قول حذيفة: “أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها”.
دائمًا ما يسوق الشيعة رواية -أوردها الحاكم والطبراني- للطعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وإليك نص الرواية من لفظ الحاكم، قال في( المستدرك): “أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ بِهَمْدَانَ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: بَعْضُنَا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَرَجَمْتُمُونِي، قَالَ: قُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِكُمْ تَأْتِيكُمْ فِي كَتِيبَةٍ كَثِيرٍ عَدَدُهَا، شَدِيدٍ بَأْسُهَا صَدَّقْتُمْ بِهِ؟» قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَنْ يُصَدِّقُ بِهَذَا؟ ثُمَّ قَالَ حُذَيْفَةُ: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا حَيْثُ تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ» ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَخْدَعًا”.
[المستدرك على الصحيحين، للحاكم، (4/517)].
قال محمد الخرسان: “وهذا الحديث يؤكد مذهب أصحابنا في فسق أصحاب الجمل إلاّ من ثبتت توبته منهم وهم الثلاثة”
[ موسوعة عبد الله بن عبّاس، محمد مهدي الخرسان، (3/105)].
.
وقال ياسر الحبيب: “أن حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه – الذي هو صاحب سر رسول الله- يصرح بأن عائشة ستخرج في كتيبة سوء”
[الفاحشة (ص260)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: جميع الروايات التي وردت في ذلك معلولة الإسناد.
1- رواية المستدرك:قال في (المستدرك): “أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْجَلَّابُ بِهَمْدَانَ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ الرَّقِّيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ “.
[المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/517)].
هذا الإسناد منقطع بين خيثمة بن عبد الرحمن وحذيفة ، فإن كل من ترجم لخيثمة بن عبد الرحمن لم يذكر في شيوخه حذيفة ، بل المعلوم عند أهل العلم أن خيثمة يروي عن حذيفة بن اليمان بواسطة، كما في (صحيح مسلم)، قال: “حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: وساق الحديث”.
[ صحيح مسلم، (3/1597)].
فهذا من القرائن الدالة على عدم سماع خيثمة من حذيفة، حتى على مذهب الإمام مسلم في السماع، فقد قال الشيخ خالد الدريس: “وموقف الإمام مسلم من رواية المحدث عمن عاصره -ولم يثبت لقيهما- إذا جاء في بعض الطرق زيادة رجل أو أكثر بينهما أن ذلك يعد دلالة بينة على عدم السماع واللقاء كما هو موقف كبار أئمة النقد”
[موقف الإمامين، (ص 351)].
بل ومن القرائن على أن خيثمة لم يسمع هذا الحديث من حذيفة بن اليمان أنه قد رواه عنه بواسطة فتأمل: “حَدَّثَنَا هِلالُ بْنُ الْعَلاءِ، ثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ فُلْفُلَةَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ…”.
[الخامس من حديث زيد بن أبي أنيسة، هلال الرقي (281 هـ)، مخطوط، (ص 12)].
فلاحظ أن إسناد المستدرك هو هو إسناد جزء الرقي من أول هلال بن العلاء، ولكن الفارق أن هلال بن العلاء رواه عن أبيه وعن عبيد الله بن جعفر.وقد قال الإمام النسائي عن هلال بن العلاء أنه يروي المناكير عن أبيه. قال النسائي: “روى أحاديث منكرة عَن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه”.
[ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، (30/ 348)].
وعلى كلٍ، فالمقصود أن نفس الإسناد جاءت فيه الواسطة بين خيثمة بن عبد الرحمن وحذيفة، ومعلوم أن خيثمة روى عن فلفلة كما قال الحافظ المزي: “فلفلة بن عَبد اللَّهِ الجعفي الكوفي. رَوَى عَن: حذيفة بْن اليمان، والحسن بْن علي بْن أَبي طالب، وعبد اللَّه بْن مسعود (س). رَوَى عَنه: خيثمة بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجعفي
[تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، (23/316)].
وهذه من الأدلة القاطعة على أن رواية الحاكم منقطعة، وبمثل هذا لا تقوم حجة.
2- رواية الطبراني: “حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ فُلْفُلَةَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَرَجَمْتُمُونِي، فَقُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، نَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِكُمْ تَأْتِيكُمْ فِي كَتِيبَةٍ كَثِيرٍ عَدَدُهَا، شَدِيدٍ بَأْسُهَا تُقَاتِلُكُمْ. أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَنْ يُصَدِّقُ بِهَا؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: «أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ تَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا مِنْ حَيْثُ تَسُوقُ وُجُوهَهُمْ» ثُمَّ قَامَ، فَدَخَلَ مَخْدَعًا لَهُ”.
[ المعجم الأوسط، الطبراني، (360 هـ)، (2/ 35)].
