زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب عطل سهم المؤلفة قلوبهم
مما أثاره الرَّافضة طاعنين في الفاروق عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه أنه عطل سهم المؤلفة قلوبهم، ورأى أنهم لا يعطون من هذا السهم.
قال علي الشهرستاني: «إذًا يمكن للباحث -وبمطالعة سريعة لتاريخ صدر الإسلام- الوقوف على أمور كثيرة صدرت من قبل الشيخين… وتعطيل عمر بن الخطَّاب لسهم المؤلّفة قلوبهم، مع أنَّ الله قد فرضه لهم في كتابه العزيز بقوله:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) [التَّوۡبَة: 60]
[«زواج أم كلثوم الزواج اللغز» علي الشهرستاني ص[56]].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن عمر رضى الله عنه لم ير إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة؛ لعدم الحاجة لتأليفهم نظرًا لانتشار الإسلام وقوته، قال ابن تيمية: «وما شرعه النَّبي صلى الله عليه وسلم شرعًا معلِّقًا بسبب إنّما يكون مشروعًا عند وجود السّبب: كإعطاء المؤلَّفة قلوبهم؛ فإنَّه ثابتٌ بالكتاب والسّنّة. وبعض النَّاس ظنّ أنَّ هذا نسخ لما روي عن عمر: أنَّه ذكر أنَّ الله أغنى عن التَّألُّف، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وهذا الظّنّ غلطٌ؛ ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلَّفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه؛ لا لنسخه كما لو فرض أنَّه عدم في بعض الأوقات ابن السَّبيل والغارم ونحو ذلك».
[«مجموع الفتاوى» ابن تيمية (33/94)].
ثانيًا: إن هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء من قديم، فقد رأى بعضهم سقوط سهم المؤلفة قلوبهم زمن قوة الإسلام؛ لعدم الحاجة إلى تأليفهم، وإن احتاجوا إلى ذلك أعطوا من الزكاة.
قال القرطبي: «واختلف العلماء في بقائهم – يعني المؤلفة قلوبهم- فقال عمر والحسن والشعبي وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره، وهذا مشهور عن مذهب مالك وأصحاب الرأي.
قال بعض علماء الحنفية: لما أعز الله الإسلام وأهله، وقطع دابر الكافرين، اجتمعت الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، في خلافة أبي بكر رضى الله عنه على سقوط سهمهم.
وقال جماعة من العلماء: هم باقون؛ لأن الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام، وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.
قال يونس سألت الزهري عنهم فقال: لا أعلم نسخًا في ذلك، قال أبو جعفر النحاس: فعلى هذا الحكم فيهم ثابت، فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه، ويخاف أن تلحق المسلمين منه آفة، أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه.
قال القاضي عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة، وقال القاضي ابن العربي: الذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم، فإن في (الصحيح): «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ».
[ «تفسير القرطبي» (8/181)].
ثالثًا: منع عمر رضى الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم في خلافة أبي بكر رضى الله عنه واستمر على ذلك في خلافته هو، فكيف يقال إنه خالف بذلك حكمًا ثبت بالقرآن، وتأكد بعمل الرسول؟! وكيف وافقه أبو بكر والصحابة رضى الله عنهم؟!
قال ابن الهمام: «فلم ينكر أحدٌ منَ الصّحابة مع ما يتبادر منه من كونه سببًا لإثارة الثّائرة، أوِ ارتداد بعض المسلمين، فلولا اتِّفاق عقائدهم على حقيقته وأنّ مفسدة مخالفته أكثر منَ المفسدة المتوقّعة، لبادروا لإنكاره».
[ «فتح القدير» الكمال بن الهمام (2/260)].
ثم يتابع كلامه موضحًا أن الغاية من هذا التشريع إعزاز المسلمين، وأن إعطاء الأموال للمؤلفة في عهد رسول الله صلى الله عله وسلم كان وسيلة لهذه الغاية، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرة المسلمين، أصبح عدم إعطائهم هو الذي يؤدي إلى إعزاز المسلمين؛ لأن إعطاءهم في حالة الكثرة والمنفعة إذلالٌ للمسلمين، وإظهارٌ لهم بمظهر الضعف والقلة، لاختلاف ظروف المسلمين، فقال: «على أنَّ الآية الَّتي ذكرها عمر رضى الله عنه تصلح لذلك، وهي قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡ ﴾ [الكَهۡف: 29]، والمراد بالعلّة في قولنا حكمٌ مغيّا بانتهاء علَّته العلَّة الغائيّة، وهذا لأنّ الدّفع للمؤلَّفة هو العلَّة للإعزاز، إذ يفعل الدّفع ليحصل الإعزاز فإنَّما انتهى ترتُّب الحكم الّذي هو الإعزاز على الدّفع الّذي هو العلّة.
