زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب ابتدع في الأذان زيادة: (الصلاة خير من النوم)
إن مما يثيره الرَّافضة ويشنعون به على عمر رضى الله عنه أنه ابتدع في أذان الفجر زيادة: «الصلاة خيرٌ من النوم»، وهذا التشنيع ناجمٌ عن جهلهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، في كتب أهل السُّنَّة في هذا الأمر.
قال علي الشهرستاني: «فنحن لا نرى تنافيًا بين أن تكون بدعة التثويب هي بدعة عمرية أو بكرية، وفي الوقت نفسه أن تكون بدعة أموية أيضًا، وذلك لتبني اللاحق سيرة من سبقه من الخلفاء».
[«موسوعة الأذان» (2/259)].
ويقول صباح البياتي: «فإن أهل السُّنَّة يجيزون التصرف في الأذان، وقد حدث ذلك فعلًا أما الشيعة فينفون إمكانية التصرف في الأذان بالزيادة والنقصان؛ لأنه توقيفي، كما قلنا. وتبعًا لذلك فقد خضع الأذان عند أهل السُّنَّة للاجتهاد والرأي، فزادوا فيه التثويب، وهو قول المؤذن: (الصلاة خير من النوم) في أذان صلاة الفجر».
[«لا تخونوا الله والرسول» ص[214]].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن زيادة (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر ليست من اختراع عمر رضى الله عنه، بل وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة.
منها: عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أنس رضى الله عنه، قال: «من السُّنَّة إذا قال المؤذن: (حي على الفلاح) في أذان الفجر، قال: (الصلاة خير من النوم) مرتين».
[رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/236)؛ ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (3/21)؛ ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/202)؛ والطحاوي في «شرح المعاني» (1/137)؛ و«شرح المشكل» (15/365)؛ والدارقطني في «سننه» (1/195)؛ والبيهقي في «السنن» (1/423). والحديث صححه ابن خزيمة في «صحيحه»، والبيهقي في «سننه» (1/423)، وقال: «رواه جماعة عن أبي أسامة وهو إسناد صحيح»، وأقره النووي في «المجموع» (3/100)، والزيلعي في «نصب الراية» (1/264)، والعلامة الألباني في التعليق على «فقه السيرة للغزالي» [203]، وصححه ابن السكن، كما نقله عنه الحافظ في «التلخيص» (1/201)، وقال ابن سيد الناس اليعمري: «إسناده صحيح»، كما في «نيل الأوطار للشوكاني» (2/18)].
ومنها: ما جاء عن أبي محذورة رضى الله عنه، قال: «كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم».
[«صحيح سنن أبي داود» [473]، و«صحيح سنن النسائي» [628]].
ومنها: ما روي عن بلال رضى الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فقيل: نائم، فقال: «الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذيـــن الفجر، فثبت الأمر على ذلك».
[«صحيح سنن ابن ماجه» [586]].
ومنها: ما روي عن ابن عمر رضى الله عنه، قال: «كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم، مرتين».
ثانيًا: إنه قد ورد في كتب الرَّافضة ما يدل على مشروعية التثويب في أذان الفجر، فقد روى الطوسي بسنده، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: «النداء والتثويب في الأذان من السُّنَّة».
وروى أيضًا عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر قال: «كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خير من النوم، ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».
[«الاستبصار» (1/308)].
وحاول الطوسي أن يجد لها مخرجًا، فقال: «وما أشبه هذين الخبرين مما يتضمن ذكر هذه الألفاظ؛ فإنها محمولة على التقية لإجماع الطائفة على ترك العمل بها».
[«الاستبصار» (1/308)].
وهذا الجواب غير مقبول، ولا يمكن حملها على التقية، بقرينة ما رواه عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله ، أنه قال: «الأذان الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وقال في آخره: لا إله إلا الله مرة، ثمَّ قال: إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم، بعد حي على خير العمل، وقل بعد الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ولا تقل في الإقامة: الصلاة خير من النوم، إنما هو في الأذان».
يقول الحلي – معلقًا–: «قال الشيخ في «الاستبصار»: هو للتقية، ولست أرى هذا التأويل شيئًا، فإن في جملة الأذان حي على خير العمل، وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره، لكن الوجه أن يقال: فيه روايتان عن أهل البيت، أشهرهما: تركه».
[«المعتبر في شرح المختصر» (2/145)].
فأقر الحلي بوجود روايتين عن أهل البيت في هذه المسألة، وإحداهما موافقة لما يزعم الرَّافضة أنها من ابتداعات عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه.
