دعوى ضرب عثمان عبد الله بن مسعود.
قال الشيعة إن عثمان بن عفان قد ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أحد اضلاعه ومات من ذلك.يقول الحر العاملي في سياق ذكره لمآخذ الرافضة على عثمان : “ضرب ابن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه
[إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، ج ٣، الحر العاملي، ص ٣٧٣].
[إحقاق الحق ( الأصل )، الشهيد نور الله التستري، ص ٦٢].
واختلفوا في سبب الضرب فقال بعضهم إنه بسبب الخلاف حول المصحف.يقول المجلسي: “ومنها : إنه جمع ما كان عند المسلمين من صحف القرآن وطبخها بالماء على النار وغسلها ورمى بها إلا ما كان عند ابن مسعود ، فإنه امتنع من الدفع إليه ،
فأتى إليه فضربه حتى كسر له ضلعين وحمل من موضعه ذلك فبقي عليلا حتى مات”.
[بحار الأنوار، ج ٣٠، العلامة المجلسي، ص ٣٧١].
وقال اليعقوبي: “إعتل ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده فقال له: ما كلام بلغني عنك ؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي إنك أمرت بي فوطئ جوفي فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك. قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك فخذه، قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه. وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به. فانصرف فأقام ابن مسعود مغاضبا لعثمان حتى توفي.
[تاريخ اليعقوبي 2: 147 ].
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 9 صفحة : 6].
وزعم الحلي انه ضربه لأنه دفن أبا ذر، يقول الحلي: “وَ مِنْهَا أَنَّهُ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَيْضاً عَلَى دَفْنِ أَبِي ذَرٍّ أَرْبَعِينَ سَوْطاً”.
[اسم الکتاب : نهج الحق وكشف الصدق المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 1 صفحة : 295].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: كل ما ذكره من ضرب عثمان لعبد الله بن مسعود كذب باتفاق أهل العلم، ولم ولن يجدوا في ذلك رواية صحيحة قط تقول بذلك إنما هي مجرد أقاويل من موتور رام الطعن في حملة هذا الدين، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردا على ابن المنجس الحلي في تلك الدعوى: “«فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَمَّا وَلِيَ أَقَرَّ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُوفَةِ، إِلَى أَنْ جَرَى مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [مَا جَرَى. وَمَا مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ] (5) مِنْ ضَرْبِ عُثْمَانَ أَصْلًا»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 255)].
نعم مما يرد ذلك الزعم أنه قد ثبت أن ابن مسعود كان على بيت مال الكوفة في زمان عمر وقد أقره عثمان، حتى مع تغير الولاة عليها بداية من عمار بن ياسر مرورا بالمغيرة بن شعبة ثم سعد بن أبي وقاص ثم الوليد بن عقبة ثم سعيد بن العاص وانتهاء بأبي موسى الأشعري((عبد الله بن مسعود عميد حملة القرآن وكبير فقهاء الإسلام- عبد الستار الشيخ ص٣٠٧)).
كل هؤلاء الولاة قد تغيروا على الكوفة ولم يتم عزل ابن مسعود رضي الله عنه حتى لما حصل خلاف بين سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود قام عثمان بعزل سعد وأبقى ابن مسعود .«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ الْكَلامُ فِي قَرْضٍ أَقْرَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَى سَعْدٍ قَضَاؤُهُ، غَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ سَعْدٍ، وَعَزَلَهُ وَغَضِبَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَقَرَّهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ- وَكَانَ عَامِلا لِعُمَرَ عَلَى رَبِيعَةَ بِالْجَزِيرَةِ- فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَلَمْ يَتَّخِذْ لِدَارِهِ بَابًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 252)].
يقول ابن الجوزي: «جرت خصومة بَيْنَ سَعْد وابن مَسْعُود، فعزل عُثْمَان سعدا».
[«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (4/ 360)].
فلو كان الأمر كما زعموا لانتهزها عثمان فرصة وعزل ابن مسعود أيضا لكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بينهم تلك الاحقاد التي دافعها الحرص على الدنيا.
