رواية أم المؤمنين عائشة: “والله لقد علمت أن عليًّا أحب إليك من أبي ومني”.
ذكر الشيعة عدة روايات يظنونها تعارض ما ثبت من أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت أحب نساء النبي إليه، كما ثبت في الصحيحين من حديث عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: “أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالًا”.
[ صحيح البخاري- (5/5)، صحيح مسلم- (4/1856)].
فقال: “ومن تلك حديث نصت فيه بأن عليا (صلوات الله عليه) أحب إلى النبي منها ومن أبيها! وذلك حين وقعت بينها وبين النبي مشاجرة دفعتها لأن ترفع صوتها عليه وتقسم قائلة كما “أخرج أحمد والبزار عن النعمان بن بشير قال “اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ ، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا، وَهِيَ تَقُولُ: وَاللهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَخَلَ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا، فَقَالَ: يَا بِنْتَ فُلَانَةَ أَلَا أَسْمَعُكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ “.
[ مسند أحمد- (30/373)].
وفي رواية النسائي عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ أَسْتَأْذن أَبُو بكر على النَّبِي فَسمع صَوت عَائِشَة عَالِيا وَهِي تَقول وَالله لقد علمت أَن عليا أحب إِلَيْك من أبي فَأَهوى إِلَيْهَا أَبُو بكر ليلطمها وَقَالَ يَا ابْنة فُلَانَة أَرَاك ترفعين صَوْتك على رَسُول الله .
[ خصائص علي- النسائي- (ص 126)].
ومن تلك حديث نصت فيه على أنها لا تعلم رجلا أحب إلى النبي من علي (عليه السلام) ولا تعلم امرأة أحب إليه من فاطمة صلوات الله عليها.أخرج الحاكم بسنده عن جميع بن عمير قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أُمِّي عَلَى عَائِشَةَ فَسَمِعْتُهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَهِيَ تَسْأَلُهَا، عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَتْ: «تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلٍ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا فِي الْأَرْضِ امْرَأَةٌ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنَ امْرَأَتِهِ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ” جميع بن عمير متهم.
[المستدرك على الصحيحين للحاكم- (3/167)].
وفي رواية الترمذي عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَمَّتِي عَلَى عَائِشَةَ فَسُئِلَتْ أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ “؟ قَالَتْ: «فَاطِمَةُ»، فَقِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: «زَوْجُهَا»، إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا”.
[ سنن الترمذي- ت شاكر- (5/701)].
وفي رواية النسائي (أشار الخبيث في الهامش إلى كتاب سنن النسائي والرواية ليست في السنن وإنما في الخصائص) وغيره عن جَمِيع وَهُوَ ابْن عُمَيْر قَالَ دخلت مَعَ أُمِّي على عَائِشَة وَأَنا غُلَام فَذكرت لَهَا عليا فَقَالَ مَا رَأَيْت رجلا أحب إِلَى رَسُول الله مِنْهُ وَلَا امْرَأَة أحب إِلَى رَسُول الله من امْرَأَته”.
[ خصائص علي- النسائي- (ص 127)].
قال أحدهم معلقًا: “فلا أقل بعد هذه الأحاديث من التساقط للتعارض، مع أنه يمكن ترجيح هذه الطائفة من أحاديث عائشة بأن عليًّا وفاطمة كانا الأحب؛ لأن فيها شهادة لخصومها والحال معكوسة هناك”.
[ الفاحشة- (ص 280/282)].
والجوتب على هذه الشبهة من وجوه:
أولاً: الرواية الأولى: اختلف في إسنادها ومتنها.قال في (أنيس الساري): “أخرجه أحمد (4/ 271 – 272) وفي “فضائل الصحابة” (38) عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن العَيزار بن حُريث عن النعمان بن بشير قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله ، فأذن له فدخل فقال: يا ابنة أم رُومان، وتناولها، أترفعين صوتك على رسول الله ، قال: فحال النبي بينه وبينها، قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي يقول لها يترضاها: “ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك”، قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها، قال: فأذن له فدخل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله ، أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما.
ورواته ثقات إلا أنّ أبا إسحاق السبيعي كان مدلسًا ولم يذكر سماعًا من العيزار، وكان قد اختلط أيضا وسماع إسرائيل منه بعد اختلاطه.
– ورواه يونس بن أبي إسحاق، واختلف عنه:
- فرواه أبو نُعيم الفضل بن دُكين عن يونس عن العيزار عن النعمان.
[ أخرجه أحمد (4/ 275)، وفي “الفضائل”، (39)، والبزار (3275)، والطحاوي في “المشكل”، (5309)، وابن قانع في “الصحابة –”(3/ 144)].
وتابعه عمرو بن مُحَمَّدْ العنقزي أنا يونس به.
