انتزع عثمان بيوت الصحابة جبرا حتى يوسع المسجد
قال الشيعة إن عثمان فعل ما لا يجوز في الإسلام وهو أنه اعتدى على ملكية الأفراد الخاصة وأخذ منهم أموالهم جبرا لتوسعة المسجد واستدلوا على ذلك بكلام للواقدي نقله الطبري قال: “«وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِيهَا أمر عُثْمَان بتجديد أنصاب الحرم وَقَالَ: فِيهَا زاد عُثْمَان فِي المسجد الحرام، ووسعه وابتاع من قوم وأبى آخرون، فهدم عَلَيْهِم، ووضع الأثمان فِي بيت المال، فصيحوا بعثمان، فأمر بهم بالحبس، وَقَالَ: أتدرون مَا جرأكم علي! مَا جرأكم علي إلا حلمي، قَدْ فعل هَذَا بكم عمر فلم تصيحوا بِهِ ثُمَّ كلمه فِيهِمْ عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، فأخرجوا»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 251)].
وعلق عليه الأميني الشيعي قائلا: كأن الخليفة لم يكن يرى لليد ناموسا مطردا في الاسلام ولا للملك والمالكية قيمة ولا كرامة في الشريعة المقدسة، وكأنه لم يقرع سمعه قول نبي العظمة (صلى اللّٰه عليه و آله): لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه”.
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 129].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: توسعة المسجد في عهد عثمان رضي الله عنه هذا من أعظم مناقبه ولذلك فقد جاء في صحيح ابن حيان «عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَاءَ عُثْمَانُ، فَقِيلَ: هَذَا عُثْمَانُ، وَعَلَيْهِ مُلَيَّةٌ لَهُ صَفْرَاءُ، قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ، قَالَ: هَا هُنَا عَلِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ: قَالَ: هَا هُنَا طَلْحَةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، قَالَ: “مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ”، فَابْتَعْتُهُ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، أَوْ بخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم، فَقُلْتُ لَهُ: قَدِ ابْتَعْتُهُ، فَقَالَ: “اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ؟ “ قَالَ: فَقَالُوا: اللهُمَّ نَعَمْ»
[«صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع» (4/ 186)].
فكان هذا من مناقب عثمان التي أقر بها اعداؤه بعد أن بينها لهم. وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافته رضي الله عنه زاد في المسجد النبوي زيادات كثيرة، فقد روى البخاري في صحيحه نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ: وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ»
[«صحيح البخاري» (1/ 97 ط السلطانية)].
وهذا فيه غاية الفضل لعثمان رضي الله عنه، ولا ينكر عليه إلا قليل البضاعة في العلم فقد جاء عن البلاذري قال «1371- وَحَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: وَسَّعَ عُثْمَانُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ النَّاسُ: يُوَسِّعُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ وَيُغَيِّرُ سُنَّتَهُ»
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 527)].
ولذلك فقد جاء في الصحيحين عن عُبَيْدَ اللهِ الْخَوْلَانِيَّ: «أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ، عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا قَالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ
[«صحيح البخاري» (1/ 97 ط السلطانية)]
[«صحيح مسلم» (4/ 2287 ت عبد الباقي)].
ولو لم تكن لعثمان من منقبة الا هذه لكفته.
ثانيا: ما نقله الواقدي من أن عثمان هدم على من لم يرد البيع لتوسعة المسجد يحتاج إلى اسناد صحيح حتى نقبله إذ أن الواقدي حاله معلوم، ومع ذلك فلو صح لما كان فيه أي إشكال شرعي، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما نزل المدينة «حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ الْمَنْزِلُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: لَا، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا»
[«صحيح البخاري» (5/ 61 ط السلطانية)].
فقرر النبي -صلى الله عليه وسلم- مكان المسجد قبل موافقه أصحاب الملك ولو رفضوا لباع عليهم جبرا للمصلحة العامة والله أعلم.بل وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الانصار أن يبيعوا له الأرض ليبني عليها المسجد فأعطوها له دون مقابل ففي حديث أنس عَنْ أَنَسٍ قَالَ: … وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا. قَالُوا: لَا وَاللهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ
[«صحيح البخاري» (1/ 93 ط السلطانية)].
يقول الشيخ بكر أبو زيد وقد حفظت كتب الحديث والسير ، وتاريخ الحرمين الشريفين ، وغيرهما من كتب التاريخ العامة وقائع متعددة في توسعة الحرمين لما ضاقا بالمصلين ونزع ملكيات الدور المحيطة لذلك في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم , فمن أصحاب الدور من تصدق بها ولم يقبل العوض ، ومنهم من ثامنوه فقبله ، ومنهم من بيعت عليه جبرًا لتوسعة المسجد”.
