7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

لطم أم المؤمنين وجهها عند موت رسول الله 

0

 

قال الإمام أحمد: “حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: “مَاتَ رَسُولُ اللهِ  بَيْنَ سَحْرِي، وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللهِ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقُمْتُ أَلْتَدِمُ مَعَ النِّسَاءِ، وَأَضْرِبُ وَجْهِي”.

[ مسند أحمد، ط الرسالة، (43/368-369)].

 

فقالوا: “إن عائشة بنت أبي بكر كانت ولحين وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصور نفسها بنفسها للتاريخ وتصف لنا شخصيتها، وأنها الفتاة الصغيرة الحديثة السن والسفيهة بحسب تعبيرها” .

[ فضائل أهل البيت عليهم السلام بين تحريف المدونين وتناقض مناهج المحدثين، وسام البلداوي، (1/492)].

 

واستدلوا بذلك على جواز اللطم والنياحة. قال عباس الحسيني: “والرواية دالّة على أنّ عائشة التدمت وضربت وجهها، فلو كان محرّماً لما فعلته”.

[ زيارة عاشوراء تحفة من السماء (بحوث الشيخ مسلم الداوري)، عباس الحسيني، (1/ 254)].

 

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

أولاً: هذا الأثر يُستدل به على المنع من اللطم والتطبير وليس الإباحة؛ إذ أن أم المؤمنين نسبت ذاك الفعل إلى السفه، مع حداثة السن، والسفه قلة الحلم، كما قال ابن منظور في (لسان العرب): “السَّفَهُ والسَّفاهُ والسَّفاهة: خِفَّةُ الحِلْم، وَقِيلَ: نَقِيضُ الحِلْم”.

[ لسان العرب، (13/497)].

 

فهذا قول نادم على فعله لا مقرر له، وهذا مفهوم الأثر عند كل عاقل، وإلا فلا يجوز نسبة المباح في الشرع إلى السفة وصغر السن، إذا أم المؤمنين تبين بذلك عدم جواز اللطم والنياحة على الميت.

 

ثانيًا: عذر أم المؤمنين في ذلك واضح، وذلك أن من طبع النساء الرقة والجزع، وعدم تمالك النفس كما قال علي بن الحسين فيما يروون عنه: “فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت وهي امرأة وفي النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي وعلي أبي وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي.

فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال: يا أخيّة لا يذهبن حلمك الشيطان. قالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد اللّه، استقتلت نفسي فداك، فردّ غصته وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا ليلا لنام. قالت: يا ويلتا، أفتغصب نفسك اغتصابًا؟ فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي. ولطمت وجهها وأهوت الى جيبها وشقّته وخرّت مغشيا عليها، فقام الحسين فصب على وجهها الماء.

وقال لها: يا أخية، اتقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه، واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شي‌ء هالك الّا وجه اللّه الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده، أبي خير مني وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول اللّه أسوة. فعزاها بهذا ونحوه وقال لها: يا أخية، إني أقسم عليك فأبرّي قسمي، لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت”..

[إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نور الله التستري، (27/225)، مسند الإمام الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي(ع)- عزيز الله العطاردي (2/17)].

 

فانظر إلى تبرير علي بن الحسين لما فعلته عمته من مخالفات شرعية من نياحة ولطم وشق للثياب، فقال: “وفي النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها”.فهذا هو وجه عذر أم المؤمنين عائشة .وقد روى الشيعة في كتبهم عن الصادق أنه قال: “ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل: نعمة مولية، وزوجة فاسدة، وفجيعة بحبيب“.

[ميزان الحكمة، محمد الريشهري (1/310)].

 

فمن فُجع بحبيب طاش عقله على حد قول الصادق عندهم، فهل يُلام من طاش عقله عند مصيبة؟!

وفي كتب الشيعة قالوا: بأن الجزع لا يكون إلا عند المصائب الكبار، وقال عليه السلام: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان” 

[ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، (75/326)].

 

ولا نقصد بذلك التبرير الشرعي لمن يلطم أو ينوح، إنما نلزم الشيعة بما في كتبهم من تقرير أن المصيبة عند نزولها قد تطيش بعقل العاقل، فإذا وقعت منه مخالفة وجب عليه أن يستغفر ويعود إلى الله ولا نلومه بعد ذلك. وقد جاء في كتاب (تحف العقول): “قال صلى الله عليه وآله: أقيلوا ذوي الهناة عثراتهم” .

[ تحف العقول، ابن شعبة الحراني، (ص58)].

 

قال في الهامش: “الهناة: الداهية، وهي المصيبة وجمعها هنوات. والعثرات: جمع العثرة، وهي السقطة، والزلة، والخطيئة. والمعنى: تجاوزوا وتصفحوا عن زلات صاحب المصيبة”.فصاحب المصيبة إذا فعل مخالفةً ثم تاب منها فأقيلوا عثرته، فمن شغَّب من الرافضة على أم المؤمنين بذلك فهو مخالف لإمامه الذي يزعم اتباعه.

