قول النبيّ لعائشة : أجاءك شيطانك؟
روى مسلم في (صحيحه) بسنده عن عروة أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ r، حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ”.
[ صحيح مسلم (4/2168)].
قال محمد التيجاني: “ولا شك أن شيطان عائشة كان كثيرًا ما يأخذها أو يلبسها وقد وجد لقلبها سبيلاً من طريق الغيرة، وقد روي عن رسول الله أنه قال: الغيرة للرجل إيمان وللمرأة كفر”.
[ فاسألوا أهل الذكر، محمد التيجاني (ص80)].
وقال نجاح الطائي: “ووصف النبي عائشة بالشيطان وجندي الشيطان: إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعائشة يوما: أفأخذك شيطانك”.
[ أزواج النبي وبناته، الشيخ نجاح الطائي (ص 102)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الرواية التي فيها: “أخذكِ شيطانكِ يا عائشةُ”
[أخرجها الطبراني في «المعجم الأوسط»، (3627)، والدار قطني، (1/144)].
قال الحافظ عن هذه الرواية: “من رواية فرج بن فضالة- وهو ضعيف. عن يحيى بن سعيد، عن عمرة. وقد رواه جعفر بن عون، ووهيب، ويزيد ابن هارون، وغير واحد عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عائشة، ومحمد لم يسمع من عائشة، قاله أبو حاتم”.
[التمييز في تلخيص تخريج أحاديث شرح الوجيز، المشهور بـ “التلخيص الحبير”، (1/324)].
وقال ابن الملقن: “وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لم يدْرك عَائِشَة، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَسَماهُ مُرْسلاً، وَصرح (بِهِ) أَبُو حَاتِم بِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهَا”
[ البدر المنير (2/449)، وضعفه الشوكاني في نيل الأوطار(1/247)، والذهبي في المهذب، (2/563)، هذا اللفظ ضعيف].
ثانيًا: أما قول نجاح الطائي: “ووصف النبي عائشة بالشيطان وجندي الشيطان”.
[ أزواج النبي وبناته، الشيخ نجاح الطائي، (ص 102)].
فهذا من الكذب الصراح الذي يؤول إلى الطعن بالنبي نفسه؛ إذ كيف يرضى النبي أن يتزوج شيطانًا أو أن يعاشر شيطانًا؟! وحاشاه وحاشاها رضي الله عنها، ولو التزم الرافضي المفتري بذلك لوجب أن يوصف بالشيطان كل من وسوس له الشيطان بشيء، وهذا لا يسلم منه المفتري ولا غيره، بل إن الله تعالى قال عن آدم: [فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ]
[طه 120 – 122].
فهل بعدما وسوس الشيطان لآدم واتبعه آدم في وسوسته صار آدم شيطانا؟!
فإذا كان مجرد مجيء الشيطان لإنسان كما في الرواية «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» يوجب وصفه بأنه شيطان لوجب وصف الأنبياء بأنهم عياذًا بالله شياطين؛ لأن الشيطان كان يتمثل إليهم ويأتيهم كما في قصة رمي الجمار وقد ذكرها الصدوق في العلل([8]).
[ علل الشرائع، الصدوق، (2 /437)].
وكذلك الأئمة فقد جاء في كتاب كشف الغمة
[ ابن أبي الفتح الإربلي، (2 /286)].
إن زين العابدين جاءه الشيطان في صلاته، فهل تسمون زين العابدين شيطانًا عياذً بالله.هذا منطق أحمق يؤول بالطعن في جميع بني آدم وأنهم كلهم شياطين.
ثالثا: الرواية تثبت أن كل إنسان معه شيطان، وهذا ثابت حتى في كتاب الله، قال تعالى (وَقَالَ قَرِینُهُۥ هَـٰذَا مَا لَدَیَّ عَتِیدٌ) [ق: 23]، فالقرين هو الذي لا يفارق الإنسان، وقد فسر الشيعة القرين هنا بأنه الشيطان قال في (تفسير الصافي): “قال قرينه أي: الشيطان المقيض له ربنا ما أطغيته”([10])
[ التفسير الصافي، الفيض الكاشاني (5/62)، وفي الكافي (2 /266].
، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “ما من قلب إلا وله أذنان، على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان”.
[ قال المجلسى في المرآة (9 /377)، حسن كالصحيح].
فلكل إنسان شيطان، فعلام يلام المرء على شيء شاركه فيه جميع بني آدم بتقدير الله عليه؟!!
