كان عمر يأكل مع عائشة رضي الله عنهما ومسَّ يدها.
قال الشيعة: إن عمر كان يأكل في طبق واحد مع عائشة ومست يده يدها.واستدلوا برواية «الأدب المفرد» [الأدب المفرد- (1053/ 591)].: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت آكل مع النبي حيسا فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت يده إصبعي فقال: حس لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب”.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذه الرواية مختلف في صحتها وضعفها، والمختلف فيه لا يجوز الاحتجاج به.قال الشيخ ساعد عمر غازي في مقالة بعنوان “نثر الشذر على إزاحة الضجر عن فتح ابن حجر”: قال الشيخ الزامل -حفظه الله-: “قال الحافظ -رحمه الله- (1/249): “وروى ابن جرير في تفسيره من طريق مجاهد قال بينا النبي يأكل ومعه بعض أصحابه وعائشة تأكل معهم إذ أصابت يد رجل منهم يدها فكره النبي ذلك فنزلت آية الحجاب” .
[مقالة بعنوان “نثر الشذر على إزاحة الضجر عن فتح ابن حجر”- ساعد عمر غازي- (ص 570-58)].
هذا الأثر ذكره ابن جرير في تفسيره عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا } [سورة الأحزاب:53] فقال: حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن ليث، عن مجاهد…فذكره. وهشيم مدلس وليث هو ابن أبي سليم ضعيف مضطرب الحديث واختلط، فالخبر مع إرساله ضعيف. وقد جاء هذا الحديث بإسناد متصل حسن عن مجاهد عن عائشة، وبسياق أتم من السياق الذي ذكره، وفيه بيان الرجل الذي أصابت يده يد عائشة رضي الله عنها فكان ذكره هو المتعين لا هذا المرسل الضعيف، وهو ما رواه النسائي في سننه الكبرى قال: أخبرني زكريا بن يحيى قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن مسعر عن موسى بن أبي كثير عن مجاهد عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعي، فقال: حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب
[رواه النسائي في سننه الكبرى- (11419)].
، إسناده أئمة مشهورون غير موسى بن أبي كثير وهو الأنصاري، وبالنظر في ترجمته من “التهذيب” يتبين أنه لا بأس به، قال الحافظ في “التقريب”: “صدوق رمي بالإرجاء لم يصب من ضعفه”. .
[ تقريب التهذيب (7004)].
قال مقيده -عفا الله عنه-: فات الشيخ -حفظه الله- أن الحديث الموصول ذكره الحافظ -رحمه الله- في “الفتح”، وعزاه للنسائي فقال: “وقد وقع في رواية مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ: “كنت آكل مع النبي حيسا في قعب فمر عمر فدعاه فأكل فأصاب إصبعه إصبعي، فقال: حس أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزل الحجاب”.
[ فتح الباري- الحافظ- (8/531)].
ثم وقفت على ما قاله الدارقطني في “العلل”: “وسئل عن حديث مجاهد، عن عائشة، قالت: كنت آكل مع النبي ، فأكل معنا عمر، فأصابت إصبعه إصبعي، فقال: حس، والله لو أطاع فيكن ما رأتكن عين. فنزلت آية الحجاب.
[ العلل- الدارقطني- (14/338)].
فقال يرويه مسعر، واختلف عنه؛ فرواه ابن عيينة، عن مسعر، عن أبي الصباح: موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، عن عائشة.
وغيره يرويه عن مسعر، عن أبي الصباح، عن مجاهد مرسلا، والصواب المرسل“. والرواية المرسلة التي أشار إليها الدارقطني أخرجها ابن أبي شيبة في “المصنف” قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، قال: مر عمر برسول الله وهو وعائشة وهما يأكلان حيسا، فدعاه فوضع يده مع أيديهما، فأصابت يده يد عائشة، فقال: أوه، لو أطاع في هذه وصواحبها ما رأتهن أعين، وذلك قبل آية الحجاب، قال: فنزلت آية الحجاب.
[ المصنف- ابن أبي شيبة- (32680)].
وصورة الإرسال في هذه الرواية أن مجاهدا هو الحاكي لقصة لم يدركها؛ لأنه لم يدرك مرور عمر برسول الله ، ولا أسند حكايتها إلى عائشة رضي الله عنها، فكان نقله لذلك مرسلا.ومحمد بن بشر قال أبو عبيد الآجري: “سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر من سعيد بن أبي عروبة فقال: هو أحفظ من كان بالكوفة”. وقال ابن حجر في “التقريب”: “ثقة”.وقال المزي في “تهذيب الكمال”: قال محمد بن بشر: كان عند مسعر ألف حديث أو أقل من ألف حديث فكتبتها إلا عشرة”
[تهذيب الكمال- المزي- (27/465)].
