صلاة أبي بكر خلف سالم في مسجد قباء تنفي وجوده في الغار.
جاء الشيعة برواية من صحيح البخاري تقول بأن الصديق صلى خلف سالم مولى أبي حذيفة في مسجد قباء، ثم ربطوا تلك الرواية بأخرى تقول بأن سالم كان يؤم الناس في موضع بقباء قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلمن، فيثبت من خلال جمع الروايتين أن أبا بكر قد هاجر قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وليس معه.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: اما الحديث الأول فرواه الإمام البخاري برقم: ” 692 – حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ – مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ – قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» “.
[صحيح البخاري – بَابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى – ج 1 ص 140 ].
وأما الرواية الأخرى ففي صحيح البخاري برقم : ” 7175 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ نَافِعًا، أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ قَالَ: «كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ» “.
[صحيح البخاري – بَابُ اسْتِقْضَاءِ المَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِمْ – ج 9 ص 71] .
فلو قرأ هذا الرافضي الرواية الاولى لعلم انها تختلف عن الرواية الثانية، وذلك لأن الرواية الاولى وصفت موضع الصلاة بأنه (موضع بقباء)، ولا يوجد فيها اسم ابي بكر رضي الله عنه، وهي التي فيها صلاة سالم بالمهاجرين الأوائل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية الثانية ففيها أن الصلاة كانت في “مسجد بقباء”، وفيها اسم ابي بكر رضي الله عنه، ومن المعلوم أن مسجد قباء قد بُني بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وعليه فالرواية تبطل الزعم الذي زعمته الإمامية
ثانيا: ومع أن الامر واضح فسنزيد الأمر بيانا من كلام أهل العلم: قال الحافظ ابن رجب: ” حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْم بن المنذر: ثنا أَنَس بن عياض، عَن عُبَيْدِ الله، عَن نَافِع، عَن ابن عُمَر، قَالَ: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة – موضع بقباء – قَبْلَ مقدم رَسُول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يؤمهم سَالِم مَوْلَى أَبِي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا.وخرجه أبو داود من طريق ابن نمير، عَن عُبَيْدِ الله، وزاد: فيهم عُمَر ابن الخَطَّاب وأبو سَلَمَة بن عَبْد الأسد.وخرجه البخاري فِي ((الأحكام)) من ((صحيحه)) هَذَا من طريق ابن جُرَيْج، عَن نَافِع، أخبره أن ابن عُمَر أخبره، قَالَ: كَانَ سَالِم مَوْلَى أَبِي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحاب النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي مسجد قباء، فيهم: أبو بَكْر وعمر وأبو سَلَمَة وزيد وعامر بن رَبِيعَة.والمراد بهذا: أَنَّهُ كَانَ يؤمهم بعد مقدم النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولذلك قَالَ: ((فِي مسجد قباء)) ، ومسجد قباء إنما أسسه النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعد قدومه المدينة، فلذلك ذكر منهم: أَبَا بَكْر، وأبو بَكْر إنما هاجر مَعَ النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس فِي هذه الرواية: ((قَبْلَ مقدم النَّبِيّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)) كما فِي الرواية الَّتِيْ خرجها البخاري هاهنا فِي هَذَا الباب، فليس فِي هَذَا الحَدِيْث إشكال كما توهمه بعضهم “.
[فتح الباري – عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي- ج 6 ص 176 – 177] .
وقد جاء في صحيح البخاري ان بناء مسجد قباء كان بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قال الامام البخاري : ” حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ………………………………..
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ المُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ، لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ اليَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ العَرَبِ، هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ المُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ اليَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ – مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ المَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: «هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ المَنْزِلُ». ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ، لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ، وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: ” هَذَا الحِمَالُ لاَ حِمَالَ خَيْبَرْ، هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ، فَارْحَمِ الأَنْصَارَ، وَالمُهَاجِرَهْ ” فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا البَيْتِ “.
[صحيح البخاري – بَابُ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى المَدِينَةِ – ج 5 ص 60 ].
وقال ابن هشام : ” (بِنَاءُ مَسْجِدِ قُبَاءٍ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُ ”
[السيرة النبوية – عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري – ج 1 ص 494] .
فانظر لشبهة مبنية على تركيب لحديثين ثم استخراج احتمال يرده تواتر مقطوع به عند السنة والشيعة، ما هذا إلا إفلاس من الشيعة بعد تضييق الحجج عليهم من أهل السنة.
والحمد لله رب العالمين.
مواضيع شبيهة
قالوا من الغلو في أبي بكر رواية “ما صب الله في صدري شيئاً إلّا وصببته في صدر أبي بكر”