دعوى مشاركة عمرو بن الحمق في قتل عثمان رضي الله عنه.
قال الشيعة إن الروايات قد جاءت بأن أحد الصحابة وهو عمرو بن الحمق قد شارك في قتل عثمان.يقول شيخهم الأميني: “وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله، وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه .
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 9 صفحة : 207].
الرد التفصيلي على الشبهة
أولا: جميع الروايات التي ذكرت مشاركة عمرو بن الحمق الخزاعي في قتل عثمان رضي الله عنه لا تصح، وإليك التفصيل .
الرواية الأولى: تاريخ المدينة.قال ابن شبهة «حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِشَرْيَانَ كَانَ مَعَهُ ، فَضَرَبَهُ فِي حَشَائِهِ حَتَّى وَقَعَتْ فِي أَوْدَاجِهِ فَخَرَّ، وَضَرَبَ كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ جَبْهَتَهُ بِعَمُودٍ، وَضَرَبَهُ أَسْوَدَانُ بْنُ حُمْرَانَ بِالسَّيْفِ، وَقَعَدَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ عَلَى صَدْرِهِ فَطَعَنَهُ تِسْعَ طَعَنَاتٍ. وَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ فِي الثَّانِيَةِ فَطَعَنْتُهُ سِتًّا لِمَا كَانَ فِي قَلْبِي عَلَيْهِ»
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (4/ 1232)].
هذا الأثر لا يصح، ففيه عيسى بن يزيد قال ابن الجوزي: “عِيسَى بن يزِيد بن بكر بن دَاب أَبُو الْوَلِيد يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ البُخَارِيّ والرازي مُنكر الحَدِيث وَقَالَ خَالِد الْأَحْمَر يضع الحَدِيث»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (2/ 243)].
وقال الذهبي: «وكان أخباريا علامة نسابة، لكن حديثه واه.قال خلف الاحمر: كان يضع الحديث.وقال البخاري وغيره: منكر الحديث.وقيل: إنه كان ذا حظوة زائدة عند المهدي والهادي بحيث إنه أعطاه مرة ثلاثين ألف دينار.وقال أبو حاتم: منكر الحديث»
[«ميزان الاعتدال» (3/ 328)].
وفي المتن ذكر لمحمد بن أبي بكر وأنه قد شارك في قتل عثمان وقد اثبتنا بالدلائل القطعية عدم مشاركة محمد بن أبي بكر في قتل عثمان، ثم إن صانع الرواية جاهل حتى بالحساب الذي لا يخفى على الأطفال إذ أنه يقول انه قد طعنه بتسع طعنات، وانه قد مات في الثانية ثم طعنه ست طعنات، فيكون العدد ثماني طعنات وليس تسعا! .
الرواية الثانية: تاريخ المدينة ” حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: لَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَبْقَ فِي دَارِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ , ……. وَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ، وَابْنُ رُومَانَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ , فَمَالُوا عَلَيْهِ بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ. … “
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (4/ 1303)].
هذه الرواية أيضا ساقطة، فيها عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن سعد بن أبي وَقاص، قال ابن الجوزي: « قَالَ يحيى لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ مرّة ضَعِيف وَقَالَ مرّة لَا يكْتب حَدِيثه كَانَ يكذب وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ جدا وَقَالَ البُخَارِيّ والرازي وَأَبُو دَاوُد لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ البُخَارِيّ مرّة اخرى تَرَكُوهُ وَقَالَ النَّسَائِيّ والزدي وَالدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ يروي عَن الثِّقَات الموضوعات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (2/ 169)].
والعلة الثانية في الرواية أنها من مرسلات الزهري قال «يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شرّ من مرسل غيره لأنه حافظ، وكل ما قدر أن يسمِّي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه»
[«المدخل إلى السنن الكبرى – البيهقي – ت عوامة» (1/ 396)].
الرواية الثالثة: تاريخ المدينة قال ابن شبة: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ قَامَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِمِصْرَ – وَذَاكَ عِنْدَ فِتْنَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا الْجُنْدُ الْغُزَّى» وَأَنْتُمُ الْجُنْدُ الْغُزَّى، فَجِئْتُكُمْ لِأَكُونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ، قَالَ اللَّيْثُ: فَكَانَ مَعَهُمْ فِي أَشَرِّ أُمُورِهِمْ
[«تاريخ المدينة لابن شبة» (3/ 1116)].
وهذا الأثر لا يصح ايضا لإبهام مَن حدث عبد الكريم بن الحارث.
الرواية الرابعة: الطبقات. قال ابن سعد : أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني عبد الرّحمن بن عبد العزيز عن عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد أن محمّد بن أبي بكر تَسَوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بِشْر بن عتّاب وسودان بن حُمران وعمرو بن الحَمِق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المُصْحَف…. وأمّا عمرو بن الحَمِق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رَمَقٌ فطعنه تسع طعنات، وقال أمّا ثلاث منهنّ فإنى طعنتهنّ لله، وأمّا ستّ فإنى طعنته إيّاهُنّ لما كان في صدرى عليه»
[«الطبقات الكبير» (3/ 70 ط الخانجي)].
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (4/ 393)].
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 408)].
و الرواية ساقطة بالواقدي.
