زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب ابتدع التكفير أو التكتف في الصلاة؛مشابهةً لليهود والنصارى والمجوس
يقول محمد طاهر القمي الشيرازي: «وأبدع التكفير في الصلاة، وهو من فعل اليهود والنصارى».
[«الأربعين» ص[٥٦٥]].
ويقول صادق الشيرازي: في وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة: «(التكتف) و(التكفير) الذي يفعله العامة اتباعًا لعمر بن الخطَّاب، وقد أخذه عمر عن المجوس فأدخله في الصلاة، وكان ذلك من مبتدعات عمر بعد ما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أهل بيته ليفعلوا ذلك، ففي (مصباح الفقيه): وقد حكى عمر أنه لما جيء إليه بأسارى العجم كفروا أمامه، فسأل عن ذلك فأجابوه بأنا نستعمله خضوعًا وتواضعًا لملوكنا، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة».
[«شرائع الإسلام» للمحقق الحلي مع تعليقات الشيرازي (1/72)].
وحكى ذلك عن عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه: محمد حسن النجفي الجواهري في كتابه «جواهر الكلام».
[«جواهر الكلام» (11/19)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
!
أولًا: إن وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، في غير ما حديث، ومنه على سبيل المثال: عن سهل بن سعدٍ، قال: «كان النَّاس يؤمرون أن يضع الرّجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصَّلاة» قال أبو حازمٍ: لا أعلمه إلَّا ينمي ذلك إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال إسماعيل: ينمى ذلك، ولم يقل ينمي».
[«صحيح البخاري» (1/148)].
قال الحافظ: «ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الرّاوي ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم».
[«فتح الباري» لابن حجر (2/225)].
والآمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: «قول الصَّحابيِّ كنّا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر، وهو النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الصّحابيِّ في مقام تعريف الشّرع، فيحمل على من صدر عنه الشّرع، ومثله قول عائشة: «كنّا نؤمر بقضاء الصّوم»، فإنَّه محمولٌ على أنَّ الآمر بذلك هو النَّبي صل الله عليه وسلم، وأطلق البيهقيّ أنه لا خلافٌ في ذلك بين أهل النّقل، والله أعلم».
[السابق: (2/224)].
وقد جاء ذلك صريحًا عند الحاكم: «عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع اليدين ونصب القدمين في الصَّلاة. هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه، وقد صحّ على شرطٍ بلفظٍ أشفى من هذا على شرط مسلم».
[«المستدرك على الصحيحين» للحاكم (1/404)].
قال العلماء: «الحكمة في هذه الهيئة أنَّها صفة السَّائل الذَّليلِ، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع».
[«فتح الباري» لابن حجر (2/224)].
وروى مسلم بسنده، عن وائل بن حجرٍ: «أنَّه رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصَّلاة كبّر -وصف همّامٌ حيال أذنيه- ثمَّ التحف بثوبه، ثمَّ وضع يده اليمنى على اليسرى، فلمَّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثّوب، ثمَّ رفعهما، ثمَّ كبّر فركع، فلمَّا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلمَّا سجد سجد بين كفّيه».
[«صحيح مسلم» (1/301)].
وروى ابن حبان في صحيحه: «عن ابن عبّاسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخّر سحورنا، ونعجّل فطرنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا».
[«صحيح ابن حبان» (5/67)].
قال الألباني في تعليقه: «صحيح».
[«التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان» (3/286)].
ثانيًا: اعترض الرَّافضة بأن مذهب مالك عدم القبض، ولو كان القبض سنة لعمل به مالك.
قلنا: الصحيح من مذهب الإمام مالك أنه كان يرى أن القبض أو ما تسمونه التكفير أو التكتف، سنة، لكنه تركه أحيانًا؛ لئلا يظن العامي وجوبه، وهذا مما يسوغ أن يفعله العالم، والذي قرر ذلك هم علماء المذهب المالكي، وهم أعلم الناس بمذهب مالك.
قال الباجي في «المنتقى»: «وأمّا موضع اليمنى على اليسرى في الصَّلاة فقد أسند عنِ النَّبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحاحٍ، روى وائل بنُ حُجرٍ أنَّه: «رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصَّلاة كبّر، ثمَّ التحف في ثوبه، ثمَّ وضع يده اليمنى على اليسرى».
وقدِ اختلف الرّواة عن مالكٍ في وضع اليمنى على اليسرى، فروى أشهب عن مالكٍ أنَّه قال: «لا بأس بذلك في النّافلة والفريضة. وروى مطرّفٌ، وابن الماجشون عن مالكٍ أنَّه استحسنه، وروى العراقيّون عن أصحابنا عن مالكٍ في ذلك روايتين: إحداهما الاستحسان. والثّانية: المنع».