 

ثالثًا: قول الشيعة -قبحهم الله- إنَّ أم المؤمنين عائشة أقرت على نفسها بأنها سفيهة -عياذًا بالله-. فنقول: احتقار النفس شأن الأنبياء والصالحين، بل هو عبادة من أجل العبادات، فقد يقول الواحد فيهم عن نفسه أنه كلب، أو حقير، أو غير ذلك، ولا يجوز لأحد أن يصفهم بأي وصف، أو يناديهم بأي اسم فيه ذم، فقد قال الله تعالى عن الكليم موسى  قوله عن نفسه: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء:20]، وقال آدم، وحواء : {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]

 

 وقد ورد في كتب الرافضة أن الامام زين العابدين قال عن نفسه: “اللهم فإني امرؤ حقير، وخطري يسير، وليس عذابي مما يزيد في ملكك مثقال ذرة ” .

[ الصحيفة السجادية الكاملة، الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، (ص 296)].

 

فيلزم على منطق الرافضة أن نقول عن الأنبياء أنهم -وحاشاهم- ضالين ظالمين، وأن السَّجَّادَ حقيرٌ وحاشاه.

 

رابعًا: غاية ما في الأمر أن أم المؤمنين فعلت ذلك وندمت وانتهى الأمر فكان ماذا؟!يقول المفيد: “ولا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب، ولا تخدشه، ولا تجز شعرها. فإن جزته كان عليها كفارة قتل الخطأ: عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينًا، أو صيام شهرين متتابعين، وإن خدشت وجهها حتى تدميه فعليها كفارة يمين، وإن لطمت وجهها استغفرت الله تعالى، ولا كفارة عليها أكثر من الاستغفار” .

[ المقنعة، المفيد، (ص573)].

 

وهذا شأن كل من هو غير معصوم، فإذا جاز تعيير المسلم بمعصية لزم من ذلك تعيير كل من لم يكن معصوما، وهذا لا يقول به أحد، وسياق القصة يبين توبة أم المؤمنين وندمها على ذلك، ولا يجوز تعيير مسلم بذنب تاب منه وإلا كان هو الأحق باللوم من صاحب الذنب كما في حديث احتجاج آدم موسى.عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ 

[صحيح البخاري، (4/ 158)].

 

فثبت من ذلك أنَّ من عيَّرَ مسلمًا بذنب تاب منه فهو المخطئ المحجوج.

 

خامسًا: قد جاء في كتب الشيعة تحريم النياحة واللطم، فهل يستدل الشيعة بفعل غير المعصوم على الحلال والحرام؟!

وقد جاء في كتب الشيعة: تحريم اللطم والنياحة في روايات كثيرة، منها:قال ابن بابويه القمي: “من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم يسبق إليها: “النياحة من عمل الجاهلية.

[من لا يحضره الفقيه، (4/271 – 272)].

 

ورواه محمد باقر المجلسي بلفظ: “النياحة من الجاهلية“.

[بحار الأنوار، (82/103)].

 

وقد روى جمع من العلماء المحققين كالنوري، والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: “صوتان ملعونان يبغضهما الله: إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة -يعني النوح والغناء-“.

[ بحار الأنوار، (82/101)].

 

ومن هذه الروايات أيضًا:

 ما جاء في كتاب أمير المؤمنين علي إلى رفاعة بن شداد: “وإياك والنوح على الميت ببلد يكون لك به سلطان” .

[ مستدرك الوسائل، (1/144)].

 

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله من حديث: “… وإني نهيتكم عن النوح وعن العويل”.

[جامع أحاديث الشيعة، (3/372)].

 

ومنها: ما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: “وإني نهيت عن النوح، وعن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان”.

[جامع أحاديث الشيعة، (3/372)].

 

وعن علي (ع): “ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة: الاستسقاء بالنجوم، والطعن في الأنساب، والنياحة على الموتى”

[ بحار الأنوار، (82/101)].

 

وقال الصدوق: “باب (ذكر جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله) … عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: “نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاكل على الجنابة، وقال: إنه يورث الفقر …، ونهى عن الرنة عند المصيبة، ونهى عن النياحة والاستماع إليها … “ .

[من لا يحضره الفقيه، الصدوق، (4 /3 – 5)].

 

قال محمد تقي المجلسي: “«ونهى عن الرنة»، أي: الصياح ”

[روضة المتقين، محمد تقي المجلسي، (9 /338)].

 

ومع ذلك جاء في كتب الشيعة أن فاطمة صاحت عند موت النبي  .ففي (موسوعة شهادة المعصومين): “قال الطبرسي: قال الصادق (عليه السلام): قال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها. قال: وصاحت فاطمة، وصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب على رؤوسهم” .

[موسوعة شهادة المعصومين، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، (1/83)؛ والأنوار البهية، عباس القمي، (ص 41).]

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

قالوا: بأن أم المؤمنين  شَوَّفت جاريةً بمكة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.