إنكار الشيعة مبايعة علي لعثمان، وزعم بعضهم أنه بايع مكرها.
زعم بعض الشيعة أن علي بن ابي طالب لم يبايع عثمان أبدا كما هو رأي المفيد حيث قال: “ولما صفق عبد الرحمن يده على يد عثمان نهض أمير المؤمنين (ع) وقال مال الرجل إلى صهره ونبذ دينه وراء ظهره وأقبل على عبد الرحمان فقال والله ما أملت منه إلا ما أمل صاحبك من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم وانصرف مظهرا للتنكير على عبد الرحمن واعتزل بيعة عثمان فلم يبايعه حتى كان من أمره مع المسلمين ما كان وقد عرفت الخاصة والعامة ما أظهره أمير المؤمنين (ع) من كراهته من تقدم عليه وتظلمه منهم.
[اسم الکتاب : الجمل المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 1 صفحة : 61].
وعلّق جعفر مرتضى العاملي عليه فقال: “وربما يكون هذا النص الأخير هو الأقرب إلى الاعتبار”.
[الصحيح من سيرة الإمام علي ( ع )، ج ١٥، السيد جعفر مرتضى العاملي، ص ١٧١].
وزعم البعض الآخر من الشيعة أن عليا إنما بايع مكرها وبخديعةيقول الشريف المرتضى : “أن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن عن رضا والأخبار متظاهرة بين كل من روى السير بما يقتضي ذلك، حتى أن من تأمل ما روي في هذا الباب لم يبق عليه شئ [1] في أنه عليه السلام ألجئ على البيعة وصار إليهما بعد المدافعة والمحاجزة لأمور اقتضت ذلك، ليس من جملتهما الرضا.
[اسم الکتاب : الشافي في الإمامة المؤلف : السيد الشريف المرتضي الجزء : 3 صفحة : 240].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قد اتفقت الروايات التاريخية على أن عليا قد بايع عثمان رضي الله عنه، ولم يتردد أو يتلكأ ولم يكن ذلك عن خديعة كما زعموا بل ثبت أنه رضي الله عنه قد بايع في أول الناس عن رضا وطواعية ففي صحيح البخاري أن “عَبْدُ الرَّحْمَنِ قال: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لاَ آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالاَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقَدَمُ فِي -[18]- الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ، وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلاَ بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ ”
[البخاري، صحيح البخاري، ١٥/٥].
فهذه الرواية تنص على أن عليا كان الرجل الثاني الذي يبايع عثمان والأول بعد عبد الرحمن ولذلك قال ابن كثير : “«وَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوَّلًا»
[«البداية والنهاية» (10/ 213 ت التركي)].
وفي رواية أخرى عند البخاري: “فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا»، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ
[البخاري، صحيح البخاري، ٧٨/٩].
فهذا إجماع الصحابة على خلافة عثمان رضي الله عنه والروايات التي تنقل الإجماع كثيرة وبعضها ينقل إجماعهم على عثمان في زمان عمر ومن تلك الروايات.
ما جاء«عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا فِي زمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْدِلُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا بأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ»
[«الاعتقاد للبيهقي» (ص366)].
وعَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ ، قَالَ: «حَجَجْتُ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُونُوا يَشْكُونَ أَنَّ الْخِلَافَةَ مِنْ بَعْدِهِ لِعُثْمَانَ»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 440 ت الحوت)].
ولذلك: «قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ” لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى بَيْعَةِ أَحَدٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعَةِ عُثْمَانَ “»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 154)].
ونقل ابن كثير ذلك الإجماع فقال: “«ثُمَّ نَهَضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَسْتَشِيرُ النَّاسَ فِيهِمَا وَيَجْتَمِعُ بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأَجْنَادِهِمْ؛ جَمِيعًا وَأَشْتَاتًا، مَثْنَى وَفُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ، سِرًّا وَجَهْرًا، حَتَّى خَلَصَ إِلَى النِّسَاءِ الْمُخَدَّرَاتِ فِي حِجَابِهِنَّ، وَحَتَّى سَأَلَ الْوِلْدَانَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَحَتَّى سَأَلَ مَنْ يَرِدُ مِنَ الرُّكْبَانِ وَالْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، فَلَمْ يَجِدِ اثْنَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ إِلَّا مَا يُنْقَلُ عَنْ عَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ أَنَّهُمَا أَشَارَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ بَايَعَا مَعَ النَّاسِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ. فَسَعَى فِي ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا لَا يَغْتَمِضُ بِكَثِيرِ نَوْمٍ إِلَّا صَلَاةً وَدُعَاءً وَاسْتِخَارَةً، وَسُؤَالًا مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْدِلُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»
[«البداية والنهاية» (10/ 211 ت التركي)].