ثانيا :ما ذكروه من روايات في ذلك من كتب أهل السنة لا يصح له إسناد.ومنه ما ذكره البلاذري في [أنساب الأشراف وأشار إليها الأميني في الغدير ج٩ ص٤].يقول البلاذري 1366- حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ عن أبيه عن أبي مخنف وعوانة فِي إسنادهما أَن عَبْد اللَّهِ بْن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إِلَى الْوَلِيد بْن عقبة قَالَ: مَنْ غَيَّرَ غَيَّرَ اللَّهُ مَا بِهِ ومن بَدَّلَ أسخط اللَّه عَلَيْهِ، وَمَا أرى صاحبكم إلا وقد غيّر وبدّل، أيعزل مثل سعد ابن أَبِي وقاص ويولى الْوَلِيد؟ وَكَانَ يتكلم بكلام لا يدعه وَهُوَ: إِن أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فِي النار، فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وَقَالَ: إنه يعيبك ويطعن عليك، فكتب إِلَيْهِ عُثْمَان يأمره بإشخاصه، وشيعه أهل الكوفة، فأوصاهم بتقوى اللَّه ولزوم الْقُرْآن، فَقَالُوا لَهُ: جزيت خيرًا، فلقد علمت جاهلنا وثبت عالمنا وأقرأتنا الْقُرْآن وفقهتنا فِي الدين فنعم أَخُو الإِسْلام أَنْتَ ونعم الخليل، ثُمَّ ودعوه وانصرفوا وقدم ابْن مَسْعُود الْمَدِينَةَ وعثمان يخطب عَلَى منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رآه قَالَ: ألا أَنَّهُ قدمت عليكم دويبة سوء من تمش على طعامه يقيء «2» ويسلح، فَقَالَ ابْن مَسْعُود: لست كَذَلِكَ، ولكني صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بدر ويوم بيعة الرضوان «3» ونادت عَائِشَةُ: أي عُثْمَان، أتقول هَذَا لصاحب رَسُول الله صلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ثُمَّ أمر عُثْمَان بِهِ فأخرج من الْمَسْجِد إخراجًا عنيفًا، وضرب بِهِ عَبْد اللَّهِ بْن زمعة بْن الأسود بْن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأَرْض، ويقال بَل احتمله يحموم غلام عُثْمَان ورجلاه تختلفان عَلَى عنقه حَتَّى ضرب بِهِ الأَرْض فدق ضلعه، فَقَالَ [عَلِي: يا عُثْمَان أتفعل هَذَا بصاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقول الْوَلِيد بْن عقبة؟] فَقَالَ: مَا بقول الْوَلِيد فعلت هَذَا، ولكن وجهت زبيد بْن الصلت الكندي إِلَى الكوفة فَقَالَ له ابن مسعود: إنّ دم عُثْمَان حلال، فَقَالَ عَلِي أحلت من زبيد عَلَى غَيْر ثقة، وَقَالَ ابْن الكلبي: زبيد بْن الصلت أَخُو كثير بْن الصلت الكندي.وقام عليّ بأمر ابْن مَسْعُود حَتَّى أتى بِهِ «1» منزله، فأقام ابْن مَسْعُود بالمدينة لا يأذن لَهُ عُثْمَان فِي الخروج منها إِلَى ناحية من النواحي، وأراد حِينَ برئ «2» الغزو فمنعه من ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُ مَرْوَان: إِن ابْن مَسْعُود أفسد عليك العراق أفتريد أَن يفسد عليك الشام؟ فلم يبرح الْمَدِينَةَ حَتَّى توفي قبل مقتل عُثْمَان بسنتين، وَكَانَ مقيما بالمدينة ثَلاث سنين، وَقَالَ قوم إنه كَانَ نازلا عَلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص.
ولما مرض «3» ابْن مَسْعُود مرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ أتاه عُثْمَان عائدًا فَقَالَ: مَا تشتكي؟قَالَ: ذنوبي قَالَ: فَمَا تشتهي؟ قَالَ: رَحْمَةَ رَبِّي، قَالَ: أَلا أَدْعُوَ لَك طَبِيبًا؟ قَالَ:الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، قَالَ: أَفَلا آمُرُ لَك بعطائك؟ قَالَ: مَنَعْتَنِيهِ وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَتُعْطِينِيهِ وَأَنَا مُسْتَغْنٍ عَنْهُ؟ قَالَ: يَكُون لولدك، قَالَ: رزقهم عَلَى اللَّه قَالَ: استغفر لي يا أبا عَبْد الرَّحْمَنِ، قَالَ: أسأل اللَّه أَن يأخذ لي منك بحقي. وأوصى أَن لا يصلي عَلَيْهِ عُثْمَان، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 524)]
وهذه الرواية موضوعة بلا مرية فالإسناد به عباس بن هشام الكلبي ولم أجد له ترجمة وهشام الكلبي وأبوه رافضيان.
