قتل معاوية حجر بن عدي .
يقول علامتهم الطبطبائي: “كانت لمعاوية اليد الطولى في القتل و سفك الدماء. و من أعماله الشنيعة قتله الصحابي الكبير حجر بن عدي”.
[الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 412].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: حجر بن عدي لم تثبت له الصحبة، والشيعة يعتقدون أن الصحبة لا توجب للشخص فضيلة ولا فيها منقبة فقد قال عالمهم النباطي العاملي: “فالصحبة لا توجب الفضيلة لقول الله : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت )..”
[الصراط المستقيم، ج ٣، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، ص ١٣٦].
وعليه فإن الشيعة يعتقدون أنه قد يكون صحابيا لكنه كافر أو منافق، فلا يغرنك قول الشيعة إن حجر بن عدي كان صحابيا، فحتى لو ثبتت له الصحبة لما كان شيئا عند الشيعة بل إن ثبوت الصحبة يوجب التهمة والطعن كما هو معلوم إن أن جميع الصحابة ارتدوا الا ثلاثة وليس منهم حجر هذا ! لكننا نقول أن حجر بن عدي لم تثبت صحبته يقول الحافظ ابن حجر: «أما البخاريّ وابن أبي حاتم عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان فذكروه في التابعين»
[«الإصابة في تمييز الصحابة» (2/ 33)].
وقال ابن كثير: «وَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ لَهُ وِفَادَةً، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ… وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُصَحِّحُونَ لَهُ صُحْبَةً»
[«البداية والنهاية» (11/ 228 ت التركي)].
وعليه فالرجل ليس صحابيا ولم يثبت من طريق صحيح كونه صحابيا ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية واحدة صحيحة بل لم يرو عن غير علي شيئا كما يقول ابن كثير
[«البداية والنهاية» (11/ 228 ت التركي)].
وبه يسقط قولهم أنه صحابي .
ثانيا: جميع الروايات التي تكلمت عن ثورة حجر بن عدي لا يخلو إسنادها من إشكال حتى أن الطبري لما أراد أن يسوق القصة قال: “«قال هشام بن مُحَمَّد، عن أبي مخنف، عن المجالد بن سعيد، والصقعب ابن زهير، وفضيل بن خديج، والحسين بن عُقْبَةَ المرادي، قَالَ: كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَاجَتْمَعَ حديثهم فِيمَا سقت من حديث حجر ابن عدي الكندي وأَصْحَابه»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 253)].
يقول الدكتور سالم خليل الأقطش: “وفيما يتعلق بمصدر هذه الروايات ومن رواها فإن معظم ما كتبه الطبري عن حجر بن عدي كان من رواية (أبي مخنف)، لوط بن يحيى، وهو معروف على علماء الجرح والتعديل بالتشيع والضعف وعدم الثقة، فقد قال عنه يحيى بن معين: “ليس بثقة” وقال مرة: “ليس بشيء ، وقال أبو حاتم الرازي: “متروك الحديث”، وقال الدارقطني: ضعيف (3)، وهو شيعي محترق سكن الكوفة، وشمة من قال عنه: ‘محالك (3)، وجاء في لسان الميزان أنه إخباري تالف لا يوثق به(۳۸)، حتى إن الناظر في تصانيف أبي مخنف ليكاد يشتم رائحة التشيع بادية منه، فمن كتبه الفتوح العراق” و”كتاب الجمل” و”كتاب صفين” و”كتاب مقتل علي وكتاب مقتل حجر بن عدي وأصحابه وغيرها(٣٩)۔
