دعوى مشاركة محمد بن أبي بكر في قتل عثمان.
قال الشيعة إن محمد بن أبي بكر قد شارك في قتل عثمان رضي الله عنه.يقول جعفر مرتضى العاملي: “ومن أجلى مظاهر حنوها على أقربائها قصتها مع أخيها محمد بن أبي بكر، فانهما بعد أن اشتركا في الاجهاز على عثمان، اختلفا بعده”.
[اسم الکتاب : أحاديث أم المؤمنين عائشة المؤلف : العسكري، السيد مرتضى الجزء : 1 صفحة : 350].
ويقول محسن الخياط: “وكذلك الصحابة الكبار الأجلاّء (ومنهم – خال المؤمنين – محمد بن أبي بكرٍ)، كانوا مُجتهدِينَ، وغَفَرَ الله لَهم، عندما اشتركوا في قتل عثمان بن عفان؟! وألَّبوا الناس عليه!”.
[اسم الکتاب : الافصاح عن المتواري من احاديث المسانيد والسنن والصحاح المؤلف : الخياط، محسن الجزء : 2 صفحة : 41].
وذكر ذلك نعمة الجزائري
[اسم الکتاب : الأنوار النعمانية المؤلف : الجزائري، السيد نعمة الله الجزء : 2 صفحة : 149].
وغيره((ممن ذكر ذلك لقد شيعني الحسين (ع))
[الإنتقال الصعب في المذهب والمعتقد المؤلف : إدريس الحسيني الجزء : 1 صفحة : 222].
[اسم الکتاب : الشافي في الإمامة المؤلف : السيد الشريف المرتضي الجزء : 4 صفحة : 309.)].
وأوردوا في ذلك روايات نعرض لها في خلال البحث.
والجواب على هذه الشيهة من وجوه:
أولا: قد اختلف أهل العلم في صحبة محمد بن أبي بكر تبعا لاختلافهم في مفهوم الصحابة والثابت القطعي أنه ولد فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَقْتَ الإِحْرَامِ
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ٤٨٢/٣]
ومثل هذا قد قال جماعة عريضة من أهل العلم أنهم لا يعدون في الصحابة
قال الإمام العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: “«فأما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه كما هو موجود في كلام يحيى بن معين وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي داود وابن عبد البر وغيرهم وهم جماعة أتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم أطفال فحنكهم ومسح وجوههم أو تفل في أفواههم فلم يكتبوا لهم صحبة»
[«التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح» (ص292)].
وقال الحافظ العلائي في ترجمة عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: “ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به فحنكه ودعا له ذكره بن عبد البر في الصحابة كذلك ولا صحبة له بل ولا رؤية وحديثه مرسل قطعا»
[«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» (ص208)].
وقال في ترجمة عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري: “أخو أنس لأمه حنكه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له ولا يعرف له رؤية بل هو تابعي وحديثه مرسل»
[«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» (ص213)].
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن محمد بن أبي بكر«وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا وُلِدَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَنْ تَغْتَسِلَ لِلْإِحْرَامِ وَهِيَ نُفَسَاءُ، وَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً، وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْ حَيَاةِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِلَّا خَمْسَ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرًا، وَأَوَائِلَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلَا يَبْلُغُ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَمَاتَ أَبُوهُ أَبُو بَكْرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَعُمْرُهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَلَا قُرْبُ مَنْزِلَةٍ مِنْ أَبِيهِ، إِلَّا كَمَا يَكُونُ لِمِثْلِهِ مِنَ الْأَطْفَالِ، وَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ بِأُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَكَانَ رَبِيبَ عَلِيٍّ، وَكَانَ اخْتِصَاصُهُ بِعَلِيٍّ لِهَذَا السَّبَبِ»
[«منهاج السنة النبوية» (4/ 374)].
وقال: «وَالرَّافِضَةُ تَغْلُو فِي تَعْظِيمِهِ عَلَى عَادَتِهِمُ الْفَاسِدَةِ فِي أَنَّهُمْ يَمْدَحُونَ رِجَالَ الْفِتْنَةِ الَّذِينَ قَامُوا عَلَى عُثْمَانَ، وَيُبَالِغُونَ فِي مَدْحِ مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ، حَتَّى يُفَضِّلُونَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَلْعَنُونَ أَفْضَلَ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَيَمْدَحُونَ ابْنَهُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا سَابِقَةٌ وَلَا فَضِيلَةٌ»
[«منهاج السنة النبوية» (4/ 375)].
