دفن فاطمة ليلا وعدم حضور ابي بكر وعمر لجنازتها.
من الشبهات التي يثيرها الشيعة على الصديق والفاروق أنهما لم يشهدا دفن فاطمة، وأنها أوصت عليا بذلك، ويروون في ذلك روايات ومنها ما رواه الطوسي قال: “أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن عبد الجبار ، عن القاسم بن محمد الرازي ، عن علي بن محمد الهرمزداني ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ، عن أبيه الحسين ( عليه السلام ) ، قال : لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصت إلى علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحدا بمرضها ، ففعل ذلك ، وكان يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس ( رحمها الله ) على استمرار بذلك ، كما وصت به ، فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يترك أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها ، فتولى ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ودفنها وعفى موضع قبرها”.
[الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ١٣٩].
ويذكرون أن ذلك دليل على غضبها.
والجواب علي هذه الشبهة من وجوه:
أولا: جاء في الصحيح: “فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا”.
[البخاري، صحيح البخاري، ١٣٩/٥].
وقد ذكرنا في جواب شبهة غضب فاطمة أن هذا مدرج من كلام الزهري ونحن نعيد ما ذكرناه هناك للحاجة إليه هنا قلنا: وقد روى تلك الرواية –هجران فاطمة وما بعده – عن الزهري صالح بن كيسان، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، ومعمر بن أبي راشد، وإسحاق بن راشد، والوليد بن محمد الموقري، وميّز معمر في روايته بين كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصديق وكلام أم المؤمنين وكلام الزهري، وقد جاءت رواية معمر في البخاري وقد سبق إيرادها عن معمر والتي فيها “قال: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ”.وجاءت مفصله أيضا عند عبد الرزاق: “عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ، وَالْعَبَّاسَ، أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرٍ – فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمَالِ» وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ، إِلَّا صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَدَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ حَظْوَةٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ انْصَرَفَتْ وُجُوهُ النَّاسِ عَنْهُ، فَمَكَثَتْ فَاطِمَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَقَالَ رَجُلٌ لِلزُّهْرِيِّ: فَلَمْ يُبَايِعْهُ عَلِيٌّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى بَايَعَهُ عَلِيٌّ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ انْصِرَافَ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ، أَسْرَعَ إِلَى مُصَالَحَةِ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ…”
[عبد الرزاق الصنعاني، مصنف عبد الرزاق الصنعاني، ٤٧١/٥].
هكذا رواه عبدالرزاق قاله عنه : محمد بن يحيی ومحمد بن علي الصنعاني أخرجها أبو عوانة في مسنده ( ٦٦٧٩ ) وأبو صالح الشراري وإسحاق الدبري – أخرجها الطبري في « تاريخه ، ( ۲/ ۲۳٦) . واحمد بن منصور عند البيهقي ( ۳۰۰/٦ ) وتوبع عبد الرزاق عليه تابعه محمد بن ثور عن معمر ، كما في أخبار المدينة لابن شبة ( ۱/ ۱۲۲ح٥٤٩ ) . وتابعه هشام بن يوسف الصنعاني عند البخاري ( ٦٣٤٦ ).لكن رواه المروزي في مسند أبي بكر (۳۸) حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا أبو بکر بن زنجويه قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة : « أن فاطمة والعباس أتیا أبا بكر رضي الله عنهما يلتمسان میراثهما من رسول الله … وفيه : قالت : فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي رضي الله عنه ليلا ولم يؤذن بها أبو بكر قالت فكان لعلي رضي الله وجه من الناس حياة فاطمة رضي الله عنها فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي فمكثت فاطمة ستة اشهر بعد رسول الله ثم توفيت قال معمر : فقال رجل للزهري رحمه الله : فلم يبايعه ستة أشهر قال : لا ولا أحد من بني هاشم حتی بایعه علي .قلت : فجاء في الرواية (قالت فهجرته فاطمة) وليس (قال) وهي رواية فيها نظر فقد رواه عن عبد الرزاق :– محمد بن يحيی .- محمد بن علي الصنعاني .- أبو صالح الشراري .- إسحاق بن إبراهيم الدبري .- أحمد بن منصور كلهم بلفظ ( قال ) ، وهو الأصح . بل جاء في رواية شعيب وعقيل وصالح بن كيسان بلفظ “قال” وهو ما يؤكد أن فاعله رجل وليس امرأة فيكون مدرجا من كلام الزهري ولا عبرة بغير ذلك بدلالة أن الحجة للمبين على المجمل، وعليه فيكون القول بأن فاطمة هجرت أبا بكر ولم تكلمه حتى ماتت إنما هو من كلام الزهري ولا يصح.فإذا ثبت الإدراج رجعنا إلى الأصل، وأن من يجزم بنفي حضور أبي بكر جنازة فاطمة فعليه الدليل، خاصة أنهم يقولون إن التي غسلتها هي زوجة أبي بكر الصديق، فكيف تخرج زوجة الصديق من بيته بلا إذنه؟ وكيف تخرج من بيته ولا يعلم إلى أي مكان تذهب ولماذا؟ هذا محال عقلا وشرعا.