كما أننا تتبعنا سلسلة السند ممن كان لهم النصيب الأكبر في نقل أخبار حجر بن عدي وأصحابه وهم: هشام ابن محمد السائب الكلبي، والمجالد بن سعيد، وفضيل بن خليج، والحسين بن عقبة المرادي، ففي هشام بن محمد الكلبي
يقول أحمد بن حنبل: ما ظننت أن أحدا يحدث عنه إنما هو صاحب سير ، وقال الدارقطني: “متروك (٢٠)، وجاء في (الكامل
في ضعفاء الرجال) أن هشام ابن السائب إنما هو صاحب سمر ونسية، وما ظننت أن أحدا بحثث عنه، وقال ابن عساكر :رافضي ليس بثقة، وقال يحيى بن معين: “ليس بثقة، وليس عن مثله يروى الحديث ، وذكره العقيلي في الضعفاء . أما مجالد بن سعيد بن عمير بن ذي مران الهمذاني، فهو كوفي، ضعيف، ولا يحتج بحديثه، وقد كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال النسائي: “مجالد بن سعيد كوفي ضعيف. وقد ذكر الأشخ أنه شيعي، وقال الدارقطني: إنه ضعيف وفيما يتعلق بالصقعب بن زهير بن عبد الله بن سليم الأزدي الكوفي (ت ١٣١-١٤٠هـ)، فهو خال أبي مخنف، قال أبو زراعة: إنه ثقة، وقال أبو حاتم: الشيخ ليس بالمشهور، وتكره أبو حيان في الثقات، وروى له البخاري حديثا واحدا، وهو صدوق ثقة.
أما فضيل بن خديج فقد روي عن مولى الأشتر ، وروى عنه أبو مخنف، وقد قيل هو مجهول روي عنه رجل متروك الحديث، وفي الحسن بن عقبة البصري الضرير فقد كان من أعيان الشيعة، وقد قرأ القرآن على يد الشريف أبي القاسم المرتضى، وحفظه، وله سبع عشرة سنة، وكان من أذكياء بني آدم وتوفي سنة (441هـ). وقد وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ” شيخ يكتب حديثه ، وذكره ابن حبان في الثقات(4). ويتضح لنا من خلال ما سبق أن رواة الطبري منهم الشيعي المتعصب، ومنهم الضعيف المتروك وليس بالثقة، وقليل منهم الثقة، ويتكشف لنا أن سلسلة الرواة الذين يذكرون حادثة مقتل حجر بن عدي -غالبا ما تكون قصيرة، وسرعان ما نتكمش ويتلاشي، و نجد كذلك أن كثيرا من الحلقات بين سلسلة الرواة مفقودة، مما يفصل بين الحدث التاريخي وزمن الرواية،كذلك فإن سلسلة الرواة تنتزع حسب اختلاف الأحداث وتتنوع الروايات الخاصة بها.
[مطاعن الجاحظ في معاوية بن أبي سفيان في رسالة الثابتة دراسة وتحقق في قضية مقتل حجر بن عدي -د. سالم خليل الأقطش ص٣٠٣].
وعليه فإن الطعن في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور التاريخية التي لم يثبت لها إسناد ليس إلا من فعل النوكى من أمثال الرافضة.
ثالثا: أجمعت الروايات التي ذكرت قضية حجر بن عدي أنه رجل شغب وتأليب على الحكام وعدم طاعة لهم وليس ذلك خاصا بمعاوية فقط بل كان يعترض على كل حاكم ولا يسمع ولا يطيع لكن زاد الأمر وتفاقم في خلافة معاوية رضي الله عنه، حتى أنه كان من المؤلبين على عثمان رضي الله عنه، يقول الأميني: “وكان حجر بن عدي فيما رواه أبو مخنف من جملة الذين كتبوا إلى
عثمان من رجال أهل الكوفة ونساكهم وذوي بأسهم ينقمون عليه أمور وينصحونه وينهونه عنها”.
[أعيان الشيعة، ج ٤، محسن الأمين، ص ٥٨٥].
بل وصل الأمر أن يكون معترضا على الحسن بن علي باعتراضات فيها إهانة كما سنبين في لاحقا.فمثل هذا لابد أن يكون التعامل معه بحزم وشدة حتى لا تستمر الأمة في الهرج بين المسلمين طويلا، وهذا لا شك أنه مطلب شرعي درءا للفتنة.
