصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به، لكن لابد من الرجوع إلى الأسانيد لترجيح تبعضها على بعض عند التعارض، فان كون جميعها معتبرا لا ينافي كون بعضها أقوى، وأما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضا على القائم عليه السلام لكونه في بلدة السفراء فلا يخفى ما فيه على ذي لب، نعم عدم إنكار القائم وآبائه صلوات الله عليه وعليهم، عليه وعلى أمثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم السلام راضين بفعلهم ومجوزين للعمل بأخبارهم.
[اسم الکتاب: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول المؤلف: العلامة المجلسي الجزء: 1 صفحة: 22].
وعليه فحتى عند من ادعى صحة تلك الروايات تقدم روايات الصحيحين وغيرهما، وبه يسقط تعلق الرافضة بتلك الآثار.
رابعا: ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن قوما ثم أسلموا بعد ذلك وعن حنظلة بن أبي سفيان سمعت سالم بن عبد الله يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: {فإنهم ظالمون}»
«صحيح البخاري» (5/ 99 ط السلطانية)
قال البيهقي معلقا: «وكان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ففي رواية عمر بن حمزة، عن سالم، عن ابن عمر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح يوم أحد، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية، فقال: «سمع الله لمن حمده» قال: «اللهم العن»، فذكرهم إلا أنه ذكر أبا سفيان بدل سهيل، فنزلت: {ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم} [آل عمران: 128]، فتاب الله عليهم، فأسلموا، فحسن إسلامهم»
[«معرفة السنن والآثار» (3/ 118)].
وعند الترمذي عن عبد الله بن عمر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر»، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128] فهداهم الله للإسلام: «هذا حديث حسن صحيح غريب
[«سنن الترمذي» (5/ 228 ت شاكر)].
[قال الألباني في الحاشية (حسن صحيح)].
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال قَالَ: ” أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا”.[مسلم، صحيح مسلم، ٢٠٠٧/٤]. أو قوله: “اللهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. [مسلم، صحيح مسلم، ٢٠٠٨/٤] وهذا من تمام بشريته صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت مثل هذه الرواية عند الشيعة ففي بحار الأنوار بسند كل رجاله ثقات عند الشيعة “الحسين بن سعيد أو النوادر: عن علا، عن محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم إنما أنا بشر أغضب وأرضى، وأيما مؤمن حرمته وأقصيته أو دعوت عليه فاجعله كفارة وطهورا، وأيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له ولا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذابا ووبالا ”
[الکتاب: بحار الأنوار – ط دار الاحیاء التراث المؤلف: العلامة المجلسي الجزء: 101 صفحة: 290 و النوادر ص170].
وعليه فإما أن يكون اللعن قبل إسلامه فأسلم، أو بعد إسلامه فينقلب دعاء له لا عليه
خامسا: الذي ثبت عن علي بن أبي طالب ينفي تلك الروايات فقد جاء عن علي رضي الله عنه فيما رواه عنه: جَعْفَرٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ لِأَهْلِ حَرْبِهِ: «إِنَّا لَمْ نُقَاتِلْهُمْ عَلَى التَّكْفِيرِ لَهُمْ، وَ لَمْ نُقَاتِلْهُمْ عَلَى التَّكْفِيرِ لَنَا، وَ لَكِنَّا رَأَيْنَا أَنَّا عَلَى حَقٍّ، وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ»
[اسم الکتاب : قرب الإسناد – ط الحديثة المؤلف : الحميري، أبو العباس الجزء : 1 صفحة : 93].
وقال له بعض اليهود: ما دَفَنْتُم نَبِيَّكُم حتّى اختلفتم فيه!
فقال(عليه السلام) له: إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ،
[اسم الکتاب : نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 853]
ولو كان اللعن ثابتا عند علي ومعلوما عند الناس خاصة أن الرواية تقول ان الأمر كان في خطبة جمعة ومثل هذا لا يخفى فلو كان ذلك معلوما لكان هذا من أقوى أدلة علي على معاوية وأقوى سباح يستخدمه علي ضد معاوية لكن لما لم يفعل علمنا أن عليا ما عرف تلك الروايات المكذوبة، ثم لماذا يريد علي البيعة من رجل ملعون؟ هل الملعون يُطلب منه البيعة على الخلافة في الإسلام أم يُطلب منه أن يدخل في الإسلام أولا ليتوب الله عليه من تلك اللعنة؟
ثم ما هو الفعل المعين الذي استحق به هؤلاء اللعنة؟ أبمثل هذا يُلعن الرجل ؟ ولو كان كذلك فلماذا لم يلعن النبي جميع من خرج من المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب خاصة وأنهم نزلت فيهم آية من كتاب الله { وَإِذَا رَأَوۡا۟ تِجَـٰرَةً أَوۡ لَهۡوًا ٱنفَضُّوۤا۟ إِلَیۡهَا وَتَرَكُوكَ قَاۤىِٕمࣰاۚ قُلۡ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ مِّنَ ٱللَّهۡوِ وَمِنَ ٱلتِّجَـٰرَةِۚ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ }
[سُورَةُ الجُمُعَةِ: ١١]
كان مقتضى العدل – على القول بصحة الروايات جدلا- أن يتم سرد تلك الأسماء واحدا واحدا وإعلان أنهم ملعونون!!! .
مواضيع شبيهة
طعن الشيعة في ثبوت كون معاوية كان كاتبا للوحي، وطعنهم في كونها فضيلة.