7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

نهي أبي بكر عن متعة الحج مع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- فعلها.

0

 

قالوا بأن النهي عن سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في متعة الحجّ بدأه أبو بكر في خلافته، واستدلوا على ذلك برواية الإمام أحمد

2277 – حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: حَتَّى مَتَى تُضِلُّ النَّاسَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ «مَا ذَاكَ يَا عُرَيَّةُ؟ قَالَ: تَأْمُرُنَا بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَقَدْ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ” قَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ فَقَالَ عُرْوَةُ: ” هُمَا كَانَا أَتْبَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْكَ “»

[«مسند أحمد» (4/ 133 ط الرسالة)].

 

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

 

أولا: إن النهي عن متعة الحج إنما اشتهر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يشتهر عن أبي بكر، ولذلك قال السندي مُعلّقًا على استدلال عروة: «وقوله: «وقد نهى أبو بكر وعمر» ‌لم ‌يشتهر ‌نهي ‌أبي ‌بكر – رضي الله تعالى عنه – أصلاً، ولعل عروة اعتمد في ذلك على مُوافقة عمر لأبي بكر، ثم إن عمر ما نهى عن العمرة في أشهر الحج مطلقًا، وإنما نهى عن المتعة فقط، فكأنه اعتمد على ظهور المقصود، فسامح في الكلام.

[حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل، محمد بن عبد الهادي السندي، (2/ 424)].

 

ولذلك اختلف أهل العلم في حج أبي بكر بالناس في خلافته، فمنهم من يقول أنه حج بالناس ومنهم من يقول لم يحج بهم اصلا،

قال ابن كثير «وَفِيهَا أى: (سنة اثنتا عشرة) حَجَّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ مَوْلَى الْحُرَقَةِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، عَنْ أَبِي مَاجِدَةَ، قَالَ: حَجَّ بِنَا أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ. فَذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْقِصَاصِ مِنْ قَطْعِ الْأُذُنِ، وَأَنَّ عُمَرَ حَكَمَ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ الصِّدِّيقِ.قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: ‌لَمْ ‌يَحُجَّ ‌أَبُو ‌بَكْرٍ ‌فِي ‌خِلَافَتِهِ، وَإِنَّهُ بَعَثَ عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَوْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ»

[«البداية والنهاية ت التركي» (9/ 537)].

[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (3/ 386)].

[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (30/ 217)].

 

والسبب أنه في فترة خلافته كان مشغولا بالردة وحروبها، وإرجاع الناس إلى حظيرة الإسلام ولم يكن متفرغا للأمور الفقهية، كما قال الشاطبي : ” لِضِيقِ زَمَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، مَعَ شُغْلِهِ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مما هو أوكد”.

[الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني، ٣٣١/١].

 

وهذا مما يرجح كلام السندي.

 

ثانيا: إن كلام عروة مع ابن عباس وسكوت ابن عباس دليل على أن نهي أبي بكر وعمر لم يكن على وجه التشريع وتغيير الشرع، ولذلك فقد روى الطبراني: “«عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ طَالَمَا أَضْلَلْتَ النَّاسَ! قَالَ: ‌وَمَا ‌ذَاكَ ‌يَا ‌عُرَيَّةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ، فَإِذَا طَافَ زَعَمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَنْهَيَانِ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَهُمَا – وَيْحَكَ – آثَرُ عِنْدَكَ أَمْ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ، وَفِي أُمَّتِهِ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: هُمَا كَانَا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَمِنْكَ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَخَصَمَهُ عُرْوَةُ»

[الطبراني، المعجم الأوسط، ١١/١] «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (3/ 234)].

 

وغلبة ابن الزبير لابن عباس هنا ليس إلا لأن ابن عباس ما فهم الا أن النهي لم يكن تشريعا وإنما كان لمصلحة شرعية نبينها في ثالثا.

 

ثالثا: من القواعد الفقهية الكبرى المتفق عليها أن: “تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ”.

