زعم الشيعة: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفض أن يسير بسيرة الشيخين
احتجوا في ذلك: بما رواه الإمام أحمد بسنده، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، قال: «قلت لعبد الرّحمن بن عوفٍ: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليًّا؟ قال: ما ذنبي؟ قد بدأت بعليٍّ، فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنّة رسوله، وسيرة أبي بكرٍ وعمر. قال: فقال: فيما استطعت. قال: ثمَّ عرضتها على عثمان، فقبلها».
[«مسند الإمام احمد» (1/560)].
قال العاملي: «واشتراطهم عليه أن يسير بسنة وسيرة أبي بكر وعمر، محاولة منهم لانتزاع الاعتراف بأنها جزء من الإسلام! وهذا تحريف للإسلام وإضرار (بنظريته)، لا يمكن لعلي القبول به. بل من مصلحة الإسلام أن يسجل التاريخ أن عليًّا رفض أن يعطي الشرعية لسيرتهما، وأعلن أنها ليست جزءًا من الإسلام».
[ «الانتصار» العاملي (6 /385)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولًا: إن هذه الرواية ضعيفة ولا تثبت؛ ففيها سفيان بن وكيع بن الجراح، قال النسائي: «ليس بشيء».
[ «الضعفاء والمتروكون» النسائي ص[55]].
وقال ابن الجوزي: «قال البخاريّ: يتكلّمون فيه لأشياء لقنوه إيّاها، قال أبو زرعة: لا يشتغل به، قيل له: أكان متّهم بالكذب؟ قال: نعم».
وقال ابن عدي: «كان إذا لقن تلقن، وقال النّسائيّ: ليس بشيء، وقال ابن حبان: قيل له في أشياء لقنها فلم يرجع عنها؛ فاستحقّ التّرك لإصراره».
[«الضعفاء والمتروكون» ابن الجوزي(2/4)].
وقال الذهبي: «ضعيف، وقال أبو زرعة: كان يتهم بالكذب».
[«المغني في الضعفاء» الذهبي (1/269)؛ «الكاشف» الذهبي(1/449)].
وبه تسقط الرواية من جهة الإسناد.
ثانيًا: إن هذه الرواية لو صحت ، فليس فيها طعن في أحد من الصحابة، فقد يكون قصد عبد الرحمن تقليد الشيخين في السير بالعدل والإنصاف، دون التقليد في الأحكام؛ لأن سيرة أبي بكر وعمر ترك التقليد، ومما يؤكد هذا أن أحكام أبي بكر وعمر في كثير من الفقهيات مختلفة، فقبل عثمان لما فهمه من هذا القصد.
ونقول أيضًا: «إن عبد الرحمن لم يشك في أن عليًّا سيسلك طريق الخليفتين في عدليهما وإنصافهما، وإنما قال ذلك تقريرًا وتأكيدًا، وليقع الرضا من الجماعة، ويستميل قلوب السامعين، وقدر عليّ أنه دعاه إلى التقليد في الأحكام، بينما يعلم أن عمرًا لم يقلد أبا بكر في مسائل الحرام والحلال، فلم يقبل أن يدعوه عبد الرحمن إلى التقليد وترك الاجتهاد، فامتنع عن قبول الشرط، والحكم بالتقليد جائز عند الفقهاء، فهي مسألة اجتهاد، فلعل عثمان وعبد الرحمن كانا يريان جواز التقليد، ولا يرى عليّ ذلك. وعلى هذا يكون عبد الرحمن مصيبًا في اشتراطه وتقريره وتأكيد الأمر، ويكون عليّ مصيبًا في الامتناع منه، ويكون عثمان مصيبًا أيضًا في قبول الاشتراط».
[ انظر: «خلافة عثمان بن عفان» د. مصطفى حلمي ص[4]].
ثالثًا: إن الثابت عند أهل السُّنَّة أن عليًّا كان على سيرة أبي بكر وعمر، وكان كثير المدح لهما، دائم الذكر لمآثرهما، والقول بتفضيلهما على سائر الأمة بعد رسول الله ﷺ.
روى الإمام البخاري بسنده: «عن محمّد ابن الحنفيّة، قال: قلت لأبي: أيّ النَّاس خيرٌ بعد رسول الله ﷺ؟ قال: «أبو بكرٍ»، قلت: ثمَّ من؟ قال: «ثمَّ عمر»، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثمَّ أنت؟ قال: «ما أنا إلَّا رجلٌ من المسلمين».