وعلى هذا قيل: عدم الدّفع الآن للمؤتلفة تقريرًا لما كان في زمنه -عليه الصَّلاة والسّلام- لا نسخًا؛ لأنّ الواجب كان الإعزاز، وكان بالدّفع والآن هو في عدم الدّفع».
[ «فتح القدير» الكمال بن الهمام (2/260)].
فعمر رضى الله عنه والصحابة من بعده لم يدعوا نسخ الآية، ولم يعارضوها، ولم يبطلوا العمل بها؛ لأن هناك فرقًا كبيرًا بين نسخ النص وبين تعليق العمل به، حتى يوجد من يتناوله النص.
رابعًا: إن الرَّافضة الذين يعيبون على عمر رضى الله عنه إيقاف سهم المؤلفة بالتقرير الذي سبق بيانه، هم أنفسهم يقررون أن أئمتهم مشرعون.
يقول السيستاني: «هناك بعض الروايات التي تدل على أنه كل ما فوض للنبي صلى الله عليه وسلم قد فوض للأئمة ، ما عدا النبوة، من جملة ما فوض له صلى الله عليه وسلم حق التشريع الدائم، إذن فحق التشريع الدائم ثابت للأئمة وقد سبقت الإشارة لهذه الفكرة في بعض الروايات السابقة.
ولكن توجد روايات أُخرى مقابلة لهذه الروايات، تدل على أن كل ما يفتي به الأئمة إنما هو على وفق الكتاب والسنة، فليس هنا رأي وفتوى فيما وراء الكتاب والسنة، بل بعضها ذكر فيها أن علمهم أصول علم ورثها كابر عن كابر. إلا أنها معارضة بطائفة كبيرة من الروايات، التي يظهر منها أن هناك بعض الأحكام التي لا توجد في الكتاب والسنة، وأن الأئمة كانوا موفقين في أقوالهم وآرائهم فيها».
[«اختلاف الحديث من محاضرات علي السيستاني» هاشم الهاشمي ص[20-21]].
بل ويجوز للأئمة – عندهم- أن ينسخوا أحكام الشريعة، التي جاءت في الكتاب والسنة.
قال السيستاني: «النسخ: وتحدثنا فيه عن إمكان صدور النسخ من قبل أهل البيت للآية القرآنية والحديث النبوي والحديث المعصومي السابق، وأقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني كون الناسخ مودعًا عندهم من قبل الرسول لكنهم يقومون بتبليغه في وقته، والنسخ التشريعي وهو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداءً، وهذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم كما كان ثابتًا للرسول، وقد طرحنا هذا الموضوع أيضًا ضمن بحث النسخ».
[«الرافد في علم الأصول محاضرات السيد علي السيستاني» منير السيد عدنان القطيفي ص[26]].
فيجوز للإمام أن ينسخ القرآن والسنة، لا نسخًا تبليغيًّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نسخًا تشريعيًّا صادرًا عنهم بالأصالة؛ بناء على ثبوت حق التشريع لهم. فكيف لمن يعتقد بهذا أن ينكر على الفاروق عمر رضى الله عنه وسائر الصحابة إيقافهم لسهم المؤلفة مراعاةً لمصلحة اقتضت ذلك؟!
خامسًا: إنه قد ورد في كتب الرَّافضة، أن المهدي سيحول قبلة الصلاة إلى كربلاء، وينسخ الأمر القرآني: ﴿ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَيۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥ ﴾ [البَقَرَةِ: 150].
روى المجلسي بسنده، عن المفضل بن عمر، قال: قال الصادق: «كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة، وحوله أصحابه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلًا عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه، حتى يستخرج من قبائه كتابًا مختومًا بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيبًا كما بقوا مع موسى ابن عمران، فيجولون في الأرض فلا يجدون عنه مذهبًا، فيرجعون إليه، والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به».
[«بحار الأنوار» المجلسي (52/326)].
يعلق السبزواري على هذه العبارة فيقول: «والله إني لأعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به، قائلًا عن بعض الوعاظ المطلعين إن هذا الكلام هو قوله: «اجعلوا كربلاء قبلة وصلوا إليها»].
[ التعليق على «بحار الأنوار» السبزواري (1/414)].
ويقول أيضًا: «سمعت من بعض المشايخ أن كربلاء تجعل قبلة في زمان خروج المهدي».
[ «التعليق على بحار الأنوار» السبزواري (1/419)].
فكيف جاز للمهدي أن يعطل هذا الحكم الشرعي الذي ثبت في القرآن بنص واضح قاطع، وتتابع عليه عمل المسلمين منذ زمان الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أتشريع بعد رسول الله
مواضيع شبيهة
جعل الشيعة المسألة المشتركة من المطاعن على أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب