7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

زعم الشيعة كراهية عليٍّ لمحضر عمر

0

 

روى الإمامان البخاري ومسلم: «عن عروة، عن عائشة،… وكان لعليٍّ من النَّاس وجهٌ حياة فاطمة، فلمَّا توفّيت استنكر عليٌّ وجوه النَّاس، فالتمس مصالحة أبي بكرٍ ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكرٍ: أن ائتنا ولا يأتنا أحدٌ معك، كراهيةً لمحضر عمر، فقال عمر: لا واللّه لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكرٍ: وما عسيتهم أن يفعلوا بي، واللّه لآتينّهم، فدخل عليهم أبو بكرٍ، فتشهّد عليٌّ، فقال: إنَّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك، ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنَّا نرى لقرابتنا من رسول الله ﷺ نصيبًا، حتَّى فاضت عينا أبي بكرٍ، فلمَّا تكلّم أبو بكرٍ قال: والّذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ﷺ أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأمّا الّذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال، فلم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله ﷺ، يصنعه فيها إلَّا صنعته، فقال عليٌّ لأبي بكرٍ: موعدك العشيّة للبيعة، فلمَّا صلّى أبو بكرٍ الظّهر رقي على المنبر، فتشهّد، وذكر شأن عليٍّ وتخلّفه عن البيعة، وعذره بالّذي اعتذر إليه، ثمَّ استغفر وتشهّد عليٌّ، فعظّم حقّ أبي بكرٍ، وحدّث: أنَّه لم يحمله على الّذي صنع نفاسةً على أبي بكرٍ، ولا إنكارًا للّذي فضّله الله به، ولكنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيبًا، فاستبدّ علينا، فوجدنا في أنفسنا، فسرّ بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى عليٍّ قريبًا، حين راجع الأمر المعروف»

[«صحيح البخاري» (5/139)، «صحيح مسلم» (3/1380)].

 

يقول عبد الصمد شاكر – معلقًا-: «مدلول هذه الرواية الطويلة والمستفاد منها أمور، نذكر بعضها: … تنفّر عليّ من عمر، وكراهيته لحضوره».

[«نظرة عابرة إلى الصحاح الستة» عبد الصمد شاكر ص[233]].

 

والجواب على هذه الشبهة من وجوه

 أولًا: إن الصحابة -رضوان الله عليهم- بشرٌ، لم يسلموا من النزعات الإنسانية، فلم يكونوا أنبياء معصومين؛ لكنهم إلى بقية المسلمين من أولهم إلى آخرهم، بل إلى جميع الأمم من لدن آدم ، إلى قيام الساعة -ما خلا الأنبياء- هم أطهر قلوبًا، وأزكى نفوسًا، وأصفى سريرةً، وأرفع خصالًا، وأحسن أخلاقًا، وأسمى سلوكًا.

قال تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا ٢٩ ﴾ [الفَتۡح: 29] .

دل على ذلك حتى روايات الشيعة، فقد روى ابن بابويه القمي: «عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ، قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ، اثني عشر ألفًا، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من مكة، وألفان من الطلقاء، ولم ير فيهم قدري، ولا مرجي، ولا حروري، ولا معتزلي، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز
الخمير».

[«الخصال» الصدوق ص[639 640]].

 

وانظر إلى قلب علي وكيف يرحم من وقع بينه وبينه قتال، وكيف أنه يشهد له بالجنة، ففي «الاعتقاد» للبيهقي: «عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه، قال: قال عليٌّ: إنّي لأرجو أن أكون وطلحة والزّبير من الَّذين قال الله : ﴿ وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ ٤٧ ﴾ [الحِجۡر: 47] ، وكان أمير المؤمنين عليٌّI بريئًا من قتل عثمان، وكان يقول: والله ما قتلت ولا أمرت ولا رضيت ولا شاركت في قتل عثمان، ولكن غلبت».

[ «الاعتقاد» للبيهقي ص[373]].

