زعم الشيعة أن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان وأنه حلال الدم
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس: إن جميع من يعتبر بأعماله من أهل المدينة من الصحابة والتابعين والصالحين، ومن حضرهم من سائر المسلمين، أجمعوا على أن عثمان بن عفان حلال الدم تجب المبادرة إلى قتله، ولا يحل تغسيله ولا الصلاة عليه ولا دفنه. وقتلوه على هذه الحالة.
[كشف المحجة لثمرة المهجة ص٩٤:٩٥].
ويقول عبدالله شبر: “وكفاك في ذلك اتفاق من بايعه من الصحابة والتابعين على استحلال قتله واهراق دمه”.
[حق اليقين في معرفة أصول الدين، السيد عبد الله الشبر، ص ٢٤٣].
ويقول علَّامتهم الحلي: “أن الصحابة تبرأوا منه ، فإنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه ، ولا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار ، بل أسلموه ، ولم يدافعوا عنه بل أعانوا عليه ، ولم يمنعوا من حصره ، ولا من منع الماء عنه ، ولا من قتله ، مع تمكنهم من ذلك كله”.
[نهج الحق وكشف الصدق، العلامة الحلي، ص ٣٠٢].
ونقل هذا الإجماع أيضا محمد طاهر القمي الشيرازي،[ كتاب الأربعين، ص ٥٨١].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذه دعوى عريضة وسخيفة لا يؤيدها نقل ولا عقل إذ أن الصحابة جميعا أجمعوا وبلا خلاف على حرمة دم عثمان وأنه معصوم الدم لا يجوز قتله، بل وهبوا للدفاع عنه لكنه رضي الله عنه رفض أن يراق في المدينة دم بسببه، قال ابن كثير: «أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّةِ»
[«البداية والنهاية» (10/ 344 ت التركي)].
وعن «عَبْد اللَّهِ ابْن عَامر بْن ربيعَة يَقُول كنت مَعَ عُثْمَان فِي الدَّار فَقَالَ أعزم عَلَى كل من رأى أَن عَلَيْهِ سمعا وَطَاعَة إِلَّا كف يَده وسلاحه فَإِن أفضلكم عَندي غناء من كف يَده وسلاحه ثمَّ قَالَ قُم يَا بْن عُمَر فأجر بَين النَّاس فَقَامَ ابْن عُمَر وَقَامَ مَعَه رجال من بَنِي عدي ابْن سراقَة وَابْن مُطِيع ففتحوا الْبَاب وَخرج ودخلوا الدَّار فَقتلُوا عُثْمَان رَضِي اللَّه عَنه»
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص173)].
والسبب في منع عثمان أصحاب النبي أن يدافعوا عنه قد ذكره محب الدين الخطيب ملخصا فقال «الذي يدل عليه مجموع الأخبار عن موقف عثمان من أمر الدفاع عن أو الاستسلام للأقدار، هو أنه كان يكره الفتنة، ويتقي الله في دماء المسلمين. إلا أنه صار في آخر الأمر يود لو كانت لديه قوة راجحة يهابها البغاة، فيرتدعون عن بغيهم، بلا حاجة إلى استعمال السلاح للوصول إلى هذه النتيجة، وقبل أن تبلغ الأمور مبلغها عرض عليه معاوية أن يرسل إليه قوة من جند الشام تكون رهن إشارته، فأبى أن يضيق على أهل دار الهجرة بجند يساكنهم “الطبري: 101: 5″، وأن لا يظن أن الجرأة تبلغ بفريق من إخوانه المسلمين إلى أن يتكالبوا على دم أول مهاجر إلى الله في سبيل دينه. فلما تذاءب عليه البغاة، واعتقد أن الدفاع عنه تسفك فيه الدماء جزافًا، عزم على كل من له عليهم سمع وطاعة أن يكفوا أيديهم وأسلحتهم عن مزالق العنف.والأخبار بذلك مستفيضة»
[«العواصم من القواصم ط دار الجيل» (ص13)].
