محاولة الشيعة نفي فضيلة الزواج من النبي
دائما ما يحاول الرافضة الاستدلال على النيل من عرض رسول الله r والطعن في حبيبة قلبه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويبررون ذلك بعدم الملازمة بين الايمان والزواج، وأن التفاضل عند الله يكون بالإيمان لا بالزواج.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذا الكلام فيه حق وباطل، فالحق الذي فيه أن الميزان في الفضل إنما هو العمل، كما قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات:13].
وأما الباطل فهو التنكر لقول الله تعالى {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة القصص:68]. وقوله تعالى {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِي} [سورة آل عمران:74].
فالأول فضل مجازاة، والثاني فضل اختصاص.قال ابن حزم: “الفضل يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ لَا ثَالِث لَهما، فضل اخْتِصَاص من الله عز وَجل بِلَا عمل وَفضل مجازاة من الله تَعَالَى بِعَمَل فَأَما فضل الِاخْتِصَاص دون عمل فَإِنَّهُ يشْتَرك فِيهِ جَمِيع المخلوقين من الْحَيَوَان النَّاطِق وَالْحَيَوَان غير النَّاطِق والجمادات كفضل الْمَلَائِكَة فِي ابْتِدَاء خلقهمْ على سَائِر الْخلق وكفضل الْأَنْبِيَاء على سَائِر الْجِنّ والأنس وكفضل إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي على سَائِر الْأَطْفَال وكفضل نَاقَة صَالح عَلَيْهِ السَّلَام على سَائِر النوق وكفضل ذَبِيحَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على سَائِر الذَّبَائِح وكفضل مَكَّة على سَائِر الْبِلَاد وكفضل الْمَدِينَة بعد مَكَّة على غَيرهَا من الْبِلَاد وكفضل الْمَسَاجِد على سَائِر الْبِقَاع وكفضل الْحجر الْأسود على سَائِر الْحِجَارَة وكفضل شهر رَمَضَان على سَائِر الشُّهُور وكفضل يَوْم الْجُمُعَة عَرَفَة وعاشوراء وَالْعشر على سَائِر الْأَيَّام وكفضل لَيْلَة الْقدر على سَائِر اللَّيَالِي وكفضل صَلَاة الْفَرْض على النَّافِلَة وكفضل صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الصُّبْح على سَائِر الصَّلَوَات وكفضل السُّجُود على الْقعُود وكفضل بعض الذّكر على بعض فَهَذَا فضل الِاخْتِصَاص الْمُجَرّد بِلَا عمل فَأَما فضل المجازاة بِالْعَمَلِ فَلَا يكون الْبَتَّةَ إِلَّا للحي النَّاطِق من الْمَلَائِكَة والأنس وَالْجِنّ فَقَط”.
[ الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/ 91)].
فقد يكون التفضيل دون تقدم عمل من الذي فضله الله على غيره، ومن ذلك: “سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ لِآدَمَ، وَلَعْنُ الْمُمْتَنِعِ عَنْ السُّجُودِ لَهُ، وَهَذَا تَشْرِيفٌ وَتَكْرِيمٌ لَهُ”.
[ ابن تيمية، مجموع الفتاوى- (4/ 358)].
ولم يكن قد تقدم من آدم “عليه السلام” عمل يوجب هذا التفضيل على الملائكة “فنعَم اللَّهِ تَعَالَى وَأَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ بِسَبَبِ مِنْهُمْ فَهُوَ الْمُنْعِمُ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ الْمُنْعِمُ بِهِ وَيَشْكُرُهُمْ عَلَى نِعَمِهِ”
[ ابن تيمية، مجموع الفتاوى- (4/ 361)].
ولذلك كان هذا السجود محض تشريف وتكريم بلا عمل سابق، قال شيخ الإسلام “وَأَمَّا نَفْسُ السُّجُودِ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلمسجُودِ لَهُ إلَّا مُجَرَّدَ تَعْظِيمٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ أَسْفَلَ مِمَّنْ دُونَهُ وَتَحْتَهُ فِي الشَّرَفِ وَالْمُحَقَّقُ؛ لَا الْمُتَوَهَّمُ؛ فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّ تَحْتَهُ سِرًّا”.
