قول علي بن الجعد مات والله معاوية على غير الإسلام.
دائما ما يردد الشيعة في مواقعهم وقنواتهم ما جاء في مسائل ابن هانئ «: وسمعت أبا عبد اللَّه -وقال له دلويه: سمعت عليَّ بن الجعد يقول: مات واللَّه معاوية على غير الإسلام»
[مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ص١٥٤].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذه الرواية الواردة في مسائل ابن هانئ قد طعن في صحتها بعض أهل العلم فأنكر أن يكون على بن الجعد يقول مثل هذا القول.
«وسألت يحيى بن معين مرة اخرى عن على بن الجعد قلت له كان ثقة قال نعم ثقة صدوق قلت فإن الناس يغمزونه قال يكذبون عليه كان صدوق»
[«تاريخ ابن معين – رواية ابن محرز» (1/ 110)].
ومما يؤيد كون تلك الرواية مطعون في نسبتها لعلي بن الجعد إما من ناسخ أو غيره أمران.
الاول أن جواب الإمام أحمد محذوف في الأصل على غير العادة، ولذلك فإن الرواية التي بعدها قال ابن هانئ: وكنت يومًا عند أبي عبد اللَّه، فجاء رجل فقال له: فلانًا قال: إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ جبر العباد على الطاعة؟فقال: بئس ما قال. ولم يقل شيئًا غير هذا
[مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ص١٥٤].
فأنت ترى أن الإمام أحمد يُسأل أو يقال له شيئا فيعلق، لكن في مسألة علي بن الجعد لا نجد له تعليقا مما يدل على أن هناك تلاعب بالأصل، ولذلك قال المحقق الشيخ زهير الشاويش: إن قائل ذلك عن سيدنا معاوية أو أي أحد من الصحابة قد جعل إسلامه في خطر عظيم، وقد سقط جواب أحمد في الأصل ولعله قال: بئس ما قال.
[مسائل الإمام أحمد رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ص١٥٤].
وسيأتي الدليل على أن أحمد لا يسكت ابدأ على مثل هذا .
الثاني: أن علي بن الجعد نفسه قد أورد في مسنده عدة روايات عن معاوية رضي الله عنه، فكيف يروي عن رجل يرى أنه كافر ؟.
وإليك عدة من رواياته عن معاوية رضي الله عنه. 1482 – حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ، يُحَدِّثُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ خَرَجَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ جَالِسَانِ، فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ، وَقَعَدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ أَوْرَعَهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ عِبَادُ اللَّهِ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا مِنَ النَّارِ»
[«مسند ابن الجعد» (ص222)].
بل إنه روى أن معاوية كان على سيرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي في العطاء «390 – حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: ” سَأَلَنِي مُعَاوِيَةُ: كَمْ كَانَ عَطَاءُ أَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: “ ثَلَاثَمِائَةٍ. قَالَ: فَفَرَضَ لِي ثَلَاثَمِائَةٍ، وَكَذَا كَانُوا يَفْرِضُونَ لِلرَّجُلِ فِي مِثْلِ عَطَاءِ أَبِيهِ “. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، وَقَدْ بَلَغَ عَطَاؤُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ وُلِدَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ»
[«مسند ابن الجعد» (ص73)].
بل وروى أن أهل البيت يروون عن معاوية ويأخذون عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3346 – حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَخْبَرَنِي حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا»
[«مسند ابن الجعد» (ص482)].
وغيرها من الروايات في مسنده مما يدل على أن هذه الرواية قد تكون مدسوسة.
ثانيا: لو سلمنا بصحة هذا النقل عنه فأين دليله على ذلك ؟ أكان علي بن الجعد حاضرا ساعة وفاة معاوية فسمعه يقول شيئا ينقض الإسلام أو يدخله في الكفر عياذا بالله ؟
ان علي بن الجعد قد «وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَمائَةٍ»
[«سير أعلام النبلاء – ط الرسالة» (10/ 460)].