رابعًا: الغيرة من أم المؤمنين على رسول الله لا شك أنها من أعظم مناقبها رضي الله عنها؛ لأن الغيرة من أصدق أدلة المحبة، بل هي دليل على سلامة فطرة المرأة مع محبتها الشديدة لمن تغار عليه، وكما قال ابن القيم: “فشاهد المحبة الذي لا يكذب هو شاهد الحال، وأما شاهد المقال فصادق وكاذب”.
[طريق الهجرتين وباب السعادتين، (ص 314)].
ورغم ذم الرافضة لتلك الغيرة في بعض الروايات فقد وجدناهم يمدحون هذه الغيرة في المرأة، وذكروا بأن فاطمة كانت تدخلها الغيرة لدرجة أن تغاضب عليا وتترك له البيت فقد روى الصدوق في (علل الشرائع) قال: “حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ وَ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالا أَتَى رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هَلْ تُشَيَّعُ الْجَنَازَةُ بِنَارٍ وَ يُمْشَى مَعَهَا بِمِجْمَرَةٍ أَوْ قِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُضَاءُ بِهِ؟ قَالَ: فَتَغَيَّرَ لَوْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَوَى جَالِساً ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ جَاءَ شَقِيٌّ مِنَ الْأَشْقِيَاءِ إِلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَالَ لَهَا: أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّ عَلِيّاً قَدْ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَتْ حَقّاً، مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: حَقّاً مَا أَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَدَخَلَهَا مِنَ الْغَيْرَةِ مَا لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَتَبَ عَلَى النِّسَاءِ غَيْرَةً وَكَتَبَ عَلَى الرِّجَالِ جِهَاداً وَجَعَلَ لِلْمُحْتَسِبَةِ الصَّابِرَةِ مِنْهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ مَا جَعَلَ لِلْمُرَابِطِ الْمُهَاجِرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.قَالَ: فَاشْتَدَّ غَمُّ فَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَتْ مُتَفَكِّرَةً هِيَ حَتَّى أَمْسَتْ وَجَاءَ اللَّيْلُ حَمَلَتِ الْحَسَنَ عَلَى عَاتِقِهَا الْأَيْمَنِ وَالْحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهَا الْأَيْسَرِ وَأَخَذَتْ بِيَدِ أُمِّ كُلْثُومٍ الْيُسْرَى بِيَدِهَا الْيُمْنَى ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إِلَى حُجْرَةِ أَبِيهَا فَجَاءَ عَلِيٌّ فَدَخَلَ حُجْرَتَهُ فَلَمْ يَرَ فَاطِمَةَ فَاشْتَدَّ لِذَلِكَ غَمُّهُ وَ عَظُمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمِ الْقِصَّةَ مَا هِيَ فَاسْتَحَى أَنْ يَدْعُوَهَا مِنْ مَنْزِلِ أَبِيهَا…”
[ علل الشرائع، الصدوق، (1/185)].
وقد أقر الرافضة بذلك وبرروا فعل فاطمة وغيرتها بأنه أمر جبلي في المرأة، وليس هذا دليلاً على أن ابنة أبي جهل كانت أجمل من فاطمة!قال التبريزي مبررًا فعل فاطمة: “إن وقوع الواقعة على ما نقل لا يقدح أيضا بأحد الطرفين، أما علي (عليه السلام) فلأن هذا أمر مباح أباحه الشريعة وإن كتب الغيرة على الزوجة أيضا، فللرجل أن يتزوج على المرأة وللمرأة أن تأخذها الغيرة.
وأما فاطمة (عليها السلام) فأولا: بأن الغيرة من الصفات الفاضلة، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يتمدح بها ويقول: (إن سعد الغيور وأنا أغير من سعد). والتمدح بالغيورية ونفس صفة الغيورية من الامور المباحة، وإلا فلا يتمدح النبي بالأمور المحرمة على الصحابة فلعله لاحظ النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة ما في فلك من كون فاطمة ضرة لغيرها أو غيرها ضرة لها، فيحصل لها تحمل المشقة حينئذ فأخذتهما الغيرة، وقد صدر من بنات الأنبياء ما هو أشد من ذلك، فإن سارة ألزمت إبراهيم (عليه السلام) أن يخرج عنها هاجر وابنها إسماعيل إلى واد غير ذي زرع، ولا ينزل معهما بل يضعهما فيه وهو راكب ويرجع إليها، وقد أمر الله إبراهيم أن يمتثل أمر سارة”.