[ ابن تيمية، مجموع الفتاوى- (4/364)].
وعليه نقول: إن تفضيل الله تعالى لمن تتزوج بنبينا حاصل رغم أنف المعاند، وإلا فكيف يفضل الله امرأة بجعلها أما للمؤمنين وتمييزها عن سائر النساء بقوله: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [سورة الأحزاب:32]. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَبَانَهُنَّ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
[ السنن الكبرى- للبيهقي- (7/116)].
وجعل ثوابهن ضعف ثواب العامل من الأمة وما ذاك إلا لشرفهن وعلو منزلتهن.قال ابن حزم: “قَول الله تَعَالَى {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا }
[سورة الأحزاب:31].
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فَهَذَا فضل ظَاهر وَبَيَان لائح فِي أَنَّهُنَّ أفضل من جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وبهذه الْآيَة صِحَة متيقنة لَا يمتري فِيهَا مُسلم فَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَفَاطِمَة وَسَائِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِذا عمل الْوَاحِد مِنْهُم عملاً يسْتَحق عَلَيْهِ مِقْدَارًا مَا من الْأجر وعملت امْرَأَة من نسَاء النَّبِي مثل ذَلِك الْعَمَل بِعَيْنِه كَانَ لَهَا مثل ذَلِك الْمِقْدَار من الْأجر، فَإِذا كَانَ نصيف الصحابي وَفَاطِمَة رَضِي الله عَنْهُم يفي بِأَكْثَرَ من مثل جبل أحد ذَهَبا مِمَّن بعده كَانَ للْمَرْأَة من نِسَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فِي نصيفها أَكثر من مَلِيء جبلين اثْنَيْنِ مثل جبل أحد ذَهَبا وَهَذِه فَضِيلَة لَيست لأحد بعد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِلَّا هن“.
[ الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/97)].
وقال الزمخشري -وهو من المعتزلة- في سياق تفسيره لهذه الآية: “وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي ولا على أحد منهنّ مثل ما لله عليهن من النعمة، والجزاء يتبع الفعل“.
[ تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل- (3/ 536)].
فنقول كما قال ابن حزم: “فبيقين نَدْرِي أَنه لَا تَعْظِيم يسْتَحقّهُ أحد من النَّاس فِي الدُّنْيَا بِإِيجَاب الله تَعَالَى علينا بعد التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام أوجب وَلَا أوكد مِمَّا ألزمناه الله تَعَالَى من التَّعْظِيم الْوَاجِب علينا لِنسَاء النَّبِي بقول الله تَعَالَى {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [سورة الأحزاب:6].
فَأوجب الله لَهُنَّ حكم الأمومة على كل مُسلم هَذَا سوى حق إعظامهن بالصحبة مَعَ رَسُول الله فَلَهُنَّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن مَعَ ذَلِك حق الصُّحْبَة لَهُ كَسَائِر الصَّحَابَة إِلَّا أَن لَهُنَّ من الِاخْتِصَاص فِي الصُّحْبَة، ووكيد الْمُلَازمَة لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام، ولطيف الْمنزلَة عِنْده عَلَيْهِ السَّلَام، والقرب مِنْهُ، والحظوة لَدَيْهِ مَا لَيْسَ لأحد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَمن أَعلَى دَرَجَة فِي الصُّحْبَة من جَمِيع الصَّحَابَة ثمَّ فضلهن سَائِر الصَّحَابَة بِحَق زَائِد، وَهُوَ حق الأمومة الْوَاجِب لَهُنَّ كُلهنَّ بِنَصّ الْقُرْآن فَوَجَدنَا الْحق الَّذِي بِهِ اسْتحق الصَّحَابَة الْفضل قد شاركنهم فِيهِ وفضلهم فِيهِ أَيْضًا، ثمَّ فضلنهم بِحَق زَائِد، وَهُوَ حق الأمومة، ثمَّ وجدناهن لَا عمل من الصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَالصِّيَام وَالْحج وَحُضُور الْجِهَاد يسْبق فِيهِ صَاحب من الصَّحَابَة إِلَّا كَانَ فِيهِنَّ فقد كن يجهدن أَنْفسهنَّ فِي ضيق عيشهن على الكد فِي الْعَمَل بِالصَّدَقَةِ وَالْعِتْق ويشهدن الْجِهَاد مَعَه عَلَيْهِ السَّلَام”
[الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/ 94-95)].