قال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى، يعني ابن معين، يقول: الكلبي، ليس بشيء. «تاريخه» (1344).- وقال الجُوزجاني: الكلبي محمد بن السائب، كذاب ساقط. «أحوال الرجال» (37).– وقال أبو حاتم الرازي: الناس مجتمعون على ترك حديثه لا يشتغل به، هو ذاهب الحديث. «الجرح والتعديل» 7/ 271.– وقال النَّسَائي: متروك الحديث. «الضعفاء والمتروكين» (539).- وقال الدَّارَقطني: متروك الحديث. «العلل» 3/ 135.– وقال ابن عساكر: محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام، كذابان رافضيان. «تاريخ دمشق» 73/ 343.– وقال ابن حجر: متهم بالكذب ورمي بالرفض. «تقريب التهذيب» (5901)
[«المسند المصنف المعلل» (12/ 433)].
وابو مخنف رافضي كذاب وقد سبق الكلام عليه .وسيأتي رد متن تلك الرواية وإن الذي صلى على عبد الله بن مسعود هو عثمان رضي الله عنه.
الرواية الثانية: ما رواه البلاذري قال : “1367-وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ «3» أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَهُ إِسْحَاقُ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَغْفَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: إِنَّ دَمَهُ لَحَلالٌ «4» ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّنِي سَدَّدْتُ إِلَيْهِ سَهْمًا يُخْطِئَهُ وَأَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 526)].
وهذه الرواية أيضا ساقطة لا تصح فهي من طريق رجل مجهول لا ندري من هو!ثم إن هذه الرواية لو صحت فإنها ترد على السبأية من وجهين الأول: أن عبد الله بن مسعود قد استغفر لعثمان وسامحه، الثاني: أنه قد نفى أن يستحل دم عثمان ولو اعطوه في مقابل ذلك مثل أحد ذهبا ومثلها ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن كلثوم، قال: سمعت ابن مسعود، يقول: «ما أحب أني رميت عثمان بسهم»، قال: «أراه أراد قتله، ولا أن لي مثل أحد ذهبا»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (6/ 364 ت الحوت)].
فهذا ابن مسعود ينفي أنه يريد قتل عثمان ولو اعطوه مثل أحد ذهبا، وكأن هذا رد على السبأية الذين أرادوا قتله رضي الله عنه، قال ابن عبد البر: “«وقال بعض أصحابه: مَا سمعت ابْن مَسْعُود يَقُول فِي عُثْمَان شيئا قط، وسمعته يَقُول: لئن قتلوه لا يستخلفون بعده مثله»
[«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/ 993)].
ثالثا: القول بأن عثمان لم يعلم يكون ابن مسعود ولم يصل عليه قول بلا دليل، وقد نقلها أهل العلم من ضمن ما يذكر بلا إسناد ومنهم ابن عبد البر في الاستيعاب لما قال: “«ودفن بالبقيع، وصلى عَلَيْهِ عُثْمَان. وقيل: بل صَلَّى عَلَيْهِ الزُّبَيْر، ودفنه ليلا بإيصائه بذلك إِلَيْهِ، ولم يعلم عُثْمَان بدفنه، فعاتب الزُّبَيْر على ذَلِكَ»
[«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/ 994)].
فجاء الرافضي عبد الحسين الأميني فبتر الكلام الذي جزم فيه ابن عبد البر بصلاة عثمان على ابن مسعود ونقل القول الذي جاء بصيغة التضعيف (قيل)
[ (الغدير – الأميني ج٩ ص٥ )].
بل لقد جزم الواقدي وصح عنده أن عثمان هو من صلى على ابن مسعود فقال: “«قال محمّد بن عمر: وقد رُوى لنا أنّه صلّى على عبد الله بن مسعود عَمّارُ بن ياسر، وقال قائل صلّى عليه عثمان بن عفّان، واستغفر كلّ واحد منهما لصاحبه قبل موت عبد الله قال، وهو أثبت عندنا: إنّ عثمان بن عفّان صلّى عليه»
[«الطبقات الكبير» (3/ 147 ط الخانجي)].
وأما يذكره الرافضة في ذلك كله قد جاء بأسانيد لا تصح عنده وهي مجرد أقول تاريخية غير مسندة يردها ما ذكرناه من إقرار عبد الله بن مسعود على بيت المال ثم بعد ذلك محبة عثمان لأن يجاوره عبد الله بن مسعود بالمدينة بعد آن آثروا به أهل الكوفة على أنفسهم كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ف«عن أبي إسحاق، عن حارثة قال: قُرئ علينا كتاب عمر: إنّى قد بعثتُ إليكم عمّار بن ياسر أميرًا وعبد الله بن مسعود معلّمًا ووزيرًا وإنّهما من النجباء من أصحاب رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، من أصحاب بدر، وقد جعلتُ عبد الله بن مسعود على بيت مالكم فتعلّموا منهما واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسى»
[«الطبقات الكبير» (8/ 130 ط الخانجي)].