[ البخاري، باب [قول النَّبي ﷺ: «لو كنت متّخذًا خليلًا»] (5/7 )].
وقد تمنى عليّ عليه السلام أن يلقى الله، تعالى بعمل عمر رضى الله عنه، ففي الصحيحين أن ابن عبّاسٍ قال: «وضع عمر على سريره فتكنّفه النَّاس، يدعون ويصلّون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلَّا رجلٌ آخذٌ منكبي، فإذا عليّ بن أبي طالبٍ فترحّم على عمر، وقال: ما خلَّفتُ أحدًا أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظنّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحَسِبتُ أنِّي كنت كثيرًا أسمع النَّبي ﷺ يقول: «ذهبت أنا وأبُو بَكْرٍ وعُمرُ، ودخلت أنا وأبو بكرٍ وعمر، وخرجت أنا وأبو بكرٍ وعمر».
[«صحيح البخاري» باب [مناقب عمر بن الخطَّاب أبي حفصٍ القرشيّ العدويّ I] (5/11)، و«صحيح مسلم» باب [من فضائل عمر ] (4/1858)].
وقال أبو نعيم الأصبهاني: «مع أنَّ عليًّا في خلافته لم يغيّر شيئًا من سنن الخلفاء قبله، ولم يخالفهم في شيءٍ، وكان أخذ النَّاس بسنّة أبي بكرٍ وعمر، يغزو في خلافتهما، ويصلّي خلفهما، ويأخذ العطاء، ولم يكن فيه عجزٌ ولا ضعفٌ عن أخذ الخلافة بعد الرّسول ﷺ»
[«فضائل الخلفاء الراشدين» أبو نعيم الأصفهاني ص[158]].
رابعًا: إنّ الشيعة كانوا يقرّون بأن عليًّا سار بسيرة الشيخين، ولم يغير شيئًا من أحكامها.
قال الشريف المرتضى: «وأما إقراره ، أحكام القوم لما صار الأمر إليه، فالسبب فيه واضح، وهو استمرار التقية في الأيام المتقدمة باق، وما زال ولا حال، وإنما أفضت الخلافة إليه بالاسم دون المعنى».
[«الذخيرة في علم الكلام» الشريف المرتضى ص[478]].
وقال مرتضى العسكري، بعدما ساق عدة روايات قال: «تدلنا هذه الروايات أن الإمام عليًّا لم يغير شيئًا مما فعلوه قبله في الخمس وتركة الرسول، ولم يكن ليستطيع أن يغير شيئًا».
[«معالم المدرستين» مرتضى العسكري (2/158)].
وقال محمد إسحاق الفياض: «أمير المؤمنين لا يقدر على تغيير ما صنعه الخلفاء قبله».
[ «الأراضي» محمد إسحاق الفياض ص[278]].
وقال محمد باقر الجلالي: «في خلافة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: ولم يكن باستطاعة الإمام علي أن يغيّر شيئا ممّا سنّه الرجلان».
[«فدك والعوالي أو الحوائط السبعة في الكتاب والسنة والتاريخ والأدب» محمد باقر الحسيني الجلالي (1/451)].
ويقول محمد الشيرازي: «وأما قولك -أيها الحافظ-: بأن عليًّا ، حيث لم يردّ فدكًا إلى أولاد فاطمة، فقد أمضى حكم الخليفة، فهو خطأ؛ لأنه ما تمكّن أن يغيّر ما ابتدعه الخلفاء قبله، فكان، ، مغلوبًا على أمره من طرف المخالفين والمناوئين وهم الناكثون والقاسطون».
[كذا في الأصل، والصواب: الناكثون والقاسطون].
[ «ليالي بيشاور» محمد الشيرازي (1/811)].
كل هذه النصوص إن دلت على شيء فإنما تدل على أن عليًّا قد سار بسيرة الشيخين، ولم يغير شيئًا منها.