وهذا الذي فعله حجر بن عدي مخالف للفقه الشيعي بل ومخالف لأوامر أهل البيت وكونهم قدوه، وقد ورد النهي عن الخروج على الحاكم وأنه يجب طاعته وإلا كان إلقاء للنفس في التهلكة فإن صح القول فنقول إن حجرا قُتل بشرع وتأصيلات الرافضة ومخالفته لأوامر أهل البيت، وإليك شيئا من ذلك يقول علامتهم محمد المشهدي في تفسيره: “وفي أمالي الصدوق باسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله في نهيه، إن الله عز وجل يقول:” ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ”
[تفسير كنز الدقائق الميرزا محمد المشهدي 1/459].
[الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٤١٨].
وفي ان تسير نور الثقلين قال: “٦٣٥ – فيمن لا يحضره الفقيه في الحقوق المروية عن علي بن الحسين عليهما السلام وحق السلطان أن تعلم انك جعلت له فتنة وانه مبتلى فيك بما جعله الله عز وجل له عليك من السلطان، وان عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقى بيدك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.
[نور الثقلين 1/180].
وبمقتضى ذلك يكون حجر شريكا في قتل نفسه طبقا للعقيدة الشيعية، وقد كان عمل أهل البيت بخلاف عمل حجر فإن على بن موسى الرضا لما رأى أنه قد يقتل لو لم يقبل الولاية خشي أن يلقي بنفسه إلى التهلكه فلماذا يلقى حجر بنفسه إلى التهلكه وعرض نفسه وأهل بيته للقتل ؟!في تفسير نور الثقلين 1/179 قال: “٦٣٣ – في عيون الأخبار في باب ذكر مولد الرضا (ع)، ملك عبد الله المأمون عشرين سنة وثلاثة وعشرين يوما، فاخذ البيعة في ملكه لعلي بن موسى الرضا عليه السلام بعهد المسلمين من غير رضاء، وذلك بعد ان يهدده بالقتل والح مرة بعد أخرى في كلها يأبى عليه، حتى أشرف من تأبيه على الهلاك، فقال (ع): (اللهم انك قد نهيتني عن الالقاء بيدي إلى التهلكة وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده”.قال الطباطبائي في تفسيره: ” والمعنى : لا تلقوا أنفسكم بأيدي أنفسكم إلى التهلكة ، والتهلكة والهلاك واحد وهو مصير الانسان بحيث لا يدري أين هو ، وهو على وزن تفعلة بضم العين ليس في اللغة مصدر على هذا الوزن غيره . والكلام مطلق أريد به النهي عن كل ما يوجب الهلاك من إفراط وتفريط كما أن البخل والامساك عن إنفاق المال عند القتال يوجب بطلان القوة وذهاب القدرة ، وفيه هلاك العدة بظهور العدو عليهم”.
[تفسير الميزان، ج ٢، السيد الطباطبائي، ص ٦٤].
وبناء على هذه التأصيلات يكون حجر مخالفا لدين الإمامية لما أكثر الشغب على معاوية رضي الله عنه.
ثالثا: نفس الروايات التي يستدلون بها هي التي ذكرت شغب وتمرد حجر وعدم طاعته للسلطان ولو تقية كما هو دين الشيعة!
فقد كانت لحجر عدة مراحل من التمرد.
١- المرحلة الكلامية وقد بدأ الأمر بمعارضته لصلح الحسن ثم انتهى بحصب زياد بن ابيه، يقول البلاذري: “«عن أبي مخنف وغيره قالوا: لم يزل حجر بن عدي منكرا على الحسن بن علي بن أبي طالب صلحه لمعاوية، فكان يعذله على ذلك ويقول:
تركت القتال ومعك أربعون ألفا ذوو نيات وبصائر في قتال عدوك. ثم كان بعد ذلك يذكر معاوية فيعيبه ويظلمه، فكان هذا هجيراه وعادته»
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (5/ 243)].