[ابن نجيم، الأشباه والنظائر لابن نجيم، صفحة ١٠٤].

 

ولذلك قال أهل العلم إن الحاكم يجوز له أن ينهى عن مباح لدخول في أفضل لتقريب الناس إلى الصلاح.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “فقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.

[ابن تيمية، شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الحج، ٥٢٨/١].

 

إذا طالما أن النهي لم يخالف به شرع، بل نهاهم عن مباح لدخول في أفضل دل عليه الشرع فهذا من السياسة الشرعية للحاكم الواجب اتباعها.

قال ابن القيم: ” فَقَالَ شَافِعِيٌّ: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلًا يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ، فَإِنْ أَرَدْت بِقَوْلِك: ” إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ “ أَيْ لَمْ يُخَالِفْ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَصَحِيحٌ.وَإِنْ أَرَدْت: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ: فَغَلَطٌ”

[ابن القيم، الطرق الحكمية، صفحة ١٢].

 

والخلاصة: أن الحاكم إذا الزم الناس بالفاضل وأمرهم بترك المفضول لمصلحة شرعية معتبرة كان هذا من السياسة الشرعية التي لا يُنكَر بها عليه.وقد خرَّج ابن القيم نهي عمر عن الحج على ذلك فقال

[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

 

8 – (فَصْلٌ) وَمِنْ ذَلِكَ: اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ، لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ. وَتَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَالَ: ” يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاء. أَقُولُ لَكُمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَقُولُونَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ “■ هنا نضع هامش ونكتب الآتي((( اشتهر أثرٌ لابنِ عباسٍ – رضي اللهُ عنهما – نصهُ : ” يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ”، أَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَقُولُونَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ؟ ” ، وبعد البحثِ في المصادرِ المعتبرةِ تبين أنه لا وجود له بهذا اللفظِ ، وقد أوردهُ شيخُ الإسلامِ في ” الفتاوى ” (20/215 ، 26/50 ، 281) ، والإمامُ ابنُ القيمِ في ” إعلامِ الموقعين ” (2/238) ، و” الزاد ” (2/195) ، و” الصواعق المرسلة ” (3/1063) ، والشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهاب في كتابِ ” التوحيد ” ” باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً ” بهذا اللفظ من غير ذكر المصدر له ، أو حتى إسناده ، وهذا اللفظ لم يثبت في أي رواية من روايات الحديث ومثل هذا اللفظ يحتاج في ثبوته إلى إسناد صحيح،  فكيف ولا إسناد له))))■ وَكَذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَانُوا إذَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِأَبِيهِ يَقُولُ: ” إنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ مَا تَقُولُونَ “ فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ: ” أَفَرَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا، أَمْ عُمَرُ؟ “.وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ سِيَاسَةٌ جُزْئِيَّةٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَظَنَّهَا مَنْ ظَنَّهَا شَرَائِعَ عَامَّةً لَازِمَةً لِلْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَلِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ وَمَنْ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.

[ابن القيم، الطرق الحكمية، صفحة ١٩].

 

يقول الإمام الخادمي في “بريقة محمودية” (1/ 62): “كُلَّ مُبَاحٍ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ إتْيَانُهُ”.

[محمد الخادمي، بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية، ٦٢/١].

 

وعليه فنهيه عنها – إن ثبت- هو من باب اختيار الأفضل للأمة ، ولم ينه عنها تحريما لها، ولذلك فقد علق أبو أحمد محمد عبد الله الأعظمي المعروف بـ «الضياء» على تلك الروايات بقوله «قلت: إذا صحّ هذا علم باليقين بأن الإفراد والقران والتمتع بالعمرة إلى الحجّ كلّها جائزة وهو أمر لا خلاف بين الأمّة، وإنما انحصر الخلاف بينهم في الأفضل منها»

[«الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه» (5/ 145)].