هذه الرواية معلولة بـ”فلفلة ابن عبد الله الجعفي الكوفي” وقد قال الحافظ عنه: “مقبول من الثانية”.
[ تقريب التهذيب، (ص448)].
وهذه المرتبة حديثها ضعيف عند جمهور أهل العلم، فحكم حديث الراوي المقبول هو الضعف؛ لأنه يمثل حكم حديث الراوي المجهول والجمهور على رده وتضعيفه .
[انظر: مصطلح “مقبول” عند ابن حجر وتطبيقاته على الرواة من الطبقتين الثانية والثالثة في كتب السنن الأربعة، لمحمد راغب راشد الجيطان، رسالة ماجستير2010، (ص277)].
وهنا تفرد فلفلة بهذه الرواية ولا متابع، فسقطت الرواية.
ثانيا: الرواية معلولة متنًا، وذلك من عدة أوجه:
الوجه الأول: إن نص الرواية: “أَتَتْكُمُ الْحُمَيْرَاءُ فِي كَتِيبَةٍ يَسُوقُهَا أَعْلَاجُهَا…”، وحذيفة مات قبل مسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.قال ابن عبد البر: “ومات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة علي، وقيل: توفي سنة خمس وثلاثين، والأول أصح، وكان موته بعد أن أتى نعي عثمان إلى الكوفة ولم يدرك الجمل”.
[ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (1/335)].
وقال ابن أبي الحديد: “وحذيفة أجمع أهل السيرة على أنّه مات في الأيام الّتي قتل عثمان فيها، أتاه نعيه وهو مريض فمات وعليّ (عليه السلام) لم يتكامل بيعة الناس ولم يدرك الجمل”
[ موسوعة عبد الله بن عبّاس، محمد مهدي الخرسان، (3/105)].
فكيف يقول حذيفة أتتكم فلانة وهي لم تخرج بعد؟! كان الأولى أن يقول: تأتيكم أو ستأتيكم، أما أن يعبر بما يشعر بكونها خرجت فعلا فهذا ما لا يُقبل.
الوجه الثاني: كلمة (الحميراء).قال عنها الدكتور محمود ميرة في كتابه (الحاكم وكتابه المستدرك) تعليقا على الرواية: “جاءت (الحميراء) في المطبوعة فقط، واغترت دار التأصيل فأخذت بها، وخالفت ما في جميع المخطوطات وفي الدرعية الحمراء ودار الكتب المصرية، والمغربية، والمراوعة، والهندية، والناصرية، وعندما أورده السيوطي في (الخصائص الكبرى): “أتتكم الحمراء في…”، وكذلك الصالحي في (سبل الهدى والرشاد): “أتتكم الحمراء”
[ السيوطي في الخصائص الكبرى، (2/ 233)، الصالحي في سبل الهدى والرشاد، (10/ 149)].
قلت: فإذا كان اللفظ الصحيح “أتتكم الحمراء”، فإن المقصود إنما هم الروم، وقد احتج ياسر الحبيب في كتابه (الفاحشة) برواية فيها قول أصحاب علي له: “غلبتنا عليك هذه الحمراء”
[ الفاحشة (ص٢٣٥)].
[ ونقلها المجلسي عن ابن الأثير ،وفسرها بالروم في (بحار الأنوار) (32/523)].
“وقال ابن الأثير في مادة ” حمر ” من كتاب النهاية: في حديث علي عليه السلام قيل له: غلبتنا عليك هذه الحمراء يعنون العجم والروم، والعرب تسمى الموالي الحمراء”.وعليه فتكون الرواية المقصود بها هم الروم.
ثالثا: حتى لو تنزلنا وقلنا أن الرواية مقصود بها مسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فليس فيها طعن البتة حيث إنه إخبار عن فتنة وحرب ستقع، وسيكون اسم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها على رأس تلك الحرب التي ما قصدتها قط، والكل متفق على أن الحرب وقعت، وهذا غاية ما في هذا الحديث.أما لفظة “حيث تسوء وجوهكم” ففي جميع النسخ المخطوطة للمستدرك (تسوق) إلا الدرعية فقط كتب فوق القاف من تسوق (ء) في صلب النص. فهذا السوق للناس لا مطعن فيه، بل فيه الطاعة الكاملة من المؤمنين لأمهم أم المؤمنين. ولو قلنا بصحة لفظ “تسوء وجوهكم” لما كان فيه طعن أيضًا.قال في (المحيط في اللغة): “وساءَ الشيْءُ: إذا قَبُحَ. والسُوْءُ: الاسْمُ الجامِعُ للآفاتِ والداءِ، سُؤْتُ وَجْهَ فُلانٍ أَسُوْؤُهُ مَسَاءةً ومَسَائيَةً ومَسَايَةً وسَوَاءةً وسَوَائيَةً. وأسَأْتُ إليه في الصُّنْعِ. واسْتَائ فلان: من السُوْءِ. وسُؤْتُ فلاناً، وسُؤْتُ له وَجْهَه. ولَسَاءَ ما صَنَعَ فلانٌ: في مَوْضِعِ الفِعْلِ. وأخْطَأْتَ فَأَسْوَأْتَ: بمعنى أسَأْتَ”.
[ المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، (2/285)].
ومعلوم أن الحرب تسوء وجه كل غيور على دينه وعلى المسلمين، وليس فيه وصف لفريق أم المؤمنين بأنها كتيبة سوء كما زعم ياسر، بل هو وصف لما يكون من السوء بسبب وقوع الحرب والفتنة بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، وعليه فليس في ذلك أي طعن في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وأما كلمة: “أعلاجها” فقد أجاب عنها الشيخ البغدادي في (الجواهر البغدادية) -وأنا أنقل كلامه بتصرف
[ الجواهر البغدادية في حوار الشيعة الإمامية، لأبي عبد الرحمن أحمد بن عبد الله بن عباس البغدادي، (4 /7-14)].
: “هناك ألفاظ لها معانٍ مشتركة، فيجب تحديد المعنى على حسب السياق، والقرينة، وجمع الأدلة الواردة في المسألة، وسوف أضرب مثالاً على ذلك من القران الكريم لأبين من خلاله وجوب الانقياد لذلك، قال الله تعالى في القرآن الكريم عن الكليم موسى : { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء:20]، ومن المعلوم أن الضلال لفظ مشترك بين عدة معاني، وأحد معانيه طريق الكفار المخالف لطريق الانبياء وهو الهدى , ولهذا قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}} [الفاتحة:6-7].
فمن حمل اللفظ الوارد عن الكليم موسى على هذا المعنى وأطلق لفظ الضلال على موسى فقد كفر، وهلك، فإذا تبين ذلك فلابد من الرجوع إلى سياق كلام حذيفة يدل وبكل وضوح على أن المراد بكلامه هذا هو القوة، والشدة، والغلظة فيمن كان مع أم المؤمنين رضي الله عنها في معركة الجمل، حيث قال (تَسُوءُ وُجُوهَكُمْ) وسوف أبين معنى كلمة العلج في اللغة، واستخدام علي رضي الله عنه لها من غير تكفير للمسمى، او الموصوف لها.يستشكل الرافضة في هذا الاثر على كلمة (أعلاجها)، وإشكالهم هذا باطل حيث أن لفظ العلج لفظ مشترك يحتمل عدة معاني، ويطلق على المسلم، والكافر، وذلك لان معناه القوة، والشدة، والغلظة.قال ابن منظور: “(علج) العِلْج الرجل الشديد الغليظ. وقيل: هو كلُّ ذي لِحْية، والجمع أَعْلاج وعُلُوج ومَعْلُوجَى مقصور ومَعْلُوجاء ممدود اسم للجمع يُجري مَجْرَى الصفة عند سيبويه، واسْتَعْلَج الرجل خرجت لحيته وغَلُظ واشتدَّ وعَبُل بدنه، وإِذا خرج وجهُ الغلام. قيل: قد اسْتَعْلَج واسْتَعْلَج جلد فلان أَي غلُظ والعِلْج الرجل من كفَّار العجم والجمع كالجمع والأُنثى عِلْجة وزاد الجوهري في جمعه: عِلَجة والعِلْج الكافر ويقال للرجل القويّ الضخم من الكفار عِلْج … “.
[لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، (2/ 326)].
فالوصف الجامع لهذا اللفظ على المسلم، والكافر هو الشدة، والغلظة، والقوة، وهذا اللفظ لا يدل على تكفير من أُطلق عليه، إلا إذا عرفنا عقيدة من أُطلق عليه اللفظ، فمجرد لفظ العلج لا يدل على التكفير، وقد أطلق علي هذا اللفظ على اثنين من أصحابه حينما وجههما لمكان.ففي (مسند الإمام أحمد): “عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ -أَحْسَبُ- فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا، وَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمَا عِلْجَانِ، فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا، ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ رَآنَا أَنْكَرْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ يَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ، لَيْسَ الْجَنَابَةَ”
[ مسند الإمام أحمد، تحقيق شعيب الارناؤوط، (2/204 )].
فهذا علي يطلق كلمة العلج على اثنين من المسلمين عندما وجههما إلى مكان ما، والمعنى واضح من السياق أنه أراد منهما الحرص.قال العلامة الازهري: “وفي حديث علي أنه بعث رجلين، وقال لهما: “إنكما عِلجان فعالجا”. العِلج: الرجل القوي الضّخم. وقد استعلجَ الغلامُ، إذا خرج وجههُ وعَبُل بدنُه. وقوله “فعالجا”، أي: حارسا العَمل الذي ندبتكما له وزاولاه”
[تهذيب اللغة، أبو منصور، محمد بن أحمد الازهري، (1/112)].