وهذا يشعر بأن محمد بن بشر كانت له بمسعر عناية خاصة، وقد يقال: إن الرواية المرسلة، لا تعل الرواية الموصولة على اعتبار أن من وصله معه زيادة علم فيجب قبولها إذا كانت من ثقة والأمر كذلك هنا فإن زيادة الوصل من سفيان بن عيينة وهو ثقة حافظ.فعلى هذا فإن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة، أو يقال: إن الرواية التي ظاهرها الإرسال، سياقها يشعر بأن مجاهدا تلقاها عن عائشة، فلا تعارض بين الروايتين، والله أعلم، ولكن الذي يظهر لي هو ما قاله الدارقطني: “والصواب المرسل”
والله أعلم.ورجح ضعفه الدكتور عبد المجيد الشيخ في كتابه الروايات التفسيرية في فتح الباري.
[أنظر هامش «الروايات التفسيرية في فتح الباري» (2/ 943)]
وعليه فالراجح أن الرواية لا تصح.
ثانيا: لو سلمنا جدلا بأن الرواية صحيحة فهذا كان قبل نزول الحجاب، بل كان هذا من ضمن أسباب نزول الحجاب، فكيف يعترض الشيعة على أمر منسوخ شرعا؟! هذا كمثل من يعيب رجلا أسلم بعد أن كان نصرانيا بأنه كان في يوم من الأيام نصرانيا! ومعلوم أن الإسلام يجب ما قبله والناسخ يجب المنسوخ، فإذا كان ذلك قبل نزول الحجاب فلا يوجد ما يحرم ذلك ولا عيب فيه على القول بصحة الرواية.ومع ذلك فإن ما حدث من لمس كان دون قصد؛ ولذلك قال عمر كلمة توجع “حس” وهذا فيه أن الأمر وقع دون قصد، والخطأ مرفوع عن هذه الأمة كما هو معلوم.
ثالثا: قد جاء عند الرافضة ما هو أعظم من هذا، فقد قالوا -كفرا وزورا- بأن عليا كان ينام مع أم المؤمنين عائشة-وحاشاها- في لحاف واحد! ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي قال: “أبان عن سليم، قال: سألت المقداد عن علي عليه السلام، قال: كنا نسافر مع رسول الله ، وذلك قبل أن يأمر نساءه بالحجاب – وهو يخدم رسول الله ليس له خادم غيره، وكان لرسول الله لحاف ليس له لحاف غيره، ومعه عائشة. فكان رسول الله ينام بين علي وعائشة ليس عليهم لحاف غيره، فإذا قام رسول الله r من الليل يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بينه وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتهم، ويقوم رسول الله فيصلي”.
[ كتاب سليم بن قيس الهلالي- (1/343)].
وقد ورد في كتب الإمامية: أن الرجل إذا وجد مع امرأة في لحاف واحد، فإنهما يجلدان، قال محمد تقي المجلسي: “وفي الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا وجد الرجل والمرأة في لحاف واحد جلدا مائة جلدة “.
[ روضة المتقين– محمد تقي المجلسي- (10 / 9)].
بل ووصل الطعن في النبي وفي عليٍّ وفي أم المؤمنين عائشة أن قال الرافضة: أن النبي أمر عليًّا أن يجلس في حجر أم المؤمنين، وردت بكلام لا يليق!!!في كتاب سليم بن قيس أيضا: “دخل علي بن أبي طالب عليه السلام على رسول الله وعائشة قاعدة خلفه وعليها كساء والبيت غاص بأهله فيهم الخمسة أصحاب الكتاب والخمسة أصحاب الشورى، فلم يجد مكانا فأشار إليه رسول الله : (هاهنا)، يعني خلفه، فجاء علي عليه السلام فقعد بين رسول الله وبين عائشة، وأقعى كما يقعي الأعرابي، فدفعته عائشة وغضبت وقالت: أما وجدت لأستك موضعا غير حجري؟ فغضب رسول الله وقال: مه يا حميراء، لا تؤذيني في أخي علي”
[ كتاب سليم بن قيس- تحقيق محمد باقر الأنصاري– (ص 287)] .
مواضيع شبيهة