ونستطيع أن نجمل الأسباب التي دعت عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يتخذ هذا الموقف رغم عرض الصحابة النصرة عليه في التالي:
١- العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم والعهد الذي عاهد عثمان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلمجاء في الحديث الصحيح في مسند أحمد «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ادْعُوا لِي بَعضَ أَصْحَابِي “، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: ” لَا “. قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: ” لَا “. قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: ” لَا “. قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: ” نَعَمْ “، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: ” تَنَحَّيْ “. فَجَعَلَ يُسَارُّهُ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا، قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: ” لَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا، وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ»
[«مسند أحمد» (40/ 297 ط الرسالة)].
٢- ما جاء على لسان عثمان وهو يذكر المبرر الشرعي لرفضه الدفاع عنه أو الخروج لمكة أو الشام.ففي مسند أحمد بإسناد فيه ضعف«حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ
عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ الْعَامَّةِ، وَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَإِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ خِصَالًا ثَلاثًا، اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ فَتُقَاتِلَهُمْ، فَإِنَّ مَعَكَ عَدَدًا وَقُوَّةً، وَأَنْتَ عَلَى الْحَقِّ، وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِمَّا أَنْ نَخْرِقَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ، فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّوكَ وَأَنْتَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ.فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا أَنْ أَخْرُجَ فَأُقَاتِلَ، فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَأَمَّا أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّونِي بِهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” يُلْحِدُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ عَذَابِ الْعَالَمِ ” فَلَنْ أَكُونَ أَنَا إِيَّاهُ، وَأَمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ، فَلَنْ أُفَارِقَ دَارَ هِجْرَتِي، وَمُجَاوَرَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »
[«مسند أحمد» (1/ 519 ط الرسالة)].
٣- علمه أن البغاة لا يريدون غيره، فكره أن يتولى بالمسلمين وأحب أن يقيهم بنفسه فقد روى ابن أبي الدنيا بسنده: «عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ – أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي – نَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ، فَأَذِنَ لَنَا. فَلَمَّا خَرَجْتُ اسْتَقْبَلَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بِالْبَابِ، فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ، فَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَا أَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَمُرْنِي بِأَمْرِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: ” يَا ابْنَ أَخِي وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، إِنَّ الْقَوْمَ مَا يُرِيدُونَ غَيْرِي، وَوَاللَّهِ لَا أَتَوَقَّى بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ أُوَقِّي الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْسِي. فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ كَوْنٌ، فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: انْظُرُوا مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، كُونُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَتْ “ قَالَ بَشَّارٌ: فَحَدَّثَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَقَّ، وَدَمِعَتْ عَيْنُهُ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حُوصِرَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ تَبْدُ مِنْهُ كَلِمَةٌ يَكُونُ لِمُبْتَدِعٍ فِيهَا حُجَّةٌ»
[«المحتضرين لابن أبي الدنيا» (ص58)].
يقول الدكتور الغبان «ولعرض الحسن على عثمان رضي الله عنهما القتال دونه شواهد فيتقوى بها إلى درجة الحسن لغيره.
ولقوله: “أقي المؤمنين بنفسي” شاهد، رواه سعيد بن منصور عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة وذكره (المحب الطبري في الرياض النضرة)»
[«فتنة مقتل عثمان بن عفان» (1/ 550)].
٤- علمه بأن هذه الفتنة ستنتهي بقتله رضي الله عنه وقد أخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وأكدت عليها رؤياه ليلة قتل
في صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري: ” …ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ الْمُسْتَعَانُ»
[«صحيح البخاري» (5/ 13 ط السلطانية)].
وعَنْ أُمِّ هِلَالٍ بِنْتِ وَكِيعٍ، عَنِ امْرَأَةِ عُثْمَانَ قَالَتْ: أُغْفِيَ عُثْمَانُ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «إِنَّ الْقَوْمَ يَقْتُلُونَنِي»، قُلْتُ: كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ»، قَالَ: ” قَالُوا: أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ «، أَوْ» قَالُوا: إِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ ”
[«مصنف ابن أبي شيبة» (6/ 181 ت الحوت)].
[«الطبقات الكبير» (3/ 71 ط الخانجي)].