، فهذا فضل الاختصاص واضح .
ثانيًا: قد نالت أمهات المؤمنين القدح المعلى في فضل المجازاة بالأعمال أيضا.فقد نِلنَ شرف خدمته، وغسل ثيابه، وطبخ طعامه، وتنظيف بيته، والعمل على راحته ، كل هذه من خصائص زوجات نبينا والتي لا ينكرها أحد من المسلمين، حتى إن بناته لم يخدمنه كما خدمنه أزواجه؛ ولذلك خصهن الله بمزيد فضل على بناته، قال ابن حزم: “وَأما فضلهن على بَنَات النَّبِي فَبين بِنَصّ الْقُرْآن لَا شكّ فِيهِ، قَالَ الله عز وَجل {ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ} [سورة الأحزاب:32]، فَهَذَا بَيَان قَاطع لَا يسع أحدا جَهله، فَإِن عَارَضنَا معَارض يَقُول رَسُول الله : “خير نسائها فَاطِمَة بنت مُحَمَّد”.قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق: فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان جلي لما قُلْنَا وَهُوَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يقل خير النِّسَاء فَاطِمَة، وَإِنَّمَا قَالَ: “خير نسائها”، فَخص وَلم يعم وتفضيل الله عز وَجل النِّسَاء النَّبِي على النِّسَاء على عُمُوم وَلَا خُصُوص لَا يجوز أَن يَسْتَثْنِي مِنْهُ أحدًا من اسْتثِنَاء نَص آخر فصح أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا فضل فَاطِمَة على نسَاء الْمُؤمنِينَ بعد نِسَائِهِ فاتفقت الْآيَة مَعَ الحَدِيث.
وَقَالَ رَسُول الله : “فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام”، فَهَذَا أَيْضا عُمُوم موفق الْآيَة، وَوَجَب أَن يَسْتَثْنِي مَا خصّه النَّبِي بقوله: (نسائها) من هَذَا الْعُمُوم، فصح أَن نِسَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَا خصّه النَّبِي بقوله نسائها من هَذَا الْعُمُوم، فصح أَن نِسَاءَهُ أفضل النِّسَاء جملَة”.
[ الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/ 97)].
فإذا كان الفضل يتفاوت بحسب الزمان والمكان والعمل ذاته وكذلك ثمرته والعامل ذاته، فقد اجتمع في نساء النبي شرف الزمان من حيث كانوا في خير القرون والتي لا يبلغ العامل بعدهم مُدّ أحدهم ولا نصيفه، قال تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [سورة الحديد:10].
وقال لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-ما وقع: “لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ”.
[صحيح البخاري- (5/ 8)].
فهذا من ناحية الفضل في الزمان، وأما من ناحية الفضل في المكان، فقد كن رضوان الله عليهن ألصق الناس برسول الله ، وكل مكان حل فيه رسول الله فهو مكان مبارك، حتى إن القاضي عياض فضل تربة قبر النبي على الكعبة، وإن كان هذا خلاف الصحيح إلا أنه من المتفق عليه أن كل مكان يحل فيه فهو مكان مبارك، وألصق الأمكنة به هو بيته الشريف، والذي كان مسكنًا لأزواجه، ومحلاً لعباداتهم وقرباتهم من رب العالمين تبارك اسمه، فرب تسبيحة أفضل من ملء الأرض من عمل غيرهن كرامة لمكان حل فيه رسول الله ، {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سورة الجمعة:4].
وقال : “صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام”، فكيف بأزواجه الذين كانوا دائما معه ؟! ثم يأتي ذاك المنكوس لينفي بجرة قلم أي فضل لتزويج نبينا من نسائه؟!قلت: ولأجل اختصاصهن به وقربهن منه حرم الله عليهن الزواج من أحد بعده تكريما وتشريفًا لهن، حتى إن مجرد الزواج من أحد بعده يؤذي نبينا، فكيف بمن يتكلم فيهن ويفحش القول ويؤذيهن بأقذع الألفاظ -قبحه الله-؛ فإن الله لم يحبس أزواج نبيه عن الزواج بعده إلا لكونهن أزواجه في الآخرة، روى البيهقي عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ شِئْتِ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ، فَلَا تَزَوَّجِي بَعْدِي، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْجَنَّةِ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الدُّنْيَا؛ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللهُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ أَنْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ “.