قال الذهبي: «مُحَمَّد بن عمر بن وَاقد الْأَسْلَمِيّ مَوْلَاهُم الْوَاقِدِيّ صَاحب التصانيف مجمع على تَركه وَقَالَ ابْن عدي يروي أَحَادِيث غير مَحْفُوظَة وَالْبَلَاء مِنْهُ وَقَالَ النَّسَائِيّ كَانَ يضع الحَدِيث»
[«المغني في الضعفاء» (2/ 619)].
الرواية السادسة:تاريخ الطبري.«قَالَ هِشَام بن مُحَمَّدٍ، عن أبي مخنف، وَحَدَّثَنِي الْمُجَالِد بن سعيد، عن الشَّعْبِيِّ وزكرياء بن أبي زائدة، عن أبي إِسْحَاق، أن حجرا لما قفي بِهِ من عِنْدَ زياد نادى بأعلى صوته: اللَّهُمَّ إني عَلَى بيعتي، لا أقيلها وَلا أستقيلها…..فلما رَأَى عَمْرو بن الحمق عرفه، وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ بخبره، فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: أنه زعم انه طعن عثمان ابن عَفَّانَ تسع طعنات بمشاقص كَانَتْ مَعَهُ، وإنا لا نريد أن نعتدي عَلَيْهِ، فأطعنه تسع طعنات كما طعن عُثْمَان، فأخرج فطعن تسع طعنات، فمات فِي الأولى منهن أو الثانية»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 264)].
هذه الرواية ساقطة بعدة علل
الأولى: أبو مخنف.قال الذهبي: «5121 – لوط بن يحيى أَبُو مخنف سَاقِط تَركه أَبُو حَاتِم وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيف»
[«المغني في الضعفاء» (2/ 535)].
الثانية: الكلبي قال ابن الجوزي: «هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ يروي عَن أَبِيه عَن ابْن أبي مخنف قَالَ أَحْمد مَا ظَنَنْت أَن احدا يحدث عَنهُ إِنَّمَا هُوَ صَاحب سير وَقَالَ الدراقطني مَتْرُوك»
[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (3/ 176)].
العلة الثالثة: الانقطاع بين الطبري والكلبي.
الرواية السابعة: الطبقات «قال ابن سعد: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني إبراهيم بن جعفر عن أُمّ الربيع بنت عبد الرّحمن بن محمّد بن مَسْلَمَة عن أبيها قال: وأخبرنا محمّد بن عُمر قال: حدّثني يحيَى بن عبد العزيز عن جعفر بن محمود، عن محمّد بن مسلمة قال: وأخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني ابن جُرَيج وداود بن عبد الرّحمن العطّار عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أنّ المصريّين لمّا أقبلوا من مصر يريدون عثمان…. وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرّحمن بن عُدَيس البَلَويّ، وسودان بن حُمْران المرادى، وابن البَيّاع، وعمرو بن الحَمِق الخُزاعى، لقد كان الاسم غلب حتى يقال: جيش عمرو بن الحمق. فأتاهم محمّد بن مسلمة فقال: إنّ أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا، وأخْبرهم بقوله…»
[«الطبقات الكبير» (3/ 61 ط الخانجي)].
و هذه الرواية مدارها على الواقدي وقد سبق بيان حاله.فهذه هي الروايات التي ذكرت اشتراك عمرو بن الحمق في قتل عثمان رضي الله عنه وجميعها لا يصح، وعليه فلا يصح اتهام أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمشاركة في هذا الجرم بلا دليل صحيح صريح.
ثانيا : قد صرح أهل العلم أنه لم يشترك صحابي واحد في قتل عثمان رضي الله عنه، بل أجمعوا جميعا على الدفاع عنه ، وعلى حرمة دمه، قال ابن كثير: «أَنَّ الصَّحَابَةَ مَانَعُوا دُونَهُ أَشَدَّ الْمُمَانَعَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ التَّضْيِيقُ الشَّدِيدُ عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى النَّاسِ أَنَّ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَيُغْمِدُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَفَعَلُوا، فَتَمَكَّنَ أُولَئِكَ مِمَّا أَرَادُوا، وَمَعَ هَذَا مَا ظَنَّ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْكُلِّيَّةِ»
[«البداية والنهاية» (10/ 344 ت التركي)].
وهذا تصريح بعض أهل العلم في أنه لم يشترك في قتل عثمان صحابي واحد قال النووي – رحمه الله – :” ولم يشارك في قتله أحد من الصحابة “
من “[ شرح مسلم ” ( 15 / 148 )] .
وقال ابن كثير – رحمه الله – : “وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله : فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه ، بل كلهم كرهه ، ومقته ، وسبَّ من فعله “.
[انتهى من ” البداية والنهاية ” ( 7 / 221 )].
وسئل الشيخ عبد المحسن العبَّاد – حفظه الله – : “هل كان في الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه أحدٌ من الصحابة ؟ فأجاب : ” لا نعلم أحداً من الصحابة شارك في قتل عثمان ” .
[انتهى من ” شرح سنن الترمذي ” ( شريط رقم 239 )].
وقال الأستاذ محمد بن عبد الله غبان الصبحي – حفظه الله – :” إنه لم يشترك في التحريض على عثمان رضي الله عنه ، فضلاً عن قتله ، أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن كل ما رُوي في ذلك ضعيف الإسناد ” .
[انتهى من ” فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه ” ( 1 / 289 )]..
فرضي الله عن أصحاب نبينا جميعا رغم انف الرافضة.
مواضيع شبيهة