فهذه الرواية تبين بوضوح نية حجر في الانقلاب على الحكم ومكث البيعة وقد حصل.
وفيما يرويه الطبري أن حجرا قد اظهر المعارضة لما استعمل معاوية على الكوفة المغيرة بن شعبة فكان المغيرة إذا خطب يقوم إليه حجر ويشتمه هو ومعاوية: «فكان حجر بن عدي إذا سمع ذَلِكَ قَالَ: بل إياكم فذمم اللَّه ولعن!»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 254)].
فلما ثار ثلثي الناس بصرخة حجر بن عدي قال المغيرة «فدخل واستأذن عَلَيْهِ قومه، فأذن لَهُمْ، فَقَالُوا: علام تترك هَذَا الرجل يقول هَذِهِ المقالة، ويجترئ عَلَيْك فِي سلطانك هَذِهِ الجرأة! إنك تجمع عَلَى نفسك بهذا خصلتين: أما أولهما فتهوين سلطانك، وأما الأخرى فإن ذَلِكَ إن بلغ مُعَاوِيَة كان اسخط له عليه- وَكَانَ أشدهم لَهُ قولا فِي أمر حجر والتعظيم عَلَيْهِ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 255)].
وكرر حجر ذلك في ولاية عمرو بن حريث على الكوفة، يقول ابن الأثير: ” «ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ وَوَلِيَ زِيَادٌ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِ ثُمَّ تَرَحَّمَ عَلَى عُثْمَانَ وَأَثْنَى عَلَى أَصْحَابِهِ وَلَعَنَ قَاتِلِيهِ. فَقَامَ حُجْرٌ فَفَعَلَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِالْمُغِيرَةِ. وَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، فَبَلَغَهُ أَنَّ حُجْرًا يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ شِيعَةُ عَلِيٍّ وَيُظْهِرُونَ لَعْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ وَأَنَّهُمْ حَصَبُوا عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، فَشَخَصَ زِيَادٌ إِلَى الْكُوفَةِ حَتَّى دَخَلَهَا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَحُجْرٌ جَالِسٌ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ غَبَّ الْبَغْيِ وَالْغَيِّ وَخِيَمٌ، إِنَّ هَؤُلَاءِ جَمُّوا فَأَشِرُوا، وَأَمِنُونِي فَاجْتَرَءُوا عَلَى اللَّهِ، لَئِنْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لَأُدَاوِيَنَّكُمْ بِدَوَائِكُمْ، وَلَسْتُ بِشَيْءٍ إِنْ لَمْ أَمْنَعِ الْكُوفَةَ مِنْ حُجْرٍ، وَأَدَعْهُ نَكَالًا لِمَنْ بَعْدَهُ، وَيْلُ أُمِّكَ يَا حُجْرُ، سَقَطَ الْعَشَاءُ بِكَ عَلَى سِرْحَانٍ. وَأَرْسَلَ إِلَى حُجْرٍ يَدْعُوهُ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُ زِيَادٍ يَدْعُوهُ قَالَ أَصْحَابُهُ: لَا تَأْتِهِ وَلَا كَرَامَةَ»
[«الكامل في التاريخ – ت تدمري» (3/ 70)].
ولم يكتف حجر بالكلام بل تعدى الأمر إلى الفعل وهذه هي المرحلة الثانية بعد سكوت الولاة عنه يقول ابن كثير «وَجَعَلَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ حُجْرٌ: كَذَبْتَ. فَسَكَتَ زِيَادٌ وَنَظَرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ زِيَادٌ: إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. يَعْنِي كَذَا وَكَذَا، فَأَخَذَ حُجْرٌ كَفًّا مِنْ حَصًا فَحَصَبَهُ، وَقَالَ: كَذَبْتَ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ. فَانْحَدَرَ زِيَادٌ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْقَصْرَ، وَاسْتَحْضَرَ حُجْرًا، وَيُقَالُ: إِنْ زِيَادًا لَمَّا خَطَبَ طَوَّلَ الْخُطْبَةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ لَهُ حُجْرٌ: الصَّلَاةَ. فَمَضَى فِي خِطْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: الصَّلَاةَ. فَمَضَى فِي خِطْبَتِهِ فَلَمَّا خَشِيَ حُجْرٌ فَوْتَ الصَّلَاةِ عَمِدَ إِلَى كَفٍّ مِنْ حَصَا، وَثَارَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَثَارَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زِيَادٌ نَزَلَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ»
[«البداية والنهاية» (11/ 231 ت التركي)].
واستمر شغبه وتمرده ونقضه للبيعة إلى أن قُتل.
رابعا: الزعم بأن معاوية قد قتله مباشرة بلا شهود فهذا زعم باطل بل إن حجرا قد تم تحذيره من الشغب مرارا وتكرارا ومن ذلك أن زياد بن ابيه ارسل وجهاء قبائل الكوفة إلى حجر ولكنه حقرهم واستهان بهم، يقول ابن كثير: “«فَأَعْجَلَ زِيَادٌ السَّيْرَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ، وَخَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِيَنْهَوْهُ عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأَتَوْهُ فَجَعَلُوا يُحَدِّثُونَهُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ يَقُولُ: يَا غُلَامُ، اعْلِفِ الْبَكْرَ. لِبَكْرٍ مَرْبُوطٍ فِي الدَّارِ. فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ نُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ: يَا غُلَامُ، اعْلِفِ الْبَكْرَ! ثُمَّ قَالَ عَدِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا الْبَائِسَ بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ كُلَّ مَا أَرَى»
[«البداية والنهاية» (11/ 238 ت التركي)].
وأما الشهادة على حجر فقد رواها الطبري وذكر أن زيادا قد «دعا رءوس الأرباع، فَقَالَ: اشهدوا عَلَى حجر بِمَا رأيتم مِنْهُ- وَكَانَ رءوس الأرباع يَوْمَئِذٍ: عَمْرو بن حريث عَلَى ربع أهل الْمَدِينَة، وخالد بن عرفطة عَلَى ربع تميم وهمدان، وقيس بن الْوَلِيد بن عبد شمس بن الْمُغِيرَة عَلَى ربع رَبِيعَة وكندة، وأبو بردة بن أبي مُوسَى عَلَى مذحج وأسد- فشهد هَؤُلاءِ الأربعة أن حجرا جمع إِلَيْهِ الجموع، وأظهر شتم الخليفة، ودعا إِلَى حرب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، وزعم أن هَذَا الأمر لا يصلح إلا فِي آل أبي طالب، ووثب بالمصر وأخرج عامل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 268)].
