قالوا بأن فاطمة غضبت على أبي بكر حتى ماتت بسبب منعها ميراثها.
قال الشيعة إن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وإن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، ورووا في ذلك روايات منها عند ابن طاووس في الطرائف قال: “وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ رَفَعَهُ إِلَى الرِّضَا ع أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَوْلَادِ الْبَرَامِكَةِ عَرَضَ لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا ع فَقَالَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ قَالَ لَهُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَأَلَحَّ السَّائِلُ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الْجَوَابِ فَقَالَ ع كَانَتْ لَنَا أُمٌّ صَالِحَةٌ مَاتَتْ وَ هِيَ عَلَيْهِمَا سَاخِطَةٌ وَ لَمْ يَأْتِنَا بَعْدَ مَوْتِهَا خَبَرٌ أَنَّهَا رَضِيَتْ عَنْهُمَا.
[اسم الکتاب : الطرائف في معرفة مذهب الطوائف المؤلف : السيد بن طاووس الجزء : 1 صفحة : 252].
وفي كتاب السقيفة وفدك قال: “وحدثني المؤمل بن جعفر، قال: حدثني محمد بن ميمون، عن داود بن المبارك، قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسين، ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل. وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر، وعمر فقال: سأل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة، فقال: كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل، فماتت وهي غضبى على انسان، فنحن غضاب لغضبها، وإذا رضيت رضينا”.
[اسم الکتاب : السقيفة وفدك المؤلف : الجوهري البصري البغدادي، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 118].
واستدلوا على ذلك ايضا بروايات من الصحيحين وغيرهما نعرض لها في ثنايا البحث.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه :
أولا: الروايات التي ذكروها من كتبهم لا تصح إسنادا، فأما الرواية الأولى فهي منقطعة الإسناد، وأما رواية كتاب السقيفة وفدك فأكثر رجالها مجاهيل، فداود بن المبارك والمؤمن بن جعفر لم أجد لهم ترجمة في كتب الرجال، وعبدالله بن موسى بن عبد الله بن حسن ذكره الشاهرودي في مستدركات علم الرجال ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، مستدركات علم رجال الحديث المؤلف : [النمازي الشاهرودي، الشيخ علي الجزء : 5 صفحة : 118].
فالرجل مجهول الحال عند الشيعة.وأما روايات أهل السنة فقد استدلوا برواية مشهورة جاءت في الصحيحين وغيرهما، وإليك النص من صحيح الإمام مسلم 52 – (1759) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَخْبَرَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَالِ»، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلًا
[مسلم، صحيح مسلم، ١٣٨٠/٣].
وفي رواية البخاري: “فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا المَالِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ، قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ”.
[البخاري، صحيح البخاري، ١٤٩/٨].
وقد اختلف أهل العلم حول كلمة “فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ” هي هي مدرجة من قول الزهري كعادته في إدراج كلامه مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا أو تعليقا، أم هي من كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟
ولنقف على حقيقة الأمر لابد من معرفة كيف نميز المدرج من غيره.قال السيوطي: “فَأَمَّا مُدْرَجُ الْمَتْنِ: فَتَارَةً يَكُونُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، كَمَا ذَكَرَهُ، وَتَارَةً فِي أَوَّلِهِ، وَتَارَةً فِي وَسَطِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ، وَغَيْرُهُ.وَالْغَالِبُ وُقُوعُ الْإِدْرَاجِ آخِرَ الْخَبَرِ، وَوُقُوعُهُ أَوَّلَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَسَطِهِ ; لِأَنَّ الرَّاوِيَ يَقُولُ كَلَامًا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِالْحَدِيثِ، فَيَأْتِي بِهِ بِلَا فَصْلٍ، فَيُتَوَهَّمُ أَنَّ الْكُلَّ حَدِيثٌ.
[السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، ٣١٧/١].
وقال: “وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِوُرُودِهِ مُنْفَصِلًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، أَوْ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرَّاوِي، أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُطَّلِعِينَ، أَوْ بِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ ذَلِكَ”.
[السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، ٣١٥/١].
وقال الصنعاني: “واعلم أن الطريق إلى معرفة المدرج من وجوه: …الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع بإضافته إلى قائله.