 

فهذا حال قلب علي  تجاه أصحاب النبي ﷺ

 

 ثانيًا: الرواية التي يستدلون بها على وقوع كراهةٍ بين علي وعمر رضى الله عنهما، هي نفسها قد فسر فيها نوع الكراهة وسببها، فجاءت الرواية في الصحيحين بلفظ: «كراهيةً لمحضر عمر» فالكراهة إنما هي موجهة لمجرد حضور عمر في موقف بعينه، وليست موجه للشخص نفسه، ثم قد جاءت الرواية مبينة السبب الذي لأجله كره علي بن أبي طالب رضى اللهعنه حضور عمر في ذلك الموقف.

 فعند الطبراني وغيره جاءت الرواية بلفظ: «وكره عليٌّ أن يشهدهم عمر، لما يعلم من شدّة عمر».

[«مسند الشاميين» للطبراني (4/198)، «مسند أبي بكر الصديق» لأحمد بن علي المروزي ص[87]، «مصنف عبد الرزاق» الصنعاني (5/471)].

 

فالموقف موقف مصالحة يحتاج إلى لين أكثر من احتياجه إلى الشدة، وحتى إن كانت الشدة في الحق ممدوحة، لكن عليًّا يعلم أن أبا بكر أرحم وأصبر من عمر، وليس كل رجل يصلح لكل موقف، فقد يحب المرء أولاده جميعًا، لكنه يكره حضور واحد منهم في مجلس صلح؛ لما يعمله من شدته، وعدم صبره على أي أذى يسمعه، فهو يكره حضوره إذا حضر مع تمام محبته له، ومن فهم هذه تلاشى عنده هذا الإشكال.

 

 ثالثًا: قد بيّن أهل العلم مراد عليّ، من خلال سياق القصة، وبما يليق بأصحاب النبي ﷺ، وإليك بعض كلامهم في ذلك.

قال الحافظ: «والسّبب في ذلك ما ألفوه من قوّة عمر وصلابته في القول والفعل، وكان أبو بكرٍ رقيقًا ليّنًا، فكأنّهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة الَّتي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة».

[«فتح الباري» لابن حجر (7/494)].

 

وقال النووي: «أمّا كراهتهم لمحضر عمر فلما علموا من شدته وصدعه بما يظهر له فخافوا أن ينتصر لأبي بكر رضى الله عنه، فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكرٍ، وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له، فخافوا أن يكون حضور عمر سببًا لتغيّرها، وأمّا قول عمر لا تدخل عليهم وحدك، فمعناه أنَّه خاف أن يغلظوا عليه في المعاتبة، ويحملهم على الإكثار من ذلك لين أبي بكرٍ وصبره عن الجواب عن نفسه، وربّما رأى من كلامهم ما غيّر قلبه، فيترتّب على ذلك مفسدةٌ خاصّةٌ أو عامّةٌ، وإذا حضر عمر امتنعوا من ذلك».

[«شرح النووي على مسلم» (12/87)].

 

وقال العيني: «قوله: «كراهية لمحضر عمر» أي: لأجل الكراهة لحضور عمررضى الله عنه، والمحضر: مصدر ميمي بمعنى الحضور، ويروى: كراهية ليحضر عمر، أي: لأن يحضر؛ وذلك لأن حضوره كان يوجب كثرة المعاتبة والمعادلة، فقصدوا التّخفيف لئلّا يفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. قوله: «فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك»؛ لأنَّه توهم أنهم لا يعظمونه حق التّعظيم، وأما توهمه ما لا يليق بهم فحاشاه وحاشاهم من ذلك».

[«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (17/259)].

 

 

رابعًا: دلائل المحبة بين علي وعمر رضى الله عنهما، أكثر من أن تحصر، أذكر بعضها إجمالًا، فمن ذلك:

تزويج علي ابنته أم كلثوم لعمر ، وهذا ثابت عند أهل السُّنَّة

[وانظر: «صحيح البخاري» باب [حمل النّساء القرب إلى النَّاس في الغزو] (4/33)، «الطبقات الكبرى» ابن سعد (3/266)].