وقد روى صالح بن الإمام أحمد بسند حسن شهادة صلحاء الكوفة على حجر لما قدم على معاوية، قال: “«حَدثنَا صَالح قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة قَالَ حَدثنَا ابْن عَيَّاش قَالَ حَدثنِي شُرَحْبِيل بن مُسلم قَالَ لما بعث بِحجر بن عدي بن الأدبر وَأَصْحَابه من الْعرَاق إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان اسْتَشَارَ النَّاس فِي قَتلهمْ فَمنهمْ المشير وَمِنْهُم السَّاكِت فَدخل مُعَاوِيَة إِلَى منزله فَلَمَّا صلى الظّهْر قَامَ فِي النَّاس خَطِيبًا فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ جلس على منبره فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَلا إِنَّا بحصن من الله حُصَيْن لم نؤمر بِتَرْكِهِ وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي أهل الْعرَاق أَلا وَأَنت الرَّاعِي وَنحن الرّعية أَلا وَأَنت أعلمنَا بدائهم وأقدرنا على دوائهم وَإِنَّمَا علينا أَن نقُول {سمعنَا وأطعنا غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير} فَقَالَ مُعَاوِيَة أما عَمْرو بن الْأسود فقد تَبرأ إِلَيْنَا من دِمَائِهِمْ وَرمى بهَا مَا بَين عَيْني مُعَاوِيَة ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن أَبُو مُسلم الْخَولَانِيّ فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَلَا وَالله مَا أبغضناك مُنْذُ أَحْبَبْنَاك وَلَا عصيناك مُنْذُ أطعناك وَلَا فارقناك مُنْذُ جامعناك وَلَا نكثنا بيعتنا مُنْذُ بايعناك سُيُوفنَا على عواتقنا إِن أمرتنا أطعناك وَإِن دَعوتنَا أجبناك وَإِن سبقتنا أدركناك وَإِن سبقناك نظرناك ثمَّ جلس ثمَّ قَامَ الْمُنَادِي فَقَالَ أَيْن عبد الله بن مخمر الشرعبي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وقولك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْعرَاق إِن تعاقبهم فقد أصبت وَإِن تَعْفُو فقد أَحْسَنت فَقَامَ الْمُنَادِي فَنَادَى أَيْن عبد الله بن أَسد الْقَسرِي فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رعيتك وولايتك وَأهل طَاعَتك إِن تعاقبهم فقد جنوا أنفسهم الْعقُوبَة وَإِن تعفوا فَإِن الْعَفو أقرب للتقوى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تُطِع فِينَا من كَانَ غشوما لنَفسِهِ ظلوما بِاللَّيْلِ نؤوما عَن عمل الْآخِرَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الدُّنْيَا قد انخشعت أوتادها ومالت بهَا عمادها وأحبها أَصْحَابهَا واقترب مِنْهَا ميعادها ثمَّ جلس فَقلت لشرحبيل فَكيف صنع قَالَ قتل بَعْضًا واستحيى بَعْضًا وَكَانَ فِيمَن قتل حجر بن عدي بن الأدبر قَالَ قدم لتضرب عُنُقه»
[«مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح» (2/ 328:٩٦١)].
وقد كان قتل حجر تنفيذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ»
[«صحيح مسلم» (3/ 1480 ت عبد الباقي)].
وفي رواية أخرى: “«إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»
[«صحيح مسلم» (3/ 1479 ت عبد الباقي)].
خامسا: مجرد اتهام الخليفة أنه قتل فلانا ظلما لا يقدح فيه إذ أن الأصل في قتل الحاكم أنه بحق، يقول ابن العربي: “«الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل»
[«العواصم من القواصم ط دار الجيل» (ص219)].
الى ان قال: “«ولكن حجرا- فيما يقال رأى من زياد أمورا منكرة410ن فحصبه، وخلعه، واراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادا.وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجرا حتى نلتقي عند الله»
[«العواصم من القواصم ط دار الجيل» (ص220)].
وقد ثبت في كتب الشيعة إن عبد الله بن عباس قد اتهم عليا بقتل المسلمين فهل مجرد اتهام ابن عباس يسقط شرعية حكم علي ؟ ففي بحار الأنوار قال: “فكتب إليه -أي علي- عبد الله بن العباس : أما بعد فإنك قد أكثرت علي ، ووالله لئن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم ، والسلام
[بحار الأنوار، ج ٤٢، العلامة المجلسي، ص ١٨٧].
وفي رواية سبط ابن الجوزي قال: “فكتب إليه ابن عبّاس : لأن ألقى اللّه بكلّ ما على ظهر الأرض وبطنها أحبّ إليّ من أن ألقاه « 3 » بدم امرئ مسلم ! « 4 » فكتب إليه عليّ « 5 » عليه السّلام : « إنّ الدّماء التي أشرت إليها قد خضتها إلى ساقيك ، وبذلت في إراقتها جهدك..”
