زعم الشيعة أن أبا بكر والأنصار لم يحضروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه
يقول نبيل الحسني: “وها هو شيخ البخاري في مصنفه يقول: «إن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا».وهاهو ابن عبد البر يقول: «ولم يلِهِ إلا أقاربه! وقد شغل الناس عن دفنه بشأن الأنصار».ولم يشأ ابن عبد البر أن يسمي أحداً!! فنسب الأمر إلى الناس؛ ولم يسأل أين صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الوقت؟!وهاهو شيخ البخاري مرة أخرى يصرح بكل ألم وفاجعة قائلاً: «إن الذي ولي دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة دون الناس، علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!».فأين ذهب المهاجرون؟! وبماذا انشغل الأنصار عن دفن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم؟! وهل كان عنده أحد منهم حتى يكون هناك نزاع أو خلاف؟!.
[وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره المؤلف : الحسني، نبيل الجزء : 1 صفحة : 43].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الروايات في ذلاك لا تصح
الرواية الأولى: رواية ابن أبي شيبة ، وإليك الرواية بإسنادها قال ابن أبي شيبة «حدثنا ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر وعمر لم (يشهدا) دفن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، (كانا) في الأنصار (فبويعا) قبل أن يرجعا»
[«المصنف – ابن أبي شيبة» (21/ 144 ت الشثري)].
والرواية منقطعة لأن عروة لم يحضر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال الذهبي في السير: “قَالَ خَلِيْفَةُ: وُلِدَ عُرْوَةُ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ.فَهَذَا قَوْلٌ قَوِيٌّ.وَقِيْلَ: مَوْلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.قَالَ مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ: وُلِدَ لَسِتِّ سِنِيْنَ خَلَتْ مِنْ خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.وَقَالَ مَرَّةً : وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ٤٢٢/٤].
وعليه فالرواية لا تصح .
الرواية الثانية التي نسبها صاحب الشبهة لابن عبد البر، وكان الواجب عليه أن يذكر أنها رواية لا قولا لصاحب الكتاب، وإليك الرواية.بإسناد أبو عمر ابن عبد البر «عن ابنِ شهاب قال: توفِّي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على صدرِ عائشة، وفي يومِها يوم الاثنين حينَ زاغَت الشمس، فشُغِل الناسُ عن دفنِه بشأنِ الأنصار، فلم يُدْفَنْ حتى كانت العَتَمة، ولم يَلِه إلا أقاربُه، ولم يُصَلِّ الناسُ عليه إلّا عُصَبًا بعضُهم قبلَ بعض»
[«التمهيد – ابن عبد البر» (16/ 346 ت بشار)].
وهذه الرواية أيضا لا تصح فهي من مراسيل الزهري .
قال الامام ابن رجب : ” وخرج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكل ما يقدر أن يسمى سمي، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه.وقال يحيى بن معين: مراسيل الزهري ليس بشيء.وقال الشافعي: إرسال الزهري – عندنا – ليس بشيء، وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم. وقد روي أيضا تضعيف مراسيل الزهري عن يحيى بن سعيد، وأن أحمد بن صالح المصري أنكر ذلك عليه. لكن من وجه لا يثبت”.
[ شرح علل الترمذي – زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن الحنبلي – ج 1 ص 535 ].
وعليه فما استدلوا به على عدم حضور الصديق وغيره من الأنصار جنازة النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح .وصاحب الدعوى إلى لم يثبتها بمستند صحيح فهي دعوى ساقطة
ثانيا: لم يشترط أحد ذكر أسماء كل من حضر جنازة النبي صلى الله عليه وسلم، أو من حضر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى تلزموننا بتسمية من حضر، مع وجود التفريق بين الصلاة وحضور الدفن، وذلك أن الثابت عند السنة والشيعة أن الصحابة صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم جماعات جماعات بلا إمام.ثبت بإسناد صحيح في مسند أحمد: “عَنْ أَبِي عَسِيبٍ، أَوْ أَبِي عَسِيمٍ، قَالَ بَهْزٌ: إِنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: ” ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا “، قَالَ: ” فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ
[أحمد بن حنبل، مسند أحمد ط الرسالة، ٣٦٥/٣٤].