ومعاوية مات في الستين من الهجرة فبين ولادة علي بن الجعد وموت معاوية اربع وسبعون سنة فمن أين لعلي بن الجعد تلك الفرية؟فلو أن علي بن الجعد روى عن معاوية فضيلة لعلي بلا إسناد لرددناها عليه مع اقرارنا بفضائل علي الصحيحة، فكيف بفرية وادعاء بلا إسناد؟
ثالثا: إن أهل العلم قد ذكروا أن علي بن الجعد كان سيء القول في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عنده من العقائد الفاسدة والطوام التي تجعلنا لا نقبل منه كل شيء يتعلق ببدعه.
قال الذهبي: “قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ العُقَيْلِيُّ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ: لِمَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ؟ قَالَ: نَهَانِي أَبِي أَنْ أَذهَبَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَبلُغُه عَنْهُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصَّحَابَةَ (3) .قَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَقَالَ الهَيْثَمُ: وَمِثْلُهُ يُسْأَلُ عَنْهُ!؟فَقَالَ أَحْمَدُ: أَمسِكْ أَبَا عَبْدِ اللهِ.فَذَكَرَهُ رَجُلٌ بِشَرٍّ، فَقَالَ أَحْمَدُ: وَيَقَعُ فِي أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ؟فَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ:القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ، لَمْ أُعَنِّفْه.فَقَالَ أَحْمَدُ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَشَدُّ مِنْ هَذَا (4) .وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَلاَ سَعِيْدِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَرَأَيْتُهُ فِي كِتَابِهِ مَضْرُوْباً عَلَيْهِمَا ”
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ٤٦٥/١٠].
وقال أيضا: “قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ زِيَادٍ السُّوْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ – وَذَكَرَ عَلِيَّ بنَ الجَعْدِ – فَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ عَنْهُ، وَضَعَّفَ أَمرَهُ جِدّاً (2) .وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ: عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: مُتَشَبِّثٌ بِغَيْرِ بِدْعَةٍ، زَائِغٌ عَنِ الحَقِّ”.
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ٤٦٣/١٠].
افيريد الشيعة منا أن نقبل قول رجل زائغ عن الحق في أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟قيل للحسن يا أبا سعيد إن ها هنا قوما يشتمون أو يلعنون معاوية وابن الزبير فقال على أولئك الذين يلعنون لعنة الله
[ابن عساكر، أبو القاسم، تاريخ دمشق لابن عساكر، ٢٠٦/٥٩]
ولذلك فانت ترى أن الإمام أحمد قد نهى ولده أن يكتب عنه في السنة 691 – أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ -[448]- أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يُكْتَبُ عَنِ الرَّجُلِ، إِذَا قَالَ: مُعَاوِيَةُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرٌ؟ قَالَ: ” لَا، ثُمَّ قَالَ: لَا يُكَفَّرُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ”
[أبو بكر الخلال، السنة لأبي بكر بن الخلال، ٤٤٧/٢]
وفيه 654 – وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ صِهْرٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ إِلَّا صْهِرِي وَنَسَبِي» ؟ قَالَ: ” بَلَى، قُلْتُ: وَهَذِهِ لِمُعَاوِيَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهُ صِهْرٌ وَنَسَبٌ. قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: «مَا لَهُمْ وَلِمُعَاوِيَةَ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ»
[أبو بكر الخلال، السنة لأبي بكر بن الخلال، ٤٣٢/٢].
