قال الشيعة: إن أم المؤمنين عائشة كانت كثيرة الأكل، واستدلوا على ذلك بروايتين:قال الصنعاني: “أخرج البيهقي بإسناد فيه ابن لهيعة عن عائشة قالت: رآني النبي ، وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: يا عائشة أما تحبين ألا يكون لك شغل إلا جوفك؛ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف والله لا يحب المسرفين”.
[ سبل السلام- (2/ 652)].
والثانية: في شعب الإيمان [شعب الإيمان- (7/ 457).]: أخبرنا أبو الحسن المقرئ، أنا الحسن بن محمد بن إسحاق، أنا الحسن بن سفيان، ثنا العلاء بن سلمة الرواسي، حدثني خالد بن نجيح المصري، ثنا عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة قالت: رآني رسول الله ، وأنا آكل في يوم مرتين فقال: ” يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك أكثر من أكلة كل يوم سرف، والله لا يحب المسرفين ” في إسناده ضعف.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذه الروايات لا تصح، وأنا أكتفي بنقل كلام الشيخ الألباني عليها، قال الألباني: “إياك والسرف، فإن أكلتين في يوم من السرف: موضوع”.
[ سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة- الألباني- (1/ 257- 422-423)].
ذكره الغزالي في ” الإحياء “ أن النبي قال ذلك لعائشة
[ الإحياء، للغزالي (3/ 78)].
، وقال الحافظ العراقي في تخريجه: رواه البيهقي في “الشعب” من حديث عائشة وقال: في إسناده ضعف.قلت: ونص الحديث: عن عائشة قالت: رآني رسول الله وقد أكلت في اليوم مرتين فقال: “يا عائشة أما تحبين أن يكون لك شغل إلا جوفك؟ الأكل في اليوم مرتين من الإسراف {وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأنعام:141] .
[ الترغيب (3 / 124)].
وفي رواية: ” يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك؟! أكثر من أكلة كل يوم سرف {وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأنعام:141] ”
[ رواه البيهقي].
وفيه ابن لهيعة. قلت: هو ضعيف من قبل حفظه، وقد روي بنحوه من حديث أنس، فانظر الحديث 241. ثم وقفت على إسناده عند البيهقي في “الشعب”، فتبين أن فيه علة أخرى هي مما يزداد الحديث بها ضعفا
[ الشعب- البيهقي- (2 / 158 / 1)].
، فإنه قال: أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي بسنده عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة … به.
وأبو عبد الرحمن هذا اسمه محمد بن الحسين الصوفي، قال محمد بن يوسف القطان كان يضع الأحاديث للصوفية، ثم رواه (2 / 161 / 2) من طريق خالد بن نجيح المصري حدثنا عبد الله بن لهيعة به نحوه، وخالد هذا، قال أبو حاتم: كذاب يفتعل الحديث“.بل إن البيهقي نفسه بعد أن نقل الرواية ضعفها كما سبق!
ثانيا: متن الرواية يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة من أن النبي أمر أمته بإفطار وسحور إذا صاموا، فهل يأمرهم حال الصيام بوجبتين وينهاهم عن ذلك حال فطرهم؟!، بل وكان هو يفعل ذلك؛ فهل نقول أنه كان من المسرفين وحاشاه ؟!!
بل وفي الكفارات أيضا صرح بعض الفقهاء الإطعام الفقير وجبتين قال: “وإلا فقد صرح في الكفارات الفقهية من لزوم الغداء والعشاء”.
[بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية- (3/ 47)].
ولذلك ضعف العلماء الرواية متنا بمعارضتها لهذا الثابت الصحيح وغيره .
[تفسير المنار- (8/ 343)].
ما ورد من حديث عائشة عند ابن مردويه والبيهقي من أن الأكل مرتين في اليوم من الإسراف ضعيف ومعارض بالصحاح”.
ثالثا: الثابت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت أزهد الناس في الدنيا، وأكثر الناس صوما.قال الزركشي: “قال القاسم كانت عائشة تصوم الدهر، وقال عروة بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها لم تترك منها شيئا، فقالت بريرة: أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحما، قالت: لو ذكرتني لفعلت” رواه الحاكم. وعنه أيضا: قال: وإن عائشة تصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترفع جانب درعها أيضا، وقد اشتمل هذا على ثلاث فضائل فضل عبادتها وجودها وزهدها”.
[الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة- الزركشي- ط الخانجي- (ص49)].