[الصنعاني، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، ٤٨:٤٧/٢].
وبعدما عرفنا كيف نميز بين المدرج وغيره لابد أن نعرف أن الزهري كان كثير الإدراج، ولذلك ذكر الخطيب البغدادي في كتابه الفصل للوصل المدرج في النقل نحوا من ثلاثين حديثا للزهري وميز إدراجه فيها، ولذلك فقد كان تلاميذ الزهري ينهونه عن ذاك وهذا شيء يشبه التدليس لكنه تدليس متن قال الزركشي: “وَأما تَدْلِيس الْمُتُون فَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه المحدثون المدرج وَهُوَ أَن يدرج فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلَام غَيره فيظن السَّامع أَن الْجَمِيع من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم”.
[الزركشي، بدر الدين، النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي، ١١٣/٢].
قلت وقد روى تلك الرواية –هجران فاطمة- عن الزهري صالح بن كيسان، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، ومعمر بن أبي راشد، وإسحاق بن راشد، والوليد بن محمد الموقري، وميّز معمر في روايته بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصديق وكلام أم المؤمنين وكلام الزهري، وقد جاءت رواية معمر في البخاري وقد سبق إيرادها عن معمر والتي فيها “قال: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ”.«قَالَ: فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَةً لَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ»
[«المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح» (2/ 337)].
«قَالَ: فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها وَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَكَانَ لِعَلِيٍّ»
[«السنن الكبرى – البيهقي» (6/ 489 ط العلمية)].
وجاءت مفصله أيضا عند عبد الرزاق: “عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ، وَالْعَبَّاسَ، أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرٍ – فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمَالِ» وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ، إِلَّا صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ حَظْوَةٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ، فَمَكَثَتْ فَاطِمَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: فَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى بَايَعَهُ عَلِيٌّ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ، أَسْرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ…”
[عبد الرزاق الصنعاني، مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ٤٧١/٥].
هكذا رواه عبدالرزاق قاله عنه : محمد بن يحيی ومحمد بن علي الصنعاني أخرجها أبو عوانة في مسنده ( ٦٦٧٩ ) وأبو صالح الشراري وإسحاق الدبري – أخرجها الطبري في « تاريخه ، ( ۲/ ۲۳٦) . واحمد بن منصور عند البيهقي ( ۳۰۰/٦ ) وتوبع عبد الرزاق عليه تابعه محمد بن ثور عن معمر ، كما في أخبار المدينة لابن شبة ( ۱/ ۱۲۲ح٥٤٩ ) . وتابعه هشام بن يوسف الصنعاني عند البخاري ( ٦٣٤٦ ).لكن رواه المروزي في مسند أبي بكر (۳۸) حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا أبو بکر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة : « أن فاطمة والعباس أتیا أبا بكر رضي الله عنهما يلتمسان میراثهما من رسول الله … وفيه : قالت : فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي رضي الله عنه ليلا ولم يؤذن بها أبو بكر قالت فكان لعلي رضي الله وجه من الناس حياة فاطمة رضي الله عنها فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي فمكثت فاطمة ستة اشهر بعد رسول الله ثم توفيت قال معمر : فقال رجل للزهري رحمه الله : فلم يبايعه ستة أشهر قال : لا ولا أحد من بني هاشم حتی بایعه علي .قلت : فجاء في الرواية (قالت فهجرته فاطمة) وليس (قال) وهي رواية فيها نظر فقد رواه عن عبد الرزاق :– محمد بن يحيی .- محمد بن علي الصنعاني .- أبو صالح الشراري .- إسحاق بن إبراهيم الدبري .- أحمد بن منصور كلهم بلفظ ( قال ) ، وهو الأصح . بل جاء في رواية شعيب وعقيل وصالح بن كيسان بلفظ “قال” وهو ما يؤكد أن فاعله رجل وليس امرأة فيكون مدرجا من كلام الزهري ولا عبرة بغير ذلك بدلالة أن الحجة للمبين على المجمل، وعليه فيكون القول بأن فاطمة هجرت أبا بكر ولم تكلمه حتى ماتت إنما هو من كلام الزهري ولا يصح. وإذا سلمنا أنه من كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فتأويله واضح، إذ أن “وجدت عليه” لا يلزم منه السخط والبغض في الله بل مجرد العتاب الإيماني الذي لا يخلو من أشد الناس مودة، ودليل ذلك أن الخلاف بينها وبين الصديق كان خلافا فقهيا لا عقديا، وقد اعترف بذلك علماء الشيعة يقول علي الشهرستاني: “إنّ أوّل اختلاف فقهيّ حصل بعد وفاة الرسول الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان الاختلاف بين فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وبين الخليفة أبي بكر، … فكان هذا أوّل خلاف بين المسلمين في القضاء والشهادات.