وقال: “وَإِنْ أَرَادَ (6) عِظَمَ شَأْنِهِ لِسَابِقَتِهِ (7) وَهِجْرَتِهِ [وَنُصْرَتِهِ] وَجِهَادِهِ (8) ، فَهُوَ لَيْسَ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَا الْأَنْصَارِ (9) . وَإِنْ أَرَادَ (10) بِعِظَمِ (11) شَأْنِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ (12) النَّاسِ وَأَدْيَنِهِمْ، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مَعْدُودًا «مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ فِي طَبَقَتِهِ»
[«منهاج السنة النبوية» (4/ 377)].
وعليه فإن الصحبة لم تثبت لمحمد بن أبي بكر ولا يمكن الطعن على ابيه لما فعله قطعا وإلا لزم الطعن على نوح بما فعل ابنه، ولا قائل به.
ثانيا: قد ثبت بالأدلة القطعية أن محمد بن أبي بكر لم يشترك في قتل عثمان رضي الله عنه وهذا مما تواترت به الروايات والأدلة وإليك بعضها.
الدليل الأول: ما ثبت في صحيح مسلم ومستخرج أبي عوانة: «عن عبد الرحمن بن شمَاسة المهري، قال: “دخلت على عائشة أم المؤمنين، فقالت لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حُديج (3) في غَزاتكم هذه؟ فقلت: وجدناه خير أمير، ما مات لرجل منا عبد إلا أعطاه عبدًا، ولا بعير (4) إلا أعطاه بعيرًا، ولا فرس إلا أعطاه فرسًا، فقالت: أما إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدث ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخْبِرْه أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فشُقَّ عليه”»
[«مستخرج أبي عوانة» (15/ 116 ط الجامعة الإسلامية)].
[«صحيح مسلم» (3/ 1458 ت عبد الباقي)].
والشاهد أن أم المؤمنين خرجت إلى البصرة تطلب قتلة عثمان،ولو كان أخوها منهم ما حزنت عليه كما يفهم من هذه الرواية.
الدليل الثاني: ما ثبت من لعن علي لقناة عثمان وتبرؤه منهم ومن ذلك ما رواه ابن شبه وابن عساكر: : “عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِرَارًا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ»
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (4/ 1266)].
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (25/ 116)].
قلت كان محمد بن أبي بمر منهم لما تبرأ علي منه وهو ربيبه وقد ولّاه على مصر بعدها.
الدليل الثالث: ما أخرجه بن عبد البر بسند حسن قال: «وَرَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا كِنَانَةُ مَوْلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ يَوْمَ الدَّارِ- إِنَّهُ لَمْ يَنَلْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ بِشَيْءٍ. قال مُحَمَّد بْن طَلْحَة: فقلت لكنانة: فلم قيل إنه قتله؟ قَالَ: مُعَاذ الله أن يكون قتله، إنما دخل عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: يَا بْن أخي، لست بصاحبي، وكلمه بكلام، فخرج ولم ينل من دمه بشيء. فقلت لكنانة: فمن قتله، قَالَ: رجل من أهل مصر يقال لَهُ جبلة بْن الأيهم»
[«الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/ 1367)].
وروى خليفة بن خياط قال «حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر عَن أَبِيه عَن الْحسن أَن ابْن أَبِي بَكْر أَخذ بلحيته فَقَالَ عُثْمَان لقد أخذت مني مأخذا أَو قعدت مني مقْعدا مَا كَانَ أَبوك ليقعده فَخرج وَتَركه»
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص174)].
قال الدكتور محمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان الصبحي «إسناده حسن لغيره»
[«فتنة مقتل عثمان بن عفان» (1/ 483)].
وروى الطبري قَالَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ: فَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ دخل عليه «فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَخَذْتَ مِنَّا مَأْخَذًا، وَقَعَدْتَ مِنِّي مَقْعَدًا مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ لِيَقْعُدَهُ أَوْ لِيَأْخُذَهُ قَالَ: فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 384)].
ولذلك قال الحافظ ابن كثير: «وَيُرْوَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ طَعْنَهُ بِمَشَاقِصَ فِي أُذُنِهِ حَتَّى دَخَلَتْ حَلْقَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ اسْتَحْيَى وَرَجَعَ حِينَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: لَقَدْ أَخَذْتَ بِلِحْيَةٍ كَانَ أَبُوكَ يُكْرِمُهَا. فَتَذَمَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَغَطَّى وَجْهَهُ وَرَجَعَ وَجَاحَفَ دُونَهُ فَلَمْ يُفِدْ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا»
[«البداية والنهاية» (10/ 308 ت التركي)].
