دعوى أن معاوية قتل الحسن بالسم.
يقول أحد أكابر الشيعة: “وقضية سم معاوية للإمام الحسن ( عليه السلام ) تظافر نقلها تظافراً يكاد يلحقها بالتواتر فقد ذكرها جملة من المؤرخين من القدامى والمحدثَين“.
[موسوعة عبد الله بن عباس، ج ٥، السيد محمد مهدي الخرسان، ص ١٠٣].
واستدلوا على ذلك بروايات شيعية نعرض لها في ثنايا البحث وكذلك استدلوا برواية سنية وهي ما رواه ابن عساكر عن «عن ابن جعدبة قال كانت جعدة بنت الأشعت بن قيس تحت الحسن بن علي فدس إليها يزيد أن سمي حسنا أني مزوجك ففعلت فلما مات الحسن بعثت إليه جعدة تسأل يزيد الوفاء بما وعدها فقال أنا والله ولم نرضك للحسن فنرضاك لانفسنا»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (13/ 284)].
والجواب على هذه السبهة من وجوه:
أولا: جميع الروايات الواردة في ذلك من طرق للسنة والشيعة لا تصح .
أما الرواية السنية فمن طريق ابن جعدبة، قال ابن الجوزي: “«يزِيد بن عِيَاض بن جعدبة أَبُو الحكم اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ سكن الْبَصْرَة وروى عَن الزُّهْرِيّ وَابْن الْمُنْكَدر قَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَلَا يكْتب حَدِيثه وَقَالَ مرّة لَيْسَ بِثِقَة وَقَالَ عَليّ ضَعِيف لَيْسَ بِالْقَوِيّ سُئِلَ مَالك عَن ابْن سمْعَان فَقَالَ كَذَّاب قيل فيزيد بن عِيَاض فَقَالَ أكذب وأكذب وَقَالَ البُخَارِيّ وَمُسلم مُنكر الحَدِيث وَقَالَ السَّعْدِيّ ذهب حَدِيثه وَقَالَ النَّسَائِيّ وَأحمد بن صَالح والأزدي مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ الفلاس ضَعِيف الحَدِيث جدا وَقَالَ الدراقطني ضَعِيف»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 211)].
وعليه فالرواية تالفة. على أن الرواية ليس بها ذكر لمعاوية رضي الله عنه.
وأما من كتب الشيعة فاستدلوا بما يلي: في الكافي: “عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: إِنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ أَشْعَثَ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ سَمَّتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ سَمَّتْ مَوْلَاةً لَهُ فَأَمَّا مَوْلَاتُهُ فَقَاءَتِ السَّمَّ وَ أَمَّا الْحَسَنُ فَاسْتَمْسَكَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ انْتَفَطَ بِهِ فَمَاتَ
[ الکافی- ط دار الحدیث (الشيخ الكليني) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 501].
وهذه رواية منقطعة إذ أن الحضرمي لم يحضر الواقعة ولم يذكر عمن أخذها وقد ذكر الخوئي أن الحضرمي من الرواة عن الباقر والصادق، ولم يرو عن زين العابدين فضلا عن الحسين فضلا عن أن يدرك زمان الحسن.
[معجم رجال الحديث، ج ١١، السيد الخوئي، ص ٣١٧].
والرواية الثانية في الإرشاد المفيد قال ما رواه عيسى بن مهران قال : حدّثنا عبيدالله بن الصّباح قال : حدّثنا جرير ، عن مغيرة قال : أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس : أنّي مزوّجك (يزيد ابني ) [١] ، على أن تسمّي الحسن ، وبعث إليها مائة ألف درهم ، ففعلت وسمّت الحسن 7 فسوّغها المال ولم يزوّجها من يزيد ، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها ، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيّروهم وقالوا : يا بني مسمّة الأزواج.
[اسم الکتاب : الإرشاد المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 2 صفحة : 16].
والرواية فيها عدة مجاهيل عيسى بن مهران قال الخوئي مجهول.
[المفيد من معجم رجال الحديث – محمد الجواهري – الصفحة ٤٤٩].
الرواية الثالثة: عبيد الله بن الصباح لم أجد له ترجمة في كتب الرجال عند الشيعة، وذكر الشاهرودي في مستدركه عبد اللّه بن الصبّاح، فقال: “لم يذكروه”
[اسم الکتاب : مستدركات علم رجال الحديث المؤلف : النمازي الشاهرودي، الشيخ علي الجزء : 5 صفحة : 37].