 

، وثابت أيضًا عند الشيعة.

[انظر: «الكافي» الكليني (6 /115)، وقال المجلسي عن الرواية في «مرآة العقول» (21/ 197): «موثق». «الكافي» الكليني (6/115 116)، وقال المجلسي عن الرواية في «مرآة العقول» (21/ 199): «صحيح». «روضة المتقين» محمد تقي المجلسي (9/90)، «تهذيب الأحكام» الطوسي (9/362 363). «الكافي» الكليني (5/346)].

 

وقد روى الشيعة عن علي قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

وفي «دعائم الإسلام»: عن النبي ﷺ، أنه نهى أن يرد المسلم أخاه المسلم إذا خطب إليه ابنته رضي دينه، وقال: «إلا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير».

[«مستدرك الوسائل» النوري الطبرسي (14/ 187-188)].

 

فمن المستحيل طبعًا وديانة أن يزوج علي  ابنته من رجل يكره مجالسته.

تسمية علي بن أبي طالب  ابنه (عمر)، وهذا دليل محبة. قال المفيد: باب [ذكر أولاد أمير المؤمنين]: «… وعمر ورقيةً كانا توأمين، وأمُّهما أمّ حبيب بنت ربيعة».

[«الإرشاد» المفيد ص[354].  وانظر: «كشف الغمة»ابن أبي الفتح الإربلي(2/6).«بحار الأنوار» المجلسي(42/74)].

 

وقد روى شيخ الزيدية المرشد بالله، بسنده: «عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال:… فمررت بأحسن منه وهو جالسٌ إلى جنب عليٍّ، فقلت له: عافاك الله، من هذا الفتى إلى جنبك؟ قال: هذا عثمان بن عليٍّ، سمّيته باسم عثمان بن عفّان، وقد سمّيت بعمر ابن الخطَّاب».

[«الأمالي الإثنينية» (1/ 488)].

 

وروى ابن أبي الدنيا قال: «حدثنا الحسين، نا عبد الله قال: قال زبير، وحدثني محمد بن سلام، قال: قلت لعيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: كيف سمى جدك علي عمر؟ قال: سألت عن ذلك أبي، فأخبرني عن أبيه عن عمر بن علي قال: ولدت لأبي بعد ما استخلف عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه، فقال له: يا أمير المؤمنين، ولد لي الليلة غلام. قال: هبه لي. قال: فقلت: هو لك. قال: قد سميته عمر، ونحلته غلامي مورق. قال: فله الآن ولد كثير بينبع».

[«مقتل علي» ص[102]].

 

قلت: والتسمية من دلائل المحبة بلا شك.

ففي «روضة المتقين»: «وفي القوي، عن ابن القدّاح عن أبي عبد الله  قال: جاء رجلٌ إلى النَّبي ﷺ. فقال: يا رسول الله، ولد لي غلامٌ، فماذا أسمّيه؟ قال: سمّه بأحبّ الأسماء إليّ حمزة».

[«روضة المتقين» محمد تقي المجلسي (8 /627)].

 

وقد رد النهي عن التسمي بأسماء أعداء أهل البيت:

فقد رووا عن أبي جعفر، أنه قال: «إن الشيطان إذا سمع مناديًا ينادي باسم عدو من أعدائنا اهتز واختال».

[«مستدرك الوسائل» للنوري الطبرسي (15/132)؛ «الكافي» للكليني (6/20)، «وسائل الشيعة» للحر العاملي (21/393، 398 )؛ «جامع أحاديث الشيعة» للبروجردي(21/337)؛ «موسوعة أحاديث أهل البيت S» لهادي النجفي (12/244)].

 

فهل كان علي بن أبي طالب رضى الله عنه يرضي الشيطان عندما كان ينادي على ابنه عمر أم يغضبه؟!

ولذلك بوب الحر العاملي باب [كراهة التسمية بأسماء أعداء الأئمة ].