[ اللمعة البيضاء، التبريزي الأنصاري، (ص 143-144)].
وقال نعمة الله الجزائري: “إن هذا وأمثاله غير مناف للعصمة ولا للطهارة من الأدناس البشرية وذلك أن اللّه سبحانه غيور والنبي كان يمتدح بأنه أغير على أهله من الصحابة على أهلهم وكذلك الأئمة عليهم السّلام، ولا يخفى أن التمدح بالغيورية إنما كان في الأمور المباحة وإلا فالمحرمات مما لا يمتدح بها النبي على الصحابة بأنه أغير منهم لأنه أفعل التفضيل لا معنى له حينئذ”
[الأنوار النعمانية ج1 ص 48]
ولأجل هذه الغيرة والتي لا تكون إلا لتأذي المرأة بوجود امرأة غيرها مع زوجها، أيما كان شكل هذه المرأة فلا يهمها إلا أن لا تشاركها غيرها في قلب زوجها، لأجل ذلك روى الرافضة تحريم الجمع بين الاثنين من أولاد فاطمة وعدُّوه من خصائصا!
روى في (علل الشرائع): “حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (ع) إِنَّ ذَلِكَ يَبْلُغُهَا فَيَشُقُّ عَلَيْهَا قَالَ قُلْتُ يَبْلُغُهَا قَالَ إِي وَاللَّهِ([15])“.
[ علل الشرائع، الصدوق، (2/590)، وهذا إسناد صححه البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني(23 / 108)].
خامسًا: جاء في كتب الشيعة تسلط الشيطان على الأنبياء والأئمة في تفسير قوله تعالى (إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) في رواية طويلة آخرها:” فنزل عليه جبرئيل (ع) فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له (الرهاط)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم“.
[ تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، (2 /355 – 356)].
بل حتى جعفر الصادق رضي الله عنه – المعصوم- وسوس له الشيطان فقد روى عن حماد بن عثمان قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فكلمه شيخ من أهل العراق فقال له: مالي أرى كلامك متغيرا فقال له: سقطت مقاديم فمي فنقص كلامي فقال له أبو عبد الله عليه السلام: وأنا أيضا قد سقط بعض أسناني حتى أنه ليوسوس إلى الشيطان فيقول لي: إذا ذهبت البقية فبأي شيء تأكل؟ فأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال لي: عليك بالثريد فإنه صالح واجتنب السمن فإنه لا يلائم الشيخ. ([17])
[ الكلينى في الكافي، (6 /335)، وقال المجلسي في المرآة، (22/166)، صحيح].
وفي (علل الشرائع) للصدوق وغيره:” عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم وحواء ما كانت؟ ...فتسلط عليه الشيطان حتى اكل من الشجرة التي نهى عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل آدم عليه السلام فأخرجهما الله عز وجل عن جنته فأهبطهما عن جواره إلى الأرض”.
[ عيون أخبار الرضا، الصدوق، (2 /274 – 275), ومعاني الأخبار، الصدوق، (124 – 125), والانوار النعمانية، نعمة الله الجزائري، (1 / 178–179)].
وقال الصدوق: “وكان علي بن الحسين عليه السلام يقول في سجوده“، اللهم إن كنت قد عصيتك فإني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو الإيمان بك منا منك علي لا منا مني عليك، وتركت معصيتك في أبغض الأشياء إليك وهو أن أدعو لك ولدا أو أدعو لك شريكا منا منك علي لا منا مني عليك، وعصيتك في أشياء على غير وجه مكابرة ولا معاندة، ولا استكبار عن عبادتك، ولا جحود لربوبيتك.
ولكن اتبعت هواي واستزلني الشيطان بعد الحجة علي والبيان، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي، وإن تغفر لي وترحمني فبجودك وبكرمك يا أرحم الراحمين”، وينبغي لمن يسجد سجدة الشكر أن يضع ذراعيه على الأرض ويلصق جؤجؤه بالأرض”.
[من لا يحضره الفقيه، الصدوق، (1/ 333)].
فهؤلاء الأنبياء والأئمة تسلط عليهم الشيطان، فهل يجرؤ الشيعي أن يقول فيهم ما قاله في أم المؤمنين؟!
مواضيع شبيهة
قولهم أنَّ عائشة ابتلاء للأمة.