فعلى كل حال الرجل مجهول عندهم .الرواي الثالث: جرير بن حازم مجهول عندهم قال الشاهرودي: “جرير بن حازم: لم يذكروه”.
[اسم الکتاب : مستدركات علم رجال الحديث المؤلف : النمازي الشاهرودي، الشيخ علي الجزء : 2 صفحة : 126].
الرواي الرابع: مغيرة الضبي ولم أجد له ترجمة عندهم.وعليه فالرواية مسلسلة بالمجاهيل.
والرواية الرابعة ” عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : كان الحسن عليه السلام قد سقي السم ، سقته امرأته إياه – جعدة بنت الأشعث – فكانت نفسه فيه ، وأعطيت على ذلك مالا كثيرا”.
[شرح الأخبار، ج ٣، القاضي النعمان المغربي، ص ١٢٨].
وهذه الرواية بلا إسناد فتسقط. تلك هي الروايات التي يحتجون بها وكلها ساقطة الأسانيد! ولذلك قرر أهل العلم عدم ثبوت ذلك عن معاوية رضي الله عنه وأنه دس السم للحسن كما زعموا!
قال شيخ الإسلام «وَأَمَّا قَوْلُهُ: ” إِنَّ مُعَاوِيَةَ سَمَّ الْحَسَنَ “. فَهَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ، وَلَا نَقْلٍ يُجْزَمُ بِهِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ قَوْلٌ بِلَا عِلْمٍ»
[«منهاج السنة النبوية» (4/ 469)].
قال الذهبي: «قُلْتُ: هَذَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ فَمَنِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ؟»
[«تاريخ الإسلام – ت تدمري» (4/ 40)].
وقال ابن كثير: «وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَنْ أَبِيهِ مُعَاوِيَةَ بِطَرِيقِ الْأُولَى»
[«البداية والنهاية» (11/ 209 ت التركي)].
وقال ابن خلدون: «وما ينقل من أنّ معاوية دس إليهم السمّ مع زوجه جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية من ذلك».
[«تاريخ ابن خلدون» (2/ 649)].
ثانيا: معلوم أن الحسن قد تنازل لمعاوية بمحض إرادته إصلاحا بين الناس، ولم ينازع الحسن معاوية بعد الصلح قط ، فما الداعي أن يتخلص منه معاوية إذا؟
«عن يزيد بن خُمَيْر، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير الحضرمى يحدث عن أبيه، قال: قلتُ للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة؟ فقال: كانت جماجم العرب بيدي يسالمون مَن سالَمت، ويحاربون مَن حارَبت، فتركتها ابتغاء وجه الله، ثم أثيرها بأتْيَاس أهل الحجاز»
[«الطبقات الكبير» (6/ 380 ط الخانجي)].
وروى الشيعة هذه الرواية في كتبهم قال محمّد بن بجر الشيباني في قول الحسن بن عليّ عليهما السّلام : ( قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه اللّه وحقن دماء أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).
[سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، ج ٤، الشيخ عباس القمي، ص ٣٦٨]
وروى العياشي عن حمران عن أبي جعفر ع قال قلت له: يا ابن رسول الله ص زعم ولد الحسن ع أن القائم منهم- و أنهم أصحاب الأمر، و يزعم ولد ابن الحنفية مثل ذلك، فقال: رحم الله عمي الحسن ع لقد غمد الحسن ع أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين ع، و أسلمها إلى معاوية.
[اسم الکتاب : تفسير العيّاشي المؤلف : العياشي، محمد بن مسعود الجزء : 2 صفحة : 291].
فإذا كان الحسن قد تنازل وامن معاوية من جانبه فلماذا يقدم معاوية على ذلك وقد عاش الحسن بعد الصلح أكثر من عشر سنين ؟ثم إذا كان يخشى على نفسه وعلى الخلافة فلماذا لم يقتل الحسين وباقي أهل البيت أيضا حتى يخلو له الأمر تماما ؟
قال القاضي ابن العربي: “«فإن قيل: قد دس على الحسن من سمه قلنا: هذا محال من وجهين: أحدهما أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسًا وقد سلم الأمر. الثاني أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله فكيف تحملونه – بغير بينة – على أحد من خلقه في زمان متباعد لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل المصمم»
[«العواصم من القواصم ط الأوقاف السعودية» (ص213)].