وقال أبو الحسن الأشعري «وثبتت إمامة عثمان رضي الله عنه بعد عمر رضي الله عنه بعقد من عقد له الإمامة من أصحاب الشورى؛ الذين نص عليهم عمر رضي الله عنه، فاختاروه ورضوا بإمامته، وأجمعوا على فضله وعدله»
[«الإبانة عن أصول الديانة» (ص257 ت فوقية)].
«وقد نقل أبو حامد محمد المقدسي كلاماً عزاه للإمام الشافعي أنه قال: (واعملوا أن الإمام الحق بعد عمر رضي الله عنه عثمان رضي الله تعالى عنه بجعل أهل الشورى اختيار الإمامة إلى عبد الرحمن بن عوف واختياره لعثمان رضي الله عنه وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وصوبوا رأيه فيما فعله وأقام الناس على محجة الحق وبسط العدل إلى أن استشهد رضي الله عنه)»
[«الموسوعة العقدية – الدرر السنية» (7/ 388 بترقيم الشاملة آليا)].
كل هذه النصوص تدلك على إجماع الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب على بيعة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنه لم يختلف في بيعته أحد، ولم تكن كما زعم الزاعمون بمجرد بيعة عبد الرحمن له، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «عُثْمَانُ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِاخْتِيَارِ بَعْضِهِمْ، بَلْ بِمُبَايَعَةِ النَّاسِ لَهُ، وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بَايَعُوا عُثْمَانَ [بْنَ عَفَّانَ] (5) ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ (6) عَنْ بَيْعَتِهِ أَحَدٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَمْدَانَ بْنِ عَلِيٍّ (7) : ” مَا كَانَ فِي الْقَوْمِ أَوْكَدُ بَيْعَةً مِنْ عُثْمَانَ (1) كَانَتْ بِإِجْمَاعِهِمْ ” فَلَمَّا بَايَعَهُ ذَوُو الشَّوْكَةِ وَالْقُدْرَةِ صَارَ إِمَامًا، وَإِلَّا فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَايَعَهُ، وَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَهْلِ الشَّوْكَةِ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا»
[«منهاج السنة النبوية» (1/ 532)].
وقد جاء ذلك الإجماع أيضا في كتب الشيعة فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية الى عثمان و أخرجوني منها
[اسم الکتاب : الغارات – ط الحديثة المؤلف : الثقفي الکوفي، ابراهیم الجزء : 1 صفحة : 307].
ثانيا: قد اعترف الشيعة ببيعة علي لعثمان ومنهم من ذكر البيعة إكراها ومنهم من ذكرها بلا إكراه وإليك بعض النصوص في ذلك:في كتاب الأمالي للطوسي رواية طويلة عن علي بن أبي طالب أنه قال : ” فَبَايَعْتُمْ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُهُ”
[اسم الکتاب : الأمالي – ط دار الثقافة المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 1 صفحة : 507].
وهذه تدلك على أن البيعة أنما كانت برضا علي ودخولا في أمر أجمع عليه المهاجرون والأنصار وهو بلا شك يرضي الله تعالى بنص كلام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة: “وَإنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْبِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَاخَرَجَ منه، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى”.
[نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 587].
فلم يكن علي بالذي يترك أمرا فيه رضا الله تعالى وفي كتاب سليم بن قيس: “فقال له -أي لطلحة- علي عليه السلام : ليس ذلك علي ، قد كنا في الشورى والأمر في يد غيرنا وهو اليوم في يدي . أرأيت لو أردت – بعد ما بايعت عثمان – أن أرد هذا الأمر شورى ، أكان ذلك لي ؟ قال : لا . قال : ولم ؟ قال : لأنك بايعت طائعا . فقال علي عليه السلام : وكيف ذلك ، والأنصار معهم السيوف مخترطة يقولون : ( لئن فرغتم وبايعتم واحدا منكم ، وإلا ضربنا أعناقكم أجمعين ).