وروى ابن القاسم عن مالكٍ: «لا بأس بذلك في النّافلة، وكرهه في الفريضة. وقال القاضي أبو محمّدٍ: ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى، وإنّما هو من باب الاعتماد. والّذي قاله هو الصّواب، فإنَّ وضع اليمنى على اليسرى، إنّما اختُلِفَ فيه هل هو من هيئة الصَّلاة أم لا. وليس فيه اعتمادٌ فيفرّق فيه بين النّافلة والفريضة».
ووجه استحسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصَّلاة الحديث المتقدّم، ومن جهة المعنى: «أنَّ فيه ضربًا من الخشوع وهو مشروعٌ في الصَّلاة.
ووجه الرِّواية الثَّانية: أنَّ هذا الوضع لم يمنعه مالكٌ، وإنّما منع الوضع على سبيل الاعتماد، ومن حمل منع مالكٍ على هذا الوضع اعتلّ بذلك؛ لئلّا يلحقه أهل الجهل بأفعال الصَّلاة المعتبرةِ في صحّتها».
[«المنتقى شرح الموطإ» الباجي (1/280-281)].
وخلاصة ما ذكره الباجي: أن ما روري عن الإمام مالك من المنع من ذلك في الصلاة، إنما هو لبيان أن ذلك سنة، وليس بفرض، حتى لا يختلط ذلك على العوام، فيعتقدون أن القبض فرض تبطل الصلاة بتركه.
قال ابن عبد البر: «وقد يرسل العالم يديه؛ ليري النَّاس أن ليس ذلك بحتمٍ واجبٍ».
[«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (20/86)].
وقال في «الاستذكار»: «وروى ابن نافعٍ، وعبد الملك، ومطرّفٌ، عن مالكٍ أنَّه قال: توضع اليمنى على اليسرى في الصَّلاة في الفريضة والنّافلة، قال لا بأس بذلك. قال أبو عمر: هو قول المدنيّين من أصحابه».
[«الاستذكار» (2/291)].
وقال ابن رشد: «مسألة، وسألته – أي مالكًا- عن وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة المكتوبة يضع اليمنى على كوع اليسرى، وهو قائم في الصلاة المكتوبة أو النافلة، قال: لا أرى بذلك بأسًا في النافلة والمكتوبة… وقد تأول أن قول مالك لم يختلف في أن ذلك من هيئة الصلاة التي تستحسن فيها، وأنه إنما كرهه ولم يأمر به استحسانًا مخافة أن يعد ذلك من واجبات الصلاة. والأظهر أنه اختلاف من القول، والله أعلم».
[«البيان والتحصيل» ابن رشد (1/395)].
وقال ابن عبد البرّ: «لم يأت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم فيه خلافٌ، وهو قول الجمهور من الصّحابة والتّابعين وهو الّذي ذكره مالك في الموطّأ، ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره».
[انظر: «فتح الباري» لابن حجر (2/224)].
ثالثًا: إن التعليل بأن هذا من فعل اليهود والنصارى أو المجوس تعليل باطل؛ لأنه ليس كل ما فعله اليهود، أو النصارى، أو المجوس، أو المشركون يجب علينا تركه، وإلا فلو صحت هذه القاعدة لانهدم دين الإسلام كله، فقريش كانت تعظم بيت الله الحرام، وتحج، وتسقي الحجاج، وتطوف بالكعبة، وتعظم الحجر الأسود، … إلخ
واليهود يؤمنون بموسى وبمن سبقه من الرسل، ويختتنون، ويصومون، ويزكون، وكل هذا أصله ثابت في شرعنا.
والنصارى يؤمنون بالتوراة، وبموسى، ويؤمنون بالإنجيل، وبالرسل السابقين، ويصومون، ويزكون و… إلخ
فالصواب إذًا: أنه إذا ورد في شرعنا بيان خاص لحكم من الأحكام فوافقنا أهل الكتاب عليه، فلا نترك الحق بسبب موافقتهم إيانا عليه، وإلا فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم اليهود يصومون يوم عاشوراء فصامه، ففي «الصحيحين»: عن ابن عبّاسٍ، قال: قدم النَّبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يومٌ ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النَّبي صل الله عليه وسلم لأصحابه: «أنتم أحقّ بموسى منهم فصوموا».
[«صحيح البخاري»(6/72)، «صحيح مسلم» (2/796)].
