زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب كشف عن ساق أم كلثوم بنت علي، وقبّلها قبل الزواج منها
استدلوا على ذلك بعدة روايات، سأذكر واحدة منها بنصها، ثم أشير إلى ضعف باقي الروايات دون حكايتها.
قال الإمام أبو بكر الخطيب: «وأخبرنا محمّد بن عمر بن القاسم النّرسيّ، واللّفظ له، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله بن إبراهيم الشَّافعي، قال: حدَّثنا أحمد بن الحسين الصّوفيّ، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بن مِهران بن رستم المروزيّ، قال: حدَّثنا اللّيث بن سعدٍ القيسيّ، مولى بني رفاعة في سنة إحدى وسبعين ومائةٍ بمصر، عن موسى بن عليّ بن رباحٍ اللّخمي، عن أبيه، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ، قال: خطب عمر بن الخطَّاب إلى عليّ ابن أبي طالبٍ ابنته من فاطمة وأكثر تردّده إليه، فقال: يا أبا الحسن، ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلا حديثٌ سمعته من رسول الله يقول: «كلّ سببٍ وصهرٍ منقطعٌ يوم القيامة إلا سببي ونسبي»، فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سببٌ وصهرٌ، فقام عليٌّ فأمر بابنته من فاطمة، فزيّنت، ثمَّ بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر، فلمَّا رآها قام إليها فأخذ بساقها، وقال: قولي لأبيك قد رضيت، قد رضيت، قد رضيت، فلمَّا جاءت الجارية إلى أبيها، قال لها: ما قال لك أمير المؤمنين؟ قالت: دعاني وقبّلني، فلمَّا قمت أخذ بساقي، وقال: قولي لأبيك قد رضيت. فأنكحها إيّاه، فولدت له زيد بن عمر بن الخطَّاب، فعاش حتَّى كان رجلًا ثمَّ مات».
[«تاريخ بغداد» (7 / 126)].
والجواب عن هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن جميع رويات هذه القصة أسانيدها باطلة. – فأما رواية الخطيب البغدادي، فلا تصح.- وآفتها إبراهيمُ بن مِهران بن رستم.قال ابن عدي: «ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات».
[«الضعفاء والمتروكون» لابن الجوزي (1 / 32)].
وقال الإمام العقيلي: «كثير الوهم».
[«الضعفاء» الكبير (1/52)].
وفي إسنادها أيضًا: أحمد بن الحسين الصوفي، وهو مجهول. والقصة أخرجها الحاكم في «المستدرك»
[«المستدرك» (3/153)، دار الكتب العلمية، بيروت].
، من غير ذكر كشف الساق والتقبيل، ومع ذلك فقد تعقبه الذهبي؛ لتصحيحه لإسنادها، على عادته في التساهل.فقال الذهبي: «بل منقطع». يعني بين علي بن الحسين، وعمر.وأخرجها ابن إسحاق في «السير والمغازي»،
[«السير والمغازي » ص[248]].
وعلته الانقطاع؛ فإن عمر بن عاصم بن قتادة لم يدرك عمر بن الخطَّاب، وأخرجها أيضًا، عن بعض أهله، بإسنادٍ فيه راوٍ مجهول.
[«سيرة ابن اسحاق»، «السير والمغازي» ص[248]].
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير».
[«المعجم الكبير» (1/124/1)].
وفيه الحسن بن سهل الحناط، ذكره السمعاني ولم يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا، فبقي على الجهالة.
[راجع «الفتاوى الحديثية» لأبي إسحاق الحويني (2/356)، الطبعة الأولى، دار التقوى].
وأخرجه أيضًا من طريق آخر، عن يونس بن أبي يعفور، وهو صدوق يخطئ كثيرًا، كما قرره الحافظ.
[«التقريب» [7920]].
وقد توبعت الرواية بمن لا يفرح بمثله، وهو سيف بن محمد.قال الحافظ: «كذبوه».
[«التقريب» [2726]].
فهذه الرواية موضوعة؛ لأن سيفًا هذا كذاب.
( تنبيه وبيان):وحتى لا يتقوّل علينا متقول، أو يتوهم واهمٌ أن القصة صحيحة، مغترًّا بأن الشيخ الألباني أوردها في «السلسلة الصحيحة».
[«السلسلة الصحيحة» (1/156-158)].
نقول: إن الشيخ الألباني، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، تراجع عن ذلك، فإنه أقر بخطئه في تصحيحه هذه الرواية، بناء على خطأ قلد فيه الحافظ ابن حجر، وتراجع عن ذلك في «سلسلة الأحاديث الضعيفة»، وعليه، فجميع أسانيد الشبهة مكذوبة، ولا تصح.