 

والدليل على أن النهي عن متعة الحج ما كان الا سياسة ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ” أَنَهَيْتَ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ , قَالَ: لَا , وَلَكِنِّي أَرَدْتُ كَثْرَةَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ , قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ أَفْرَدَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ , وَمَنْ تَمَتَّعَ فَقَدْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ”

[البيهقي، أبو بكر، السنن الكبرى للبيهقي، ٣٠/٥].

 

وقد قرر هذه المسألة أيضا من الشيعة عالمهم ناصر مكارم الشيرازي لما قال: “إنّ الأحكام الكليّة في التشريع تختلف عن الأحكام التنفيذية للحاكم ، فالأحكام الكليّة هي نفس القوانين الثابتة والمستمرة التي تبقى قائمة في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة ، إلّا أنّ الأحكام الصادرة عن الحاكم الشرعي هي الّتي تصدر بسبب الأمور الضرورية وأمثالها وبشكل مؤقت ( مثل حكم تحريم التنباكو الذي صدر في فترة محدّدة لغرض محاربة الاستعمار الاقتصادي الإنجليزي من قبل مرجع كبير ثم رفع بعد انتهاء الخطر ) .ويستفاد من القرائن الواردة في رواية الإمام الجواد عليه السلام وبشكل واضح ، أنّه عليه السلام لما جاء إلى بغداد كان الشيعة يعانون الفاقة والضنك ، وقد أقرّ الإمام تعدد الخمس في تلك السنة لغرض حل هذه المشكلة بشكل خاص ، والواقع أنّه عليه السلام طبّق أحكام العناوين الثانوية والضرورية على إحدى مصاديقها ، بدون أن يمثل ذلك تشريعاً جديداً .ويمكن أن يكون حكم الزكاة الوارد في رواية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من هذا النوع أيضاً ، ولذا فإنّ هذا الحكم محدود بذلك الزمان فقط ، ولم ينظر إليه الفقهاء كتشريع عام ولم يصدروا فتاواهم طبقاً لتلك الفتوى”.

[نفحات القرآن، ج ١٠، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص ٨٣].

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “وَإِنَّمَا وَجْهُ مَا فَعَلُوهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا بِالْمُتْعَةِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَزُورُونَ الْكَعْبَةَ إِلَّا مَرَّةً فِي السَّنَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلُونَ تِلْكَ السَّفْرَةِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَرِهَ أَنْ يَبْقَى الْبَيْتُ مَهْجُورًا عَامَّةَ السَّنَةِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سَائِرِ شُهُورِ السَّنَةِ لِيَبْقَى الْبَيْتُ مَعْمُورًا مَزُورًا كُلَّ وَقْتٍ بِعُمْرَةٍ يَنْشَأُ لَهَا سَفَرٌ مُفْرَدٌ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَفْعَلُ، حَيْثُ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجَّةِ ثَلَاثَ عُمَرٍ مُفْرَدَاتٍ.وَعَلِمَ أَنَّ أَتَمَّ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَنْشَأَ لَهُمَا سَفَرٌ مِنَ الْوَطَنِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَرَ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ لِرَغْبَتِهِ طَرِيقًا إِلَّا أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ الِاعْتِمَارِ مَعَ الْحَجِّ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، فَقَدْ يَنْهَى السُّلْطَانُ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَالْمُسْتَحَبَّاتِ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ حَرَامًا.قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ: ” إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ أَهْلِ الْبَلَدِ؛ لِيَكُونَ مَوْسِمَيْنِ فِي عَامٍ، فَيُصِيبُ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا “.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: ” إِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ إِرَادَةَ أَلَّا يُعَطَّلَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ “. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ”.

[ابن تيمية، شرح العمدة لابن تيمية – كتاب الحج، ٥٢٨/١].