وقال ابن عبد البر: “وَأَمَّا صَلَاةُ النَّاسِ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا فَمُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ النَّقْلِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ”.
[ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ٣٩٧/٢٤].
وعند الشيعة في الكافي1228 / 37 . عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنِ الْحَلَبِيِّ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : « أَتَى الْعَبَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي بَقِيعِ « 1 » الْمُصَلّى ، وأَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا « 2 » أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِمَامٌ « 3 » حَيّاً ومَيِّتاً « 4 » ، و « 5 » قَالَ : إِنِّي أُدْفَنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أُقْبَضُ فِيهَا ، ثُمَّ قَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَصَلّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ عَشَرَةً عَشَرَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ » .
[الكافي ( دار الحديث ) ، ج ٢ص٤٦٩].
وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول ج٥ ص٢٦٦ “حسن كالصحيح”.
وعليه فصلاة المسلمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين السنة والشيعة، ولم تنص الروايات على ذكر من حضر ومن لم يحضر وعليه والمطالبة باسم بعينه هو عين التحكم وهو باطل، وإلا فلو ادعى إنسان عدم حضور الحسن والحسين الصلاة أو الدفن لما استطاع القائل بحضورهم أن يأتي بدليل .
وأما بخصوص الدفن فإنه من المعلوم أن جنازة النبي صلى الله عليه وسلم لم تشيع خارج بيته حتى يحضرها الناس ويشيعونها، وذلك أن الدفن إنما كان في غرفة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والمكان ضيق لا يتسع لكل الناس، بل يكفي أن يحضر من يقوم بالواجب فقط.
ثالثا: لو كان عدم حضور دفن النبي صلى الله عليه وسلم مؤثرا في دين المرء وطاعنا فيه لوجب الطعن في جميع من لم يحضر الدفن، فلو فرضنا جدلا أن الصحابة سلموا الخلافة لعلي وفعلوا كل حسن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم تخلفوا عن الدفن أكون الغرفة لا تتسع لأكثر من خمسة مثلا أوجب الطعن في دين الجميع لمجرد عدم حضور الدفن وهذا لا قائل به على الإطلاق.
رابعا: لو فرضنا جدلا أن الصحابة تركوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحضروا دفنه لتشاغلهم بعقد الإمامة، فهذا لا شيء فيه بل إن هذا موجود مثله في فقه الشيعة.
يقول ابو الحسن اصفهاني: “(مسألة 8): إذا حضرت جنازة في وقت الفريضة فإن لم تزاحم الصلاة عليها مع الفريضة من جهة سعة وقتها و لم يخش من الفساد على الميّت لو أخّرت صلاته تخيّر بينهما، و الأفضل تقديم صلاته إلّا إذا زاحمت مع وقت فضيلة الفريضة فترجّح عليها (1). و يجب تقديمها على الفريضة في سعة وقتها إذا خيف على الميّت من الفساد لو أُخّرت صلاته، كما أنّه يجب تقديم الفريضة مع ضيق وقتها و عدم الخوف على الميّت.
[وسيلة النجاة( مع تعاليق الإمام الخميني ره) المؤلف : اصفهانى، ابو الحسن الجزء : 1 صفحة : 79].
ومن المعلوم أن عقد الإمامة واجب على الأمة كما روى الشيعة أنفسهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: “الواجب في حكم الله وحكم الاسلام، على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالا كان أو مهتديا، أن لا يعملوا عملا ولا يقدموا يدا ولا رجلا، رجل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء والسنة، يجبي فيئهم، ويقيم حجهم، وجمعهم، ويجبي صدقاتهم”.
[مستدرك الوسائل ج6ص14].
وعليه فالصحابة تزاحم عندهم واجب تنصيب الخليفة وواجب الصلاة على النبي ودفنه -جدلا- وكان كلاهما واجب على الكفاية فذهب قسم منهم للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتغسيله ودفنه وأولى الناس بهذا الأمر هم أهل الميت لا شك، وقسم آخر ذهب لتنفيذ الواجب الآخر وهو عقد البيعة لأفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فثبت من هذا أن الشبهة ساقطة من كل وجه سواء من ناحية الثبوت أو من ناحية الوجود.
مولضيع شبيهة