[كتاب سليم بن قيس الهلالي، سليم بن قيس الهلالي الكوفي، ص ٣٢٩].
ثم عقر الجمل، الحاج حسين الشاكري، ص ٥٨ ويقول هاشم معروف الحسني: “لقد وقف علي (ع) بين تلك الجماهير التي احتشدت في ذلك اليوم يخاطبهم بالمنطق السليم الذي اعتاد أن يخاطب به الناس، ليكشف لهم الخط الذي سيمضي عليه في هذا العهد الجديد، فقال: أيها الناس لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري، أما و قد انتهى الأمر إلى ما ترون فواللّه لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين و لم يكن جور إلا عليّ خاصة التماسا لأجر ذلك و فضله و زهدا فيما تنافستموه من زخرفة.و هكذا سالم أمير المؤمنين (ع) و بايع لعثمان كما بايعه الناس و مضى في السبيل الذي اختاره لنفسه يعمل ما وسعه العمل في سبيل الصالح العام لا يبخل عليهم بآرائه و لا بكل إمكانياته إذا أرادوها في سبيل الإسلام و انتشاره كما سالم و ساير و نصح من كان من قبله.
[اسم الکتاب : سيرة الأئمة الاثني عشر(ع) المؤلف : هاشم معروف الحسني الجزء : 1 صفحة : 360].
فانظر لهذا الكلام الواضح المستند على الأدلة وذلك أن عليا قال في نهج البلاغة“وَوَاللهِ لاَُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الِْتمَاساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ”.
[نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 136].
فهذا نص صريح في أن عليا قد بايع مع كامل رضاه لأنه رأى أن أمور المسلمين قد سلمت ببيعة عثمان فبايع ودخل فيما دخل فيه الناس، وقد ظل المسلمون يعتقدون إمامة عثمان وأنها صحيحة بل وأنه أفضل من علي بن أبي طالب حتى في زمان خلافة علي، يقول الشريف المرتضى: “ومعلوم أن جمهور أصحابه وجلهم كانوا ممن يعتقد إمامة من تقدم عليه عليه السلام، وفيهم من يفضلهم على جميع الأمة”.
[الشافي في الأمامة – الشريف المرتضى – ج3 – ص144].
وفي نص آخر يقول علي بن أبي طالب: “(ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم على ضلالة، ولا ليضربهم بالعمى”.
[تمام نهج البلاغة للسيد صادق الموسوي ص ٦٥٥ .
وفي مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص 27 وفي (نهج السعادة) ج4 ص 93
وكعادة الشيعة فإنهم قد تناقضوا في ذلك فزعم بعضهم أن عليا إنما بايع عثمان مكرها، ومن النصوص المروية في ذلك ما جاء في كتاب الغارات للثقفي
ثمّ قالوا: هلمّ فبايع والّا جاهدناك، فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا
[اسم الکتاب : الغارات – ط الحديثة المؤلف : الثقفي الکوفي، ابراهیم الجزء : 1 صفحة : 308].
وهذا غاية الطعن في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبيانه في ثالثا.
ثالثا: القول بأن عليا قد بايع عثمان مكرها فيه غاية الطعن في علي بن أبي طالب رضي الله عنه من عدة أوجه
الوجه الأول: أنه بذلك يكون كافرا، وذلك أن علماء الشيعة لما أرادوا تبرير عدم بيعة الحسين ليزيد قالوا بأنه بيعة يزيد كفر.
فقد روى أبو مخنف في حديث عمّار ، أنّه قال : «بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، لقد خرجتُ من جوارك كرهاً ، وفُرّق بيني وبينك ، واُخذت قهراً أن اُبايع يزيد ، شارب الخمور ، وراكب الفجور ، وإن فعلت كفرت تاريخ أبي مخنف ص٢٤
[اسم الکتاب : الوثائق الرسميّة لثورة الإمام الحسين المؤلف : الحسيني القزويني، عبد الكريم الجزء : 1 صفحة : 45].