رابعا: أتفق أهل السنة على فضل معاوية رضي الله عنه وأنه من الفقهاء الهادين المهديين كما دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن كثير: سُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ، فَقَالَ خَلْفَهُ: ربنا ولك الحمد، فقيل له: أيُّهما أفضل؟ هو أو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَ: لَتُرَابٌ فِي مَنْخَرَيْ مُعَاوِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ مُعَاوِيَةُ: عِنْدَنَا مِحْنَةٌ فَمَنْ رَأَيْنَاهُ يَنْظُرُ إليه شزراً اتهمناه على القول – يَعْنِي الصَّحَابَةَ – وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِليُّ وَغَيْرُهُ: سُئِلَ الْمُعَافَى بْنُ عمران أيهما أفضل؟ معاوية أو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَغَضِبَ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: أتجعل رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ رَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينِ؟ مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ وَصِهْرُهُ وَكَاتِبُهُ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” دَعَوْا لِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ والنَّاس أَجْمَعِينَ “.وكذا قال الفضل بن عتيبة. وَقَالَ أَبُو تَوْبَةَ الرَّبيع بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ: معاوية ستر لأصحاب محمد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَشَفَ الرَّجُلُ السِّتْرَ اجْتَرَأَ عَلَى مَا وَرَاءَهُ. وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَذْكُرُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الْفَضْلُ بن زياد: سمعت أبا عبد الله يسأل عَنْ رَجُلٍ تَنَقَّصَ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أيقال له رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عَلَيْهِمَا إِلَّا وَلَهُ خَبِيئَةُ سُوءٍ، مَا انْتَقَصَ أحد أحداً من الصحابة إِلَّا وَلَهُ دَاخِلَةُ سُوءٍ.
[ابن كثير، البداية والنهاية ط إحياء التراث، ١٤٨/٨]
قال النووي: “وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ وَالصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[النووي، شرح النووي على مسلم، ١٤٩/١٥]
وقال ابن تيميه : “فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَ غَيْرَهُ وَجَاهَدَ مَعَهُ وَكَانَ أَمِينًا عِنْدَهُ يَكْتُبُ لَهُ الْوَحْيَ وَمَا اتَّهَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَةِ الْوَحْيِ. وَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الَّذِي كَانَ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِالرِّجَالِ وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَّهِمْهُ فِي وِلَايَتِهِ. وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ أَبَا سُفْيَانَ إلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى وِلَايَتِهِ فَمُعَاوِيَةُ خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ وَأَحْسَنُ إسْلَامًا مِنْ أَبِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَّى أَبَاهُ فَلَأَنْ تَجُوزُ وِلَايَتُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ قَطُّ وَلَا نَسَبَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى الرِّدَّةِ فَاَلَّذِينَ يَنْسُبُونَ هَؤُلَاءِ إلَى الرِّدَّةِ هُمْ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَامَّةَ أَهْلِ بَدْرِ وَأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ إلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِمْ.
[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ٤٧٢/٤].
وترجم الذهبي لأحد الشيعة فقال قلت: وكان أيضًا شيعيًّا له كلامٌ نحسٌ في معاوية، نقله الخطيب [1] ، وهو: قال زياد بن أيّوب: سَمِعْتُ يحيى الحِمّانيّ يقول: كان معاوية على غير ملّة الإسلام.قال زياد: كَذّب عدوّ الله.
[الذهبي، شمس الدين، تاريخ الإسلام ت تدمري، ٤٥٥/١٦]
فنحن نقول لكل من قال ذلك في معاوية (كذب عدو الله) .
خامسا: إن قبل الشيعة كلام علي بن الجعد في معاوية فليقبلوه أيضا في الحسن بن علي!!
قال الذهبي: “وَقَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: سَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ الدُّوْرِيَّ (4) يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَذَكَرُوا حَدِيْثَ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُفَاضِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَقُوْلُ: خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَيَبْلُغُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ يُنْكِرُهُ (5) .فَقَالَ عَلِيٌّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الصَّبِيِّ، هُوَ لَمْ يُحسِنْ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَه يَقُوْلُ: كُنَّا نُفَاضِلُ!وَكُنْتُ عِنْدَهُ، فَذَكَرُوا حَدِيْثَ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ (1)) .قَالَ: مَا جَعَلَهُ اللهُ سَيِّداً
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ٤٦٤:٤٦٣/١٠]
فهل سيقبل الشيعة قول علي بن الجعد عن الحسن (مَا جَعَلَهُ اللهُ سَيِّداً )؟!