ثانيًا: إن زواج عمر من أم كلثوم بنت علي، قد صح عند السُّنَّة والشيعة.أما عند السُّنَّة فقد ثبت في «صحيح البخاري».
[«صحيح البخاري» (4/33) و(5/100)، وانظر: ابن حجر في «الإصابة» كتاب [الكنى]، وكتاب [النساء] ص[276]. والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (2/525). وابن الجوزي في «المنتظم» (4/131)].
وأما عند الشيعة فقد ثبت ذلك الزواج المبارك
[ انظر: الكليني في «الكافي» كتاب [النكاح] (5/346) باب [تزويج أم كثوم] و[الفروع من الكافي] (6/115-116)؛ وصحح المجلسي الروايتين اللتين في «الكافي» في كتابه «مرآة العقول» (21/197)؛ ورواه الطوسي في «الاستبصار» (3/352)، وفي «تهذيب الأحكام» (8/161-9/262)؛ والمجلسي في «بحار الأنوار» (38/88)، ورواه المرتضى في «الشافي» ص[116]؛ وفي كتابه «تنزيه الأنبياء» ص[141]؛ و«مناقب آل أبي طالب» (3/162) لابن شهر آشوب، و«كشف الغمة في معرفة الأئمة» للآربلي ص[10]، و«منتهى الآمال» (1/186) للقمي؛ و«تاريخ اليعقوبي» (2/149 و150)… إلخ].
ولا ينكر هذا الزواج إلا جاهل ومعاند، في الجملة، كما قال الشريف المرتضى في رسائله.
[«رسائل المرتضى» (3 / 150)].
ثم إن هذا الزواج يستلزم إبطال جميع الروايات المختلفة التي وضعها الكذابون، والتي تحكي أن عمر بن الخطَّاب ضرب فاطمة برجله حتى أسقط جنينها، وسائر المظلوميات الشيعية على أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب .كما يلزم من ذلك أن علي بن أبي طالب رضي دين عمر وأمانته، ففي «أمالي الطوسي»: عن علي بن أبي طالب ، قال: قال النبي : «إنما النكاح رقّ، فإذا أنكح أحدكم وليدةً فقد أرقّها، فلينظر أحدكم لمن يرقّ كريمته».وبإسناده، قال: قال رسول الله : «إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
[«الأمالي » ص[519]].
ثالثًا: إنّ كتب الشيعة حوت مثل ما ذكروه عن عمر وأشنع منه.ففي كتاب «قرب الإسناد»: «عن ابن علوان، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليٍّ : أنَّه كان إذا أراد أن يبتاع الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها».
[«قرب الإسناد» (1/103)].
فهل يطعن الشيعة في علي ؛ لأنه يكشف عن ساق امرأة وينظر إليها؟!وفي «الحدائق الناضرة»، و«تهذيب الأحكام»: «في الصحيح عن أبي عبدالله عن الرجل ينكح الجارية من جواريه، ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمع؟ قال: لا بأس».
[«الحدائق الناضرة» (23/137)، و«تهذيب الأحكام» (8/208)].
وقال محمد تقي المجلسي: «في الموثق، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله ، لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب».
[«روضة المتقين» (8/449)].
وفي «جامع المدارك» للخوانساري: «وأما جواز أن ينام بين أمتين فلمرسل ابن أبي نجران (أن أبا الحسن كان ينام بين جاريتين). والمشهور كراهته بين الحرتين، ولم يظهر وجهها، سوى الشهرة بين الأصحاب، مع أن في الخبر (لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب)».
[«جامع المدارك» للخوانساري (4/357)].
فأين الحياء يا شيعة، وقد نسبتم إلى أهل البيت كل تلك الرذائل، وكأنهم يعيشون في ملاهٍ ليلية، لا دين ولا حياء؟!
رابعًا: إن هذه الرواية قبل أن تستلزم الطعن في عمر، فإنها تتضمن طعنًا في علي، رضي الله عن الجميع؛ إذ العرب – لا سيما صحابة رسول الله – ذوو نخوةٍ وغيرةٍ، فكيف يقبل أمير المؤمنين أن تقبل ابنته ويكشف عن ساقها، من غير عقدٍ ولا نكاحٍ؟!
أفيقبل الشيعة اتهام أمير المؤمنين علي بالدياثة وقلة الغيرة؟!
مواضيع شبيهة
زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب جزع عند موته