قال ابن منظور في (اللسان): “وفي حديث عليّ أنه بعَث رجُلَين في وجه، وقال: “إِنَّكما عِلْجانِ فعالِجا عن دينِكُما”، العِلْج: الرَّجُل القويّ الضخم، وعالجا أَي: مارِسَا العمَل الذي نَدَبْتُكما إِليه واعْمَلا به وزاوِلاه”
[ لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، (2/326)].
رابعًا: إن حذيفة أثبت لعائشة رضي الله عنها أمومة المؤمنين، مع كونه يخبر عن خروجها رضي الله عنها، فإما أن تقولوا بقول حذيفة أنها أم للمؤمنين، أو تكذبوه فتردوا روايته جملة وتفصيلا.
خامسًا: من القرائن الواضحة على أن أثر حذيفة لم يكن للطعن في أم المؤمنين ولم يفهم منه أحد ذلك؛ أن الثابت عند الأمة أن أهل الجمل مؤمنون، وقد ثبت ذلك بالتواتر عن علي بن أبي طالب .قال الامام البيهقي: “عن عبد خير قال: سئل علي عن أهل الجمل، فقال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم وقد فاءوا، وقد قبلنا منهم”.
[السنن الكبرى، البيهقي، (8/182)].
وفي (المصنف): “عْن شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يَقْتُلْ جَرِيحًا.وعَنْ عَبْدِ خَيْرٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَسْبِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَلَمْ يُخَمِّسْ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ تُخَمِّسُ أَمْوَالَهُمْ، قَالَ: فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ تَسْتَأْمِرُهَا، قَالَ: قَالُوا: مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا، مَا هُوَ إِلاَّ هَذَا”
[ مصنف ابن ابي شيبة – أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (15/ 256)].
وفي (المستدرك): “عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، مَوْلَى طَلْحَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ مَعَ عُمَرَ بْنِ طَلْحَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ، قَالَ: “إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ وَأَبَاكَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} [سورة الحجر:47]، فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، كَيْفَ فُلَانَةُ كَيْفَ فُلَانَةُ؟» قَالَ: وَسَأَلَهُ عَنْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ أَبِيهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «لَمْ نَقْبِضْ أَرَاضِيَكُمْ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَنْتَهِبَهَا النَّاسُ، يَا فُلَانُ انْطَلِقْ مَعَهُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَمُرْهُ فَلْيُعْطِهِ غَلَّتَهُ هَذِهِ السَّنَةَ، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ أَرْضَهُ»، فَقَالَ رَجُلَانِ جَالِسَانِ إِلَى نَاحِيَةٍ، أَحَدُهُمَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ نَقْتُلَهُمْ وَيَكُونُوا إِخْوَانَنَا فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «قَوْمًا أَبْعَدُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَسْحَقُهَا فَمَنْ هُوَ إِذا لَمْ أَكُنْ أَنَا وَطَلْحَةُ يَا ابْنَ أَخِي إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَأْتِنَا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ”
[المستدرك على الصحيحين مع تعليق الإمام الذهبي في التلخيص، محمد بن عبد الله الحاكم، (3/424)، والسنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (8/173)] .
ونقل الإمام ابن أبي شيبة قول الإمام أبو جعفر الباقر في إيمان أهل الجمل، فقال: “حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: لَمْ يَكْفُرْ أَهْلُ الْجَمَلِ”
[مصنف ابن أبي شيبة (15 /257، برقم38923)، وتعظيم قدر الصلاة – محمد بن نصر المروزي (2 /547 )].
وفي كتب الرافضة، بإسناد معتبر في كتاب (قرب الإسناد) للحميري: “جعفر، عن أبيه عليه السلام: أن عليًّا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق، ولكنه كان يقول: “هم إخواننا بغوا علينا ”
[ قرب الاسناد، الحميري القمي (ص 94)].
وفيه أيضًا: جعفر، عن أبيه: أن عليًّا عليه السلام كان يقول لأهل حربه: “إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق”
[ قرب الاسناد، الحميري القمي (ص 93)].
وفي مسند زيد بن علي رحمه الله تبين عدم تكفير علي لمن قاتله: “حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أنه أتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين أكفر أهل الجمل وصفين وأهل النهروان؟ قال(لا)، هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى أمر الله عز وجل”.
[مسند زيد بن علي (ص 410)].
والخلاصة: أن الرواية ضعيفة، ولو صحت لما كان فيها مطعن لملحد، والحمد لله رب العالمين.
مواضيع شبيهة
قول عائشة رضي الله عنها لرسول الله : اتق الله ولا تقل إلا حقًا