قالوا: حرضت على قتل عثمان .
واستدلوا على ذلك برواية الطبري: “كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْعِجْلِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ الْعَطَّارَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سَرِفَ رَاجِعَةً فِي طَرِيقِهَا إلى مكة، لقيها عبد بن أُمِّ كِلابٍ- وَهُوَ عَبْدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ- فَقَالَتْ لَهُ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: قَتَلُوا عُثْمَانَ ، فَمَكَثُوا ثَمَانِيًا، قَالَتْ: ثُمَّ صَنَعُوا مَاذَا؟ قَالَ: أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالاجْتِمَاعِ، فَجَازَتْ بِهِمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مُجَازٍ، اجْتَمَعُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَيْتَ أَنَّ هَذِهِ انْطَبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّ الأَمْرُ لِصَاحِبِكَ! رُدُّونِي رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فو الله إِنَّ أَوَّلُ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلا فَقَدْ كَفَرَ، قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الأَخِيرُ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الأَوَّلِ…”.
[تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، (4/458-459)].
قال المجلسي: “ومن العجب أن عائشة حرضت الناس على قتل عثمان بالمدينة وقالت: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا”).
[بحار الأنوار، العلامة المجلسي، (32/ 126)].
وقال علي الكوراني: “نقمت عائشة على عثمان حتى حرضت المسلمين عليه بفتواها المشهورة: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر)!”
[ جواهر التاريخ، الشيخ علي الكوراني العاملي، (1 /206)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: الرواية ضعيفة إسنادًا ومتنًا.
أ- أما الإسناد فساقط بأكثر من علّة:
1– فيه مبهم: “عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ” وهذه جهالة تُرد بها الرواية عند أهل الحديث.
2- فيه نصر بن مزاحم: قال ابن الجوزي في ترجمته: “نصر بن مُزَاحم الْمنْقري الْكُوفِي الْعَطَّار، قَالَ أَبُو خثيمَةَ: كَانَ كذابًا. قَالَ يحيى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: واهي الحَدِيث مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدراقطني: ضَعِيف. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب الجوزحاني: كَانَ زائغًا عَن الْحق. قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: يُرِيد بذلك غلوة فِي الرَّفْض. وَقَالَ صَالح بن مُحَمَّد: روى عَن الضُّعَفَاء أَحَادِيث مَنَاكِير. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ: كَانَ غاليًا فِي مذْهبه غير مَحْمُود فِي حَدِيثه”.
[ الضعفاء والمتروكين، النسائي، (ص 187)].
3- فيه سيف بن عمر. قال النسائي: “سيف بن عمر الضبي ضعيف”
[ الضعفاء والمتروكين، النسائي، (ص 187)].
. وقال الحافظ ابن الجوزي:” سيف بن عمر الضَّبِّيّ عَن أبي بكر، الْمدنِي فِي الأَصْل كُوفِي، يروي عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ، قَالَ يحيى: ضَعِيف الحَدِيث فلس خير مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الْأَثْبَات وَقَالَ إِنَّه يضع الحَدِيث”.
[ الضعفاء والمتروكين، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، (2/35)، ولذلك قال البرزنجي: “في إسناد مبهم وضعفاء” صحيح وضعيف، تاريخ الطبري، (8/647)].
ب- وأما المتن فساقط لعدة أسباب:
1- كونه يخالف الثابت الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأنها لم تكتب لهؤلاء الغوغاء الذين قتلوا عثمان شيئا.
ففي (تاريخ خليفة بن خياط) بإسناد صحيح: “عَن مَسْرُوق قَالَ قَالَت عَائِشَة: تَرَكْتُمُوهُ كَالثَّوْبِ النقي من الدنس، ثمَّ قربتموه تذبحونه كَمَا يذبح الْكَبْش قَالَ مَسْرُوق: فَقلت هَذَا عَمَلك كتبت إِلَى النَّاس تأمرينهم بِالْخرُوجِ عَلَيْهِ، فَقَالَت عَائِشَة: وَالَّذِي آمن بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَكفر بِهِ الْكَافِرُونَ مَا كتبت إِلَيْهِم بسواد فِي بَيَاض حَتَّى جَلَست مجلسي هَذَا. قَالَ الْأَعْمَش: فَكَانُوا يرَوْنَ أَنه كتب عَلَى لسانها”.
تاريخ خليفة بن خياط، (ص176).
2- الذي ثبت عن أم المؤمنين أنها أنكرت قتل عثمان رضي الله عنه.روى خليفة بإسناد صحيح: “عَن أَبِي خَالِد الْوَالِبِي قَالَ قَالَت عَائِشَة: استتابوه حَتَّى تَرَكُوهُ كَالثَّوْبِ الرحيض ثمَّ قَتَلُوهُ. حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَة قَالَ نَا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَن عون بْن عَبْد اللَّهِ بن عتبَة قَالَ قَالَت عَائِشَة: غضِبت لكم من السَّوْط، وَلَا أغضب لعُثْمَان من السَّيْف، استعتبتموه حَتَّى إِذا تَرَكْتُمُوهُ كالقلب الْمُصَفّى قَتَلْتُمُوهُ”.
[تاريخ خليفة بن خياط، (ص175-176.