[تذكرة الخواص من الأمة بذكر خصائص الأئمة ( ط المجمع العالمي )، ج ١، سبط ابن الجوزي، ص ٥٧٢].
فهل مجرد اتهام الحاكم بالقتل ظلما مسقط لشرعيته؟
سادسا: لماذا يدافع الشيعة عن حجر وهو على قواعدهم ناصبي نجس حلال الدم والمال والعرض إذ أنه قد سي الحسن بن علي ووصفه بصفات الكفار ففي مناقب ابت شهر آشوب: “فَقَالَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ أَمَّا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ مِتَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمِتْنَا مَعَكَ وَلَمْ نَرَ هَذَا الْيَوْمَ فَإِنَّا رَجَعْنَا رَاغِمِينَ بِمَا كَرِهْنَا وَرَجَعُوا مَسْرُورِينَ بِمَا أَحَبُّوا”.
[المناقب، ج ٤، ابن شهر آشوب، ص ٣٥].
[بحار الأنوار، ج ٤٤، العلامة المجلسي، ص ٥٩].
وهذا كلام قاسي لا يقوله إلا رجل يطعن في أهل البيت وفي عصمتهم وهذا عند الشيعة عين النصب بل ووصف الحسن بأنه (مذل المؤمنين) وهذه صفة الكفار لا المسلمين، ففي مدينة المعاجز قال: “أخبرنا ( 2 ) ثقيف البكاء ، قال : رأيت الحسن بن علي – عليه السلام – عند منصرفه من معاوية ، وقد دخل عليه حجر بن عدي ، فقال : السلام عليك يا مذل المؤمنين ! فقال : مه ما كنت مذلهم ، بل أنا معز المؤمنين ، وإنما أردت الابقاء ( 3 ) عليهم
[مدينة المعاجز، ج ٣، السيد هاشم البحراني، ص ٢٣٣].
فلماذا يدافع الشيعة عمن يهين المعصوم الحسن؟! إلا إذا كانوا هم النواصب لأهل البيت، وهذا هو الواقع الفعلي إذ أنهم قد برروا فعل حجر بأنه كان بدافع المحبة!
يقول محسن الأمين: “ولا شك أن هذا الكلام فيه سوء أدب من حجر مع الحسن ، ولكنه دعاه اليه شدة الحب وزيادة الغيظ مما كان”.
[أعيان الشيعة، ج ٤، السيد محسن الأمين، ص ٥٧٤].
وهذا كمثل من يقول أن فلانا كفر بالله بدافع المحبة! فهل مثل هذا التبرير يصلح أن يكون مع حجر في دين الشيعة؟! ولا عجب فإنهم قد برروا لقتل الأئمة وإهانتهم وإيذائهم، فقد قال نعمة الله الجزائري : “أنّ كثيرا من الشيعة ومن أقارب الأئمة عليهم السّلام كانوا يؤذون أئمتهم عليهم السّلام بأنواع الأذى مثل العبّاس أخو الرضا عليه السّلام ومثل أقارب مولانا الصادق عليه السّلام ؛ وقد كان جماعة منهم يسعون بقتلهم وإهانتهم عند خلفاء الجور ومع هذا كله إذا أراد أحد من الشيعة أن يذكرهم بسوء في مجالس الأئمة عليهم السّلام يغضبون عليهم السّلام ، ويبالغون في نفيه ؛ ويقولون إنّ هؤلاء أقاربنا دعونا معهم لا تتعرضوا لهم بسوء من كلام خبيث وغيره”.
[الأنوار النعمانية، ج ٣، السيد نعمة الله الجزائري، ص ١٨٥].
وعليه فما كان قتل حجر الا تنفيذا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارق الجماعة وشق عصا الطاعة حتى أهان أهل البيت بزعم المحبة! والحمد لله رب العالمين.
مواضيع شبيهة