زعم الشيعة أن عمر كان يجهل قراءة النبي في العيدين
قالوا: إن عمر كان يجهل قراءة النبي في العيدين، وهذا دليلٌ على جهله، حتى للأمور المشهورة.واستدلوا بما رواه مسلم عن عبيد الله بن عبد الله، أنَّ عمر بن الخطَّاب، سأل أبا واقدٍ اللّيثيّ: ما كان يقرأ به رسول الله في الأضحى والفطر؟ فقال: «كان يقرأ فيهما ب[قٓ ۚ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ]، و[ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ]».
[«صحيح مسلم» (٦٠٧/٢)].
قال ابن طاووس: «من عجائب الأشياء، سؤال عمر عما قرأ به رسول الله في يوم عيد، ومن طرائف ما شهدوا به على خليفتهم عمر من جهله للأمور المشهورة من شريعة نبيهم … ألا تعجب من قوم يرضون أن يكون خليفتهم على هذه الغفلة والجهالة! إن ذلك من الضلال القبيح».
[«الطرائف» لابن طاووس ص[475]].
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
!
أولًا: أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث حمزة بن عبد الله ابن عمر، أنَّ ابن عمر، قال: سمعت رسول الله قال: «بينا أنا نائمٌ، أتيت بقدح لبنٍ، فشربت حتَّى إنّي لأرى الرّيّ يخرج في أظفاري، ثمَّ أعطيت فضلي عمر بن الخطَّاب» قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: «العلم».
[«صحيح البخاري» (٢٧/١)].
قال ابن حجر: «والمراد بالعلم هنا: العلم بسياسة النَّاس بكتاب الله وسنّة رسول الله ، واختصّ عمر بذلك؛ لطول مدّته بالنّسبة إلى أبي بكرٍ، وباتّفاق النَّاس على طاعته بالنّسبة إلى عثمان، فإنَّ مدّة أبي بكرٍ كانت قصيرةً، فلم يكثر فيها الفتوح الَّتي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدّته النَّاس بحيث لم يخالفه أحدٌ».
[«فتح الباري» لابن حجر (٤٦/٧)].
وقال أيضًا: «وأمّا إعطاؤه فضله عمر ففيه إشارةٌ إلى ما حصل لعمر من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائمٍ».
[«فتح الباري» لابن حجر (٣٩٤/١٢)].
وروى الطبراني: عن شقيقٍ، قال: قال عبد الله: «والله إنّي لأحسب علم عمر لو وضع في كفّة الميزان، ووضع سائر أحياء أهل الأرض في كفّة الميزان لرجح عليه علم عمر .قال سليمان: فذكرته، فقال: لقد قال عبد الله أفضل من ذلك، قال: «إنّي لأظنّ عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم».
[«المعجم الكبير» للطبراني (9/162)].
وعلم عمر بالكتاب والسنة لا يخفى.
ثانيًا: إنّ رواية مسلم يمكن تخريجها على احتمالاتٍ كثيرة، والقاعدةُ التي ذكرها الإمام الشَّافعي أنه «في الوقائع الفعليّة وهي وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال».
[«حاشيتا قليوبي وعميرة » (3/259)].
قال القرافي في «الفروق» – وهو يشرح هذه القاعدة -: «إنّ الدّليل من كلام صاحب الشّرع إذا استوت فيه الاحتمالات، ولم يترجّح أحدها سقط به الاستدلال … كلام صاحب الشّرع إذا كان محتملًا احتمالين على السّواء صار مجملًا، وليس حمله على أحدهما أولى مِنَ الْآخَرِ».
[«أنوار البروق في أنواء الفروق» (2/100)].
قلت: وكلام عمر هنا يتردد بين عدة أمور.فيحتمل: أن يكون عمر إنما سأل هذا السؤال اختبارًا لأبي واقد،كما يختبر الأستاذ تلميذه، ومعلومٌ أن أبا واقد الليثي مات سنة (68)، وهو ابن (85)
[ انظر: «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» (17/182)].
فيكون النبي توفي، وأبو واقد ابن (٢٧) سنة، وعمر بن الخطَّاب I كان على أقل تقدير ابن (٥٦) سنة، مما يرجح أن يكون هذا سؤال من أستاذ إلى تلميذه اختبارًا له هل حفظ أم لا؟ويحتمل: أن يكون عمر أراد الاستشهاد بكلام أبي واقد في هذا المجلس، قال المباركفوري نقلًا عن القاضي عياض: «أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك بـ [ سَبِّحِ] و[هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ]، فأراد عمر الاستشهاد عليه بما سمعه أيضًا أبو واقد».
[«مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (3/148)].
ويحتمل: أن يكون قد سأله تعليمًا لغيره.قال الشيخ عبد الكريم الخضير: «أراد أن يعلم الحاضرين؛ لأن الإنسان قد يسأل عن شيء وهو يعرفه؛ لتعليم الحاضرين، والأصل في هذا حديث جبريل حينما جاء يعلم الصحابة الدين، ولا مانع أن يكون شخص من طلاب العلم الذين يعرفون حكم الإسبال، فإذا وجد في المجلس أحد من أهل العلم، ودخل مسبلًا، يسأل الشيخ يقول له: ما حكم الإسبال، وهل فيه رخصة؟ وهل كذا وكذا؟ من أجل أن يتقرر في ذهن السامع، وهذه مسألة حاصلة واقعة».
[«شرح الموطأ» عبد الكريم الخضير (30/17)، (بترقيم الشاملة)].