الدليل الرابع :أن جميع الروايات التي ذكرت أنه قد شارك في قتل عثمان ضعيفة ولا يسلم منها شيء وهذا ما نفصله في ثانيا .
ثانيا: إن جميع الروايات التي تذكر مشاركة محمد بن أبي بكر في قتل عثمان رضي الله عنه لا تصح ونحن نعرض لها تفصيلا
الرواية الأولى: في تاريخ دمشق من طريق «معمر بن عقيل حدثني شيخ من أهل الشام أبو جناب حدثتني ريطة مولاة أسامة بن زيد قالت بعثني أسامة إلى عثمان بن عفان وهو محصور فقال انطلقي فإن النساء ألطف بهذا الأمر من الرجال فأته (3) فقولي له إن ابن أخيك أسامة يقرئك السلام ويقول إن عندي [بني عم لي أدنى وإن عندي] (4) ركائب فإن شئت نقبت عليك ناحية الدار فخرجت حتى تأتي مكة قوما تأمن فيهم وإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد فعل ذلك إذ خاف قومه قالت فأتيته بذلك فقال أقرئيه السلام ورحمة الله وقولي له جزاك الله من ابن أخ خيرا ما كنت أدع مهاجر (5) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقبره ومسجده مخافة الموت فأتيته فأخبرته فمكث أياما فقال ويحك فارجعي فإني لا أراه إلا مقتولا فوافق دخولي عليه دخول القوم فجاء محمد بن أبي بكر الصديق وعليه ثوب قطن مصبوغ فأخذ بلحية عثمان فهزها حتى سمع صرير أضراسه بعضها على بعض فقال يا ابن أخي دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن يؤذيها فرأيته كأنه استحيا فقام فجعل بطرف ثوبه هكذا [ألا ارجعوا ألا ارجعوا قالت وجاء رجل من»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 406)].
وهذه رواية ضعيفة بمعمر بن عقيل.قال الأزدي: لا يصح حديثه»
[«ميزان الاعتدال» (4/ 155)].
وأيضا فإن ريطة مجهولة، ولم نجد لها ترجمة، وكذلك أبو جناب.
الرواية الثانية: في تاريخ الطبري «حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيمَ، عن ابن عون، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَن، قَالَ: أنبأني وثاب- قَالَ: وَكَانَ فيمن أدركه عتق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ورأيت بحلقه أثر طعنتين، كأنهما كتبان طعنهما يَوْمَئِذٍ يوم الدار- قَالَ: بعثني عُثْمَان، فدعوت لَهُ الأَشْتَر، فَجَاءَ- قَالَ ابن عون: فأظنه قَالَ: فطرحت لأمير الْمُؤْمِنِينَ وسادة وله وسادة- فَقَالَ: يَا أشتر، مَا يريد الناس مني؟ قَالَ: ثلاثا ليس من إحداهن بد، قَالَ: مَا هن؟ قَالَ: يخيرونك بين أن تخلع لَهُمْ أمرهم فتقول: هَذَا أمركم فاختاروا لَهُ من شئتم، وبين أن تقص من نفسك، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك فَقَالَ: أما من إحداهن بد! قَالَ: مَا من إحداهن بد، فَقَالَ: أما أن أخلع لَهُمْ أمرهم فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: وَقَالَ غيره: وَاللَّهِ لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من ان أخلع قميصا قمصنيه اللَّه وأترك أمة مُحَمَّد ص يعد وبعضها عَلَى بعض قَالَ ابن عون: وهذا أشبه بكلامه- واما ان أقص من نفسي، فو الله لقد علمت أن صاحبي بين يدي قَدْ كانا يعاقبان وما يقوم بدني بالقصاص، وإما ان تقتلوني، فو الله لَئِنْ قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدا، وَلا تصلون جميعا بعدي أبدا، وَلا تقاتلون بعدي عدوا جميعا أبدا قَالَ: فقام الأَشْتَر فانطلق، فمكثنا أياما قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رويجل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثُمَّ رجع وجاء مُحَمَّد بن أبي بكر وثلاثة عشر حَتَّى انتهى إِلَى عُثْمَانَ، فأخذ بلحيته، فَقَالَ بِهَا حَتَّى سمعت وقع أضراسه، وَقَالَ: مَا أغنى عنك مُعَاوِيَة، مَا أغنى عنك ابن عَامِر، مَا أغنت عنك كتبك! قَالَ: أرسل لحيتي يا بن أخي، أرسل لحيتي قَالَ: وأنا رأيته استعدى رجلا من القوم بعينه، فقام إِلَيْهِ بمشقص حَتَّى وجأ بِهِ فِي رأسه قلت: ثُمَّ مه، قَالَ: تغاووا عَلَيْهِ حَتَّى قتلوه»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 371)].
