دعوى أن معاوية خطب فقال قاتلتكم لأتأمر عليكم
قال علي الكوراني: “وصل معاوية إلى معسكر النخيلة بالكوفة ليلة الجمعة أو يومها ، وصلى بهم الجمعة ، وخطب خطبة مشحونة بالتحدي لأهل الكوفة والإذلال ، أعلن فيها أنه لم يقاتل علياً ( 7 ) وأهل العراق من أجل عثمان ولا الإسلام ، وإنما لأجل أن يتسلط على المسلمين ويحكمهم ، وها هو وصل إلى هدفه رغم أنوفهم !قال ابن أبي شيبة في مصنفه : 7 / 251 : ( عن سعيد بن سويد قال : صلى بنا معاوية الجمعة بالنخيلة في الضحى ثم خطبنا فقال : ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ) .
[اسم الکتاب : جواهر التاريخ المؤلف : الكوراني العاملي، علي الجزء : 3 صفحة : 85].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قال ابن ابي شيبة : ” 31197 – حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْد، قَالَ : صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ بِالنُّخَيلَةِ فِي الضُّحَى، ثُمَّ خَطَبْنَا فَقَالَ : مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا وَلاَ لِتَصُومُوا وَلاَ لِتَحُجُّوا وَلاَ لِتُزَكُّوا، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، فَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ ”
[المصنف – ابو بكر عبد الله بن محمد بن ابي شيبة – ج 11 ص 93].
وقد جاءت الرواية أيضا في الطبقات بهذا الإسناد«قال ابن سعد: أخبرنا يَعْلَى بن عُبيد، قال: حدّثنا الأعمش عن عَمرو بن مُرّة عن سعيد بن سُوَيد قال: خَطَبنا معاوية بالنُّخَيْلَة فقال: يا أهل العراق أترون أنى إنما قاتلتكم لأنكم لا تُصلون؟ والله إنى لأعلم أنكم تُصلون! أو أنكم لا تغتسلون من الجنابة؟! ولكن إنما قاتلتكم لاتأمّر عليكم، فقد أمّرنى الله عليكم»
[«الطبقات الكبير» (6/ 19 ط الخانجي)].
وهذه الرواية ضعيفة ولا يحتج بها قال الامام ابن حجر : ” ومن طريق سعيد بن سويد قال صلى بنا معاوية الجمعة ضحى وسعيد ذكره بن عدي في الضعفاء ”
[ فتح الباري – احمد بن علي بن حجر – ج 2 ص 387].
قال الامام البخاري : ” 1594 – سعيد بن سويد قال إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن مسهر سمع الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد رجل منهم صلى بنا معاوية الجمعة بضحى ولا يتابع عليه ”
[ التاريخ الكبير – محمد بن اسماعيل البخاري – ج 3 ص 477].
وقال الامام الذهبي : ” 3209 – سعيد بن سويد.ذكره ابن عدى مختصرا. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه”
[ميزان الاعتدال – محمد بن احمد الذهبي – ج 2 ص 145].
قال الامام ابن رجب : ” وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث – إذا تفرد به واحد – وإن لم يرو الثقات خلافه – : إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه”.
[ شرح علل الترمذي – عبد الرحمن بن أحمد بن رجب – ج 1 ص 216].
وعليه فسويد بن سعيد مجهول الحال إذ لم يوثقه أحد إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات على قاعدته التي لم يوقفه عليها اهل العلم، وعليه فالرجل مجهول الحال، فتكون الرواية ضعيفة ولا يحتج بها.
وعليه فإن الرواية ساقطة.
ثانيا: قد صح عن معاوية رضي الله عنه عند السنة والشيعة أنه لم يقاتل ليكون خليفة بل كان القتال فقط لتنفيذ حكم الله بالقصاص في قتلة عثمان، وهذا ثابت عند السنة والشيعة
اما عند اهل السنة فقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة نفسه قال: “30552 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: «مَا قَاتَلْتُ عَلِيًّا إِلَّا فِي أَمْرِ عُثْمَانَ»
[أبو بكر بن أبي شيبة، مصنف ابن أبي شيبة، ١٨٧/٦].
وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ أَحَدَ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ صِفِّينَ فِي تَأْلِيفِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ أَوْ أَنْتَ مِثْلُهُ قَالَ لَا وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي وَأَحَقُّ بِالْأَمْرِ وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنا بن عَمِّهِ وَوَلِيُّهُ أَطْلُبُ بِدَمِهِ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَعُ لَنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعَةِ وَيُحَاكِمُهُمْ إِلَيَّ فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ فَسَارَ عَلِيٌّ فِي الْجُيُوشِ مِنَ الْعِرَاقِ حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ وَسَارَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٨٦/١٣].
فلم يكن القتال إذا على الخلافة قط.وأما في كتب الشيعة فالنصوص في ذلك كثيرة
فقد جاء في أقدم كتاب شيعي وهو كتاب سليم بن قيس أن معاوية قال: “وأنا ابن عم عثمان ووليه والطالب بدمه، فإن كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة عثمان وادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا، ونبايعك ونسلم إليك الأمر”.
[كتاب سليم بن قيس المؤلف : الأنصاري، محمد باقر الجزء : 1 صفحة : 289].