الوجه الثاني: الإكراه على البيعة مخالفة صريحة للدين عند الشيعة، إذ الإكراه لا يمكن أن يصل إلى أن يكفر المعصوم، بأن يبايع على السمع والطاعة لكافر في عقيدة الشيعة، وهذا ما قرره أحد أكابر علماء الشيعة فقال: “وفي حدود هذا التكليف الإلهي، فإن خروج الإمام من البلاد كـان كافياً للقيام بالواجب المترتب عليـه نتيجة ذلك، وكذلك أيضاً لو أنه اختار صعود الجبال، والاختفاء عن الأنظار (کما اقترح عليه ابن عباس، بـان يذهب إلى شعاب الجبال )، وإذا ما افترضنا أنه كان قد اختار الاختفاء عن الأنظار في أحد البيـوت، فإنه يكون بذلك قد قام بواجبه أيضاً، لكنه لم يكن معذوراً فيما لو رضـخ للبيعة الإكراهية . فتقبل الإكراه من وجهة نظر الإسلام لا يشمل مثل هذه الحالات، وقاعدة : رُفع ما استكر هـوا عـليـه ، ولا ضرر ولا ضرار . . لا يجوز تطبيقها عندما يكون المتضرر هو الإسلام ، كان يجبر الإنسان أو يكـره على كتابة كتاب ضد الإسلام أو معاند لأهل القرآن الكريم.
[الملحمة الحسينية-مرتضى مطهري- ٣/١٠٨].
فها هو علي لم يغادر المدينة هربا من البيعة ولا اختفى في مكان وقد كان يسعه ذلك على عقيدة الشيعة .
الوجه الثالث: أن المكره على البيعة يجعل للذي أكرهه سبيل عليه وقد قال الله تعالى
(وَلَن یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ سَبِیلًا)
[سورة النساء 141]
والدليل على أن من أُكرِه على البيعة فقد جعل للمُكرِه له سبيل عليه ما رواه ابن ميثم البحراني قال : “53-و من كتاب له عليه السّلام إلى طلحة و الزبير، مع عمران بن الحصين الخزاعى… فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ- فَارْجِعَا وَتُوبَا إِلَى اللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ- وَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ- فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ- وَ إِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ-
[اسم الکتاب : شرح نهج البلاغه ابن هیثم المؤلف : البحراني، ابن ميثم الجزء : 5 صفحة : 188].
فهذا نص كلام علي “وَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ- فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وَ إِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ”.فهذه مخالفة صريحة من علي لكتاب الله، فقد جعل علي لعثمان أعظم السبيل عليه لما بايعه حتى ولو كان إكراها.
الوجه الرابع: قال الله تعالى (إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا)
[سورة النساء 97].
فهذه الآية تأمر المستضعف بالهجرة من بلده، ومن لم يهاجر وجعل للكافر سبيلا عليه فهو في جهنم وسواء مصيرا.
رابعا: هناك روايات جاءت في كتب أهل السنة تقول بأن عليا إنما بايع مكرها أو أنه تم خداعة ونحن نذكر أشهرها لنبين ضعفها
أولا: رواية الطبري وفيها «فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ، فَلا تَجْعَلَنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلا وَدَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ: عَلَيْكَ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَأَعْمَلَ بِمَبْلِغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ، قَالَ:نَعَمْ، فَبَايَعَهُ، [فَقَالَ عَلِيٌّ: حَبَوْتَهُ حَبْوَ دَهْرٍ، لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى مَا تَصِفُونَ، وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلا لِيُرَّدَ الأَمْرَ إِلَيْكَ، وَاللَّهِ كُلُّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ،] فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا عَلِيُّ لا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلا، فَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ لا يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 233)].
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (3/ 931)].
وهذه الرواية لا تصح اسنادا ولا متنا.أما الإسناد فهو كما قال الطبري: “«حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شبة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عن قتادة، عن شهر بن حوشب وابى مِخْنَفٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب لَمَّا طُعِنَ قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوِ اسْتَخْلَفْتَ!»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 227)].