 

قلت فالعلة إذا هي أن يظل البيت عامرا بالطائفين والعمار، فأراد أن يخلص أشهر الحج للحج وباقي السنة للعمرة حتى لا يتعطل البيت في غير أشهر الحج، فكان النهي لتكثر زيارة الناس للبيت الحرام ويكثر عماره طول السنة، لتحصل فائدة للحجاج والمعتمرين بإتمام الحج والعمرة، وبحصول الأجر بمشقة السفرتين، وتحصل الفائدة لأهل الحرم فيدخل عليهم الرفق واليسار تحقيقا لدعوة إبراهيم عليه السلام.(فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ)

[سورة إبراهيم 37].

 

وعليه فكان نهي أبي بكر- إن ثبت- وعمر لكل تلك المصالح الشرعية التي دل عليها الكتاب والسنة، وكان حملهم للناس على صورة من الصور التي جاء بها الشرع ولم يبتدعوا صورة جديدة من صور النسك، وقد قررنا أن ذلك جائز للحاكم فعله بلا خلاف، وليس هو من باب التشريع ولا من باب البدعة بل هو عين السنة التي دلت عليها الكتاب والسنة.

 

رابعا: للرافضة أقول إذا شنعتم على الصديق رضي الله لأنه ندب الناس إلى أداء نسك من الأنساك وترك آخر سياسة لا تشريعا، وذلك لإعمار بيت الله الحرام، ولزيادة أجر الناسكين، وليوافق الحال التي أمر بها الشارع في الحج، فماذا تقولون عن علي والحسن والحسين والسجاد الذين لم يعرفوا الشيعة مناسك الحج كلها، فكتموا العلم عنهم، وما عرفوا منسكا واحدا من مناسك الحج …!

[في الكافي ج٢ ص٢٠ وقال المجلسي في مرآة العقول ٧/١٠٨ الحديث السادس : صحيح بسنديه].

 

“عن عيسى بن السري أبي اليسع قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني بدعائم الإسلام……… ثم كان محمد بن علي أبا جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم ..”.فالسؤال لماذا كتم الأئمة علم رسول الله ﷺ عن شيعتهم بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحج بالناس ويأمرهم بالحج ويعرفهم بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- ويرشدهم للأفضل؟!

 

سادسا:إن الشيعة قد جعلوا عين ما نقموه على الصديق حلالا لأئمتهم بل وأعظم منه، فقد أعطوا حق التشريع الكامل ونسخ الكتاب والسنة للإمام عندهم !فقد جاء في موقع ياسر الحبيب السؤال: هل الأئمة ينسخون القرآن الكريم؟!    بمراجعة الشيخ،إنما هذا في نسخ ما تضمنته الآيات من أحكام، لا نسخ ألفاظها أو تلاوتها. وذلك عائد في الحقيقة إلى الله تعالى الذي أوكل أمر بيان النسخ أو إنشاءه للنبي والأئمة عليهم السلام…،ونحن حينما نقول بأن للأئمة عليهم السلام نسخ حكم الكتاب؛ فلا نعني بذلك إلا أنهم يخبرون بالنسخ عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تبارك وتعالى، وهو مقام الإخبار والبيان والتبليغ. بل حتى وهم في مقام الإنشاء والتشريع الابتدائي

نهي أبي بكر عن متعة الحج مع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- فعلها.

 

ويقول السيستاتي في كتابه “اختلاف الحديث” بعدما قرر ثبوت حق التشريع للنبي ى الله عليه وسلم قال: ” هناك بعض الروايات التي تدل على أنه كلما فوض للنبي ص قد فوض الأئمة ما عدا النبوة، ومن جملة ما فوض له ص حق التشريع الدائم، إذن فحق التشريع الدائم ثابت للأئمة ع”

[ اختلاف الحديث لعلي السيستاتي- هاشم الهاشمي- ص٢١].

 

فإذا كان للأئمة حق التشريع فهم أنبياء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة وفعلا، وعندها يضيع دين محمد صلى الله عليه وسلم كله لا مجرد نسك من أنساك الحج .

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

ترك أبو بكر الحد على خالد لما قتل مالك بن نويرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.