و قال علي في نهج البلاغة: “وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ(1)، وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاِْسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاِْيمَانِ(2) باللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ(صلى الله عليه وآله)، وَلاَ يَسْتَزِيدُونَنَا، الاَْمْرُ وَاحِدٌ، إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ!”.
[نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 735].
فلم يكن الخلاف على الخلافة ولا ليتأمر معاوية رضي الله عنه على الناس وإنما كانت قضيته هي تنفيذ القصاص على قتلة الخليفة ولم يكن عنده مانع من البيعة لخليفة آخر يعلم أنه افضل منه.
ثالثا: قد كان أولى الناس بالقتال ليتأمر على الناس هو علي بن أبي طالب طبقا لدين الشيعة ولذلك أنهم يروون عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم امره أن يبذل دمه دون دينه، ومن الدين عندهم الإمامة ومقتضاها وهو الحكم السياسي إلا أن يقولوا بأن الحكم السياسي ليس من دين علي وعندها يسقط دينهم بالكلية.فقد قال الكليني: “وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع 33- مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ كَانَ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍّ ع أَنْ قَالَ يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَالٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ … وَ الْخَامِسَةُ بَذْلُكَ مَالَكَ وَ دَمَكَ دُونَ دِينِكَ”.
[الكافي- ط الاسلامية المؤلف : الشيخ الكليني الجزء : 8 صفحة : 79].
فكان الواجب على علي أن يقاتل الناس ليتأمر عليهم لكنه لم يفعل طوال مدة أبي بكر وعمر وعثمان،بل حتى أنهم لما عرضوا عليه الإمامة رفض وأمرهم أن يلتمسوا خليفة غيره فقال دعوني والتمسوا غيري ففي نهج البلاغة قال : “ومن كلام له (عليه السلام)لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان دَعُوني وَالْـتَمِسُوا غَيْرِي … وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ; وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً!”.
[نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 209].
وهذا كفر بالواجب المحتوم على علي بن أبي طالب عندهم. ولئن عابوا على معاوية القتال لأجل أن يتأمر على الناس فليعيبوا على علي القتال لأجل أن يتأمر على أهل الشام فإن قالوا هذا حقه قلنا إذا لم يكن حقا له قبل القتال، وأن قالوا قبل القتال كان ضعيفا على مقاتلة السابقين قلنا الضعيف عن اخذ حقه أضعف منه في أخذ حق الناس فضلا عن حكمهم ومثل هذا لا يصلح للإمامة. ثم إن معاوية ما حكم الناس بمعركة انتصر فيها وإنما كان حكمه بتنصيب المعصوم -عند الشيعة- له وهو الحسن بن علي رضي الله عنه لما صالح معاوية ومكنه من الحكم في دين الناس وفي دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
رابعا: لو كان معاوية على ما يدعون لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وفقه يتعلق بشتى أمور الدين من العبادات والمعاملات والأخلاق، وراجع في ذلك كتاب “[مرويات البيت الآمن من ص١١٥ إلى ص١٨٥ المؤلف نعيم أحمد عبدالله خضر ]”.
بل إنه في مرض موته كان يوصي الناس بتقوى الله تعالى فقد نقل ابن كثيرا أن معاوية قال عند موته: « اللَّهُمَّ أَقِلِ الْعَثْرَةَ، وَاعْفُ عَنِ الزَّلَّةِ، وَتَجَاوَزْ بِحِلْمِكَ عَنْ جَهْلِ مَنْ لَمْ يَرْجُ غَيْرَكَ، فَإِنَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ، لَيْسَ لِذِي خَطِيئَةٍ مِنْ خَطِيئَتِهِ مَهْرَبٌ إِلَّا إِلَيْكَ. وَرَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ: ثُمَّ مَاتَ.وَقَالَ غَيْرُهُ: أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقِي مَنِ اتَّقَاهُ، وَلَا يَقِي مَنْ لَا يَتَّقِي. ثُمَّ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ»
[«البداية والنهاية» (11/ 457 ت التركي)].
ثم قال: «وَقَدْ وَرَدَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَسَاهُ إِيَّاهُ، وَكَانَ مُدَّخَرًا عِنْدَهُ لِهَذَا الْيَوْمِ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَعْرِهِ وَقُلَامَةِ أَظْفَارِهِ فِي فَمِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ»
[«البداية والنهاية» (11/ 458 ت التركي)].
ولأجل هذا ترحم الحسين على معاوية عندما سمع بموته رضي الله عنه، فقد جاء في مقتل أبي مخنف: “فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية : الصلة خير من القطيعة ، أصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشئ ، وجاء حتى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة ، فقال حسين : انا لله وانا إليه راجعون ورحم الله معاوية وعظم لك الاجر”.
[مقتل الحسين ( ع )، أبو مخنف الأزدي، ص ١٩].
[مسند الإمام الحسين ( ع )، ج ١، الشيخ عزيز الله عطاردي، ص ٢٥٧].
[موسوعة الإمام الحسين ( ع ) ( تاريخ امام حسين ع )، ج ١، مكتب طباعة الكتب المساعدة التعليمية، ص ٢٤٤].
فهذه عقيدة أهل البيت في معاوية وأنه عاش على الإسلام وللإسلام ومات عليه رضي الله عنه وأرضاه، أفيريد الشيعة ان نترك عقيدة أهل البيت رضي الله عنهم لرواية لم تصح وعارضها ما هو ثابت صحيح؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم.
فهذا حب معاوية لربه ولدينه ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
مواضيع شبيهة