[«وسائل الشيعة» للعاملي (15/130)].

 

الهدايا: «لا شك أن الهدية دليل محبة»، وقد رووا في «الكافي»: «عن أبي عبدالله  قال: قال رسول الله ﷺ: «تهادوا تحابوا، تهادوا فإنها تذهب بالضغائن»

[«الكافي» الكليني (5/144)].

 

وقد روى ابن سعد في «الطبقات» أن عمر: «فرض لأبناء البدريّين ألفين ألفين، إلا حسنًا وحسينًا فإنَّه ألحقهما بفريضة أبيهما؛ لقرابتهما برسول الله ﷺ، ففرض لكلّ واحدٍ منهما خمسة آلاف درهمٍ».

[«الطبقات الكبرى» ط. العلمية (3/225)].

 

وروى ابن أبي شيبة، عن أبي السّفر، قال: «رئي على عليٍّ بردٌ كان يكثر لبسه، قال: فقيل له: إنّك لتكثر لبس هذا البرد، فقال: «إنّه كسانيه خليلي وصفيّي وصديقي وخاصّي عمر، إنّ عمر ناصح الله فنصحه الله، ثمَّ بكى».

[«مصنف ابن أبي شيبة» (6/356)].

 

كثرة حضور علي في مجالس عمر رضى الله عنه، وعلى هذا دلائل كثيرة:

في رواية الصدوق، قال علي بن أبي طالب لليهودي في مسجد الكوفة: «..وأما الرابعة يا أخا اليهود، فإن القائم بعد صاحبه (يقصد عمر بن الخطَّاب) كان يشاورني في موارد الأمور، فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها، فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدًا ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري…».

[«الخصال» ص[374]].

 

ومن راجع خطب «نهج البلاغة» لما استشاره عمر في غزو الروم

[ «نهج البلاغة» (٢/١٨)].

 

أو لما استشاره لقتال الفرس [ «نهج البلاغة» (٢/29-30)].من تأمل في تلك الخطب عرف المحبة التي كانت بينهم .

وقد اعترف المجلسي أن تلك المشاورات كانت في مصلحة الإسلام والمسلمين.

[«بحار الأنوار» (31 /140)].

 

 خامسًا: ربما يشغب بعضهم بقول علي: «ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنَّا نحن نرى لنا حقًّا لقرابتنا من رسول الله H».

فنقول: إن كلمة استبد في لغة العرب إنما هي بمعنى الانفراد عن الشخص برأي ما.

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «واستبدّ فلانٌ بكذا أي انفرد به؛ وفي حديث عليٍّ، رضوان الله عليه: كنّا نرى أن لنا في هذا الأمر حقًّا فاستبددتم علينا؛ يقال: استبدّ بالأمر يستبدّ به استبدادًا إذا انفرد به دون غيره. واستبدّ برأيه: انفرد به».

[«لسان العرب» (3/81)].

 

ولا يفهم من ذلك أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما، كانا ينفردان بالرأي دون علي في كل شيء، وما حدث في أمر السقيفة إلا بسبب انشغال علي بتجهيز النبي ، فلكل أحد من الصحابة دوره في قيادة الأمة في تلك المرحلة الصعبة، وإلا فلم يكن يجوز للصحابة أن يبقوا الأمة دون حاكم لمدة يومين أو أكثر -نهار الاثنين، وليلة الثلاثاء ونهاره، ثم دفن ، وسط ليلة الأربعاء- حتى ينتهوا من تجهيز النبي ، والصلاة عليه ودفنه .

وقد روى الشيعة عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قال: «الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالًا كان أو مهتديًا، أن لا يعملوا عملًا ولا يقدموا يدًا ولا رجلًا، رجاء أن يختاروا لأنفسهم إمامًا عفيفًا عالمًا ورعًا عارفًا بالقضاء والسنة، يجبي فيئهم، ويقيم حجهم وجمعهم، ويجبي صدقاتهم».