- ورواه حجاج بن مُحَمَّدْ الأعور عن يونس عن أبي إسحاق عن العيزار عن النعمان.
[ أخرجه أبو داود (4999)، أنيس الساري- (تخريج أحاديث فتح الباري)- نبيل البصارة- (1/541)، أخرجه النسائي في “الكبرى” (9155) وفي “خصائص علي “، (ص 110)]
فأنت ترى أن يونس ابن أبي إسحاق اختلف عنه في إسناده، ففي إحدى روايتي أحمد وهو طريق أبي نعيم عنه صرح بالسماع من العيزار بخلاف طريق إسرائيل عنه وكذا رواية النسائي وأبو داوود والبزار فليس فيها التصريح بالسماع ومعلوم أن يونس بن إسحاق يتوسع في التصريح بالسماع ففي تهذيب التهذيب: “وقال بندار عن سلم بن قتيبة قدمت من الكوفة، فقال لي شعبة: من لقيت؟ قلت: فلان وفلان ويونس بن أبي إسحاق، قال ما حدثك فأخبرته، وقلت: قال ثنا بكر بن ماعز فسكت ساعة، ثم قال فلم يقل لك ثنا عبد الله بن مسعود”.
[تهذيب التهذيب، (11/433-434)].
فبين شعبة هنا أن يونس يتوسع في ذكر (حدثنا) حتى فيمن لم يسمع منه، ولذلك قال له تعجبا (فلم يقل لك ثنا عبد الله بن مسعود!) فهذا اختلاف في السند. أما الاختلاف في المتن فقد جاء هذا الحديث عند أبي داود (4999) حدثنا يحيى بن معين ثنا حجاج بن محمد ثنا يونس بن ابي إسحاق عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان به (دون ذكر اللفظة موضع الاحتجاج) قال نور الدين الهيثمي “قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، خَلا قَوْلِهَا: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي”.
[ كشف الأستار عن زوائد البزار- نور الدين الهيثمي– (3/195)، وكذلك روى هذا الحديث إسرائيل بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان به (دون هذه اللفظة)، كما عند أحمد، (4/272)، رقم(18394)، وفي فضائل الصحابة لأحمد (38)].
وإسرائيل مقدم على أبيه يونس في حديث أبي إسحاق، كما قال أحمد ويونس بن أبي إسحاق قد تكلم العلماء في حفظه.
قال صالح بن أحمد عن علي بن المديني:” سمعت يحيى وذكر يونس بن أبي إسحاق فقال كانت فيه غفلة شديدة وكانت فيه سخنة”.
[ تهذيب التهذيب- ابن حجر العسقلاني- (11/433)].
وقال الأثرم: “سمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه. وقال: حديث إسرائيل أحب إلي منه. وقال أبو طالب عن أحمد: في حديثه زيادة على حديث الناس. قلت: يقولون إنه سمع في الكتب فهيرا. ثم قال: إسرائيل إنه قد سمع وكتب فلم يكن فيه زيادة مثل يونس. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: حديثه مضطرب. وقال أيضًا: سألت أبي عن عيسى بن يونس. قال عن مثل عيسى تسأل قلت: فأبوه يونس قال كذا وكذا”.
[ تهذيب التهذيب- ابن حجر العسقلاني- (11/434)].
وقال أبو حاتم: “كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي له أحاديث حسان وروى عنه الناس وحديث أهل الكوفة عامته تدور على ذلك البيت، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال مات سنة تسع وخمسين ومائة وكذا قال ابن سعد وغيره في تاريخ وفاته، وقال ابن المديني مات سنة اثنتين، ويقال سنة تسع، وقال ابن أبي عاصم مات سنة ثمان وخمسين ومائة، وتتمة كلام ابن سعد، وكانت له سنن عالية وروى عن عامة رجال أبيه، وكان ثقة إن شاء الله تعالى، وقال الساجي صدوق كان يقدم عثمان على عليٍّ، وضعفه بعضهم. وقال أبو أحمد الحاكم: ربما وهم في روايته، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال ابن شاهين في (الثقات): قال بن معين: ليس به بأس”.
[ تهذيب التهذيب- ابن حجر العسقلاني- (11/434)].
وعليه فعامة أهل العلم أن حديث يونس بن أبي إسحاق لا يحتج به وإن كان حديثه حسن، فكيف وقد خالف ما هو أصح منه وأشهر؟!، وعليه؟! وعليه نقول: إذا صح إسناد في هذا الأثر فلا يعني الحكم بالصحة لكل كلمة فيه؛ وإلا فإن اللفظة موضع الاحتجاج خلت منها عدة روايات، وهذا أظنه ما قصده الإمام أحمد لما حكم على حديث يونس بالاضطراب كما سبق نقله، وعليه فهذه الجملة “لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي” لفظة منكرة لا يحتج بها
قال الشيخ الحويني في تعليقه على (خصائص علي) [خصائص علي، تحقيق الحويني (ص 106)].: “إسناده صحيح على نكارة في جملة من متنه كما يأتي إن شاء الله، وعبدة ثقة، وكذا عمرو، ومن بعده، ولكن اختلف في إسناد هذا الحديث: فرواه يونس عن العيزار عن النعمان أخرجه البزار (3/194-195) من طريق أبي نعيم ثنا يونس به.