ثالثا: قد عاش الحسين بعد الحسن سنين طوالا تحت حكم معاوية فلماذا لم يطالب بالقصاص من معاوية، ولماذا لم يخرج على معاوية كما خرج على يزيد؟
فسكوت الحسين عن مقتل أخيه الحسن هو أكبر طعن في الحسن والذي يعتقد الشيعة انه لا يخشى في الله لومة لائم، فلو كان كذلك ووقع ما يدعيه الشيعة لما سكت على مقتل أخيه ولطالب بالقصاص سيما أن معاوية هو اسهر من طالب بذلك تطبيقا لكتاب الله تعالى لما قتل عثمان، فكان الأولى بتطبيق كتاب الله عند الحسن هو الحسين فلما لن يفعل علمنا أنه محض كذب على معاوية رضي الله عنه.
رابعا: أن اعتقاد الشيعة إن زوجة الحسن هي التي قتلته هو أكبر طعن في الحسن، ومن اللوازم التي تلزمهم في ذلك إن الحسن ترك اختيار ذات الدين
فقد جاء في كامل الزيارات : ” وحدثني ابي رحمه الله ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن ابراهيم بن هاشم، عن عثمان بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن ابي جعفر (عليه السلام)، قال: لا يقتل النبيين واولاد النبيين الا اولاد زنا
[كامل الزيارات – ابن قولويه – 163 ].
فيلزم من هذا ان الحسن رضي الله عنه بدلا من ان يلتزم بوصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باختيار ذات الدين قد اختار بنت زنا عياذا بالله تعالى .
وفي الفقيه: “عن سليمان الحمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ” لا ينبغي للرجل المسلم منكم أن يتزوج الناصبية ، ولا يزوج ابنته ناصبا ولا يطرحها عنده ” . قال مصنف هذا الكتاب – رحمه الله – : من نصب حربا لآل محمد صلوات الله عليهم فلا نصيب له في الاسلام فلهذا حرم نكاحهم ”
[من لا يحضره الفقيه – الصدوق – ج 3 ص 408 ].
وفي التهذيب: “عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال : ذكر الناصب فقال : لا تناكحهم ولا تأكل ذبيحتهم ولا تسكن معهم ” [تهذيب الأحكام – الطوسي – ج 7 – ص 303 ]. , وقال المجلسي عن الرواية في ملاذ الاخيار – موثق – ج 12 ص 125 .
وورد في منية السائل : ” ( س ) هل يجري على الناصبي – المحرز نصبه العداء – في أحكام الزواج ما يجري على الكافر من بطلان العقد ابتداء ، وانفصال بزوجته عنه . ولو طرء النصب بعد العقد ؟ . ( ج ) نعم يجري عليه حكم الكافر كاملا “-
[منية السائل – السيد الخوئي – ص 118].
فالناصبية كافرة عند الامامية , ومن المعلوم بانه لا يجوز للمسلم ان يتزوج الكافرة قال الله تعالى : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} { (10) : الممتحنة } , فكيف يخالف الامام الحسن القران ويتزوج ناصبية ؟ !!!
الى غير ذلك من الإشكالات على العقيدة الشيعية من خلال اعتقادهم بأن زوجة الحسن هي من قتلته بالسم سواء كان بإيعاز من غيرها أم لا .
خامسا: إن الشيعة قالوا بأن من يسعى في قتل الأئمة غير مذموم ولا يجوز التعرض له ولو بالكلام السيء، يقول نعمة الله الجزائري: “أنّ كثيرا من الشيعة و من أقارب الأئمة عليهم السّلام كانوا يؤذون أئمتهم عليهم السّلام بأنواع الأذى مثل العبّاس أخو الرضا 7 و مثل اقارب مولانا الصادق 7؛ و قد كان جماعة منهم يسعون بقتلهم و إهانتهم عند خلفاء الجور و مع هذا كله إذا أراد أحد من الشيعة أن يذكرهم بسوء في مجالس الأئمة عليهم السّلام يغضبون عليهم السّلام، و يبالغون في نفيه؛ و يقولون إنّ هؤلاء أقاربنا دعونا معهم لا تتعرضوا لهم بسوء من كلام خبيث و غيره”
[اسم الکتاب : الأنوار النعمانية المؤلف : الجزائري، السيد نعمة الله الجزء : 3 صفحة : 185].
موايع شبيهة
معاوية كان داعية للنار وكان هو الفئة الباغية بدليل حديث مقتل عمار