ضرب النبيّ لعائشة
قال محسن الخياط: “حبيبة القلبِ (ابنة أبي بكر) يوجِعُها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرباً في صدرها!”
[ الإفصاح عن المتواري من أحاديث المسانيد والسنن والصحاح، محسن الخياط، (2/58)].
ثم أورد حديث الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها: “لمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْه، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ – أي ركض – فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ : مَا لَكِ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً ؟ – الحشا: التهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه بسبب ارتفاع النفس، رابية: مرتفعة البطن – قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ. قَالَ: لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ: فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَال: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟ – أي: هل ظننت أني أظلمك بالذهاب إلى زوجاتي الأخرى في ليلتك – قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ”
[صحيح مسلم، (2 /669)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولاً: قول عائشة رضي الله عنها: (فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي) يدل على الفعل الذي صدر منه ، وهو مجرد ” اللهد”، الذي هو الدفع في الصدر، أو اللكز، وهو لا يرقى أن يكون في درجة الضرب الحقيقي الذي يراد به الإيجاع والتحقير.
وذكر علماء اللغة أن من معاني “اللهد”: الغمز.
[ لسان العرب، ابن منظور، (3/393)].
، وفي (تاج العروس) من معاني ” اللهد“: الضغط .
[ تاج العروس، الزبيدي، (9/145)].
وهذا يدل على أنه لم يضربها بالمعنى الذي يريده الطاعنون، وإنما غمزها أو دفعها في صدرها دفعة وجدت بسببها وجعًا، ولكنه وجع يسير غير مقصود، بل المقصود التنبيه والتعليم.
ثانيًا: مما يدل على أن هذه “اللهدة” لم تكن على سبيل الضرب والإيجاع، إنما على سبيل التعليم والتنبيه: استكمال الحوار بين النبي وبين عائشة رضي الله عنه، حيث اعتذر إليها ببيان سبب خروجه من المنزل تلك الساعة المتأخرة.قَالَتْ عائشة: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ.
كره أن يوقظها فيزعجها عن منامها، وكره أيضًا أن تستيقظ فتستوحش وتقلق وتخاف من فقدانها لزوجها الذي كان بجانبها، فأي رحمة وشفقة أعظم من هذه – بأبي وأمي هو -.
فلو كانت هذه “اللهدة” ضربة حقيقية عنيفة لكانت عائشة رضي الله عنها بكت كما تبكي النساء الحديثات السن، ولأظهرت ألمها واعتراضها على النبي ولكنها لم تفعل ذلك، بل بادرت إلى استكمال الحوار مع النبي ، وملاطفته بالسؤال المؤدب عن الذكر المستحب عند زيارة القبور، فدل ذلك على أن “اللهدة” لم تكن إلا على سبيل التنبيه والتعليم.
ثالثًا: ضرب الزوج زوجته – إذا كان ضربًا يسيرًا من غير إهانة ولا تحقير، ووجد الداعي إليه: هو أمر جائز أجازه القرآن الكريم، حيث يقول الله تعالى :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا )
[النساء/34].
وهذا جائز أيضًا في دين الإمامية. قال الحلي: “وأمّا الضرب فهو أن يضربها ضرب تأديب، كما يضرب الصبيان على التأديب، ولا يضربها ضربًا مبرحًا، ولا مدميًا، ولا مزمنًا.وروي في بعض أخبارنا: أنّه يضربها بالسواك، وذلك على جهة الاستحباب، وإلا له أن يضربها بالسوط ضرب أدب؛ لأنّ ظاهر الآية يقتضي ذلك.قال شيخنا في مبسوطه: وروى بعض الصحابة، قال: كنّا معاشر قريش يغلب رجالنا نساءنا، فقدمنا المدينة فكانت نساؤهم تغلب رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم، فذئرن على أزواجهن، فقلت: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن، فرخّص في ضربهن”
[ كتاب السرائر، ابن إدريس الحلي، (2/ 729)].
وقال المنتظري: “وفي (معالم القربة): التعزير: اسم يختص بفعله الإمام أو نائبه في غير الحدود والتأديب… فأما ضرب الزوج زوجته والمعلم الصبي فذاك يسمى تأديبًا“.
[ دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، حسين المنتظري، (2/ 317)].
فالأصل في ضرب الزوج لزوجته أنه ضرب تأديب لنوع من النشوز، كما نص علماء الإمامية على ذلك.
رابعًا: هل الضرب يرفع اسم الإسلام؟! إذا كان الضرب يرفع اسم الإسلام وجب أن يُحكم بفراق الزوج لزوجته بمجرد الضرب كونها مرتدة، ثم إذا كان التقاتل بين المسلمين لا يرفع اسم الإسلام فمن باب أولى الضرب لا يرفعه.
خامسًا: النبي تزوج نساءه على أنهن غير معصومات، وهذا يستلزم منه وقوع أخطاء منهن، ووقوع الخطأ يوجب على القيِّم أن يصوبه، والتصويب قد يكون باللين أو بالشدة، على حسب ما يراه القيم، وإذا شرع الله الغلظة للأدب لزم من ذلك أن الغلظة على المؤمن إنما هي لمحبته ومحبة الخير له ولا تستلزم النفاق.