وخالفه ابنه إسرائيل فرواه عن أبي إسحق عن العيزار .
[ أخرجه أحمد- (4/271-272)].
واختلف على يونس فيه، فرواه عمرو بن محمد العنقري عنه عن أبي إسحق أخرجه أبو داود (4999) والوجه الأول أرجح، وهو الخالي من ذكر: أبي إسحق، ثم إن قول عائشة “لقد علمت أن عليا أحب إليك مني” هذه الجملة -عندي-منكرة، وسائر الروايات لم تذكر الأمر الذي جعل عائشة-رضي الله عنها-ترفع صوتها على النبي “.
وعليه فلا نتكلف الجمع بين حديث في أعلى درجات الصحة والذي أثبت أن أحب الرجال إلى رسول الله أبو بكر الصديق وأحب النساء إليه عائشة واللفظة موضع الاحتجاج منها حكم عليها الحفاظ بالنكارة. وإذا تكلفنا الجمع بين الروايتين فما هو إلا تنزلاً.
ثانيًا: لو صح الحديثان لقلنا إن رواية الصحيحين وهي عَمْرُو بْنُ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (عَائِشَةُ)، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟، فَقَالَ: (أَبُوهَا)، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب)، فَعَدَّ رِجَالًا”.
[رواه البخاري في “صحيحه” (رقم/3662)، ومسلم في “صحيحه”، (رقم/2384)].
هذه الرواية أرجح بلا شك، وذلك لأمرين:
1- أنها في الصحيحين، وما فيهما يقدم عند التعارض على غيرهما؛ لأن الأصح يقدم على الصحيح إجماعًا، قال ابن الصلاح –وهو يتكلم على مراتب وأقسام الصحيح-:
“فَأَوَّلُهُمَا: صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا.
الثَّانِي: صَحِيحٌ انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، أَيْ عَنْ مُسْلِمٍ.
الثَّالِثُ: صَحِيحٌ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، أَيْ عَنِ الْبُخَارِيِّ.
الرَّابِعُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا لَمْ يُخْرِجَاهُ.
الْخَامِسُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُخْرِجْهُ.
السَّادِسُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَمْ يُخْرِجْهُ.
السَّابِعُ: صَحِيحٌ عِنْدَ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ عَلَى شَرْطِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
هَذِهِ أُمَّهَاتُ أَقْسَامِهِ، وَأَعْلَاهَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ كَثِيرًا: ” صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ “. يُطْلِقُونَ ذَلِكَ وَيَعْنُونَ بِهِ اتِّفَاقَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، لَا اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ. لَكِنَّ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ لَازِمٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَاصِلٌ مَعَهُ؛ لِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ عَلَى تَلَقِّي مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ”.
[ مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث- (ص 28)].
2- رواية الصحيحين قول للنبي ، ورواية أحمد تقرير، والقول مقدم على التقرير عند التعارض، قال الحافظ “لَكِنْ يُرَجَّحُ حَدِيثَ عَمْرٍو أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ وَهَذَا مِنْ تَقْرِيرِهِ”.
ثالثا: يمكن الجمع باختلاف جهة المحبة فيكون علي وفاطمة أحب أهل البيت جميعًا إلى رسول الله ، وأبو بكر وعائشة أحب الناس جميعًا. قال الحافظ ابن حجر: “وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْمَحَبَّةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمُومِهِ بِخِلَافِ عَلِيٍّ”.
[ فتح الباري- لابن حجر- (7/27)].
رابًعا:أ ن الأحبية قد تتعدد، وقد ثبت عن النبي في غير ما حديث يذكر فيه أحب الأعمال إلى الله فيغاير بينها ومنه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ : أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ”.
[ صحيح البخاري- (8/98)].
وعن عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ أَيُّ : الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي”.
[ صحيح مسلم- (1/90)].
وعند أبي يعلى:” أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ”.
[مسند أبي يعلى الموصلي- (12/229)].
ومنه:” أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ”.
[ المعجم الكبير للطبراني- (20/106)].
فقد تتعدد الأحبية دون تعارض فيكون أحب الرجال إلى النبي أبو بكر وعلي، وأحب النساء عائشة وفاطمة.