[اسم الکتاب : منع تدوين الحديث المؤلف : الشهرستاني، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 424].
والخلاف الفقهي لا يجوز فيه التباغض والهجران وإلا لزم أن يتهاجر كل علماء من الشيعة ويتقاطعون لأنه من من عالم إلا وله مسائل فقهية تخالف غيره.وعليه فهذا الوجد، والهجران محمول على ترك العتاب في تلك القضية.قال الحافظ: «وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَتُهَا انْقِبَاضًا عَنْ لِقَائِهِ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْهُجْرَانِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَلْتَقِيَا فَيُعْرِضُ هَذَا وَهَذَا وَكَأَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمَّا خَرَجَتْ غَضْبَى مِنْ عِنْدِ أَبِي بَكْرٍ تَمَادَتْ فِي اشْتِغَالِهَا بِحُزْنِهَا ثُمَّ بِمَرَضِهَا وَأَمَّا سَبَبُ غَضَبِهَا مَعَ احْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلِاعْتِقَادِهَا تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّهَا اعْتَقَدَتْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ لَا نُورَثُ وَرَأَتْ أَنَّ مَنَافِعَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ أَرْضٍ وَعَقَارٍ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُورَثَ عَنْهُ وَتَمَسَّكَ أَبُو بَكْرٍ بِالْعُمُومِ وَاخْتَلَفَا فِي أَمْرٍ مُحْتَمِلٍ لِلتَّأْوِيلِ فَلَمَّا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ انْقَطَعَتْ عَنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ لِذَلِكَ»
[«فتح الباري لابن حجر» (6/ 202)].
ثانيا: لو ثبت هذا عن فاطمة فإن الخطأ لا يكون عند من يتبع النبي صلى الله عليه وسلم وإنما عند من لا يعلم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الموضوع، وعليه فلو ترتب على فعل أبي بكر غضب فاطمة فالخطأ عندها لا عند الصديق، بل إن الشيعة قالوا بأن فعل المباح لا يقتضي حرمته ولو ترتب عليه إيذاء فاطمة؟ قلت : فما بالك لو كان الفعل واجبا لا مباحا فقط ؟!يقول الخوئي في المباني في شرح العروة الوثقى: “بل حتى ولو فرض كونه إيذاءً لها -أي فاطمة-، فإنّه لا دليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن قهراً، على ما ذكرنا في محلّه، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل لأنّ التزوّج بالثانية أمر مباح في حدّ نفسه، فمجرد تأذي فاطمة (عليها السلام) لا يقتضي حرمته” .
[المباني في شرح العروة الوثقى المؤلف : الخوئي، السيد أبوالقاسم – السيد محمد تقي الخوئي الجزء : 2 صفحة : 364].
ثالثا: لا نسلم أن فاطمه رضي الله عنها هجرت أبا بكر الهجران المحرم لانها لا يمكن أن تفعل ذلك ابدا ففي الحديث الصحيح عندهم عن أبي عبدالله عليه السلام قال “لا هجرة فوق ثلاث”
[اسم الکتاب : الکافی- ط دار الحدیث المؤلف : الشيخ الكليني الجزء : 4 صفحة : 55 ].
قال المجلسي في مرآة العقول ج10 ص 360 (حسن كالصحيح) قال المجلسي في شرحه (وظاهره انه لو وقع بين أخوين من أهل الإيمان موجدة أو تقصير في حقوق العشرة والصحبة وأفضي ذلك إلي الهجرة فالواجب أن لا يبقوا عليها فوق ثلاث ليال) .