وسيأتي تفصيل الكلام حول مصحف ابن مسعود وأنه لم يكن من خلاف ارتقى لضرب ولا شتم ولا حبس كما يزعم الشيعة.
رابعا: لو تنزلنا جدلا وقلنا بأن عثمان قد ضرب ابن مسعود فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ ضَرَبَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَوْ عَمَّارًا، فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّا نَشْهَدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَكَابِرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ وَلِيَ اللَّهِ قَدْ يَصْدُرُ مِنْهُ (1) مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ، فَكَيْفَ بِالتَّعْزِيرِ؟ (2) وَقَدْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ بِالدِّرَّةِ لَمَّا رَأَى النَّاسَ يَمْشُونَ خَلْفَهُ. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: هَذَا ذِلَّةٌ لِلتَّابِعِ وَفِتْنَةٌ لِلْمَتْبُوعِ.فَإِنْ كَانَ عُثْمَانُ أَدَّبَ هَؤُلَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ مُصِيبًا فِي تَعْزِيرِهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ ذَلِكَ، أَوْ يَكُونُ (3) ذَلِكَ الَّذِي عُزِّرُوا عَلَيْهِ تَابُوا مِنْهُ، أَوْ كُفِّرَ عَنْهُمْ بِالتَّعْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَصَائِبِ، أَوْ بِحَسَنَاتِهِمْ (4) الْعَظِيمَةِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ.وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانُوا مَظْلُومِينَ مُطْلَقًا، فَالْقَوْلُ فِي عُثْمَانَ كَالْقَوْلِ فِيهِمْ وَزِيَادَةٍ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ، وَأَحَقُّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فِي الْعُقُوبَةِ مُثَابًا عَلَيْهَا، وَأُولَئِكَ مُجْتَهِدُونَ فِيمَا فَعَلُوهُ لَا يَأْثَمُونَ بِهِ، بَلْ يُثَابُونَ عَلَيْهِ لِاجْتِهَادِهِمْ. مِثْلَ شَهَادَةِ أَبِي بَكْرَةَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ مُحْتَسِبًا فِي شَهَادَتِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ، وَعُمَرُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَا جَرَى مِنْ عُثْمَانَ فِي تَأْدِيبِ ابْنِ مَسْعُودٍ [وَعَمَّارٍ] (1) مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَإِذَا كَانَ الْمُقْتَتِلُونَ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُجْتَهِدًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ فَالْمُخْتَصِمُونَ أَوْلَى بِذَلِكَ (2) .وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ مُجْتَهِدًا، وَكَانُوا مُجْتَهِدِينَ. فَمِثْلُ هَذَا (3) يَقَعُ كَثِيرًا: يَفْعَلُ الرَّجُلُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، وَيَرَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَتِهِ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِعُقُوبَةِ الْمُتَعَدِّي وَإِنْ تَابَ بَعْدَ رَفْعِهِ (4) إِلَى الْإِمَامِ»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 257)].
ثم لماذا يتباكى الشيعة على عبد الله بن مسعود وهو الذي ارتد عندهم وكفر بإمامة علي؟أبو جعفر عليه السلام ارتد الناس : الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قال : قلت فعمار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع ، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد ، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم
[اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )، ج ١، الشيخ الطوسي، ص ٩١].
وفي كتاب الكافي : ” حَنَانٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) إِلَّا ثَلَاثَةً فَقُلْتُ وَ مَنِ الثَّلَاثَةُ فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ وَ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحَى وَ أَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتَّى جَاءُوا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مُكْرَهاً فَبَايَعَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ” الكافي – الكليني – ج 8 ص 245 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن او موثق – ج 26 ص 213 .
وفي الكافي : ” عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ }قَالَ يَا زُرَارَةُ أَ وَ لَمْ تَرْكَبْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فِي أَمْرِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ “الكافي – الكليني – ج 1 ص 413 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – صحيح – ج 5 ص 21 .
وقال المجلسي في المرآة : ” طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ”(5) أي كانت ضلالتهم بعد نبيهم مطابقة لما صدر من الأمم السابقة من ترك الخليفة و اتباع العجل و السامري و أشباه ذلك ”
[مرآة العقول – محمد باقر المجلسي – ج 5 ص 21].
وعليه فإن ابن مسعود عند الشيعة مرتد ضال يستحق ما هو أعظم من الضرب والحبس عندهم، فما لهم الآن يتباكون عليه أم أنه التباكي الكاذب للطعن في عثمان رضي الله عنه؟
مواضيع شبيهة