ففي ذلك الإسناد شهر بن حوشب قال فيه ابن الجوزي: «شهر بن حَوْشَب أَبُو عبد الرَّحْمَن الْأَشْعَرِيّ يروي عَن ابْن عمر وام سَلمَة تَركه شُعْبَة وَطعن فِيهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ لَا يحْتَج بحَديثه وَقَالَ ابْن حيان كَانَ يروي عَن الثِّقَات المعضلات»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (2/ 43)].
وفي الإسناد أبو مخنف (لوط بن يحيى).قال أبو حاتم: متروك. وقال الدارقطني: أخباري ضعيف، وقال ابن عدي: شيعي محترق صاحب أخبارهم، وقال الذَّهبي: ساقط، وقال أيضًا: أخباري تالف لا يوثق به.
[الجرح والتعديل (7/ 182)، المغني في الضعفاء (ت 5121)، لسان الميزان (4/ 492) ميزان الاعتدال (3/ 419)، سير أعلام النبلاء (/ 7/ 301 ت 94)].
وفي الإسناد «يُوسُف بن يزِيد أَبُو معشر الْبَراء كَانَ يبري الْعود قَالَ يحيى ضَعِيف»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 222)].
ولأجل ذلك يقول البرزنجي في تعليقه على الرواية«هذا إسناد مركب جمع فيه الطبري الرواية من هذه الطرق (وهي ثلاثة) فخلط رواية البعض بالبعض الآخر، أما طريق شهر بن حوشب فقد أخرجه شيخ الطبري (عمر بن شبة) في كتابه القيّم (أخبار المدينة المنورة 6/ 3) مختصرًا ليس فيه إلا ذكر فضل أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وأنه لو كانا على قيد الحياة لاستخلفهما (أي عمر – رضي الله عنه -)، وهذا يعني أن النكارة الشديدة من قبل أبي مخنف أو إبراهيم النخعي ولا نظنه من قبل إبراهيم فهو وإن كان يرسل كثيرًا كما قال الحافظ فإنه غير متهم بالكذب أو الوضع والافتراء كما هو حال أبي مخنف – وإن كان إبراهيم في إسناده هنا يرسل لأنه ولد بعد الحادثة (أي وفاة عمر والشورى) بحوالي (22) سنة فهو أرسل هنا أيضًا ولكننا على يقين من أن التالف الهالك أبا مخنف هو الذي افترى وقال هذه النكارات الشنيعة التي تكذبها الروايالت الصحيحة عند البخاري وغيره كما ذكرنا في قسم الصحيح فليراجع (4/ 227/ قصة الشورى)، وسنذكر طرفًا من غرائب وعجائب اختلقها أبو مخنف والروايات الصحيحة السند تكذبه والحمد لله على نعمة الإسناد.
1 – رواية أبي مخنف تؤكد أن عمرًا أمر صهيبًا أن يراقب مجلس الشورى المتكون من الصحابة المعروفين (عثمان، علي، طلحة، الزبير، سعد) فإن لم يتفقوا فإن عليه (أي على صهيب) أن يضرب رؤوسهم بالسيف.
وحاشا لسيدنا عمر أن يكون سيئ الأدب مع من مات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو عنهم راضٍ (وباعتراف أمير المؤمنين عمر نفسه) والرواية الصحيحة تكذب ذلك فقد أخرج ابن سعد في طبقاته بسندٍ حسنٍ أن عمر – رضي الله عنه – أمر صهيبًا أن يضرب رأس من خالف مجلس الشورى بعد اتفاق هذا المجلس وفيه (فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالفهم فاضربوا رأسه) (الطبقات الكبرى 3/ 342).
