7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

 نهي عثمان عن متعة الحج

0

 

عاب الشيعة على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه نهيه عن متعة الحج، واستدلوا على ذلك بما صح في في الصحيحين وغيرهما ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: كُنَّا نَسِيرُ مَعَ عُثْمَانَ، فَإِذَا رَجُلٌ يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا، فَقَالَ: عُثْمَانُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: عَلِيٌّ. فَقَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: ” بَلَى، وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأَدَعَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِكَ ” »

[«مسند أحمد» (2/ 136 ط الرسالة)].

[«مسند أحمد» (2/ 353 ط الرسالة)].

 

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

 

أولا: قد ثبت عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يفردون الحج قال ابْنِ سِيرِينَ: «أَفْرَدَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ بَعْدَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ‌وَهُمْ ‌كَانُوا ‌لِسُنَّتِهِ ‌أَشَدَّ ‌اتِّبَاعًا، أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ»

[«مصنف ابن أبي شيبة» (3/ 290 ت الحوت)].

 

وهذا لا ينفي أنهم أيضا تمتعوا، فقد ثبت عن عثمان أنه حج تمتعا عَنْ طَاووُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «‌تَمَتَّعَ ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ ”

[«سنن الترمذي» (3/ 176 ت شاكر)].

 

قال الحسن بن علي الطوسي (ت ٣١٢ هـ)«حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ»

[«مختصر الأحكام = مستخرج الطوسي على جامع الترمذي» (4/ 38)].

 

وهذا يدلك على أن عثمان لم ينه عن شيء ثم يفعله الا انه يرى فعله جائزا، لكنه ينهى عنه من باب اختيار الأفضل للناس وللبيت الحرام في أيام خلافته حتى لا يخلو البيت من الطائفين والعاكفين والركع السجود، وقد صرَّح عثمان بذلك وأنه لم ينه عنها تشريعا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَاللهِ إِنَّا لَمَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِالْجُحْفَةِ، وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِيهِمْ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ، إِذْ قَالَ عُثْمَانُ – وَذُكِرَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ -: إِنَّ أَتَمَّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَكُونَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِبَطْنِ الْوَادِي يَعْلِفُ بَعِيرًا لَهُ، قَالَ: فَبَلَغَهُ الَّذِي قَالَ عُثْمَانُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: ” أَعَمَدْتَ إِلَى سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُخْصَةٍ رَخَّصَ اللهُ تَعَالَى بِهَا لِلْعِبَادِ فِي كِتَابِهِ، تُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَتَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ كَانَتْ لِذِي الْحَاجَةِ وَلِنَائِي الدَّارِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا ” فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: ” وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا؟ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ

[أحمد بن حنبل، مسند أحمد ط الرسالة، ١١٥:١١٤/٢].

 

فهذا كلام في غاية الصراحة من عثمان رضي الله عنه وأنه لا يشرع للامة ولا يخالف أمر ولا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يشير على الناس بما يراه أفضل فمن اخذ بمشورته فبها، وإلا فليفعل ما يراه، ومن تأمل قول عثمان “َلَوْ أَخَّرْتُمْ هَذِهِ الْعُمْرَةَ حَتَّى تَزُورُوا هَذَا الْبَيْتَ زَوْرَتَيْنِ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ وَسَّعَ فِي الْخَيْرِ” يعلم ما فيه من الفقه والعلم من محبة الخير للناس طالما أنهم في سعة من العيش فليكثروا من زيارة البيت، وقد صرح عثمان بأن قوله مجرد رأي لا إلزاما لأحد

وهذا نص قوله “وَهَلْ نَهَيْتُ عَنْهَا؟ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ رَأْيًا أَشَرْتُ بِهِ، فَمَنْ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ “.

 

ثانيا: إصرار علي على مخالفة عثمان في ذلك ليس الا لبيان أن نهي عثمان لم يكن على وجه الحتم والتشريع، وإلا فقد ثبت عن علي أنه أمر بما أمر به عثمان رضي الله عنه «عَنْ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ” ‌يَا ‌بُنِيَّ ‌أَفْرِدْ ‌بِالْحَجِّ؛ ‌فَإِنَّهُ ‌أَفْضَلُ “»

[«السنن الكبرى – البيهقي» (5/ 8 ط العلمية)].