[ «مستدرك الوسائل» (6/14)].

 

وليس من الواجب استيفاء حضور كل فرد من أفراد الحل والعقد وانتظاره، وإلا لتعطلت مصالح الأمة بمجرد غياب فرد من أفرادها، والذي قرر هذا الحكم هو علي بن أبي طالب لما قال في «نهج البلاغة»: «فلم يكن للشّاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ»

 

وقد سلّم علي بن أبي طالب رضى الله عنه ورضي باختيار الصديق، لكنه فقط كان يحب أن يشارك في المشورة؛ كونه من أقرب الناس لرسول الله .

وإليك كلام أهل العلم في تفسير كلام علي بن أبي طالب رضى الله عنه:

قال الحافظ: «وقوله: «استبددت» في رواية غير أبي ذرٍّ «واستبدت» بدالٍ واحدةٍ وهو بمعناه، وأسقطت الثّانية تخفيفًا كقوله:﴿ لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ ٦٥ ﴾ [الوَاقِعَة: 65]، أصله ظللتم، أي: لم تشاورنا، والمراد بالأمر الخلافة، قوله: «وكنَّا نرى» بضمّ أوّله ويجوز الفتح، قوله: «لقرابتنا» أي: لأجل قرابتنا من رسول الله . نصيبًا، أي: لنا في هذا الأمر، قوله (حتَّى فاضت) أي: لم يزل عليٌّ يذكر رسول الله . حتَّى فاضت عينا أبي بكرٍ من الرّقّة.

قال المازريّ: «ولعلّ عليًّا أشار إلى أنَّ أبا بكرٍ استبد عليه بأمورٍ عظامٍ كان مثله عليه أن يحضره فيها ويشاوره، أو أنَّه أشار إلى أنَّه لم يستشره في عقد الخلافة له أوّلًا، والعذر لأبي بكرٍ أنَّه خشي من التّأخّر عن البيعة الاختلاف لما كان وقع من الأنصار، كما تقدّم في حديث السّقيفة فلم ينتظروه. قوله: «شجر بيني وبينكم» أي: وقع من الاختلاف والتّنازع، قوله: «من هذه الأموال» أي: الَّتي تركها النَّبي

[«ذكره ابن المنذر» ونقله عنه النووي في «المجموع» (8/153)].

 

«ذكره ابن المنذر» ونقله عنه النووي في «المجموع» (8/153). من أرض خيبر وغيرها، قوله (فلم آل) أي: لم أقصّر».

 

وقال العيني: «قوله: «استبددت» من الاستبداد، وهو الاستقلال بالشّيء، ويروى: استبدت، بدال واحدة وهو بمعناه وهذا مثل قوله: [ﮥ ﮦ] [m:65]، أي: فظللتم. قوله: «بالأمر» أي: بأمر الخلافة «وكنَّا نرى» بضم النّون وفتحها. قوله: «لقرابتنا من رسول الله »، أي: لأجل قرابتنا من رسول الله ».

[«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (17/259)].

 

وقال القسطلاني: «ولكنك استبددت»: «بدالين إحداهما مفتوحة والأخرى ساكنة «علينا بالأمر» أي: لم تشاورنا في أمر الخلافة، «وكنا نرى» بفتح النون في الفرع كأصله وبالضم، «لقرابتنا من رسول الله نصيبًا» من المشاورة، ولم يزل علي يذكر له ذلك «حتى فاضت عينا أبي بكر» من الرقة «فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الليلة أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم» أي: وقع فيه التنازع والاختلاف «من هذه الأموال» التي تركها النبي ، من فدك وغيرها «فلم»، ولأبوي ذر والوقت فإني لم، «آل» بمد الهمزة وضم اللام لم أقصر، «فيها» في الأموال، «عن الخير ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله يصنعه فيها إلا صنعته».

[«إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (6/376)].