ثانيا: دفن فاطمة ليلا لم يكن لغضبها على الصديق أو غيره كما يفترون، بل كان هذا من شدة حيائها ورغبتها في التستر إلى الدرجة التي جعلتها لا ترضى بنعش كان هو السائد في بلاد العرب آنذاك، فقد جاء في تاريخ المدينة قال: “حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ قَالَ: ” كَمِدَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهَا سَبْعِينَ بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ جَلَالَةِ جِسْمِي إِذَا أُخْرِجْتُ عَلَى الرِّجَالِ غَدًا – وَكَانُوا يَحْمِلُونَ الرِّجَالَ كَمَا يَحْمِلُونَ النِّسَاءَ – فَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، أَوْ أ ُمُّ سَلَمَةَ: إِنِّي رَأَيْتُ شَيْئًا يُصْنَعُ بِالْحَبَشَةِ، فَصَنَعَتِ النَّعْشَ، فَاتُّخِذَ بَعْدَ ذَلِكَ سُنَّةً “حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ سَلْمَى قَالَتْ: ” اشْتَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَتْ، فَأَصْبَحَتْ يَوْمًا كَأَمْثَلِ مَا كَانَتْ تَكُونُ، وَخَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: يَا أَمَّتَاهُ، اسْكُبِي لِي غُسْلًا. ثُمَّ قَامَتْ فَاغْتَسَلَتْ كَأَحْسَنِ مَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ ثُمَّ قَالَتْ: هَاتِ ثِيَابِي الْجُدُدُ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَلَبِسَتْهَا، ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ فَقَالَتْ: قَدِّمِي الْفِرَاشَ إِلَى وَسَطِ الْبَيْتِ. فَقَدَّمْتُهُ، فَاضْطَجَعَتْ وَاسْتَقْبَلَتِ الْقِبْلَةَ، وَوَضَعَتْ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّهَا ثُمَّ قَالَتْ: يَا أُمَّتَاهُ، إِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ، وَإِنِّي قَدِ اغْتَسَلْتُ فَلَا يَكْشِفْنِي أَحَدٌ. قَالَ: فَقُبِضَتْ مَكَانَهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ: لَا جَرَمَ، وَاللَّهِ لَا يَكْشِفُهَا أَحَدٌ. فَحَمَلَهَا بِغُسْلِهَا ذَلِكَ فَدَفَنَهَا ”
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (1/ 108)].
وأما من كتب الشيعة فقد جاء في بحار الأنوار: “وروي أنها أوصيت عليا ع وأسماء بنت عميس أن يغسلاها.وعن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لاسماء بنت عميس : ألا ترين إلى ما بلغت فلا تحمليني على سرير ظاهر فقالت : لا لعمري ولكن أصنع نعشا كما رأيت يصنع بالحبشة.قالت : فأرينيه فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الاسواق ثم جعلت على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش فتبسمت وما رؤيت متبسمة إلا يومئذ ثم حملناها فدفناها ليلا وصلى عليها العباس بن عبدالمطلب ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس.
وعن أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لاسماء : إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء : يابنت رسول الله أنا اريك شيئا رأيته بأرض الحبشة ، قال : فدعت بجريدة رطبة فحسنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل”.
[اسم الکتاب : بحار الأنوار – ط مؤسسةالوفاء المؤلف : العلامة المجلسي الجزء : 43 صفحة : 189].
وعليه فقد كان دفنها ليلا رغبة في التستر الشديد لا كما يفتري الشيعة الظالمون.
ثالثا: من الكذب أن يقال أننا لا نعرف أين دفنت، فمن المعلوم أن فاطمة دفنت في البقيع، وقد جاءت في ذلك روايات كثيرة
ففي الطبقات «أخبرنا محمد بن عمر قال: سألت عبد الرحمن بن أبي الموالى قال: قلت إنّ الناس يقولون إنّ قبر فاطمة عند المسجد الذي يُصَلّون إليه على جنائزهم بالبقيع، فقال: والله ما ذاك إلا مسجد رقيّة، يعني امرأة عمرته، وما دُفنت فاطمة إلا في زاوية دار عقيل ممّا يلى دار الجحشيّين مستقبل خرجة بني نبيه من بني عبد الدار بالبقيع وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع»
[«الطبقات الكبير» (10/ 30 ط الخانجي)].
وفيه أيضا: “«أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ قَالَ:وَجَدْتُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَاقِفًا يَنْتَظِرُنِي بِالْبَقِيعِ نِصْفَ النَّهَارِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ فَقُلْتُ: مَا يُوقِفُكَ يَا أبا هَاشِمٍ هَاهُنَا؟ قَالَ: انْتَظَرْتُكَ. بَلَغَنِي أَنَّ فَاطِمَةَ دُفِنَتْ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي دَارِ عَقِيلٍ مِمَّا يَلِي دَارَ الْجَحْشِيِّينَ فَأُحِبّ أَنْ تَبْتَاعَهُ لِي بِمَا بَلَغَ. أُدْفَنُ فِيهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَاللَّهِ لأَفْعَلَنَّ. فَجَهَدَ بِالْعَقِيلِيِّينَ فَأَبَوْا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ:وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَشُكّ أَنَّ قَبْرَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ»
[«الطبقات الكبرى ط العلمية» (8/ 25)].
