قول أم المؤمنين عائشة : “ما أرى ربك إلا يسارع في هواك”.
أخرج الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ، وَأَقُولُ أَتَهَبُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا؟» فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [سورة الأحزاب:51] قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ“.
[صحيح البخاري، (2/117)].
يقول جعفر مرتضى العاملي معلقًا: “في هذا القول طعنا بمنشأ الوحي؛ إذ أن منشأه هوى نفس الرسول معاذ الله، بل وطعن في منزلة الوحي تعالى شأنه عن ذلك”.
[أحاديث أم المؤمنين عائشة، السيد مرتضى العسكري، (1 /49)].
ويقول فارس حسون: “وأنت ترى أن ذلك جرأة متناهية، فإن نسبة المسارعة إلى الله تعالى، والهوى إلى نبيه قول من لا يرعى لهما حرمة، ولا يرى لهما إلّا ولا ذمة”.
[الروض النضير في معنى حديث الغدير، فارس حسون كريم، (ص299)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: طعن الرافضة في أم المؤمنين بذلك إنما هو طعن في رسول الله ﷺ؛ لأنهم صاروا بذلك أفهم من رسول الله ﷺ ففهموا ما لم يفهمه هو؛ فأنكروا هم، وسكت هو بأبي وأمي صلى الله عليه وآله وسلم!هذا القول من أم المؤمنين يتعلق بغيرة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه غاية المدح لرسول الله ﷺ بأن الله يحبه، ويفعل له ما يحبه، فهي ممدوحة بقولها بلا شك.قال القاضي عياض: “قَوْله (فهوى رَسُول الله ) أَي: أحبه بِكَسْر (الْوَاو)، وَاسْتَحْسنهُ، والهوى: الْمحبَّة، وَمِنْه قَوْله: (أَن رَبك يُسَارع فِي هَوَاك)” .
[مشارق الأنوار على صحاح الآثار، القاضي عياض، (2/273)].
وقال النووي: “قَوْلُهَا (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَرَى، وَمَعْنَاهُ: يُخَفِّفُ عَنْكَ، وَيُوَسِّعُ عَلَيْكَ فِي الْأُمُورِ؛ وَلِهَذَا خَيَّرَكَ” .
[شرح النووي على مسلم (10/49-50)].
وقال ابن حجر: “قَوْلُهُ (مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ) أَيْ: مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُوجِدًا لِمَا تُرِيدُ بِلَا تَأْخِيرٍ مُنْزِلًا لِمَا تُحِبُّ وَتَخْتَارُ”.
[ فتح الباري لابن حجر، (8/526)].
وقال الإمام العيني: “قَوْله (إِلَّا يُسَارع فِي هَوَاك) أَي: فِي الَّذِي تحبه، يَعْنِي: مَا أرى إِلَّا أَن الله تَعَالَى موجد لمرادك بِلَا تَأْخِير، منزلاً لما تحبه وترضى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: هَذَا قَول أبرزه الدَّلال والغيرة، وَهُوَ من نوع قَوْلهَا مَا أحمدكما، وَمَا أَحْمد إِلَّا الله، وَإِلَّا فإضافة الْهوى إِلَى النَّبِي ، لَا يحمل على ظَاهره؛ لِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى، وَلَا يفعل بالهوى، وَلَو قَالَت إِلَى مرضاتك لَكَانَ أليق، وَلَكِن الْغيرَة تغتفر لأَجلهَا إِطْلَاق مثل ذَلِك قلت الَّذِي ذكرته أحسن من هَذَا على مَا لَا يخفى” .
[ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني، (20/109)].
إذًا فهذا غاية المدح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الله تعالى يفعل لنبيه ما يحبه، فكأنها تقول له يا رسول الله: (ربك يحبك فما أسعدك بهذه المنقبة)، وهذا واضح لكل عربي؛ ولذلك لم ينكر نبينا عليها هذا القول، وهو الذي لا يسكت على باطل ابدًا .
ثانيًا: روى الكليني بسنده عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر” .
[الكافي، الكليني (2/ 137)، وصححه المجلسي في (مرآة العقول) (8/319)].
فليزم الشيعة أن يقولوا على الله أن عنده هوى بالمفهوم السيء الذي ذكروه، وكل طعن في أم المؤمنين عائشة راجع بهذه الرواية على أئمتهم!
ثالثًا: الذي يعترض على قول أم المؤمنين عائشة في قولها للنبي (ربك) فنقول هذا جهل عميق بلغة القرآن ولغة العرب، وعليكم أن تعترضوا على الملائكة لما قالوا لسارة زوجة إبراهيم (ربك) في قوله تعالي: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات:29-30]
رابعًا: قول الشيعي حسون “نسبت المسارعة إلى الله“، فهذا غاية الجهل، وذلك أن هذا من باب الصفات المشتقة من أفعال الله، وقد جاء ذلك في كتب الشيعة.روى المجلسي عن أمير المؤمنين، قال: “من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق من كسل لم يؤد حق الله من عظم أوامر الله أجاب سؤاله من تنزه عن حرمات الله سارع إليه“ .
[-بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ع، المجلسي (75/ 90)].
بل وفي نفس الرواية التي يعترضون عليها جاءت في كتبهم، لكن بزيادة ترد عليهم شغائبهم.”… فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك، فقال رسول الله (ص)، وإنك إن أطعت الله سارع في هواك“ .
[ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ع، المجلسي (22/ 181)].
وفي رواية عن الإمام علي (عليه السلام): “من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله” .
[ ميزان الحكمة، الريشهري، (3 /2019)].
والشيعة يقولون بأن صفات الله عين ذاته، فإذا سارع عفو الله فقد سارع عين ذات الله عندهم!
مواضيع شبيهة
محاولة الشيعة نفي فضيلة الزواج من النبي