قال الشيخ محمد اسماعيل المقدم: “ويحمل هذا على أنها كانت تصوم ما سوى الأيام المنهي عن صيامها، كأيام الحيض، وأيام التشريق، ويوم العيد. وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها كانت تسرد الصوم. وعن القاسم أنها كانت تصوم الدهر لا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر”.
[دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم- (18/ 7)].
بل كانت رضي الله عنها تصوم حتى في السفر، فقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: “عن القاسم، قال: «قد رأيت عائشة تصوم في السفر حتى أذلقها السموم”.
[ مصنف ابن أبي شيبة- (2/ 280)].
فهل بعد كل هذا تتهم أم المؤمنين بتلك التهمة؟!!
رابعا: بل إن الأطباء قالوا بأن أقل من أكلتين قد يضر بالجسد .
[ الحاوي في الطب- (7/ 350)].
وقال جالينوس في حفظ الصحة: “الأبدان التي تجتمع منها في المعدة مرار كثير يحتاجون إلى الأكل مرتين أو ثلاثا ومن لا يعرض له ذلك يجب أن يمسكوا عن الطعام حتى يستحموا”. وقال الحاوي: “وترك الأكل مرتين يضر الذين مزاجهم حار يابس وينفع الذين مزاجهم بارد رطب”.
[الحاوي في الطب- (7/ 350)]
خامسا: جاء في الروايات الشيعية الحث على تناول وجبتين في اليوم…! فهل أمر أهل البيت بالإسراف وبالمحرم؟!!
قال الريشهري: “توصي الروايات الإسلامية بتناول وجبتين في اليوم صباحا ومساء؛ لحفظ سلامة الفرد وصحته. وأهل الجنة الخالدون في دار السلام يأكلون وجبتين: {لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۖ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)} [سورة مريم:62]” .
[موسوعة ميزان الحکمة – محمد الريشهري- (3/11)].
سادسا: جاء في كتب الشيعة إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي (إنك لأكول)، ففي كتاب الأخلاق لعبد الله شبر : “وروي أنه ( ص ) انه كان يأكل رطبا مع ابن عمه وأخيه أمير المؤمنين ، وكان يأكل ويضع النوى أمامه ، فلما فرغا كان النوى كله مجتمعا عند علي عليه السلام ، فقال له : يا علي انك لأكول . فقال له : يا رسول اللّه الأكول من يأكل الرطب ونواه” .
[ الأخلاق، السيد عبد الله شبر، ص ١٥٠، لئالي الأخبار، ج ١، محمد نبي بن أحمد التويسركاني، ص ٧٧، الكشكول، ج ١، المحقق البحراني، ص ٨، كشف الأسرار في شرح الاستبصار، ج ١، السيد نعمة الله الجزائري، ص ١٦٥، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج ٦، حبيب الله الهاشمي الخوئي، ص ٩٤]
فهذا اتهام من النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي أنه أكول، ولا يقال إن هذا كان في باب المزح فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقول إلا حقا، وانظر لجواب علي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعِّض بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الأكول.والعجيب أنهم برروا لذلك بأن كل بني آدم أكول !
يقول محمد باقر الحكيم: “وقال له : « يا علي إنك لأكول » ، لاحظوا الدقة في التعبير ، فإنه لا يقول له : أنت أكلت ( هذا التمر ) مثلا ، وإنّما قال له :( لأكول ) ، فالإنسان على كل حال أكول ، لأنّه يأكل ويشرب كما يأكل الآخرون ويشربون ، نعم لا بد أن يكون الحديث بالمزاح بهذه الطريقة ، كأنّه يوهم بأنّه ( أكل جميع هذا التمر ) ، وكان جواب الإمام علي عليه السّلام جميلا ودقيقا جدا أيضا ، إذ يقول له : « يا رسول اللّه الأكول من يأكل التمر ونواه » « 1 » ، يعني أنا أكلت التمر ، ولكن تركت النوى ،أما أنت فكأنك أكلت التمر ونواه ، إذ لا يشاهد الناظر النوى أمامك”.
[الإخوة الإيمانية من منظور الثقلين، السيد محمد باقر الحكيم، ص ٩٩:١٠٠].
فإذا شغَّبوا على أم المؤمنين عائشة بالكذب رجع الطعن فيهم فيمن يزعمون قداستهم، فسبحان من أذل الشيعة بشبهاتهم.
قالوا: بأن أم المؤمنين شَوَّفت جاريةً بمكة.