وهذه الرواية من طريق وثاب، وقد ذكره ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
[«الجرح والتعديل لابن أبي حاتم» (9/ 48)].
[«التاريخ الكبير» للبخاري (10/ 85 ت الدباسي والنحال)].
فيكون في حكم مستور الحال.
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري وهو يتكلم عن يكون البخاري عن الراوي في تاريخه«وقد عد البعض سكوته عن الراوي توثيقا له، ولا يسلم له ذلك على إطلاقه، بل قد ذهب الحافظ ابن حجر وهو أحسن من استقرأ البخاري إلى عدم اعتبار سكوته عن الراوي توثيقا له فقال عند الكلام عن يزيد بن عبد الله بن مغفل: “قد ذكره البخاري في تاريخه فسماه يزيد، ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا فهو مستور”»
[«بحوث في تاريخ السنة المشرفة» (ص114)].
الرواية الثالثة: في معجم الطبراني: “118 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْبَغْدَادِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ دَاوُدَ الصَّوَّافُ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، ثنا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنِي سَيَّافُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي، قَالَ: وَكَيْفَ عَلِمْتَ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ «أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ، وَدَعَا لكَ بِالْبَرَكَةِ» ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: ارْجِعِ ابْنَ أَخِي فَلَسْتَ بِقَاتِلِي، قَالَ: بِمَ تَدْرِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ «أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ فَحَنَّكَكَ وَدَعَا لكَ بِالْبَرَكَةِ» قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَنْتَ قَاتِلِي، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا نَعْثَلُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ «أُتِيَ بِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِكَ لَيُحَنِّكَكَ وَيَدْعُو لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَخَرَيْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: فَوَثَبَ عَلَى صَدْرِهِ وَقَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: إِنْ تَفْعَلْ كَانَ يَعِزُّ عَلَى أَبِيكَ أَنْ تَسُوءَهُ، قَالَ: فَوَجَأَهُ فِي نَحْرِهِ بِمَشَاقِصَ كَانَتْ فِي يَدِهِ
[«المعجم الكبير للطبراني» (1/ 83)].
وهذه الرواية لا تصح ولذلك لما ذكرها الحافظ ابن كثير قال«هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَفِيهِ نَكَارَةٌ»
[«البداية والنهاية» (10/ 309 ت التركي)].
والرواية فيها مبارك بن فضَالة قال فيه ابن الجوزي: “كَانَ يحيى بن سعيد لَا يرضاه وَضَعفه أَحْمد بن حَنْبَل وَقَالَ لرجل سَأَلَهُ عَن مبارك ((دع مبارك)) وَلم يعبأ بِهِ وَقَالَ يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ ضَعِيف الحَدِيث وَقَالَ السَّعْدِيّ يضعف وَقَالَ أَبُو زرْعَة يُدَلس»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 33)].
و«مبارك ” بن فضالة مشهور بالتدليس وصفه به أبو زرعة وأبو داود والدارقطني»
[«التدليس والمدلسون» (7/ 91)، «طبقات المدلسين = تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» (ص43)].
وقد عنعن في هذه الرواية فتسقط.ثم إن الرواية فيها سياف عثمان ولم نجد له اسما ولا ترجمة.
الرواية الرابعة: في تاريخ خليفة بن خياط: “«حَدَّثَنَا أَبُو الْحسن عَن أَبِي زَكَرِيَّا الْعجْلَاني عَن نَافِع عَن ابْن عُمَر قَالَ ضربه ابْن أَبِي بَكْر بمشاقص فِي أوداجه وبعجه سودان بْن حمْرَان بِحَرْبَة»
[«تاريخ خليفة بن خياط» (ص175)].
وابو زكريا العجلاني لم نجد له ترجمة يقول أكرم بن محمد زيادة الفالوجي الأثري«أبو زكريا العَجلانِي، من السادسة فما دونها، لم أعرفه، ولم أجد له ترجمة»
[«المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري» (2/ 704)].