وفي تاريخ المدينة: “حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنِ حَسَنِ بْنِ مَنْبُوذِ بْنِ حُوَيْطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَجَدِّهِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ: «أَنَّ قَبْرَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وِجَاهَ زُقَاقِ نُبَيْهٍ، وَأَنَّهُ إِلَى زَاوِيَةِ دَارِ عَقِيلٍ أَقْرَبُ» حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، عَنْ غَسَّانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، يَقُولُ: «إِنَّ قَبْرَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَذْوَ الزُّقَاقِ الَّذِي يَلِي زَاوِيَةَ دَارِ عَقِيلٍ» وَذَكَرَ غَسَّانُ أَنَّهُ ذَرَعَ مِنْ حَيْثُ أَشَارَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَجَدَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِرَاعًا إِلَى الْقَنَاةِ
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (1/ 105)].
ومما يُكذِّب دعوى الشيعة أن عليا اخفى قبرها أنهم يقولون أن قبرها معروف وقد دفنها علي في بيتها فقد روى الطوسي في التهذيب: “عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : سألت ابا الحسن عليه السلام عن قبر فاطمة عليهاالسلام فقال
: دفنت في بيتها فلما زادت بنو امية في المسجد صارت في المسجد”.وقد صحح تلك الرواية المجلسي في ملاذ الاخيار فقال: “الحديث الخامس و العشرون: صحيح”.
[ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار المؤلف : العلامة المجلسي الجزء : 5 صفحة : 481].
وأما رواية الطوسي التي ذكرناها في أصل الشبهة فهي ضعيفة عند الشيعة ويكفي أن في سندها علي بن جعفر الهرمزداني، قال الحلي: “ضعيف”.
[خلاصة الأقوال – العلامة الحلي – الصفحة ٣٦٩].
وبه يسقط تشغيب الرافضة أن عليا أخفى قبرها، لأنه لو كان إخفاء القبر خوفا من نبشه ففضلا عن أنه لم يكن أحد ينبش قبور الكفار فضلا عن المسلمين أيامها إلا أننا نقول: إذا حدَّث الأئمة شيعتهم بمكان قبرها فقد سقطت تلك العلة لأن المدينة كانت ولازالت في حوزة اتباع أبي بكر وعمر وهم على نفس العقيدة بلا خلاف، وإن قالوا بل إنه اخفى قبرها لئلا يصلي عليها الناس وخاصة أبو بكر وعمر فلماذا لم يوص النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا بمثل ذلك معه حتى لا يصلي عليه المنافقون ولم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إياكم أن يصلي علىَّ منافق!!، ولاشك أن حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك أولى من حفظ أي أحد من امته فسقط بذلك قول الشيعة.لكننا نؤكد على كذب تلك الروايات وأنها رضي الله عنها لم تدفن في بيتها وإلا فما فائدة النعش الذي طارت شهرته في الآفاق وعلم الناس جميعا أن فاطمة رضي الله عنها هي أول امرأة تشيع في نعش مغطى.
رابعا: إذا كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد أخفى قبر فاطمة فالرافضة اليوم مخالفون لعلي رضي الله عنه، لأنهم لو كانوا موجودين ساعتها لرفعوه وبنوا عليه قبة، وعظّموه وطافوا حوله كما يفعلون الآن حول تلك القبور المزورة والمنقولة لأهل البيت ففي الكافي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام ، قَالَ : « قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليهالسلام : بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلىاللهعليه وآله وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : لَاتَدَعْ صُورَةً إِلاَّ مَحَوْتَهَا ، وَلَا قَبْراً إِلاَّ سَوَّيْتَهُ ، وَلَا كَلْباً إِلاَّ قَتَلْتَهُ ».
[اسم الکتاب : الکافی- ط دار الحدیث المؤلف : [الشيخ الكليني الجزء : 13 صفحة : 234].
وقد صح ذلك عن علي رضي الله عنه عند أهل السنة ففي صحيح مسلم: “عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ».
[مسلم، صحيح مسلم، ٦٦٦/٢].
خامسا: عدم حضور الجنازة ليس دليل بغض وإلا فهل أخفى علي دفن فاطمة على جميع الصحابة أم عن البعض فقط ؟ فإن كان عن الجميع لزم أنهم كلهم بلا استثناء أعداء لفاطمة، وإن كان جميع المؤمنين حضروا جنازتها، لزم عدم إخفاء قبرها، وإن كان اخفى عن بعضهم والبعض الآخر لا، لزم أن إخفاء قبر فاطمة لم يكن طعنا في إيمان أي مؤمن.
مواضيع شبيهة