رابعًا: جاء في كتب الشيعة إباحة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة:
قال البحراني: «روى العياشي في تفسيره، عن إسحاق بن عمار، عن أبى عبدالله قال: «قلت له: أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال: لا بأس، إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى، فأنزل الله على نبيه: (خذ ما آتيتك بقوة)، فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها بجلد وقوة».
لكن البحراني لما لم يجد مخرجًا لهذه الرواية قال: «أقول: الظاهر أن نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية».
[«الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» يوسف البحراني (9/16)].
قلت: وهذه مدية ذبح الحق عندهم، وآلة مخالفة أهل البيت صراحةً. ومع ذلك فقد اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم بإبطال الصلاة بذلك، وهو قول أكثر علماء الشيعة، كما قال الأردبيلي.
[انظر: «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» المقدّس الأردبيلي (3/50)].
وقال محمد رضا الكلپايكاني: «الثالث: التكفير وهو: وضع إحدى اليدين على الأخرى على نحو ما يفعله غير الشيعة، فإن كفر عامدًا بطلت صلاته، وأما في السهو والتقية والاضطرار فلا بأس به».
[«مختصر الأحكام» (1/68)].
بينما قال الخوئي: «والمتحصّل من جميع ما تقدّم: أنَّ التكتف في حد ذاته لا دليل على حرمته ولا مبطليته، نعم هو مكروه كما ذهب إليه المحقّق، لكن كراهة عرضية مجازية باعتبار استلزامه ترك المستحب، وهو وضع اليدين على الفخذين.
وأمّا التكتف بقصد العبودية والخضوع فهو وإن كان محرّمًا تشريعًا إلَّا أنَّه لا يستوجب البطلان. فما في (الرياض) من عدم بطلان الصلاة بالتكتف مطلقًا هو الصواب، وإن كان الاحتياط حذرًا عن مخالفة المشهور، بل الإجماع المنقول ممّا لا ينبغي تركه».
[«شرح العروة الوثقى» (15/426)].
خامسًا: قد أبطل كثير من الشيعة صلاة من يضم يديه في الصلاة على صدره -كما سبق تقريره- في حين أنهم لم يبطلوا صلاة من يضم الجارية.
قال السبزواري: «في الصحيح عن مسمع قال: سألت أبا الحسن .
فقلت: أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها إلي؟ قال: لا بأس».
[«ذخیرة المعاد في شرح الإرشاد» السبزواري (2/356)].
وهذه الرواية ذكرها صاحب الوسائل تحت عنوان «عدم بطلان الصلاة بضم المرأة المحللة ورؤية وجهها».
[«وسائل الشيعة» الحر العاملي (4/1272)].
سادسًا: إن أعظم الناس تعظيمًا للمجوس هم الشيعة، بل قد وصل الأمر عندهم إلى مدح كسرى الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه لا يعذب في النار.
روى المجلسي في «البحار»: «عن عمار الساباطي قال: قدم أمير المؤمنين رضى الله عنه المدائن فنزل بإيوان كسرى … ثم نظر S إلى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة، ثم جاء إلى الإيوان وجلس وفيه، ودعا بطست فيه ماء، فقال للرجل: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة لتخبرنِّي من أنا ومن أنت؟ فقالت الجمجمة بلسان فصيح: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيِّن، وإمام المتقين، وأما أنا فعبد الله، وابن أمة الله كسرى أنو شيروان.
فقال له أمير المؤمنين رضى الله عنه: كيف حالك؟ قال: يا أمير المؤمنين إني كنت ملكًا عادلًا شفيقًا على الرعايا رحيمًا ، لا أرضى بظلم، ولكن كنت على دين المجوس، وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم في زمان ملكي، فسقط من شرفات قصري ثلاثٌ وعشرون شرفة ليلة ولد، فهممت أن أؤمن به من كثرة ما سمعت من الزيادة من أنواع شرفه وفضله ومرتبته وعزه في السماوات والأرض ومن شرف أهل بيته، ولكني تغافلت عن ذلك وتشاغلت عنه في الملك، فيالها من نعمة ومنزلة ذهبت مني حيث لم أومن به، فأنا محروم من الجنة بعدم إيماني به، ولكني مع هذا الكفر خلصني الله تعالى من عذاب النار ببركة عدلي وإنصافي بين الرعية، وأنا في النار والنار محرمة علي».
[«بحار الأنوار» المجلسي (41/213/214)].
وقد ثبت تعظيم الشيعة لأعياد المجوس؛ كيوم النيروز، وغير ذلك من مظاهر مشابهة الرَّافضة للمجوس، وقد توسع في بيان ذلك الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري في كتابه «الأثر الفارسي في انحراف التشيع».
مواضيع شبيهة