ثم كيف يقبل الشيعة إن يقال أن الحسن قد سلم ولاية أمر المسلمين لرجل كافر ثم اشترك عليه ان يعمل بالكتاب والسنة ولم يشترط عليه الدخول في الإسلام أولا؟ ومن قبله علي بن أبي طالب يطلب من معاوية البيعة وهي لا تطلب من كافر، وإنما الذي يطلب من الكفار هو الإسلام أولا ثم البيعة! ثم هل نترك قول علي بن أبي طالب الذي لم يكفر أهل الشام قط ونذهب إلى قول ابن الجعد – إن ثبت-؟ ففي مسند زيد : “حدثني زيد بن علي عن ابيه عن جده عن علي عليهم السلام انه أتاه رجل فقال يا امير المؤمنين أكفر اهل الجمل وصفين واهل النهروان؟ قال لا، هم اخواننا بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى امر الله عزوجل.
[اسم الکتاب : مسند زيد بن علي المؤلف : زيد بن علي الجزء : 1 صفحة : 410].
ومسند زيد ومدونته الفقهية ، حيث جمع فيه الحديث عن آبائه وأخيه الباقر ( عليه السلام ) ، وهو أحد الكتب المعتمدة المعوّل عليها والمنقول عنها ، كما في مفتاح كنوز السنة.
[اسم الکتاب : مستدرك الوسائل المؤلف : المحدّث النوري الجزء : 1 صفحة : 27].
وفي قرب الإسناد – جعفر ، عن أبيه عليه السلام: أن عليا عليه السلام لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنه كان يقول : ” هم إخواننا بغوا علينا
[قرب الاسناد – الحميري القمي – ص 94] .
فهذه عقيدة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأما الحسن فسبق بيانه وأما الحسين فقد جاء في مقتل أبي مخنف: “فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية : الصلة خير من القطيعة ، أصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشئ ، وجاء حتى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة ، فقال حسين : انا لله وانا إليه راجعون ورحم الله معاوية وعظم لك الاجر”.
[مقتل الحسين ( ع )، أبو مخنف الأزدي، ص ١٩].
[مسند الإمام الحسين ( ع )، ج ١، الشيخ عزيز الله عطاردي، ص ٢٥٧].
[موسوعة الإمام الحسين ( ع ) ( تاريخ امام حسين ع )، ج ١، مكتب طباعة الكتب المساعدة التعليمية، ص ٢٤٤].
فهذه عقيدة أهل البيت في معاوية وأنه عاش على الاسم ومات على الإسلام رضي الله عنه وأرضاه، أفيريد الشيعة ان نترك عقيدة أهل البيت رضي الله عنهم بعقيدة علي بن الجعد ؟ بئس الدين والمذهب إذا.
وينقل ابن كثيرا أن معاوية قال عند موته: « اللَّهُمَّ أَقِلِ الْعَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَإِنَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، لَيْسَ لِذِي خَطِيئَةٍ مِنْ خَطِيئَتِهِ مَهْرَبٌ إِلَّا إِلَيْكَ. وَرَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: ثُمَّ مَاتَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: «اتَّقُوا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقِي مَنِ اتَّقَاهُ، وَلَا يَقِي مَنْ لَا يَتَّقِي. ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ»
[«البداية والنهاية» (11/ 457 ت التركي)].
ثم قال: «وَقَدْ وَرَدَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَسَاهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ مُدَّخَرًا عِنْدَهُ لِهَذَا الْيَوْمِ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَقُلَامَةِ أَظْفَارِهِ فِي فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ»
[«البداية والنهاية» (11/ 458 ت التركي)].
فهذا حب معاوية لربه ولدينه ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
مواضيع شبيهة