الرواية الخامسة: ” في تاريخ المدينة قال: “حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِخْرَاقٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ خُشَّافٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فِيمَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَتْ: «قُتِلَ مَظْلُومًا، لَعَنَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ، أَقَادَ اللَّهُ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ بِهِ
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (4/ 1244)].
ورواها الطبراني من طريق حَزْمٌ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلِيقَ بْنَ خَشَّافٍ، يَقُولُ: وَفَدْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَنَنْظُرَ فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَرَّ مِنَّا بَعْضٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَبَعْضٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَبَعْضٌ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا فَرَدَّتِ السَّلَامَ، فَقَالَتْ: وَمَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَتْ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ؟ قُلْتُ: مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ؟ قُلْتُ: مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: أَمِنْ أَهْلِ فُلَانٍ؟ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ قَالَتْ: «قُتِلَ وَاللهِ مَظْلُومًا، لَعَنَ اللهُ قَتَلَتَهُ، أَقَادَ اللهُ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، وَسَاقَ اللهُ إِلَى أَعْيُنِ بَنِي تَمِيمٍ هَوَانًا فِي بَيْتِهِ، وَأَهْرَاقَ اللهُ دِمَاءَ بَنِي بُدَيْلٍ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَسَاقَ اللهُ إِلَى الْأَشْتَرِ سَهْمًا مِنْ سِهَامِهِ» ، فَوَاللهِ مَا مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ إِلَّا أَصَابَتْهُ دَعْوَتُهَا
[«المعجم الكبير للطبراني» (1/ 88)].
والرواية مدارها على حزم القطعي وقد قال فيه الحافظ: “صدوق يهم»
[«تقريب التهذيب» (ص157)].
ومتن الرواية لا يمكن قبوله ممن هذا حاله وذلك لمعارضته ما ثبت بالروايات الصحيحة من عدم مشاركة محمد بن أبي بكر في قتل عثمان رضي الله عنه، بل ومتنه يعارض القطعي من الثوابت التاريخية فإن الرواية فيها أن الراوي يقول: “وَفَدْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَنَنْظُرَ فِيمَ قُتِلَ عُثْمَانُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَرَّ مِنَّا بَعْضٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَبَعْضٌ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَبَعْضٌ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَائِشَةَ”.والثابت تاريخيا أن عائشة وعليا لم يجتمعا في المدينة بعد قتل عثمان، يقول أن عساكر تعليقا على الخبر: “«المحفوظ أن عائشة لم تكن وقت قتل عثمان بالمدينة وإنما كانت حاجة»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (56/ 382)].
وبه تسقط الرواية.وهناك روايات أخرى ذكرها الطبري من طريق الواقدي وهي ساقطة به.
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 393)].
وبه تثبت براءة محمد بن أبي بكر من قتل عثمان رضي الله عنه من كل وجه.
ثالثا: لو تنزلنا وقلنا بثبوت مشاركة محمد بن أبي بكر في قتل عثمان فهذا فضلا عن كونه لا يضر أهل السنة في شيء كونه ليس من الصحابة على الراجح، ثم إن المرء لا يعاب بفعل ولده الا اننا نقول إن هذا مما يُدين عليا طبقا لعقيدة الشيعة إذ أن عليا قد تبرأ من قتلة عثمان فيلزم تبرؤه من محمد بن أبي بكر، ويلزم منه أيضا صحة مطالبة فريق الشام بالقصاص من قتلة عثمان وعلى الأقل الذين يقدر عليهم علي بن أبي طالب ومنهم بلا ريب محمد بن أبي بكر الذي هو ربيب علي، ويلزم تخطئة علي إذ ليس في القصاص من ربيبه ما يثير غضب قبيلة ولا شيء إذ أنه في مقام ابنه، كما يلزم أن عليا لما اتهم الفريق المقابل بأنهم هم من قتلوا عثمان يلزم منه ان محمد بن أبي بكر كان في الفريق المقابل لعلي، فهم ينسبون لعلي أنه قال لطلحة والزبير: “وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا [عَلَيَّ] مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً، وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً [هُمْ] تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ”.
[اسم الکتاب : نهج البلاغة ت الحسون المؤلف : السيد الشريف الرضي الجزء : 1 صفحة : 300].
كما يلزم منه ان علي بريء من الرافضة إذ أنه قد ثبت في كتبهم براءة علي من دم عثمان ومن قتله، وهم يثبتون أن قتله عثمان من سلفهم الصالح، وهذا دليل على براءة علي من الرافضة والحمد لله رب العالمين
مواضيع شبيهة