 

إذًا فقد كان  شابًا ابن ثلاث وثلاثين[«الاحتجاج» للطبرسي (١/٩٦)]. يريد أن يشارك في الأمور العظام، ولكونه من أقرب الناس لرسول الله ، ولذلك لم يقل علي: أنكم اغتصبتم الخلافة، أو كفرتم بعد إيمان، ولا شيء مما يقوله الشيعة، بل وهو بنفسه فسّر هذا الاستبداد بقوله: «ثمَّ استغفر وتشهّد عليّ بن أبي طالبٍ، فعظّم حقّ أبي بكرٍ، وأنّه لم يحمله على الّذي صنع نفاسةً على أبي بكرٍ، ولا إنكارًا للّذي فضّله الله به، ولكنّا كنّا نرى لنا في الأمر نصيبًا، فاستبدّ علينا به، فوجدنا في أنفسنا، فسرّ بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، فكان المسلمون إلى عليٍّ قريبًا حين راجع الأمر المعروف».

[«صحيح مسلم» (3/1380)]

 

وأنتم تقولون: إنّ عليًّا  لم يبايع، أو على الأقل تأخرت بيعته ستة أشهر، فالسؤال: إذا كان ثمَّ استبداد بالمعنى الذي تقصدون، فلماذا لم يقم أبو بكر وعمر  بإرغامه على البيعة في ذلك الوقت؟!

 

 سادسًا: روى الصدوق، عن مروان الأنباريّ، قال: «خرج من أبي جعفرٍ  إنّ الله إذا كره لنا جوار قومٍ نزعنا من بين أظهرهم»[33].

 

 

فإذا كان الله لم ينزع عليًّا من جوار عمر رضى الله عنه، فقد رضي له جواره، وقد رضي علي جواره بالتبع، وهذا دليل محبة بلا شك، وإلا لوجب على عليّ أن يهاجر ويترك أرض الظالمين التي استضعف فيها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمۡۖ قَالُواْ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوٓاْ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ٩٧ ﴾ [النِّسَاء: 97].

وقد ترحم عليّ على عمر رضى الله عنه، وتمنى أن يلقى الله تعالى بعمل عمر رضى الله عنه؛ كما ورد في صحيحي البخاري ومسلم

[«صحيح البخاري» باب [مناقب عمر بن الخطَّاب أبي حفصٍ القرشيّ العدويّ I] (5/11)، و«صحيح مسلم» باب [من فضائل عمر] (4/1858)].

 

وقد ورد في كتبهم ثناؤه العطر على عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه بعد موته: قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: «لله بلاد فلان، فلقد قوَّم الأود، وداوى العمد، وأقام السُّنَّة، وخلّف الفتنة! ذهب نقيّ الثّوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرّها، أدّى إلى الله طاعته، واتّقاه بحقّه، رحل وتركهم في طرق مُتشعِّبة، لا يهتدي بها الضّالّ، ولا يستيقن المهتدي»

[«نهج البلاغة» ص[561]].

 

يقول ابن ميثم البحراني: «وقوله: (لله بلاد فلان) لفظ يقال في معرض المدح، كقولهم لله دره، ولله أبوه، وأصله أن العرب إذا أرادوا مدح شيء وتعظيمه نسبوه إلى الله تعالى بهذا اللفظ، وروي لله بلاء فلان: أي عمله الحسن في سبيل الله، والمنقول أن المراد لفلان عمر».

[«شرح نهج البلاغة» (2/87)].

 

وقال علي بن أبي طالب  في نص آخر: «وقال  في كلام له: ووليهم وال فأقام واستقام، حتَّى ضرب الدِّين بجرانه».

[«نهج البلاغة» ص[891]].

 

قال ابن ميثم البحراني: «المنقول أن الوالي هو عمر بن الخطَّاب».

[«شرح نهج البلاغة» (5/432)].

 

وبعد كل ما تقدم من المدح وغيره، فمن يقول إنّ عليًّا كان لا يحب عمر، فضلًا عن كراهة مجالسته، فهو مكابر!.

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه يمنع رسول الله ﷺ من الصلاة على عبد الله بن أبي ابن سلول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.