زعم الشيعة أن عمر رضى الله عنه قال على المنبر: «قد فسوت»
قال القمي الشيرازي: «ومن عجائب رواياتهم أن عمر فسى على المنبر، وأخبر به المسلمين، لقلة حيائه، وعدم انفعاله. ذكر عبد الله بن مسلم، من رواتهم المتعصبين في (المجلد الأول) من كتاب «عيون الأخبار»، أن عمر قال على المنبر: «ألا إني قد فسوت، وها أنزل لأعيد الوضوء».
[«كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي» ص[575]].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن هذه القصة رواها ابن قتيبة الدينوري، فقال: «قال المدائني: بينا عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه على المنبر إذ أحسّ من نفسه بريح خرجت منه، فقال: أيّها النَّاس، إنّي قد مثلت بين أن أخافكم في الله تعالى، وبين أن أخاف الله فيكم، فكان أن أخاف الله فيكم أحبّ إليّ، ألا وإنّي قد فسوت، وها أنا نازلٌ أعيد الوضوء».
[«عيون الأخبار» ابن قتيبة الدينوري (1/267)].
وهذه القصة غير ثابتة لأمرين:
إننا لا نعرف لها إسنادًا عن المدائني.
الانقطاع بين المدائني، وعمر بن الخطَّاب رضى الله عنه.
قال الذهبي في ترجمة المدائني: «ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائة».
[«سير أعلام النبلاء» الذهبي (10/400)].
ومن ثمَّ، فالقصة ضعيفةٌ، لا يحتج بها.
ثانيًا: على فرض التسليم بها، يكون هذا الأمر قد حصل اضطرارًا من عمر ابن الخطَّاب رضى الله عنه لا عمدًا، فنزل عن المنبر؛ ليعيد الوضوء، وهذا ما يفهم من قوله: «فكان أن أخاف الله فيكم أحبّ إليّ».
وهذا أمر طبيعي يحصل لجميع البشر، فما هو وجه الشناعة والقبح فيه؟!
ثالثًا: إن أهل الفطر السوية، والقلوب السليمة، يرون في هذا الموقف فضيلةً لعمر بن الخطَّاب رضى الله عنه ويلمسون فيه هضمه لنفسه، وزجرها عن الكبر.
قال الماوردي: «وربّما أحسّ ذو الفضل من نفسه ميلًا إلى المراءاة، فبعثه الفضل على هتك ما نازعته النّفس منَ المراءاة، فكان ذلك أبلغ في فضله، كالّذي حكي عن عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه أنَّه أحسّ على المنبر بريحٍ خرجت منه، فقال: أيّها النَّاس، إنّي قد مثلت بين أن أخافكم في الله تعالى، وبين أن أخاف الله فيكم، فكان أن أخاف الله فيكم أحبّ إليّ، ألا وإنّي قد فسوت، وها أنا نازلٌ أعيد الوضوء. فكان ذلك منه زجرًا لنفسه لتكفّ عن نزاعها إلى مثله».
[«أدب الدنيا والدين» الماوردي ص[106]].
لكنّ القوم قد انتكست فطرهم، وانقلبت فهومهم؛ حتى أضحى الواحد منهم يرى في كل منقبةٍ مثلبةً!
رابعًا: إن كان فعل عمر بن الخطَّاب رضىالله عنه، مستقبحًا ومستنكرًا، فماذا يقولون في صنيع زرارة الذي ضرط في لحية الإمام، بلا حياء ولا خجل؟!
روى الكشي بسنده، عن زرارة قال: «سألت أبا عبد الله عن التشهد. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قلت: التحيات الصلوات. قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت قلت: إن لقيته لأسألنه غدًا، فسألته من الغد عن التشهد. فقال کمثل ذلك، قلت: التحيات والصلوات. قال: التحيات والصلوات، قلت: ألقاه بعد يوم لأسألنه غدًا، فسألته عن التشهد فقال کمثله، قلت: التحيات والصلوات. قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته، وقلت: لا يفلح أبدًا».
[«رجال الکشي» الطوسي ص[159]].
فما حكم زرارة – وهو الثقة الجليل عند القوم- الذي ضرط في لحية الإمام؟! وأيهما أعظم: آلفساء على المنبر، أم الضراط في لحية المعصوم؟!
وحتى يخرج علماء الرَّافضة من هذه الورطة، حاول بعضهم تحريف متن الرواية، ولكنه تحريف سخيف للغاية.
فقد ذكر الرواية التستري، بلفظ: «عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عن التشهّد؟ فقال: أشهد أنَّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ فلمَّا خرجت قلت: إن لقيته لأسألنّه غدًا، فسألته من الغد عن التشهّد، فقال كمثل ذلك، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ قلت: ألقاه بعد يوم لأسألنّه غدا، فسألته عن التشهّد، فقال كمثله، قلت: التحيّات والصلوات؟ قال: التحيّات والصلوات؛ فلمَّا خرجت ضرطت في لحيتي! وقلت: لا يفلح أبدا!».
[«قاموس الرجال» محمد تقی شوشتري (4/433)].
وهذا التحريف من أسخف ما يكون، فكيف يعقل أن الإنسان يضرط في لحية نفسه؟!
خامسًا: أيهما أشنع وأقبح، هذا الأمر الذي وقع من عمر رضىالله عنه- على فرض ثبوته – أم سبّ شخص لامرأة في المسجد، بأقبح الأوصاف وأشنع العبارات؟!
روى المفيد بإسناده، عن الأصبغ بن نباتة، قال: كنا وقوفًا على أمير المؤمنين بالكوفة، وهو يعطي العطاء في المسجد، إذ جاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، أعطيت العطاء جميع الأحياء ما خلا هذا الحي من مراد لم تعطهم شيئًا، فقال: اسكتي يا جريئة، يا بذية، يا سلفع، يا سلقلق، يا من لا تحيض كما تحيض النساء…».
[«الاختصاص» الشيخ المفيد ص[304-305]].
وفي رواية: «يا التي على هنها شيء بيّنٌ مدلى».
[«بحار الأنوار» المجلسي (41/293)].
فهل يجوز أن تصدر هذه الكلمات القبيحة في المسجد وأمام الناس جميعًا؟!
وأيهما أقبح، انتقاض الوضوء على المنبر- وهو أمر غير اختياري- أم التفحش بالقول في المسجد؟!
مواضيع شبيهة
ادعاء الشيعة أن عمر بن الخطَّاب لم يكن شجاعًا في الحروب؛ ولذلك لم يقتل مشركًا