وصدق ابن التركماني لما قال: «تقولون: إن عليًّا ، كان في زمن هؤلاء في تقية وخيفة، يمتثل أمرهم ولا يجسر يردّ عليهم ولا يظهر خلافهم، وكذا كان بعد موتهم وفي سلطانه وخلافته ومعه مائة ألف سيف، يقولون: ما جسر أن يظهر مخالفتهم ولا عيبهم ولا الرد عليهم؛ لأن أعوانه ومن كانوا معه كانوا يتدينون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلو عابهم أو اتهموه بعيبهم لقتلوه.
قلتم إنه خرج من الدنيا وما أظهر ما في نفسه، وإنه سار في أموال رسول الله ﷺ في خلافته بسيرتهم، وقرأ هذا القرآن، وصلى التراويح، وحيا الأرض كما حيوها، ومدحهم على منابره بالمدح العظيم الذي قد امتلأت الكتب به، وإذا سألناكم قلتم: هذا كله صحيح قد فعله عليّ وقاله، إلاّ أن باطنه فيه خلاف ظاهره، وإنما قاله تقربًا إلى أنصاره وأعوانه؛ لأن ذلك كان يعجبهم، ويرون إمامة هؤلاء، فقاله خوفًا منهم وتقربًا إليهم، فكتب أسلافكم مملوءة بأنه قد فعله تقيةً وخيفةً، والآن تذكرون بأنه قد كاشف في البراءة منهم ومن أفعالهم في زمن عثمان وقبل أن تصير الخلافة إليه، فأنتم لا تعملون على تحصيل،
[هكذا في الأصل].
ولقلة حيلتكم وأنه ليس معكم حجة في مذهبكم ما تأتون بالشيء تظنونه حجة لكم، فتنقضون به على أنفسكم من حيث لا تشعرون، ففي هذا كفاية.
وأيضًا فقد كان في الصحابة من يخالف أبا بكر وعمر في مسائل الاجتهاد، ولا يحتشم ذلك، ولا ينكر أبو بكر وعمر ذلك، وقد خالفهما ابن مسعود، وأبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وغيرهم. فتعلم أن ما يتعلق به هؤلاء باطل…».
[«الإمامة وأثرها في الحكم على الصحابة» ابن التركماني ص[73]].
قلت: ومن هنا نعلم أن عليًّا سار بسيرة الشيخين على نهج الكتاب والسنة الذي يعرفه المسلمون، لا على نهج دين الشيعة الذي يقرون بأن عليًّا لم يعمل به قط.
خامسًا: لو سلمنا – تنزلًا – بأن عليًّا رفض العمل بسيرة الشيخين L؛ لأنها مخالفة لسنة النبي ﷺ، فما جوابهم عن اشترط الحسن على معاوية أن يسير بسيرة الخلفاء الراشدين في شروط الصلح الذي كان بينهما؟!
يقول الأربلي: «هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله ﷺ، وسيرة الخلفاء الراشدين».
[ «كشف الغمة» الإربلي (2/193)].
قال سامي البدري: «المراد بسيرة الخلفاء الصالحين هم الثلاثة الأول، ولا يترقب من الحسن ، أن يشترط على معاوية التزامها؛ لأن أباه عليًّا قد ترك الخلافة المشروطة بالعمل بسيرة الشيخين، مضافًا إلى أن نظام الحكم في العراق -أيام عليٍ والحسن- كان قائمًا على الكتاب والسنة دون سيرة الشيخين».
[«الإمام الحسن في مواجهة الانشقاق الأموي» سامي البدري ص[244]].
والذي يهمنا هنا هو إقراره بأن المراد بسيرة الخلفاء الصالحين الراشدين الذين اشترط الحسن على معاوية أن يسير بسيرتهم الثلاثة الأول، أي أبو بكر، وعمر، وعثمان جميعًا.
وأما محاولته ليّ الكلام بعد ذلك، فلا تسمن ولا تغني من جوع، فكيف لا يترقب من الحسن أن يشترط على معاوية التزام سيرتهم، وهو قد اشترطها أصلًا في شروط الصلح، وكان مما اتفق عليه الطرفان؟!
فإذا كانت سيرة الشيخين غير مرضية، ومخالفة للسنة النبوية، فهل اشترط الحسن على معاوية مقابل التنازل له عن الخلافة، أن يسير في المسلمين بالباطل؟!
مواضيع شبيهة
زعم الشيعة أن عمر بن الخطَّاب قال:«لولا علي لهلك عمر»