سادسًا: هل لما ضربها انقلبت إلى منافقة؟! فإن قال نعم، فإذا كان يقصد بالنفاق أنه الأكبر فقد وجب على النبي فراقها، فلما لم يفارقها ثبت أنها مؤمنة.ثم نقول: تحت أي بند يمكن أن نضع ضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- لزوجته؟! تحت الحدود أم التعازير أم حكم القاضي بالتكفير والحكم بالنفاق؟جميع علماء الشيعة قالوا إن ضرب الرجل زوجته يدخل تحت التعزير والتأديب للزوجة، وبه يثبت خطأ من وضع هذا الضرب تحت الحكم بالنفاق أو الكفر .
سابعًا: هل من لوازم النفاق الغلظة؟
الشيعة يقرون أن هناك منافقين لم يغلظ النبي عليهم، فلزم من ذلك أن الغلظة لا تستلزم النفاق، كما أن النفاق لا يستلزم الغلظة.
ثامنًا: هل لما ضرب أيوب امرأته كان ذما لها وحكما بالنفاق عليها؟ مع أن الله قال (وَوَهَبۡنَا لَهُۥۤ أَهۡلَهُۥ وَمِثۡلَهُم مَّعَهُمۡ رَحۡمَةࣰ مِّنَّا وَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ وَخُذۡ بِیَدِكَ ضِغۡثࣰا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَـٰهُ صَابِرࣰاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥۤ أَوَّابࣱ)
[سورة ص 43 – 44].
فأثبت أنها رحمة من الله لنبيه مع حصول الضرب.
تاسعا: هل ثبت أن النبي ﷺ ضرب منافقا بهذه الطريقة ؟!الجواب “لم يثبت” النتيجة: أن أحكام المنافقين لا يدخل فيها الضرب، وإلا لفعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- ذلك مع منافق نعلم نفاقه حتى يظهر لنا الحكم العام.
عاشرا: إذا استنكر الرافضة هذه اللهدة من رسول الله لزوجته، فماذا يصنعون إذا علموا أن فاطمة قد ضربت زوجها علياّ رضي الله عنهما وحاشاهما؟روى الصدوق بإسناده رواية ورد فيها:“… فجلس علي (عليه السلام) والدراهم مصبوبة بين يديه، حتى اجتمع إليه أصحابه، فقبض قبضة قبضة، وجعل يعطي رجلاً رجلاً، حتى لم يبق معه درهم واحد.فلما أتى المنزل قالت له فاطمة (عليهما السلام): يا بن عم، بعت الحائط الذي غرسه لك والدي؟ قال: نعم، بخير منه عاجلا وآجلا. قالت: فأين الثمن؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني. قالت فاطمة: أنا جائعة، وابناي جائعان، ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم! وأخذت بطرف ثوب علي (عليه السلام)، فقال علي: يا فاطمة،
خليني.فقالت: لا والله، أو يحكم بيني وبينك أبي. فهبط جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: اقرأ عليًّا مني السلام، وقل لفاطمة: ليس لك أن تضربي على يديه ولا تلمزي بثوبه. فلما أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزل علي (عليه السلام) وجد فاطمة ملازمة لعلي (عليه السلام)، فقال لها: يا بنية، ما لك ملازمة لعلي؟ قالت: يا أبه، باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ولم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما. فقال: يا بنية، إن جبرئيل يقرئني من ربي السلام، ويقول: أقرئ عليا من ربه السلام، وأمرني أن أقول لك: ليس لك أن تضربي على يديه. قالت فاطمة (عليها السلام): فإني استغفر الله، ولا أعود أبدًا…”.
[ الأمالي، الصدوق، (ص 553)].
فهذه فاطمة رضي الله عنها تمسك زوجها من ثوبه، وتضربه على يديه، حتى نزل جبريل وصالح بينهما.وقد تخبط علماء الرافضة في تفسير هذه الروايات.قال جعفر مرتضى العاملي: “هل تعدت الزهراء (عليها السلام) الحدود؟!
وذكرت الرواية المتقدمة: أن الزهراء (عليها السلام) قد أخذت بطرف ثوب أمير المؤمنين، لكي ترفع الأمر إلى أبيها (صلى الله عليه وآله) ليحكم بينهما..ونقول: قال العلامة المجلسي (رحمه الله): (لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهراً لظهور فضله (صلوات الله عليه) على الناس، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه، أو لوجه من الوجوه لا نعرفه). أي: أنها (عليها السلام) لم تنازعه على الحقيقة، بل هي منازعة ظاهرية أرادت بها إظهار فضل علي (عليه السلام)، أو أرادت تعريف الناس بالحكمة التي توخاها مما أقدم عليه.لذلك نقول: لا بد لنا من تأييد كلام العلامة المجلسي (رحمه الله)، ورفع مقامه”.
[ الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، جعفر مرتضى العاملي (8/ 178)].
ولا ندري كيف تظهر فضل عليّ t من خلال إهانته وضربه وجره من ثوبه؟
مواضيع شبيهة