7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

وصف تولية عثمان الخلافة بأنها خدعة لعلي وترك للشورى.

0

 

قال الشيعة إن ما حدث من أمر الشورى في الستة وملابسات اختيار عثمان خليفة ما هو إلا حيلة لتنحية علي عن الخلافة.

وقد ذكر ذلك جعفر مرتضى العاملي رواية قال عقبها: “هذه الرواية إن دلت على شيء فهي تدل على وجود تواطؤ على علي (عليه السلام) لإبعاده عن الخلافة، بدليل أنها ذكرت أن ابن العاص كان على علم مسبق بنوايا ابن عوف، وبما سيطلبه من أهل الشورى”.

[الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) المؤلف : العاملي، جعفر مرتضى    الجزء : 15  صفحة : 188].

 

ويقول أيضا: “ونحن على يقين من أن عبد الرحمان لو سمع من علي (عليه السلام)، نفس الجواب الذي سمعه من عثمان، لكان قد طرح مطلباً تعجيزياً آخر، يرفضه علي (عليه السلام)، ويؤدي إلى ابعاده عن الخلافة جزماً، كأن يطلب منه أن يعترف بعدم وجود نص عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويعلن ذلك صراحة، أو ما إلى ذلك.

[الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) المؤلف : العاملي، جعفر مرتضى    الجزء : 15  صفحة : 190].

 

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

 

أولا: أما القول بأن بيعة عثمان كانت تركا للشورى فهو قول من لا يعرف شيئا عن بيعة عثمان رضي الله عنه، لكن المقصود أن فعل عمر كان أصوب ما يكون في وقته ونحن نحسب أن الصديق لو كان مكان عمر لجعلها شورى في الستة ولو كان عمر مكان الصديق لفعل ما فعله الصديق ولن يُحجم عن تسمية الخليفة أبدا وذلك أن الهدف واحد وهو جمع كلمة المسلمين على أكفأ الناس علما ودينا وقوة وأمانة حتى يتفق الناس على بيعة واحدة وكلمة واحدة، ولم يكن من الممكن أن يعلم الصديق أو الفاروق أن ثمة شيء فيه نصح للأمة ثم يعدلون عنه، وعليه فالذين يطعنون في خلافة عثمان وأنها كانت تركا للشورى ومجرد خديعة هؤلاء لا يعرفون شيئا عن خلافة عثمان والتي قال الإمام أحمد فيها: «مَا كَانَ فِي الْقَوْمِ ‌أَوْكَدُ ‌بَيْعَةً ‌مِنْ عُثْمَانَ، كَانَتْ بِإِجْمَاعِهِمْ»

[«السنة لأبي بكر بن الخلال» (2/ 320)].

 

وقال فيها أبو نعيم الأصبهاني: “«فَاَجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى وَنَظَرُوا فيِمَا أَمَرَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّوْفِيقِ وَأُبدُوا أحسن ‌النَّظَرِ ‌وَالْحِيَاطَةِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَاخْتَارُوا بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ وَالْحِيَاطَةِ لَهُمْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَمَالِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّوَابِقِ الْكَرِيمَةِ، وَمَا عَرَفُوا مِنْ عِلْمِهِ الْغَزِيرِ وَحِلْمِهِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَا اخْتَارُوهُ وَتَشَاوَرُوا فِيهِ، أحد، وَلَا طَعَنَ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ طَاعِنٌ فَأَسْرَعُوا إِلَى بَيْعَتِهِ»

[«تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني» (ص299)].

 

والرافضة دائما ما يتكلمون في بعض مراحل التشاور بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يجعلون الحكم مناطا بتلك المرحلة لا بما وقع فعلا من التشاور بين أهل الحل والعقد والذي يعقبه بيعة الناس للخليفة! وفعل عمر رضي الله عنه كان في غاية الحكمة وهو عمل بالشوري بل بأفضل ما يكون منها وهو أن يشير الحاكم إلى أفضل الناس بعده في عينه ويعطي دلائل من حيث أنه صار خبيرا بالولاية ويعرف أصلح الناس لها، فكان واجبه نحو أمته هو النصح لهم والدلالة على خير ما يعلمه لهم مع ترك الأمر شورى للمسلمين وهذا ما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر الصديق.

 

يقول أبو نعيم الأصبهاني: “الَّذِيَ فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْوَقْفِ مَحْمُولٌ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْتَهِدُوا وَيُتحروا فِي الْأَفْضَلِ لِمَا كَانَ يُشَاهِدُ فِيهِمْ مِنْ آلَاتِ الْخِلَافَةِ، وَأنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانَتِ الأْعَيْنُ مَمْدُودَةً إِلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ وَالْكَمَالِ. فَأَحَبَّ أَنْ يَجْتَهِدُوا لِيَكُونَ الْمُبَايِعُ لَهُ مِنْهُمْ أَوْكَدَ أَثرًا وَأَوْثَقَ بَيْعَةً. وَاقْتَدَى فِيمَا فَعَلَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِفَضْلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ بَلْ دَلَّ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَتَفْضِيلِهِ وَسَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَيْهِ. فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكَتَ عَنِ النَّصِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ لِجَهْلٍ كَانَ مِنْهُ بمكانه فَقَدْ قَالَ عَظِيمًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» ، وَقَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَالْبَيَانِ فِي أَمْرِهِ

[«تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني» (ص305)].

 

ثانيا: سياق القصة وما صح منها بالإسناد الصحيح يبين أن خلافة عثمان كانت بالشورى بين المسلمين ولم يكن بيعة أوكد منها .

وقد نص عمر على أنها شورى ففي صحيح مسلم عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَذَكَرَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنَّ أَسْتَخْلِفَ، وَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، وَلَا خِلَافَتَهُ، وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ، فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وَإِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَنَا ضَرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللهِ، الْكَفَرَةُ الضُّلَّالُ

[مسلم، صحيح مسلم، ٣٩٦/١].

 

فهذا نص عمر أن الخلافة كانت شورى في ستة وهم الأكابر وقتها والذين تتطلع الناس إليهم كونهم جميعا يصلحون للخلافة فقد يحصل الخلاف بين الناس عليهم فإذا اتفق هؤلاء اتفق الناس تبعا لاتفاقهم وهذا ما عناه عمر -والله أعلم- لما جعل الشورى في هؤلاء الستة.قال أبو نعيم الأصبهاني: ” «لِمَا أَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى ‌لِلسِّتَّةِ ‌مِنَ ‌الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وَالْمَرْتَبَةِ الرَّفِيعَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْإِنْكَارَ لَمَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَأَسْرَعُوا الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ إِلَى السِّتَّةِ، وَلَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي كَانَ أَحَدُ السِّتَّةِ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَأَظْهَرَ النَّكِيرَ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَلَّمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تُقْيَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَبَايَعَ وَأَمْضَاهُ فَتَبِعَتْهُمْ كَافَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِهِمْ»

[«تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني» (ص266)”].

 

وفي بيان الحكمة في اختيار هؤلاء الستة دون غيرهم تقول الدكتورة عليوش رقية: “كان هؤلاء الستة هم الممثلون للرأي العام يومذاك وكانوا في نفس الوقت يشكلون فئة كبار الصحابة ذوي السابقة في الإسلام. لقد كانوا جميعا من المبشرين بالجنة وهذا أمر كان له اعتبار في ذلك اليوم حيث كان عنوانا على المصداقية الدينية، هذا من جهة ومن جهة أخرى كانت هناك اعتبارات على مستوى الإنتماء القبلي جعلت هؤلاء الستة الأوفر حضا من باقي كبار الصحابة كعمار بن ياسر فقد كان هو الآخر من صحابة الفترة الأولى للإسلام فكان مساويا لهم في السابقة ولكن انتخابه لم يكن ممكنا لأنه لم يكن قرشيا صحيحا ولأنه كان من أصل متواضع، على عكس علي بن أبي طالب فهو من بني عبد المطلب وابن عم النبي الشقيق وأحد المؤمنين الأوائل بعد السيدة خديجة وأبي بكر، ختن النبي ووالد حفيديه عقبي النبي الوحيدين، أما عثمان بن عفان فهو من بني أمية لكنه سليل بني عبد المطلب من جهة أمه ختن النبي، له سابقة الإسلام أنفق من ماله في سبيل نصرة الإسلام، أما عبد الرحمان بن عوف فهو من بني زهرة عشيرة أم النبي أسلم مبكرا، صهر عثمان، رجل غني ومسموع الكلمة، أما سعد بن أبي وقاص فہو من بنيي زهرة كذلك، أما الزبير بن العوامل فهو من بني عبد العزى بن قصي، الملقب بحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم في وقت مبكر، أمه عمة النبي وبالتالي فهو ينتسب إلى عبد المطلب من جهة النساء أما طلحة بن عبيد الله له فهو من تميم عشيرة أبي بكر وهو أيضا من المسلمين الأوائل ويوصف بأنه من حكماء قريش وهو أيضا من أغنياء التجار والملاك”.

[دراسة في أسباب انتقال الحكم من الخلافة الراشدة إلى الخلافة الأموية الوراثية -عليوش رقية- ص٦٧].

 

ولم تكن الشورى لهؤلاء الستة كما قد يتوهم البعض بل كانت الشورى للمسلمين من المهاجرين والأنصار الذين هم أهل الحل والعقد، ففي مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح((هامش: تاريخ الخلفاء الراشدين في مرويات الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني- بندر بن محمد بن سعد الحجي ص ٣٩٤)) «مَعْمَرٌ: وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وإِنْ كُنْتَ يَا عُثْمَانُ عَلَى شَيءٍ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْمِلْ بَنِي أَبِي مُعَيْط عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، وإِنْ كُنْتَ عَلَى شَيءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْمِلْ أَقَارِبَكَ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَتَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَمِّرُوا أَحَدَكُمْ، قَالَ: فَقَامُوا لِيَتَشَاوَرُوا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَدَعَانِي عُثْمَانُ فَتَشَاوَرَنِي وَلَمْ يُدْخِلْنِي عُمَرُ فِي الشُّورَى، فَلَمَّا أكثَرَ أَنْ يَدْعُوَنِي، قُلْتُ: أَلَا تَتَّقُونَ اللهَ؟ أَتُوَّمِّرُونَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَيّ بَعْدُ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظْتُ عُمَرَ فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: أَمْهِلُوا، لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، ثُمَّ تَشَاوَرُوا، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فِي الثَّلَاثِ، وَاجْمَعُوا أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ، فَمَنْ تَأَمَّرَكُمْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوه، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُمْ، لِأَنِّي قَلَّ مَا رَأَيْتُ عُمَرَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِلَّا كَانَ بَعْضَ الَّذِي يَقُول، قَالَ الزهْرِيُّ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ اجْتَمَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لكُمْ مِنْكُمْ، فَوَلَّوْهُ ذَلِكَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَاللهِ مَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَا ذَوِي غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ إِلَّا ‌اسْتَشَارَهُمْ ‌تِلْكَ ‌اللَّيْلَةَ»

[«مصنف عبد الرزاق» (6/ 117 ط التأصيل الثانية)].

 

فانظر لقوله “وَاللهِ مَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَا ذَوِي غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ إِلَّا ‌اسْتَشَارَهُمْ ‌تِلْكَ ‌اللَّيْلَةَ”.وفي صحيح البخاري: ” عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ»، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ، فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: «أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا»، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: «ادْعُ لِي عَلِيًّا»، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ لِي عُثْمَانَ»، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا»، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ

[البخاري، صحيح البخاري، ٧٨/٩].

 

فهذه الروايات تبين بجلاء ما تم من الشورى وإن بيعة عثمان لم تكن لمجرد استخلاف عمر له ولا لاختيار عبد الرحمن بن عوف له لكن طبيعة الأمور أن يبايع للخليفة واحد ثم الثاني ثم يتتابع الناس عليه ولذلك يقول أبو نعيم جوابا على من يعترض علي بيعة عمر للصديق: “«وَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ احْتِجَاجَكَ بِتَخَلُّفِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمُبَايَعَةِ رَجُلَيْنِ لَهُ وَهُمَا عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ رَاجِعٌ عَلَيْكَ فِيمَا تَحْتَجُّ بِهِ مِنْ عَقْدِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بُويِعَ. وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي سَبَقَ إِلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَا فَاضِلَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَا يُوازَنَانِ بِعُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْفَضْلِ. فَلَئِنْ جَازَ لَكَ أَنْ تَحْتَجَّ بِتَخَلُّفِ عَلِيٍّ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَتَمَنُّعِهِ لِانْعِقَادِ بَيْعَتِهِ بِرَجُلَيْنِ ثُمَّ تَابَعَهُمَا الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا عَلَيْهِ، لَجَازَ لِمَنْ يَطْعَنُ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِمِثْلِهِ وَيَقُولَ: إِنَّمَا سَبَقَ إِلَى بَيْعَتِهِ رَجُلَانِ ثُمَّ لَمْ يُتَابَعَا عَلَيْهِ، بَلِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ سَبَقَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ إِلَى مُبَايَعَتِهِ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْ أَهْلِ الشُّورَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلُ: سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَمِنَ الْأَنْصَارِ، مِثْلُ: أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي مَسْعُودٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرَوْا أَنَّ عَقْدَ عَمَّارٍ وَسَهْلٍ يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِأَحَدٍ إِلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِ وَتَشَاوُرِ وَاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ إِذَا وَجَدُوا شَرَائِطَ الْخِلَافَةِ لِمُتَابَعَةِ غَيْرِهِمْ إِلَى الْبَيْعَةِ، وَإِنَّمَا بَايَعُوا عَنْ عِلْمٍ وَرَأْي وَاخْتِيَارٍ وَمَشُورَةٍ وَاسْتِحْقَاقِ مَنْ بَايَعُوا لَهُمْ. وَإِنْ سَوَّغْتَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقُعُودَ عَنْ بَيْعَةِ مَنْ بَايَعَهُ بِأَنَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْمُسْلِمِينَ طُرًّا، فَسَوِّغْ لِمَنْ طَعَنَ مِنَ الْمَارِقَةِ الْخَوَارِجِ عَلَى خِلَافَتِهِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ إِذَا احْتَجَّ بِأَنَّ عَقْدَ بَيْعَتِهِ انْعَقَدَتْ بِرَجُلَيْنِ عَمَّارٍ وَسَهْلٍ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُهُ ذُو عَقْلٍ وَدِينٍ»