[«فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل» (1/ 472)].
٥- العمل بمشورة بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سلام وعبد الله بن عمر .«قال ابن سعد : أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: حدّثني أبو ليلى الكِنْدى قال: شَهِدْتُ عثمان وهو محصور فاطّلع من كُوٍّ وهو يقول: يا أيّها النّاس لا تقتلونى وَاسْتَتِيبونى، فوالله لئن قتلتمونى لا تصلّون جميعًا أبدًا ولا تجاهدون عَدوًّا جميعًا أبدًا ولَتَخْتَلِفُنّ حتَّى تصيروا هكذا،] وشَبّك بين أصابعه، ثمّ قال: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [سورة هود: 89]. وأرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكفّ الكفّ فإنّه أبلغ لك في الحجّة»
[«الطبقات الكبير» (3/ 67 ط الخانجي)].
وفي تاريخ دمشق سنده عن «عن أبي القاسم الشنوي عن نافع قال ورافقني بالساحل فسألته عن أمر عثمان فقال سمعت عبد الله بن عمر يقول أرسل إلي وهو محصور وقد فتح الباب ودخل عليه الناس فقال ما ترى فيما يعرض هؤلاء وهؤلاء الذين يأمرونه بالاستقتال والذين يحصرونه على الخلع أو القتل فقال وما يعرضون عليك فقال أما هؤلاء فالاستقتال ووالله ما أحد ما أمتنع به ولا أمنعهم منه وأما هؤلاء فإنهم يعرضون علي أن أخلعها وألحق بمنزلي فوالله لهي أهون علي إن لم أؤجر عليها من قتالي فقلت له إن يستقتل يقتل أعلام الدين ولا يبقى أحد فلا يفعل وأما ما عرض هؤلاء فلا يفعل أمخلد أنت إذا خلعتها قال لا فقاتلوك إن أنت لم تخلعها قال زعموا ذلك قلت يملكون تعجيل يومك أو تأخيره قال لا قلت أيملكون لك جنة أو نارا قال لا [قلت] فلا أرى أن تخلع قميصا قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو إمامهم خلعوه حتى لا يقوم لله دين ولا للمسلمين نظام وأدخل معي في ذلك غيري ففعل فأدخل في ذلك من شهده أو غاب عنه فأجمع (8) الملأ أن الخير في الصبر»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 358)] .
وقد كان صبر عثمان بالحق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ، فَقَدْ نَجَا – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -: مَوْتِي، وَالدَّجَّالُ، وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ مُعْطِيهِ»
[«مسند أحمد» (28/ 177 ط الرسالة)].
ويضاف إلى ما ذُكر ما نقلته كتب الشيعة عن علي أنه قال لعثمان: “وَإِني أَنْشُدُكَ اللهَ أنْ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الاُْمَّةِ الْمَقْتُولَ”.
[اسم الکتاب : نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 359].
فكان عثمان هو إمام هذه الأمة المقتول ظلما وعدوانا رغم انف الروافض الحاقدين .
ثانيا: دفاع الصحابة عن عثمان من أظهر ما يكون وهو ثابت وقد تناولنا طرفا منه عند الكلام عن دفاع علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن عثمان، وقد جاءت الروايات متواترة معنى وهي تقرر دفاع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان ومن ذلك .
ما جاء عن حارثة بن النعمان أنه جاء إلى عثمان وهو محصور فقال كما روى البخاري في التاريخ الكبير«: إِنْ شِئْتَ أَنْ نُقَاتِل دُونَكَ»
[«التاريخ الكبير» للبخاري (3/ 461 ت الدباسي والنحال)].