خامسًا: حتى لو رجحنا أن عليًّا وفاطمة أحب من أبي بكر وعائشة عند رسول الله فهذا يثبت المحبة للصديق وحبيبة الحبيب ولم يكن رسول الله يحب إلا طيبًا.وهذا كله تنزلاً، وإلا فاللفظة موضع الاحتجاج لا تصح.ولو قلنا بصحة رواية الحاكم تنزلاً، فنقول كما قال الطحاوي أنها: “أخبرت عَلَى مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهَا، مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ”.
[شرح مشكل الآثار- الطحاوي- (13/330)].
وهو الذي ثبت خلافه من حديث عمرو وغيره وإلا فالبحث ساقط بضعف رواية الحاكم قال الطحاوي أيضا: “وَلَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا، بِمَانِعٍ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُهُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ، وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ مَوْضِعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ مِنْ مَحَبَّةٍ، وَمِنْ فَضْلٍ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا، وَعَلَى سَائِرِ أَصْحَابِهِ سِوَاهُمَا، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ”.
[شرح مشكل الآثار- الطحاوي- (13/333)].
وأما باقي الروايات فكلها كما ذكر صاحب الشبهة من طريق جميع بن عمير، وهو ضعيف لا يحتج به على الراجح إذا لم يرو ما يؤيد بدعته، وهي التشيع، فإذا روى ما يؤيد بدعته؛ فحديثه مردود إجماعًا. قال الحافظ ابن حجر: “قال ابن عدي هو كما قال البخاري في أحاديثه نظر وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد…، وقال بن نمير: كان من أكذب الناس كان يقول: “أن الكراكي تفرخ في السماء، ولا يقع فراخها”، رواه بن حبان في كتاب (الضعفاء) بإسناده، وقال: كان رافضيًّا، يضع الحديث. وقال الساجي: له أحاديث مناكير، وفيه نظر، وهو صدوق. وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال أبو العرب الصقلي: ليس يتابع أبو الحسن على هذا.
[ تهذيب التهذيب- (2/112)].
فأنت ترى تضعيف أهل العلم له ويكفي أن البخاري قال “فيه نظر“، قال الذهبي: “وكذا عادته- يعني البخاري- إذا قال: «فيه نظر» بمعنى أنه متهم، أو ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف”.
[الموقظة- الذهبي – (ص30)].
وقال: “قال البخاري: فيه نظر، ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً”.
[الميزان- الذهبي – (2/34)].
وقال الشيخ المعلمي: “وكلمة “فيه نظر” معدودة من أشد الجرح في اصطلاح البخاري”
[ التنكيل- المعلمي- (1/270)].
ثم هذا الحديث مما يؤيد بدعته فترد اتفاقا، قال الحافظ ابن حجر: “وينبغي أن يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقًا، ولم يكن داعية بشرط أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها، فإنا لا نأمن حينئذ عليه من غلبة الهوى، والله الموفق”.
[ لسان الميزان- (1/ 11)].
وقال المعلمي: “ﻋﻦ اﺑﻦ ﺩﻗﻴﻖ اﻟﻌﻴﺪ: ﺇﻥ ﻭاﻓﻘﻪ ﻏﻴﺮﻩ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻪ؛ ﺇﺧﻤﺎﺩاً ﻟﺒﺪﻋﺘﻪ ﻭﺇﻃﻔﺎءً ﻟﻨﺎﺭﻩ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻘﻪ ﺃﺣﺪ، ﻭﻟﻢ ﻳﻮﺟﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺇﻻ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻊ ﻣﺎ ﻭﺻﻔﻨﺎ ﻣﻦ ﺻﺪقه، ﻭﺗﺤﺮﺯﻩ ﻋﻦ اﻟﻜﺬﺏ، ﻭاﺷﺘﻬﺎﺭﻩ ﺑﺎﻟﺘﺪﻳﻦ، ﻭﻋﺪﻡ ﺗﻌﻠﻖ ﺫﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﺒﺪﻋﺘﻪ، ﻓﻴﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﺫﻟﻚ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﻧﺸﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺇﻫﺎﻧﺘﻪ ﻭﺇﻃﻔﺎء ﻧﺎﺭﻩ”.
[ﻓﺘﺢ اﻟﻤﻐﻴﺚ- المعلمي- (ص 140)، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل- (ص 236)].
وعليه تسقط كل روايات الرافضي ويسقط كل ما بناه عليها بفضل الله تعالى.
على أننا لا ننسى أن نتمم البحث بالقول بأن هذه الروايات فيها فضائل للصديقة عائشة رضي الله عنها ولأبيها الصديق ، ويتبيّن ذلك بأمور:
أنه دافع عن الصديقة عائشة رضي الله عنها، وراضاها، وضاحكها، وطيّب خاطرها، ولم يُنكر عليها.
أفبعد كل هذا يأتي هذا الفسل الأنوك ليستدرك على رسول الله ! فلا والله ما سمعنا قط بأسخف من هذا الهذيان.
مواضيع شبيهة
عائشة تسمع الغناء، وتقول بأن النبي كان يستمع له.