وقال النووي: «أو أراد إعلام النَّاس بذلك أو نحو هذا من المقاصد، قالوا: ويبعد أنَّ عمر لم يعلم ذلك مع شهود صلاة العيد مع رسول الله مرّاتٍ، وقربه منه».
[«شرح الزرقاني على الموطأ» (1/618)].
ويحتمل: أنه شك في ذلك فأراد أن يستثبت.«قالوا يحتمل أنَّ عمر شكّ في ذلك، فاستثبته».
[«شرح النووي على مسلم» (2/182)].
ويحتمل: أنه قد نسي، ولكن هذا بعيد جدًا، وجلّ من تكلم في الرواية استبعده، قال الشيخ الخضير: «النسيان وارد؛ لكن العيد يتكرر، ما هو شيء يقع مرة واحدة، ثم ينسى، المسألة احتمال، على كل حال الاحتمال قائم، يكون للتعليم أو للاختبار أو نسي أو شك أو أراد أن يتأكد».
[«شرح الموطأ» عبد الكريم الخضير (30/17)، (ترقيم الشاملة].
والاحتمال الأخير: أنه لم يعلم بذلك، وهذا ما رأيت أحدًا ذكره إلا نفاه واستبعده.قال في «شرح الزرقاني»: «قالوا: ويبعد أنَّ عمر لم يعلم ذلك مع شهود صلاة العيد مع رسول الله مرّاتٍ، وقربه منه».
[«شرح الزرقاني على الموطأ» (1/618)].
وقال المباركفوري: «وأما احتمال أنه ما علم بذلك أصلًا، فيأباه قرب عمر منه … قال العراقي: ويحتمل أن عمر كان غائبًا في بعض الأعياد عن شهوده، وأن ذلك الذي شهده أبو واقد كان في عيد واحد أو أكثر. قال: ولا عجب أن يخفى على الصاحب الملازم بعض ما وقع من مصحوبة، كما في قصة الاستئذان ثلاثًا».
[ «مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (3/148)].
وهذه الاحتمالات – والتي أبعدها كون عمر لم يعلم بذلك، بقرينة الإجماع على كونه كان ملازمًا للنبي – تسقط احتجاج الرَّافضة بأن سؤال عمر في هذه الواقعة، يعدّ دليلًا على جهله بقراءة النبي في العيدين، أو على أنه كان لا يصليهما.
ثالثًا: لو قلنا – تنزلًا – إنه نسي، فقد قرر الرَّافضة أن الراوي قد ينسى ما حدث به، ثم يأتي غيره فيحدث عنه ما نسيه هو، ولا يقال عندها إنه لم يحدث بذلك، وعليه؛ فالنسيان شأن بني آدم، ولا يؤخذ من ذلك حكم.يقول حسين بن عبد الصمد العاملي في كتابه «وصول الأخيار إلى أصول الأخبار»: «وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها عمن أخذها عنهم، فقالوا: (حدثني فلان عني أني حدثته بكذا)».
[«وصول الأخيار إلى أصول الأخبار» ص[191]].
وفي «الكافي»: «عن محمد بن الحسين بن يزيد، قال: سمعت الرضا بخراسان، وهو يقول: «إنَّا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب، وورثنا الشكر من آل داود».
[«الكافي» (15/690)].
وزعم أنه قال كلمة أخرى، ونسيها محمد.بل إنه قد ثبت نسيان المعصومين عند الشيعة لبعض الأمور، ومن ذلك: أنَّ الحسن نسي أنَّ على زين العابدين إمام حجة؟ ففي «الكافي»، وقال عنها المجلسي في «مرآة العقول»: «صحيح»، عن أبي عبد الله قال: إن الحسن قال: وما عليهما حجة غيري وغير الحسين أخي».
[«الكافي» (1/462)، «مرآة العقول» (5/357)].
ومما لا شك فيه أن زين العابدين كان حيًّا في الوقت الذي قال فيه الحسن ذلك، والدليل ما رواه الكليني في «الكافي»، وقال المجلسي عنها في «مرآة العقول»: حسن على الظاهر، «عن سليم بن قيس، قال: شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيته الحسين… ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله ، أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي، وأقرئه من رسول الله ، ومني السلام».
[ رواه الكليني في «الكافي» (1/297)، والمجلسي عنها في «مرآة العقول» (3/291)].
ومعلومٌ أنَّ علي بن أبى طالب مات سنة 40هـ، وعليّ بن الحسين ولد سنة 38هـ، فيكون حيًّا في وقت إمامة الحسن قطعًا.
فها هو الحسن ينسى أن على زين العابدين إمام حجة! فهل يقال إنه كان لا يعلم بدهيات دين الشيعة؟!بل إن النبي قد نسي في صلاته، كما روى المجلسي في «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار»، وقال الحديث السادس والعشرون: «موثق».
[«ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار» (٤/٥٤٩)].
عن أبي عبد الله قال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السّهو، فإنَّ رسول الله صلّى بالنّاس الظّهر ركعتين ثمَّ سها، فقال له ذو الشّمالين: يا رسول الله، أنزل في الصَّلاة شيءٌ…».فإذا كان النبي نسي؛ فما بال عمر لا ينسى؟! ومع ذلك؛ فالتخريج الأولى بالقبول، هو أن عمر لم ينس ذلك، وإنما كان معلّمًا لغيره بسؤاله فحسب.
مواضيع شبيهة
زعم الشيعة أن عمر جهل كتاب الله في قضية الحامل التي وضعت لستة أشهر وهمّ برجمها