وجاء المغيرة بن شعبة وأبدى له استعداد كثير من الناس للقتال دونه، واقترح عليه مقاتلتهم بمن معه من العدد والقوة، جاء في رواية الإمام أحمد قال: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ الْعَامَّةِ، وَقَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَإِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ خِصَالًا ثَلاثًا، اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ فَتُقَاتِلَهُمْ، فَإِنَّ مَعَكَ عَدَدًا وَقُوَّةً، وَأَنْتَ عَلَى الْحَقِّ، وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِمَّا أَنْ نَخْرِقَ لَكَ بَابًا سِوَى الْبَابِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَتَقْعُدَ عَلَى رَوَاحِلِكَ، فَتَلْحَقَ بِمَكَّةَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّوكَ وَأَنْتَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَفِيهِمْ مُعَاوِيَةُ.فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا أَنْ أَخْرُجَ فَأُقَاتِلَ، فَلَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ خَلَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَأَمَّا أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْتَحِلُّونِي بِهَا»
[«مسند أحمد» (1/ 519 ط الرسالة)].
بل إن الدار كانت مليئة بالرجال المستعدين للقتال وهم رهن إشارة من إمامهم الصابر، ف«عن ابن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن الزّبير قال: قلت لعثمان يا أمير المؤمنين إنّ معك في الدّار عصابة مستنصرةً بنصر الله بأقَلّ منهم لعثمان فأذَنْ لي فَلأقاتلُ، فقال: أَنْشُدُ الله رَجُلًا، أو قال: أذَكّرُ بالله رَجُلًا أهْراق في دمَه، أو قال: أهراق فيّ دمًا» «الطبقات الكبير» (3/ 67 ط الخانجي)، و «عن ابن سيرين قال: كان مع عثمان يومئذ في الدّار سبعُمائة، لَوْ يَدَعُهُم لضربوهم إن شاء الله حتَّى يُخْرجوهم من أقطارها، منهم ابن عمر والحسن بن عليّ وعبد الله بن الزّبير»
[«الطبقات الكبير» (3/ 67 ط الخانجي)].
ولم يكتف الصحابة بمجرد العرض بل لقد جاءت الانصار الذين نسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم وعرضوا على عثمان النصرة فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: دَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْصَارُ بِالْبَابِ يَقُولُونَ: إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارَ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ: «أَمَّا الْقِتَالُ فَلَا»
[«الفتن لنعيم بن حماد» (1/ 173)].
[ «المحن» (ص82)].
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص173)].
ومن أشهر من وقف وقفة قوية دفاعا عن عثمان هو الحسن بن علي رضي الله عنه ف «عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: اخْتَرِطْ سَيْفِي ، قَالَ: لَا أَبْرَأَ اللَّهُ إِذًا مِنْ دَمِكَ ، وَلَكِنْ ثُمَّ سَيْفَكَ وَارْجِعْ إِلَى أَبِيكَ»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 523 ت الحوت)].
وجاءه الزبير يعرض عليه النصرة بمن معه من الرجال.فعن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة وهو جد موسى أبو أمه قال بعثني الزبير إلى عثمان وهو محصور فدخلت عليه في يوم صائف وهو على كرسي «وعنده الحسن بن علي وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وبين يديه مراكن (1) مملأة ماء ورياط (2) مضرجة [فقلت] (3) بعثني إليك الزبير بن العوام وهو يقرئك السلام ويقول إني على طاعتي لم أبدل ولم أنكث فإن شئت دخلت الدار معك وكنت رجلا من القوم وإن شئت أقمت فإن بني عمرو بن عوف وعدوني أن يصبحوا على بابي ثم يمضون على ما آمرهم به فلما سمع الرسالة قال الله أكبر الحمد لله الذي عصم أخي أقرءه السلام وقال له أن يدخل الدار لا يكن إلا رجلا من القوم مكانك أحب إلي وعسى الله أن يدفع بك عني»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 373)].
ولما رأى الصحابة أن الأمر استفحل، وأن السيل بلغ الزبى عزم بعضهم على الدفاع عنه دون استشارته، فدخل بعضهم الدار مستعدا للقتال، فقد كان ابن عمر معه في الدار متقلدا سيفه لابسا درعه ليقاتل دفاعا عن عثمان رضي الله عنه، ولكن عثمان عزم عليه أن يخرج من الدار خشية أن يتقاتل مع القوم «عَن يعلى بْن حَكِيم عَن نَافِع أَو غَيره أَن ابْن عُمَر كَانَ يَوْمئِذٍ مُتَقَلِّدًا سَيْفه حَتَّى عزم عَلَيْهِ عُثْمَان أَن يخرج مَخَافَة أَن يقتل»
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص173)].