2 – اختلق أبو مخنف كلامًا على لسان سيدنا علي – رضي الله عنه – وهو أنه اتهم عبد الرحمن بالتحيز إلن جانب عثمان بعد أن اتهمه عمه العباس بأنه قد تخلى عن أعوانه وأبنائه من آل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – وضعف أمام عثمان. وحاشا لعلي أن يقول مثل هذا وحاشا لابن عوف ألا يعدل، ولم نجد رواية صحيحة تثبت ما قاله أبو مخنف علمًا بأن عبد الرحمن كان أقرب إلى علي بناحية الرابطة العشائرية وما إلى ذلك من عثمان فعبد الرحمن زهري وهم أخوال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمن أقرب لمن؟
3 – ثم إن رواية أبي مخنف التالف الهالك تقول بأن طلحة كان غائبًا عن اجتماع مجلس الشورى بينما تذكر الروايات الصحيحة خلاف ذلك تمامًا – ولا نريد أن نطيل هنا في ذكر افتراءات أبي مخنف وزياداته الشنيعة وطعنه الخبيث في عدالة الصحابة فيكفينا ما ذكرنا من الروايات الصحيحة في قسم الصحيح من عهد الخلفاء الراشدين»
[«صحيح وضعيف تاريخ الطبري» (8/ 449].
وبمقارنة رواية أبي مخنف مع ما صح من رواية البخاري لقضية الشورى تجد أن أبا مخنف قد أضاف أمورا مكذوبة نجملها في الآتي.
١- القول المنسوب لعمر أنه أمر بقتل من لم يرض ببيعة غيره من الستة، فهذا من الكذب البيّن.
لكن الذي صح أن عمر قال «: ادْعُوا لِي صُهَيْبًا.فَدُعِيَ فَقَالَ: صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثًا وَلْيَخْلُ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ فِي بَيْتٍ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَاضْرِبُوا رَأْسَهُ»
[«الطبقات الكبرى ط العلمية» (3/ 260)].
والإسناد رجاله ثقاة، فهنا امر عمر أن تُضرب عنق من يخالف الستة الذين هم أهل الشورى وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عَنْ عَرْفَجَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ»
[«صحيح مسلم» (3/ 1480 ت عبد الباقي)].
٢: اتهام علي للعباس بقوله : عدلت عنا إلى أن قال عبد الرحمن كلاكما يحب الإمرة”. كل هذا من الكذب الذي لا يليق أن ينسب إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
٣- قول علي (وعبد الرحمن صهر عثمان، فلا يختلفون فيوليها أحدهم الآخر). وهذا كذب فإن عبد الرحمن أقرب إلى علي منه إلى عثمان، يقول ابن تيمية: “«فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ أَخًا لِعُثْمَانَ وَلَا ابْنَ عَمِّهِ وَلَا مِنْ قَبِيلَتِهِ أَصْلًا، بَلْ هَذَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهَذَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ. [وَبَنُو] زُهْرَةَ (8) إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَكْثَرُ مَيْلًا مِنْهُمْ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّ [بَنِي] زُهْرَةَ (9) أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي (1) امْرُؤٌ خَالَهُ» ” (2) .وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مُؤَاخَاةٌ وَلَا مُخَالَطَةٌ»
[«منهاج السنة النبوية» (6/ 171)].
٤- الزعم بأنه حصلت مشادة بين بني هاشم وبني أمية أثناء المباراة وهذا كذب واضح لم يرد في رواية صحيحة فبايعه علي، وعبد الرحمن، وسائر المسلمين بيعة رضاً، واختيار من غير رغبة «أعطاهم إياها، ولا رهبة خوفهم بها”1.وأما تقديم عثمان على علي رضي الله عنه فقد: “أجمع عليه المهاجرون والأنصار كما قال غير واحد من الأئمة منهم أيوب السختياني، وغير هـ: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وفي لفظ: ثم ندع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم2، فهذا إخبار عما كان عليه الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من تفضيل أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وقد روي أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، وحينئذ فيكون هذا التفضيل ثابتاً بالنص، وإلا فيكون ثابتاً بما ظهر بين المهاجرين، والأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من غير نكير، وبما ظهر لما توفي عمر، فإنهم كلهم بايعوا عثمان بن عفان من غير رغبة، ولا رهبة، ولم ينكر هذه الولاية منكر منهم. قال الإمام أحمد: لم يجتمعوا على بيعة أحد ما اجتمعوا على بيعة عثمان”3، وهو بين في قصة مبايعته رضي الله عنه»
[«شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية» (ص186)].
٥– قول الرواية «وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا، وَقَالَ: تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولا: حَضَرْنَا وَكُنَّا فِي أَهْلِ الشُّورَى! فَتَنَافَسَ الْقَومُ فِي الأَمْرِ»فهذا لا يصدر من رعاع الناس، ولذلك لم يرد ذلك في رواية صحيحة قط .