ثالثًا: إن الرَّافضة الذين يستنكرون هذه الزيادة في الأذان بدعوى أنها زيادة من عمر رضى الله عنه، في حين أن الأذان عبادة توقيفية، هم أنفسهم يقولون بمشروعية الشهادة الثالثة في الأذان، ولم يدل عليها دليل أصلًا.
قال الريشهري: «غير أنَّ ولده المولى محمّد باقر المجلسي لا يستبعد جزئيّتها واستحبابها؛ حيث يقول: «لا يبعد كون الشهادة الثالثة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها». وأيّد العلاّمة المجلسيّ بعض الفقهاء من ذوي المسلك الأخباري، كالسيّد نعمة الله الجزائري في «الأنوار النعمانيّة»، والشيخ يوسف البحراني في «الحدائق الناضرة».
[«موسوعة ميزان» (2/128)].
فهؤلاء جميعًا ذهبوا إلى مشروعية الشهادة الثالثة في الأذان بعنوان الجزئية، أي: أنها من ألفاظ الأذان.
وقال علي الشهرستاني: «إن الشهادة الثالثة هي شطر الأذان وجزء منه كسائر الأجزاء، يجب الإتيان بها، وإن تركها أخلّ بالأذان، فلا يتحقّق الأذان بدونها، وبهذا تكون جزءًا واجبًا لا بدَّ من الإتيان به حتَّى يتحقّق الأذان».
[«موسوعة ميزان» (2/128)].
وقد أراد الشيخ عبد النبي النجفي العراقي أن يذهب إلى هذا الرأي في رسالته المسماة (الهداية في كون الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة جزء كسائر الأجزاء)، لكنه لم يجرؤ، وصرح بكلام أقل من ذلك، وهو قريب من كلام صاحب الجواهر، لكن السيد محمد الشيرازي في كتابه (الفقه) ورسالته العملية قال بالجزئية.
[«أشهد أن عليًّا وليّ الله في الأذان بين الشرعيّة والابتداع» ص[142]].
وليس هناك أي أدلة معتبرة تدل على جزئية الشهادة الثالثة في الأذان.
يقول الشهرستاني: «وهناك رأي خامس يدّعي أنَّ الإتيان بالشهادة الثالثة هو عمل مكروه، وذلك لعدم ثبوت النصوص الدالّة على الشهادة الثالثة عنده… وقد ذهب إلى هذا الرأي الفيض الكاشاني في كتابه (مفاتيح الشرائع)، فقال: كذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقًّا؛ بل كان من أحكام الإيمان؛ لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنّة، فإن اعتقده شرعًا فهو حرام، ومال إليه آخرون».
[«أشهد أن عليًّا وليّ الله في الأذان بين الشرعيّة والابتداع» ص[144]].
بل ذهب الصدوق إلى أن زيادة الشهادة الثالثة في الأذان من صنع الغلاة والمفوضة، فقال: «هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه، ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارًا، وزادوا في الأذان: «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدًا رسول الله «أشهد أن عليًّا ولي الله» مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك «أشهد أن عليًّا أمير المؤمنين حقًّا» مرتين، ولا شك في أن عليًّا ولي الله، وأنه أمير المؤمنين حقًّا، وأن محمدًا وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك؛ ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون أنفسهم في جملتنا».
[«من لا يحضره الفقيه» (1/ 290)].
وقال الطوسي أيضًا: «وأما ما روي في شواذ الأخبار من قول: «أشهد أن عليًّا ولي الله، وآل محمد خير البرية» فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئًا» .
[«النهاية» ص[69]].
وقال كاشف الغطاء: «وليس من الأذان قول: «أشهد أنَّ عليًّا وليّ الله» أو «أنَّ محمّدًا وآله خير البريّة» و«أنَّ عليًّا أمير المؤمنين حقًّا» مرَّتين مرَّتين؛ لأنَّه من وضع المفوّضة لعنهم الله على ما قاله الصَّدوق… وإنَّما هو من وضع المفوّضة الكفّار، المستوجبين الخلود في النَّار، كما رواه الصدوق، وجعله الشيخ والعلامة من شواذّ الأخبار كما مرّ».
[«كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء» (3 /144)].
فمن الأحق بالإنكار؟ من اتبع سنة النَّبي صلى الله عليه وسلم في الأذان مع وضوح الأدلة وصحتها، أم من زاد في الأذان بغير حجة ولا برهان، بل مع إقرارهم بأن هذا من صنع الغلاة والمفوضة الكفار؟!
مواضيع شبيهة