 

وفي فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقه معلوم عند أهل العلم وهو أنه إذا أشار الخليفة برأي من باب اختيار الأفضل، فللعالم أن يخالفه حتى لا يظن الناس أن قوله تشريع ولذلك. ولمزيد بيان في تصور المسألة نسوق رواية النسائي عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: حَجَّ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ «نَهَى عُثْمَانُ عَنِ التَّمَتُّعِ» قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُوهُ قَدِ ارْتَحَلَ فَارْتَحِلُوا»، فَلَبَّى عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ بِالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَنْهَهُمْ عُثْمَانُ، قَالَ عَلِيٌّ: ‌أَلَمْ ‌أُخْبَرْ ‌أَنَّكَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ ‌التَّمَتُّعِ؟ قَالَ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ؟ قَالَ: بَلَى

[«السنن الكبرى – النسائي – ط الرسالة» (4/ 46)].

 

قال الشيخ الإثيوبي: «وقوله: “إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا” أي ارتحلوا معه، ملبين بالعمرة؛ ليعلم أنكم قدّمتم السنة على قوله، وأنه لا طاعة له في مقابلة السنّة. قاله السنديّ.وقوله: “فلم ينههم عثمان” أي بعد أن سبق بينه وبين عليّ ما سبق، وعَلِم أن عليًّا، وأصحابه ما انتهوا عن ذلك بقوله. وقيل: هذا رجوع من عثمان عن النهي عن المتعة. ولكن يبعده آخر الحديث.

وفيه أن نهي عثمان عن التمتّع ليس نهي تحريم، وإنما هو من باب الأفضلية، إذ لولا ذلك لما سكت عن نهيهم، بل ألزمهم أن يرفضوا تمتّعهم»

[«ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» (24/ 183)].

 

فلو كان نهي عثمان من باب الحتم لما سكت على فعل علي، ولذلك قال النووي: «قَوْلُهُ (كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُثْمَانُ هِيَ التَّمَتُّعُ الْمَعْرُوفُ فِي الْحَجِّ ‌وَكَانَ ‌عُمَرُ ‌وَعُثْمَانُ ‌يَنْهَيَانِ عَنْهَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَإِنَّمَا نَهَيَا عَنْهَا لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَأْمُرَانِ بِالْإِفْرَادِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَيَنْهَيَانِ عَنِ التَّمَتُّعِ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَلَاحِ رَعِيَّتِهِ وَكَانَ يَرَى الْأَمْرَ بِالْإِفْرَادِ مِنْ جُمْلَةِ صَلَاحِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ»

[«شرح النووي على مسلم» (8/ 202)].

 

وفي فعل علي رد على الشيعة القائلين بأن عليا كان يعيش في تقية أيام خلافة الخلفاء ولم يستطع أن يغير شيئا مما فعله الخلفاء، ففي هذا أقوى رد عليهم وأن عليا لم يكن يسكت حتى على مجرد اختيار ما يراه أفضل، مع ما في هذا من سعة في الشريعة، فإذا كان لا يسكت في مثل ذلك مع سعة السكوت فيه فمن باب أولى لا يسكت عما هو أعظم من أمور الدين التي يزعم الشيعة أن الصحابة كان لهم فيها مخالفات.

 

ثالثا: من القواعد الفقهية الكبرى المتفق عليها أن: “تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ”.

[ابن نجيم، الأشباه والنظائر لابن نجيم، صفحة ١٠٤].

ولذلك قال أهل العلم إن الحاكم يجوز له أن ينهى عن مباح لدخول في أفضل لتقريب الناس إلى الصلاح.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.

[ابن تيمية، شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الحج، ٥٢٨/١].

 

إذا طالما أن النهي لم يخالف به شرع، بل نهاهم عن مباح لدخول في أفضل دل عليه الشرع فهذا من السياسة الشرعية للحاكم الواجب اتباعها.قال ابن القيم: فَقَالَ شَافِعِيٌّ: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلًا يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ، فَإِنْ أَرَدْت بِقَوْلِك: ” إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ ” أَيْ لَمْ يُخَالِفْ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَصَحِيحٌ.

وَإِنْ أَرَدْت: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَغَلَطٌ”

[ابن القيم، الطرق الحكمية، صفحة ١٢].