الرواية الثانية: جاءت عند اليعقوبي الشيعي وفيها أن عليا والمقداد وأبو ذر لم يرضوا ببيعة عثمان وقال أحدهم: “فدنوت منه فقلت: من أنت يرحمك الله، و من هذا الرجل؟ فقال: أنا المقداد بن عمرو، و هذا الرجل علي بن أبي طالب. قال فقلت: أ لا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال: يا ابن أخي! إن هذا الأمر لا يجري فيه الرجل و لا الرجلان”.
[اسم الکتاب : تاريخ اليعقوبي المؤلف : احمد بن ابی یعقوب الجزء : 2 صفحة : 163].
و هذه الرواية مذكورة بلا إسناد فلا نتكلف الجواب عمن هو ظاهر البطلان.
الرواية الثالثة: جاءت في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة وفيها: “فلما تم ذلك أخذ بيد عثمان ، فقال له عليك عهد الله وميثاقه لئن بايعتك لتقيمن لنا كتاب الله وسنة رسوله وسنة صاحبيك ، وشرط عمر أن لا تجعل أحدا من بني أمية على رقاب الناس ، فقال عثمان : نعم . ثم أخذ بيد علي ، فقال له : أبايعك على شرط عمر أن لا تجعل أحدا من بني هاشم على رقاب الناس ، فقال علي عند ذلك : مالك ولهذا إذا قطعتها في عنقي ؟ فإن علي الاجتهاد لأمة محمد حيث علمت القوة والأمانة استعنت بها ، كان في بني هاشم أو غيرهم ، قال عبد الرحمن : لا والله حتى تعطيني هذا الشرط ، قال علي : والله لا أعطيكه أبدا ، فتركه”.
[اسم الکتاب : الإمامة والسياسة – ت الزيني المؤلف : الدِّينَوري، ابن قتيبة الجزء : 1 صفحة : 30].
وهذه الرواية فيها انقطاع واضح إذ لا يمكن أن يكون بين صاحب الكتاب المتوفي سنة ٢٧٦ والمحادثة التي كانت سنة ٢٣ هجرية ثلاثة رجال فقط ؟ وعليه بالرواية ساقطة الإسناد بالانقطاع.وكذلك متنها لم يرد في رواية صحيحة ما يؤيده بل ما ورد في الصحيح يخالفه وكفى به إسقاطا للرواية.ومن المعلوم أن كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة إنما هو لمؤلف مجهول.«قال الشيخ الدكتور علي نفيع العلياني حفظه الله في كتابه “عقيدة الإمام بن قتيبة” عن كتاب الإمامة والسياسة: ” وبعد قراءتي لكتاب الإمامة والسياسة قراءة فاحصة ترجح عندي أن مؤلف الإمامة والسياسة رافضي خبيث ، أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة نظرًا لكثرتها ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث ، وقد يكون من رافضة المغرب ، فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة في المغرب»
[«موقع الإسلام سؤال وجواب» (9/ 9 بترقيم الشاملة آليا)].
الرواية الرابعة: جاءت في كتاب البدء والتاريخ وفيها: «وبسط عثمان يده وبنو هاشم وبنو أمية قيام ينتظرون ما يكون فضرب عبد الرحمن على يد عثمان وبايعه على الأمر ثم تتابع الناس على ذلك وخرج عثمان ووجهه يتهلل وعلي كاسف اللون أربد لم يبايعه ودخل منزله ورفع عمّار عقيرته يقول [رجز] يا ناعي الإسلام قم فانعه … قد مات عرف وأتى منكر»
[«البدء والتاريخ» (5/ 193)].
وهذه الرواية بلا إسناد كسوابقها
.وقد جاءت روايات أخرى أن عليا خُدع وكلها ضعيفة لا تصح، ويكفينا ما نقلناه من روايات الصحيحين وغيرهما في بيعة علي لعثمان وفي إجماع المهاجرين والأنصار علي بيعته باتفاق السنة والشيعة والحمد لله رب العالمين.
مواضيع شبيهة
إتمام عثمان الصلاة في السفر كان تغييرا السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.