3- أم المؤمنين عائشة من أعرف الناس بفضائل عثمان ومناقبه، وقد انفردت برواية عدة أحاديث في فضائله، فكيف يقال إنها كانت من المحرضين على قتله؟روى الإمام أحمد: “حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمِّي، تُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّهَا، انْطَلَقَتْ إِلَى الْبَيْتِ حَاجَّةً وَالْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لَهُ بَابَانِ قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَيْتُ طَوَافِي دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَعْضَ بَنِيكِ بَعَثَ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ، وَإِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي عُثْمَانَ، فَمَا تَقُولِينَ فِيهِ؟ قَالَتْ: لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَهُ، لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَهُ، لَا أَحْسِبُهَا إِلَّا قَالَتْ: ثَلَاثَ مِرَارٍ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ وَهُوَ مُسْنِدٌ فَخِذَهُ إِلَى عُثْمَانَ، وَإِنِّي لَأَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِ رَسُولِ اللهِ ، وَإِنَّ الْوَحْيَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ زَوَّجَهُ ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى إِثْرِ الْأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: “اكْتُبْ عُثْمَانُ، قَالَتْ: مَا كَانَ اللهُ لِيُنْزِلَ عَبْدًا مِنْ نَبِيِّهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا عَبْدًا عَلَيْهِ كَرِيمًا”.
[مسند أحمد، ط الرسالة، (43/ 294)].
وروى مسلم في (صحيحه): “عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ، وَعُثْمَانَ، حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ، لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: «اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ» فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَالِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ : “إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ، إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَنْ لَا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ”.
[صحيح مسلم، (4 /1866)].
فهذا هو الثابت من موقف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تجاه عثمان ومقتله، رواية فضائل، مع إنكار وشدة على قاتليه، وقد تواتر عنها المطالبة بالقصاص من قتلته، مع إنكار ما زوَّره السبئية على لسانها رضى الله عنها..
ثانيًا: لا يحوز الاحتجاج على أهل السنة بهذا الخبر لمجرد ذكره وروايته في كتب أهل السنة حيث أنهم ذكروه مسندًا، ومن أسند فقد أحال، ولذلك فإن كل من تكلم على هذا الخبر في مقام التحقيق فإنه يضعفه.قال الآلوسي: ” وما زعمته الشيعة من أنها رضي الله تعالى عنها كانت هي التي تحرض الناس على قتل عثمان…كذب لا أصل له، وهو من مفتريات ابن قتيبة وابن أعثم الكوفي والسمساطي وكانوا مشهورين بالكذب والافتراء”.
[تفسير الألوسي, روح المعاني، (11 /192)].
ثالثا: لماذا يتباكى الرافضة اليوم على مقتل عثمان وهم من كفروه، ومدحوا قاتليه وعدُّوهم من سلفهم الصالح؟بل من خُلَّص أصحاب علي عندهم، وأشد الناس لصوقا به كما يقول جعفر مرتضى العاملي وعدَّ منهم: “مالك الأشتر، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق الخزاعي، الذي يقال: إنه وثب وجلس على صدر عثمان، وطعنه تسع طعنات، ثلاث منهن لله، والباقي لما يجده في صدره عليه”.
[ الصحيح من سيرة الإمام علي عليه السلام، جعفر مرتضى العاملي، (18/140)].
وقد رووا عن علي أنه قال عن عثمان: “الله قتله، وأنا معه”.
[نهج الحق مطبوع مع دلائل الصدق، (3/187)، وبحار الأنوار، (31 /163 و164 و308 و165)، والشافي، (4 /230)، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي، (2/128)].
وقد روى الشيعة عن علي أنه قال: “وهؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله ويرضون بحكمي عليهم فليأتني ولد عثمان ومعاوية إن كان وليهم ووكيلهم فليخاصموا قتلته وليحاكموهم حتى أحكم بينهم بكتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وآله … ثم خرج أبو هريرة وأبو الدرداء فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين في الحديد فقالوا: نحن قتلة عثمان مقرون راضون بحكم علي عليه السلام علينا ولنا فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين عليه السلام في دم أبيهم وان وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه وسلمنا” .
[ بحار الأنوار، المجلسي، (33/ 145)].
ولا يظن أحد أن عليًّا في عقيدة الشيعة كان سيخطئ قتلة عثمان، وقد اعترفوا بذلك، وقالوا إن عليًّا لم يُخطئ قتلة عثمان.
يقول جعفر مرتضى العاملي: “أنه (عليه السلام) لم يخطِّئ قاتلي عثمان، بل أعطاهم الحق في الجزع، من أفعاله ولكنه خطأهم في طريقة ومقدار جزعهم، فقال: استأثر فأساء الإثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع”.
[ الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، جعفر مرتضى العاملي، (18/139)].
فلماذا التخطئة لأم المؤمنين وقد فعلت- في الرواية المكذوبة- ما أقره علي بن أبي طالب في دين الشيعة؟!!
[نهج الحق مطبوع مع دلائل الصدق، (3/187)، وبحار الأنوار، (31 /163 و164 و308 و165)، والشافي، (4 /230)، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي، (2/128)].
مواضيع شبيهة
حسد أم المؤمنين عائشة لغيرها من النساء.