وبناء عليه لابد أن نؤول هجران فاطمة رضي الله عنها بأنه ترك الكلام في قضية الميراث خاصة،قال الترمذي : حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ فَاطِمَةَ» جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَسْأَلُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنِّي لَا أُورَثُ قَالَتْ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكُمَا أَبَدًا، فَمَاتَتْ وَلَا تُكَلِّمُهُمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى: مَعْنَى لَا أُكَلِّمُكُمَا؛ تَعْنِي فِي هَذَا الْمِيرَاثِ أَبَدًا، أَنْتُمَا صَادِقَانِ
[«سنن الترمذي» (3/ 255 ت بشار)].
وقال النووي: «وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، وقوله في هذا الحديث (فلم تكلمه) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمتـــه»- [شرح صحيح مسلم 12/73].
قال القرطبي في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: “ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله، ولملازمتها بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال رسول الله: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله” [أخرجه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري في: كتاب الأدب، باب الهجرة، فتح الباري 10/492، ح، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي) 4/1984].
رابعا: ثبت في كتب السنة والشيعة أن الصديق ترضاها ورضيت
فقد صح «عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا فَاطِمَةُ، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: ” وَاللهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَمَرْضَاةِ رَسُولِهِ وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ “، ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ»
[«السنن الكبرى – البيهقي» (6/ 491 ط العلمية)].
ومرسل الشعبي صحيح كما قال أهل العلم، قال يحيى بن معين: “إذا حدث الشعبى عن رجل فسماه فهو ثقة يحتج بحديثه»
[«الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (6/ 323)].
قال العجلي: ”مرسل الشعبي صحيح، لا يرسل إلا صحيحًا صحيحًا»
[«الثقات للعجلي ط الباز» (ص244)].
وثبت أيضا رضا فاطمة عن الصديق في كتب الشيعة قال : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأخذ من فدك قوتكم ويقسم الباقي ويحمل منه في سبيل الله ، ولك عليّ الله أن أصنع بها كما كان يصنع، فرضيت بذلك وأخذت العهد عليه به.”
[الكتاب: شرح نهج البلاغة-المؤلف: ميثم البحراني -الجزء: 5 صفحة: 101].
خامسا: الرواية التي فيها إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك لا تصح لا إسنادا ولا متنا أما من ناحية الإسناد فجميع روايات جاءت من طريق ضعيفة وأكثرها من طريق حسين بن زيد فقد جاء عن الحاكم بسنده عن: “حُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضَى لِرَضَاكِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “[التعليق – من تلخيص الذهبي]4730 – بل حسين بن زيد منكر الحديث
[«المستدرك على الصحيحين للحاكم – ط العلمية» (3/ 167)].
وقد قال الامام ابو طاهر المقدسي بعد ان ذكر هذا الاثر وسنده : ” وَهَذَا يرويهِ حُسَيْن هَذَا، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث ” ذخيرة الحفاظ – أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد بن القيسراني المقدسي– ج 2 ص 783 .وقد توسع في تخريج أحاديث وجمع طرقة الدكتور ابراهيم المديهش في موسوعته، وقال في نهاية بحثه «الحكم على الحديث: الراجح في الحديث الوجه المرسل؛ لترجيح الإمام الدارقطني. والضعف في الحديث من حسين بن زيد، وهو مِمَّا أُنكر عليه ـ كما سبق في قول ابن عدي والذهبي ـ. وقد اضطرب فيه فرواه من وجوه عدة. وزيادةً على ضَعفِه، فإنَّ في الوجه الثاني: عليَّ بنَ عُمر بن علي، وفيه ضعف ـ كما سبق ـ، وفي الثالث: شذوذاً لمخالفة رواية الباقين، حيث رواه عن أبيه، وجعله من مسند الحسين.» ثم قال “لا يصح في المبحث حديث”
[«فاطمة بنت النبي – صلى الله عليه وسلم – سيرتها، فضائلها، مسندها – رضي الله عنها -» (5/ 250)].
وأما من ناحية المتن، فلا يجوز أن يعلق رضا الله وغضبه المطلق على رضا وغضب شخص غير معصوم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما صح: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ آذَيْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَصَلَاةً»
[«مسند أحمد» (12/ 262 ط الرسالة)]،
وعليه فالإطلاق في ذلك محال.