[ السنن الكبرى للبيهقي- (7/ 111)].
وأما بخصوص أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها تحديدًا فلا شك أنها أفضل نساءه على الإطلاق بعد خديجة.
وقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: عَنْ خَدِيجَةَ، وَعَائِشَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّتهُمَا أَفْضَلُ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّ سَبْقَ خَدِيجَةَ وَتَأْثِيرَهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ وَنَصْرَهَا وَقِيَامَهَا فِي الدِّينِ لَمْ تُشْرِكْهَا فِيهِ عَائِشَةُ وَلَا غَيْرُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَتَأْثِيرُ عَائِشَةَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ وَحَمْلِ الدِّينِ وَتَبْلِيغِهِ إلَى الْأُمَّةِ؛ وَإِدْرَاكُهَا مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ تُشْرِكْهَا فِيهِ خَدِيجَةُ وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا تَمَيَّزَتْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا”.
[ مجموع الفتاوى- (4/ 393)].
وقال السيوطي: “فالإنصاف أنَّ المفاضلة تارةً تكون بكثرة الثواب، وتارةً تكون بحسب ثمرتهما، وتارةً تكون بحسَب الوصفين بالنظر إليهما، وتارةً تكون بحسب متعلقاتها، وقد تكون بأمر عرضي، هذا إذا كان الكلام في وصفين لذات، وأما المفاضلة بين الذاتين فقد يكون لأمر يرجع إلى الجنسين، وهذا أمر لا يدخل تحت الاكتساب”.
[قوت المغذي على جامع الترمذي- (2/675)].
فإذا تكلمنا عن الثمرة التي جنتها الأمة من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ففضلا عن أنها أتعبت الأمة في اللحاق بأخلاقها القرآنية مع الله تعالى ومع رسول الله نبيًّا وزوجًا وحبيبًا، فعاشت حياة التقوى والورع والجهاد والزهد في الدنيا والكرم والسخاء والرحمة بالفقراء والأرقاء والموالي وطلاب العلم، فمع أنها تركت لنا خير أسوة في كل هذا، إلا أن ذلك لا يساوي شيًئا في الثمرة العظمى التي أهدتها للأمة كلها بعد رسول الله ، فكانت رضي الله عنها أعلم الأمة بكتاب الله وسنة رسوله .
بحر من العلم لا تحصى شواطئه
|
والفقه إن فاض يجري في سواقيها
|
|
من مثل عائشة في الفضل يدركها
|
من النساء وترقى في مراقيها
|
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: “ما أشكل علينا –أصحاب رسول الله rحديثٌ قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً”. أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني
[«سنن الترمذي ت شاكر» (5/ 705)، «موطأ مالك – رواية يحيى» (6/ 124 ت الأعظمي)]
وبالجملة: فقد قال ابن حزم رحمه الله: “فَلَا وَجه من وُجُوه الْفضل إِلَّا ولهن فِيهِ أَعلَى الحظوظ كلهَا بِلَا شكّ“.
[ الفصل في الملل والأهواء والنحل- (4/95)].
ثالثًا: قد جاء عند الشيعة اشتراط الكفاءة في الزواج. قال شيخهم محمد باقر الكجوري: “والثاني: هل يجوز لغير المعصوم أن يتزوج المعصومة؟ … قال في مجمع البحرين: «الكفاءة بالفتح والمد: تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان“.
[الخصائص الفاطمية- محمد باقر الكجوري- (1 / 512)].
وقال: “وردت أخبار كثيرة تنص على أنه لولا أمير المؤمنين لما كان لفاطمة كفء”.
[الخصائص الفاطمية – محمد باقر الكجوري – (1 / 513)].
قلت: فإذا كانت الكفاءة في الإيمان معتبره فلا شك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كنت في ذروة سنام الإيمان والتقوى، ومجرد الزواج شهادة من النبي بذلك.
مواضيع شبيهة
زعموا أن أم المؤمنين لعنت عمرو بن العاص رضي الله عنهما