كما فعل مثل ذلك أبو هريرة ودخل الدار على عثمان رضي الله عنه «عَن ابْن أَبِي عرُوبَة عَن قَتَادَة أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ مُتَقَلِّدًا سَيْفه حَتَّى نَهَاهُ عُثْمَان»
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص173)].
وكان معاوية قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج: يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي قال: فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك قال أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الارزاق بجند تساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة! قال: والله يا أمير المؤمنين لتغتالن أو لتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 345)].
[«الفتنة ووقعة الجمل» (ص53)].
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 308)].
لكن عثمان رضي الله عنه رفض كل ذلك للأسباب التي مضت، وبه يظهر زيف ما زعمه الرافضة من أن الصحابة أجمعوا على قتل عثمان واستحلال دمه قبح الله قولهم .
رابعا: مما يبطل تلك الفرية أن أهل العلم صرحوا أنه لم يشترك في قتل عثمان صحابي واحد
قال النووي – رحمه الله – :” ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة ”
من [” شرح مسلم ” ( 15 / 148 ) ].
وقال ابن كثير – رحمه الله – : “وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله : فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه ، بل كلهم كرهه ، ومقته ، وسبَّ من فعله “.
[انتهى من ” البداية والنهاية ” ( 7 / 221 )].
وسئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله – : “هل كان في الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه أحدٌ من الصحابة ؟ فأجاب : ” لا نعلم أحداً من الصحابة شارك في قتل عثمان ” .
انتهى من ” شرح سنن الترمذي ” ( شريط رقم 239 )
وقال الأستاذ محمد بن عبد الله غبان الصبحي – حفظه الله – :” إنه لم يشترك في التحريض على عثمان رضي الله عنه ، فضلاً عن قتله ، أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن كل ما رُوي في ذلك ضعيف الإسناد ” .
[انتهى من ” فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ” ( 1 / 289 )].
وقد قُتل عثمان يوم قتل وهو على الحق بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم 3704 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: لَوْلاَ حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُمْتُ وَذَكَرَ الفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ فَقَالَ: هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الهُدَى، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
[الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي ت بشار، ٦٩/٦].
وعَنْ جُنْدُبِ الْخَيْرِ، قَالَ: أَتَيْنَا حُذَيْفَةَ حِينَ سَارَ الْمِصْرِيُّونَ إِلَى عُثْمَانَ فَقُلْنَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ سَارُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: «يَقْتُلُونَهُ وَاللَّهِ» ; قَالَ: قُلْنَا: أَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ وَاللَّهِ» ، قَالَ: قُلْنَا: فَأَيْنَ قَتَلَتُهُ؟ قَالَ: «فِي النَّارِ وَاللَّهِ»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 516 ت الحوت)].
إسناده حسن كما قال الشيخ طارق الطيار في كتابه “مرويات الخلافة الراشدة في مصنف ابن أبي شيبة ص281
وللحافظ الذهبي كلام ذهبي يحمل أن نختم به هذا المبحث، وقد نقله عنه ابن كثير فقال: “«وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ وَفَضَائِلِهِ، بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ: قُلْتُ: الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَوْ أَلَّبُوا عَلَيْهِ قَتَلُوا إِلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَالَّذِينَ خَذَلُوهُ خَذَلُوا وَتَنَغَّصَ عَيْشُهُمْ، وَكَانَ الْمُلْكُ بَعْدَهُ فِي نَائِبِهِ مُعَاوِيَةَ وَابْنَيْهِ، ثُمَّ فِي وَزِيرِهِ مَرْوَانَ وَثَمَانِيَةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، اسْتَطَالُوا حَيَاتَهُ وَمَلُّوهُ مَعَ فَضْلِهِ وَسَوَابِقِهِ، فَتَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. وَهَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ»
[«البداية والنهاية» (10/ 346 ت التركي)].
والحمد لله الذي رد كيد السبئية ومكّن لذرية عثمان في الأرض رغما عن أنوفهم.
مواضيع شبيهة