[المثامنة في العقار للمصلحة العامة- د بكر بن عبدالله أبو زيد ص١٠].
ولأجل ذلك اتفق أهل السنة على جواز نزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة وهذا مبني على قواعد مستقرة في الإسلام منها قاعدة «يحتمل الضّرر الخاصّ لدفع الضّرر العامّ” وقاعدة “يحتمل أخف المفسدتين لأجل أعظمها»
[«موسوعة القواعد الفقهية» محمد صدقي بن أحمد بن محمد آل بورنو أبو الحارث الغزي (12/ 322)].
[«قواعد الفقه» محمد عميم الإحسان المجددي البركتي (ص139)].
ونصوص الفقهاء كثيرة في تقرير جواز نزع الملكية الخاصة دفعا للضرر العام ولم ينازع في هذا أحد قال الشاطبي: “« الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ… وَقَدْ زَادُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا رَضِيَ أَهْلُهُ وَمَا لَا، وَذَلِكَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الْعُمُومِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْخُصُوصِ، لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ الْخُصُوصَ مَضَرَّةٌ»
[«الموافقات» (3/ 58)].
وقد قرر ابن القيم أيضا أنه يجوز إخراج الشيء من ملك صاحبه قهرًا بثمنه للمصلحة الراجحة:[ «الطرق الحكمية» 217].
قال الشبلي في حاشيته: “«وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى النَّاسِ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ تُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ أَرْضُ وَقْفٍ عَلَى الْمَسْجِدِ فَأَرَادُوا أَنْ يُزِيدُوا شَيْئًا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَرْضِ جَازَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي»
[«تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي» (3/ 331)].
وعليه فإذا كان عثمان قد أجبر البعض على البيع لتوسعة المسجد فهذا دليل على فقهه وحسن سياسته رضي الله عنه.
ثالثا: هذا المعارض على عمل عثمان رضي الله عنه من أجهل الناس بدينه إذ أن الشيعة لم يختلفوا في جواز نزع الملكية الخاصة جبرا لتحقيق المصلحة العامة. قال شيخهم محمد آصف المحسني: “وإن ألحق الإلزام الضرر ببعض الأفراد ؛ لأنّه ضرر خاص فيقدّم عليه الضرر العامّ ، فيتحمّل الضرر الخاصّ لدفع الضرر العامّ”
[الفقه ومسائل طبية، ج ٢، الشيخ محمد آصف المحسني، ص ٤٦].
وقال شيخهم محمد السند: “أنَّ الملكية الخاصّة إذَا ما تعارضت مَعَ الصالح العام للمجتمع ولعمران المدن وحاجات العباد فَإنَّها تسقط ، كَمَا إذَا استلزمت المصالح المدنية العامة شق طريق يمر عَلَى أرض مملوكة بملكية خاصّة فَإنَّ الصالح العام يتغلّب عَلَى الملكية الخاصّة وتزال الأرْض عَنْ صفتها الأولى ويشق الطريق العام”.
[أم مقامات فاطمة الزهراء (ع) في الكتاب والسنة، تقرير بحث الشيخ محمد السند لشيخ حسن العالي، ص ٢٧١].
ونقل شيخهم محمد اليعقوبي بعض نصوص الدستور العراقي وقرر ما نحن بصدده وهو أنه يجوز نزع الملكية الخاصة لدفع الضرر العام، يقول اليعقوبي: “وورد في المادة العاشرة من نفس الباب ، الفقرة ( ب ) ما نصّه : ( الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلّا في حدود القانون ، ولا ينتزع عن أحد ملكه إلّا لأغراض المنفعة العامة ) وهذا مبرر غير كافٍ ، فإن وجود منفعة عامة لا تبرر انتزاع الملك الشخصي إلّا بإذنه . نعم ، لو توقف دفع ضرر عام على ذلك جاز
[خطاب المرحلة، ج ٤، الشيخ محمد اليعقوبي، ص ١٠٧].
وأي ضرر أعظم من ضيق المسجد النبوي على المصلين إذا؟ وعليه فلم يكن ما فعله عثمان من انتزاع لملكية بعض الأفراد الخاصة- إن ثبت- الا تطبيقا الشريعة الإسلام وإزالة للضرر عن المسلمين وتوسعة عليهم فرضي الله على من وسع على المسلمين ورفع درجاته في عليين.
مواضيع شبيهة