 

والخلاصة: أن الحاكم إذا الزم الناس بالفاضل وأمرهم بترك المفضول لمصلحة شرعية معتبرة كان هذا من السياسة الشرعية التي لا يُنكَر بها عليه.وقد خرَّج ابن القيم نهي عمر عن الحج على ذلك فقال[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

 

8 – (فَصْلٌ) وَمِنْ ذَلِكَ: اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ، لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ. وَتَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: ” يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاء. أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ “■ هنا نضع هامش ونكتب الآتي((( اشتهر أثرٌ لابنِ عباسٍ – رضي اللهُ عنهما – نصهُ : ” يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ”، أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَقُولُونَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؟ ” ، وبعد البحثِ في المصادرِ المعتبرةِ تبين أنه لا وجود له بهذا اللفظِ ، وقد أوردهُ شيخُ الإسلامِ في ” الفتاوى ” (20/215 ، 26/50 ، 281) ، والإمامُ ابنُ القيمِ في ” إعلامِ الموقعين ” (2/238) ، و” الزاد ” (2/195) ، و” الصواعق المرسلة ” (3/1063) ، والشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب في كتابِ ” التوحيد ” ” باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً ” بهذا اللفظ من غير ذكر المصدر له ، أو حتى إسناده ، وهذا اللفظ لم يثبت في أي رواية من روايات الحديث ومثل هذا اللفظ يحتاج في ثبوته إلى إسناد صحيح،  فكيف ولا إسناد له))))■ وَكَذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانُوا إذَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَبِيهِ يَقُولُ: ” إنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَا تَقُولُونَ ” فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: “ أَفَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا، أَمْ عُمَرُ؟ “.وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ سِيَاسَةٌ جُزْئِيَّةٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَظَنَّهَا مَنْ ظَنَّهَا شَرَائِعَ عَامَّةً لَازِمَةً لِلْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَلِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ وَمَنْ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

[ابن القيم، الطرق الحكمية، صفحة ١٩].

 

يقول الإمام الخادمي في “بريقة محمودية” (1/ 62): “كُلَّ مُبَاحٍ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ إتْيَانُهُ”.

[محمد الخادمي، بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية، ٦٢/١].

 

وعليه فنهيه عنها إنما هو من باب اختيار الأفضل للأمة ، ولم ينه عنها تحريما لها، وجواز فعل ذلك من الحاكم معلوم بالاتفاق.

 

والدليل على أن النهي عن متعة الحج ما كان الا سياسة ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ” أَنَهَيْتَ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ , قَالَ: لَا , وَلَكِنِّي أَرَدْتُ كَثْرَةَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ , قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ , وَمَنْ تَمَتَّعَ فَقَدْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ”

[البيهقي، أبو بكر، السنن الكبرى للبيهقي، ٣٠/٥].

 

وقد قرر هذه المسألة أيضا من الشيعة عالمهم ناصر مكارم الشيرازي لما قال: “إنّ الأحكام الكليّة في التشريع تختلف عن الأحكام التنفيذية للحاكم ، فالأحكام الكليّة هي نفس القوانين الثابتة والمستمرة التي تبقى قائمة في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة ، إلّا أنّ الأحكام الصادرة عن الحاكم الشرعي هي الّتي تصدر بسبب الأمور الضرورية وأمثالها وبشكل مؤقت ( مثل حكم تحريم التنباكو الذي صدر في فترة محدّدة لغرض محاربة الاستعمار الاقتصادي الإنجليزي من قبل مرجع كبير ثم رفع بعد انتهاء الخطر ) .ويستفاد من القرائن الواردة في رواية الإمام الجواد عليه السلام وبشكل واضح ، أنّه عليه السلام لما جاء إلى بغداد كان الشيعة يعانون الفاقة والضنك ، وقد أقرّ الإمام تعدد الخمس في تلك السنة لغرض حل هذه المشكلة بشكل خاص ، والواقع أنّه عليه السلام طبّق أحكام العناوين الثانوية والضرورية على إحدى مصاديقها ، بدون أن يمثل ذلك تشريعاً جديداً .

ويمكن أن يكون حكم الزكاة الوارد في رواية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من هذا النوع أيضاً ، ولذا فإنّ هذا الحكم محدود بذلك الزمان فقط ، ولم ينظر إليه الفقهاء كتشريع عام ولم يصدروا فتاواهم طبقاً لتلك الفتوى”.

[نفحات القرآن، ج ١٠، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص ٨٣].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وَإِنَّمَا وَجْهُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا بِالْمُتْعَةِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَزُورُونَ الْكَعْبَةَ إِلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلُونَ تِلْكَ السَّفْرَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى الْبَيْتُ مَهْجُورًا عَامَّةَ السَّنَةِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ لِيَبْقَى الْبَيْتُ مَعْمُورًا مَزُورًا كُلَّ وَقْتٍ بِعُمْرَةٍ يَنْشَأُ لَهَا سَفَرٌ مُفْرَدٌ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَفْعَلُ، حَيْثُ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجَّةِ ثَلَاثَ عُمَرٍ مُفْرَدَاتٍ. وَعَلِمَ أَنَّ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَنْشَأَ لَهُمَا سَفَرٌ مِنَ الْوَطَنِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرَ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ لِرَغْبَتِهِ طَرِيقًا إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ الِاعْتِمَارِ مَعَ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، فَقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.

قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: ” إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِيَكُونَ مَوْسِمَيْنِ فِي عَامٍ، فَيُصِيبُ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا “.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: ” إِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ إِرَادَةَ أَلَّا يُعَطَّلَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ “. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ”.

[ابن تيمية، شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الحج، ٥٢٨/١].

 

قلت فالعلة إذا هي أن يظل البيت عامرا بالطائفين والعمار، فأراد أن يخلص أشهر الحج للحج وباقي السنة للعمرة حتى لا يتعطل البيت في غير أشهر الحج، فكان النهي لتكثر زيارة الناس للبيت الحرام ويكثر عماره طول السنة، لتحصل فائدة للحجاج والمعتمرين بإتمام الحج والعمرة، وبحصول الأجر بمشقة السفرتين، وتحصل الفائدة لأهل الحرم فيدخل عليهم الرفق واليسار تحقيقا لدعوة إبراهيم عليه السلام. (فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ)

[سورة إبراهيم 37].

 

وعليه فكان نهي عثمان لكل تلك المصالح الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وكان حمله للناس على صورة من الصور التي جاء بها الشرع ولم يبتدعوا صورة جديدة من صور النسك، وقد قررنا أن ذلك جائز للحاكم فعله بلا خلاف، وليس هو من باب التشريع ولا من باب البدعة بل هو عين السنة التي دلت عليها الكتاب والسنة.

 

رابعا: للرافضة أقول إذا شنعتم على ذي النورين رضي الله لأنه ندب الناس إلى أداء نسك من الأنساك وترك آخر سياسة لا تشريعا، وذلك لإعمار بيت الله الحرام، ولزيادة أجر الناسكين، وليوافق الحال التي أمر بها الشارع في الحج، فماذا تقولون عن علي والحسن والحسين والسجاد الذين لم يعرفوا الشيعة مناسك الحج كلها، فكتموا العلم عنهم، وما عرفوا منسكا واحدا من مناسك الحج …!

[في الكافي ج٢ ص٢٠ وقال المجلسي في مرآة العقول ٧/١٠٨ الحديث السادس : صحيح بسنديه].

 

“عن عيسى بن السري أبي اليسع قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني بدعائم الإسلام……… ثم كان محمد بن علي أبا جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم ..”.فالسؤال لماذا كتم الأئمة علم رسول الله ﷺ عن شيعتهم بينما عثمان رضي الله عنه يحج بالناس ويأمرهم بالحج ويعرفهم بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- ويرشدهم للأفضل؟!

 

خامسا: إن الشيعة قد جعلوا عين ما نقموه على الصديق حلالا لأئمتهم بل وأعظم منه، فقد أعطوا حق التشريع الكامل ونسخ الكتاب والسنة للإمام عندهم !

فقد جاء في موقع ياسر الحبيب

 

السؤال: هل الأئمة ينسخون القرآن الكريم؟!    بمراجعة الشيخ،إنما هذا في نسخ ما تضمنته الآيات من أحكام، لا نسخ ألفاظها أو تلاوتها. وذلك عائد في الحقيقة إلى الله تعالى الذي أوكل أمر بيان النسخ أو إنشاءه للنبي والأئمة عليهم السلام…،ونحن حينما نقول بأن للأئمة عليهم السلام نسخ حكم الكتاب؛ فلا نعني بذلك إلا أنهم يخبرون بالنسخ عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى، وهو مقام الإخبار والبيان والتبليغ. بل حتى وهم في مقام الإنشاء والتشريع الابتدائي

المصدر

 

ويقول السيستاتي في كتابه “اختلاف الحديث” بعدما قرر ثبوت حق التشريع للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ” هناك بعض الروايات التي تدل على أنه كلما فوض للنبي ص قد فوض الأئمة ما عدا النبوة، ومن جملة ما فوض له ص حق التشريع الدائم، إذن فحق التشريع الدائم ثابت للأئمة ”

[ اختلاف الحديث لعلي السيستاتي- هاشم الهاشمي- ص٢١]

 

فإذا كان للأئمة حق التشريع فهم أنبياء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة وفعلا، وعندها يضيع دين محمد صلى الله عليه وسلم كله لا مجرد نسك من أنساك الحج .

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

إسقاط عثمان الحد عن المعترفة بالزنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.