سادسا: لو صح الحديث لقلنا وجوبا: ليس كل غضب لفاطمة رضي الله عنها يكون بالضروره مغضبا لله ولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هذا لابد أن يكون بتحقق شروط وانتفاء موانع كسائر نصوص الوعيد وذلك أن من طبع بني آدم الغضب وقد يكون الغضب بحق أو بباطل فإذا كان بباطل فقطعا لا نقول بأنه يترتب عليه تحقق الوعيد وهذا كمن فعل المعصية متأولا أو جاهلا فلا يلزم منه تحقق الوعيد الوارد علي تلك المعصية، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد.» «صحيح الأدب المفرد» (ص33) فهل نقول إن كل غضب من الوالد علي ولده يستلزم غضب الله علي ذلك الولد؟! هذا لا يقول به إلا جاهل، وعليه فنقول -تنزلا- إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال عن فاطمه رضي الله عنها ذلك إنما أراد إدخالها في مقام أعلي من بنات المؤمنين كما أن نساؤه لهن مقام أعلي من بقية نساء المؤمنين بنص كتاب الله (وأزواجه أمهاتهم) فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطي لابنته فاطمة ميزة وواجبا على الأمه ألا يتسبب أحد في إغضابها ما استطاع إلي ذلك سبيلا، فإن غضبت بغير حق فلا يلزم منه غضب الرب تعالى.وقد جاء في كتب الشيعة أن من حق المؤمن أن تطيع أمره وترضيه ولا تسخطه وإلا خرجت من الولاية في كتاب المؤمن ص 40 ٩٣ – عن المعلى بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما حق المؤمن على المؤمن؟ قال: إني عليك شفيق، إني أخاف أن تعلم ولا تعمل وتضيع و لا تحفظ قال: فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.قال للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة، وليس منها حق إلا وهو واجب على أخيه إن ضيع منها حقا خرج من ولاية الله، وترك طاعته، ولم يكن له فيها نصيب.أيسر حق منها: أن تحب له ما تحب لنفسك، وأن تكره له ما تكرهه لنفسك، والثاني: أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويديك ورجليك، والثالث: أن تتبع رضاه، وتجتنب سخطه، وتطيع أمره“.فهل نقول بأن أي إغضاب لأي نؤمن يترتب عليه غضب الله تعالى دون تحقق شروط وانتفاء موانع؟
سابعا: جاء في كتب الشيعة أن فاطمة أغضبت عليا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اخبر فاطمة أن رضا الله في رضا الزوج وغضب الله في غضب الزوج قال التستري: “شدة اهتمام فاطمة عليها السّلام لرضى على رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلامة الشيخ عثمان بن حسن بن احمد الخوبرى في «درة الناصحين» (ص 49 ط بمبئى) روى عن سلمان الفارسي أنه قال: دخلت فاطمة رضي اللّه عنها على رسول اللّه «ص» فلما نظرت اليه دمعت عيناها و تغير لونها، فقال عليه السلام: مالك يا بنتي. قالت: يا رسول اللّه كان بيني و بين علي البارحة مزاح و نشأ من الكلام أن غضب علي بكلمة خرجت من في، فلما رأيت أن عليا قد غضب ندمت و غممت فقلت له: يا حبيبي ارض عني و طفت حوله اثنتين و سبعين مرة حتى رضي عني و ضحك في وجهى مع الرضا و أنا خائفة من ربى. فقال لها النبي «ص»:يا بنتي والذي بعثني بالحق نبيا انك لو مت قبل أن ترضي عليا لم أصل عليك.ثم قال: يا بنتي أما علمت أن رضي الزوج هو رضي اللّه و غضب الزوج هو غضب اللّه”.
[إحقاق الحق و إزهاق الباطل المؤلف : التستري، القاضي نور الله الجزء : 19 صفحة : 112].
فهل غضب الله على فاطمة لما أغضبت عليا من جهتين الأولى: كونه علي الإمام المعصوم، الثانية: كونه زوجها؟ثم هل غضب الله على علي لما أغضبت فاطمة كما سنبينه في شبهة إيذاء فاطمة؟
وأما حديث من آذى فاطمة فسنفرد له بحثا مستقلا.
والحمد لله رب العالمين.
مواضيع شبيهة
لم يكن أبو بكر أعلم الصحابة بدلالة حديث مدينة العلم.