[«تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة لأبي نعيم الأصبهاني» (ص264)].

 

وعليه فقد تمت البيعة لعثمان ولم يختلف فيها رجلان كما سبق وذكرناه

 

ثالثا: هناك بعض الروايات التي تنسب لعلي أنه قال إن ما تم إنما هو خدعة والروايات في هذا الباب ضعيفة ولا تصح.يقول ابن كثير: «وَمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ – كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ – عَنْ رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا ‌قَالَ ‌لِعَبْدِ ‌الرَّحْمَنِ: ‌خَدَعْتَنِي، وَإِنَّكَ إِنَّمَا وَلَّيْتَهُ؛ لِأَنَّهُ صِهْرُكَ وَلِيُشَاوِرَكَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ. وَأَنَّهُ تَلَكَّأَ حَتَّى قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَائِلِيهَا وَنَاقِلِيهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَظْنُونُ بِالصَّحَابَةِ خِلَافُ مَا يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الرَّافِضَةِ وَأَغْبِيَاءِ الْقُصَّاصِ الَّذِينَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَضَعِيفِهَا، وَمُسْتَقِيمِهَا وَسَقِيمِهَا، وَشَاذِّهَا وَقَوِيمِهَا»

[«البداية والنهاية» (10/ 213 ت التركي)].

 

وقد تعرضنا للروايات التي تذكر أن عليا خُدع ولم يبايع في بحث بعنوان” إنكار الشيعة مبايعة علي لعثمان، وزعم بعضهم أنه بايع مكرها.”وعليه فإن الروايات في ذلك لا تثبت عن علي رضي الله عنه.ومع ذلك فإن الشيعة لا يلتزمون ذلك(هامش: وقد رد جعفر مرتضى العاملي رواية تقول بأن عليا خُدِع فقال: “إن هذه الرواية وإن كان لا يبعد حصولها، لأنهم أرادوا أن يطمئنوا إلى طبيعة جواب علي (عليه السلام)، لكن الإيحاء بأن علياً (عليه السلام) لم يصل إلى الخلافة بسبب أن خدعة عمرو بن العاص قد جازت عليه هو الذي نرفضه ولا نرضاه، لأن القرائن كلها على خلاف ذلك”.

[اسم الکتاب : الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) المؤلف : العاملي، جعفر مرتضى    الجزء : 15  صفحة : 189].

 

لأن عليا عندهم معصوم لا يُخدع فإن قالوا أنه خّدِع فقد سقطت عصمته المطلقة كما يزعمون وسقط علمه بالغيب وغير ذلك كيف والله تعالى يقول {وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَیۡرِ وَمَا مَسَّنِیَ ٱلسُّوۤءُۚ}

[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ١٨٨].

فهذا من أسوأ السوء أن يُزاح علي عن حقه المنصوص عليه من الله -بزعمهم- بخدعة فلان وعلان، فإن أصر الشيعة على أن الصحابة خدعوا عليا فعلا فقد سقط دينهم وإن نفوا ذلك سقطت الشبهة والحمد لله رب العالمين.

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

أول من ترك التكبير للركوع والسجود هو عثمان.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.