كسر عائشة للقصعة في حضرة النبيّ
مما أثاره الرافضة حول أم المؤمنين ، ما وقع في حضرة النبيّ لما كسرت القصعة التي أتته بها أحد زوجاته، فجعلوا فعلها هذا غير لائق ومناف للأدب في حضرة النبي قال صالح الورداني: “ومثال جديد لتطرف عائشة في حضرة الرسول (ص).يروي أن أم سلمة زوج النبي (ص) أرسلت بقصعة فيها طعام إلى الرسول وهو عند عائشة. فضربت عائشة يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت. فجعل النبي يجمع بين فلقتي القصعة وهو يقول: “غارت أمكم“.
[ دفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين، صالح الورداني، (ص 79)].
قال عبد الصمد شاكر: “فقد ارتكبت عائشة حراماً في كسر الاناء مرتين، ثم أنَّ جرأتها في الخروج إلى محضر الرجال ـ في مورد الحديث الأول ـ وكسر الإناء بمحضر من الأصحاب شيء اختصت هي به وضعفت عنه أكثر نساء الناس ـ مسلمات وغير مسلمات ـ حتى في القرن العشرين!”.
[نظرة عابرة الى الصحاح الستة، عبد الصمد شاكر، (ص460)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولاً: هذه الواقعة كانت قبل فرض الحجاب، وقد صرحت بذلك بعض الروايات، قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَان بْن خَالِد عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَس قَالَ: «كَانَ النَّبِيّ r فِي بَيْتِ عَائِشَة مَعَهُ بَعْض أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُونَ طَعَامًا فَسَبَقَتْهَا ـ قَالَ عِمْرَان أَكْثَر ظَنِّي أَنَّهَا حَفْصَة ـ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ثَرِيد فَوَضَعْتهَا فَخَرَجَتْ عَائِشَة، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَضَرَبَتْ بِهَا فَانْكَسَرَتْ» الْحَدِيث”.
[فتح الباري، ابن حجر (5/ 125)].
ثانيًا: واضح لكل من قرأ الحديث، أن الذي دفع بعائشة رضي الله عنها إلى هذا الصنيع، ما يقع بين الضرائر، وشدة غيرتها على زوجها.قال السيوطي: “الْخطاب بقوله: “غارت أمكم“ عَام لكل من سمع بِهَذِهِ الْقِصَّة من الْمُؤمنِينَ اعتذارًا مِنْهُ ؛ لِئَلَّا يكون صنيعها على مَا يذم، بل يجرى على عَادَة الضرائر من الْغيرَة، فَإِنَّهَا مركبة فِي نفس الْبشر بِحَيْثُ لَا يقدر ان يَدْفَعهَا عَن نَفسهَا. وَقيل: خطاب لمن حضر من الْمُؤمنِينَ”.
[ شرح سنن ابن ماجه للسيوطي (1/169)].
وقد روى القوم في كتبهم أن المرأة قد تؤذي زوجها بسب غيرتها، وهذا علامة على الحب على العكس.روى الكليني في (الكافي) بسنده عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المرأة تغار على الرجل تؤذيه، قال: ذلك من الحب”.
[ الكافي، الكليني (5/506)].
قال المجلسي عن الحديث: “الحديث السادس: موثق” .
[مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المجلسي (20/ 317)].
ثالثًا: لم ينقل أن النبيّ عاتب عائشة أو أدبها، بل لم يزد على قوله: “غارت أمكم“.قال العيني:” وَفِيه: بسط عذر الْمَرْأَة فِي حَالَة الْغيرَة؛ لِأَنَّهُ لم ينْقل أَنه عَاتب عَائِشَة على ذَلِك، فَإِنَّمَا قَالَ: (غارت أمكُم)، وَيُقَال: إِنَّمَا لم يؤدبها، وَلَو بالْكلَام؛ لِأَنَّهُ فهم أَن المهدية كَانَت أَرَادَت بإرسالها ذَلِك إِلَى بَيت عَائِشَة أذاها، والمظاهرة عَلَيْهَا، فَلَمَّا كسرتها لم يزدْ على أَن قَالَ: (غارت أمكُم، وَجمع الطَّعَام بِيَدِهِ، وَقَالَ: قَصْعَة بقصعة وَأما طَعَام بِطَعَام)”.
[ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني (13/ 37-38)].
قال القسطلاني: “فقام يلتقط اللحم والطعام، وهو يقول: «غارت أمكم» فلم يثرب عليها.فوسع خلقه الكريم آثار طفحات آثار غيرتها ولم يتأثر، وقضى عليها بحكم الله في القصاص. وهكذا كانت أحواله مع أزواجه، لا يأخذ عليهن ويعذرهن، وإن أقام عليهن قسطاس عدل أقامه بغير قلق ولا غضب، بل رؤوف رحيم، حريص عليهن وعلى غيرهن، عزيز عليه ما يعنتهم”.
[المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القسطلاني (2/ 120)].
قال الآلوسي: “أن الغيرة محبوبة في النساء، ولا مؤاخذة على الأمور الجبلية. نعم لو صدر قول أو فعل مخالف للشرع للغيرة تتوجه الملامة. وفي الحديث الصحيح: أن بعض أمهات المؤمنين غارت على الأخرى حين أرسلت إلى رسول الله طعامًا لذيذًا، وكان النبي إذ ذاك في بيت من تغار وأخذت الطبق من يد خادمها فضربت به على الأرض حتى انكسر الإناء وانصب الطعام فقام رسول الله إلى ذلك الطعام بنفسه فاجتناه وجمعه من الأرض وقال «قد غارت أمكم»، ولم يعاتبها ولم يوبخها، فكيف يسوغ لأفراد الأمة أن يجعلوا أمهات المؤمنين هدفا لسهام مطاعنهم”.
[مختصر التحفة الاثني عشرية، محمود شكري الآلوسي، (ص 270)].
أفلا يسعكم ما وسع النبيّ من عدم الإنكار والتوبيخ، بل الرحمة والشفقة بأزواجه؟
رابعًا: ثبت في روايات الرافضة غيرة فاطمة رضي الله عنها، حتى أنها تركت البيت وذهبت لبيت النبيّ .قال التبريزي: “فللرجل أن يتزوج على المرأة وللمرأة أن تأخذها الغيرة، وأما فاطمة (عليها السلام)فأولا: بأن الغيرة من الصفات الفاضلة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يتمدح بها ويقول: “إن سعد الغيور، وأنا أغير من سعد”. والتمدح بالغيورية ونفس صفة الغيورية من الأمور المباحة، وإلا فلا يتمدح النبي بالأمور المحرمة على الصحابة… وقد صدر من بنات الأنبياء ما هو أشد من ذلك، فإن سارة ألزمت إبراهيم (عليه السلام) أن يخرج عنها هاجر وابنها إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، ولا ينزل معهما بل يضعهما فيه وهو راكب ويرجع إليها، وقد أمر الله إبراهيم أن يمتثل أمر سارة”.
[اللمعة البيضاء، التبريزي الأنصاري (ص 143)].
فإذا تعلق الأمر بفاطمة رضي الله عنها صارت الغيرة ممدوحة ومن الصفات الفاضلة، لكن إذا تعلق الأمر بزوجات النبيّ كان الأمر على خلاف ذلك عند القوم.مع أنهم يروون في كتبهم أيضا أن غيرة المرأة كفر، ومن أفعال المنكرات فقط روى الكليني في (الكافي) بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “إن الله عز وجل لم يجعل الغيرة للنساء وإنما تغار المنكرات منهن، فأما المؤمنات فلا”.
[ الكافي، الكليني (5/ 505)].
ومن باب الإلزام، هل فاطمة رضي الله عنها وحاشاها ليست مؤمنة لأنها غارت على زوجها؟ وهل تصفونها بالمنكرة حسب ما ورد في رواية (الكافي)؟
مواضيع شبيهة
رواية أم المؤمنين عائشة: “والله لقد علمت أن عليًّا أحب إليك من أبي ومني”.