دعوى شتم عمار بن ياسر عثمان بن عفان رضي الله عنهما.
قال الشيعة إن عمار بن ياسر قد ثبت عنه بالإسناد الصحيح شتم عثمان، واستدلوا على ذلك بما أخرجه ابن سعد قال
«قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جَبْر عن أبي غادية قال: سمعتُ عمّار بن ياسر يقع في عثمان يَشْتِمُه بالمدينة قال: فتوعّدتُه بالقتل قلت: لئنْ أمكننى الله منك لأفْعَلَنّ. فلمّا كان يومُ صفّين جَعَلَ عمّار يحمل على النّاس، فقيل هذا عمّارٌ، فرأيتُ فُرْجة بين الرّئَتَين وبين الساقين، قال فحملتُ عليه فطعنتُه في ركبته، قال: فوقع فقتلتُه. فقيل قتلت عمّار بن ياسر. وأُخبر عمرو بن العاص فقال: سمعتُ رسول الله، – صلى الله عليه وسلم -، يقول إنّ قاتله وسالبه في النّار، فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تُقاتله، فقال: إّنما قال قاتله وسالبه»
[«الطبقات الكبير» (3/ 241 ط الخانجي)].
[«مسند أحمد» (29/ 311 ط الرسالة)].
قال الشيخ الألباني: «وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم»
[«سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (5/ 19)].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: هذه الرواية وإن كانت قد حكم الشيخ الألباني على إسنادها بالصحة فإنه باتفاق أهل العلم ومنهم الشيخ الألباني أن هذا ليس تصحيحا للرواية إنما هذا فيه إثبات شرطين فقط من خمسة شروط للحديث الصحيح أما الشرط الأول فهو عدالة الرواية، والشرط الثاني هو ضبط الرواة، ويبقى ثلاثة شروط وهي اتصال الإسناد وعدم الشذوذ وعدم العلة.
ولذلك فقد حكم الذهبي على الرواية بالانقطاع فقال: «إِسْنَادُهُ فِيْهِ انْقِطَاعٌ»
[«سير أعلام النبلاء – ط الرسالة» (2/ 544)].
وقد ضعّف الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد لفظة “وقاتله في النار. قلت: هذه الزيادة لا تصح بل هي منكرة”
[الإبانة لما للصحابة من المنزلة والمكانة- الشيخ حمد بن عبد الله الحميدي- تقديم الشيخ المحدث عبد الله بن عبد الرحمن السعد ص40].
ثم قال: “والخلاصة أن الحديث المرفوع وهو ” قاتل عمار في النار ” في ثبوته نظر. والله أعلم.
[الإبانة لما للصحابة من المنزلة والمكانة- الشيخ حمد بن عبد الله الحميدي- تقديم الشيخ المحدث عبد الله بن عبد الرحمن السعد ص41]
ومن دلائل ضعف الرواية أنها تنص على أن أبو الغادية هو قاتل عمار وقد اعرض الإمام أحمد عن ذكر ذلك وخالف فيها ابن سعد، وإعراض الإمام أحمد عن هذه الزيادة دليل على أنها منكرة ولا تصح.
وهذا نص رواية أحمد بنفس إسناد ابن سعد: “«حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ، وَكُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ أَبِي غَادِيَةَ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ (1) قَاتِلَهُ، وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ “، فَقِيلَ لِعَمْرٍو: فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ، قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: قَاتِلَهُ، وَسَالِبَهُ»
[«مسند أحمد» (29/ 311 ط الرسالة)”].
وأما دلائل بطلان الرواية -زيادة على ما سبق- فكثيرة:
أولا: وجدنا الروايات عن أبي الغادية نفسه تنفي قتله لعمار، فإما أن نصدقه في إثباته قتل عمار وفي نفيه فنقع في التعارض الواضح وإما أن نصدقه في إحدى قوليه وهذا تحكم وهو باطل وإما أن يتساقط القولان قال في المطالب العالية: «وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، ثنا يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ، ثنا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْغَادِيَةِ الْجُهَنِيِّ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ الله عَنْه يَوْمَ صِفِّينَ، فَدَفَعْتُهُ فَأَلْقَيْتُهُ عَنْ فَرَسِهِ، وَسَبَقَنِي إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أهل الشام، فاحتز رَأْسَهُ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ الله عَنْه فِي الرَّأْسِ وَوَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كِلَانَا يَدَّعِي قَتْلَهُ، وَكِلَانَا يَطْلُبُ الْجَائِزَةَ عَلَى رَأْسِهِ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بن العاص رَضِيَ الله عَنْهم، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو بن العاص رَضِيَ الله عَنْهما: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِعَمَّارٍ رَضِيَ الله عَنْه: ” تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، بَشِّرْ قَاتِلَ عَمَّارٍ بِالنَّارِ ” فَتَرَكْتُهُ مِنْ يَدَيَّ فَقُلْتُ: لَمْ أَقْتُلْهُ، وَتَرَكَهُ صَاحِبِي مِنْ يَدِهِ فَقَالَ: لَمْ أَقْتُلْهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ الله عَنْه أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله عَنْه فَقَالَ: مَا يَدْعُوكَ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَوْلًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَقُولَهُ»
[«المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» (18/ 174)].
فها هو أبو الغادية يقول “لم أقتله” وفي الرواية التي في أصل الشبهة أن أبا الغادية هو الذي قتله، وبمثل هذا تتساقط الروايات،القرينة الثانية على عدم اعتبار أهل العلم لتلك الرواية أنها لو كانت معتبرة لما اختلفوا في قاتل عمار،: «عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْعَنْبرِيِّ (1) قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي رَأْسِ عَمَّارٍ، يَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لِيَطِبْ بِهِ أَحَدُكُمَا نَفْسًا لِصَاحِبِهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ “، قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَمَا بَالُكَ مَعَنَا؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي شَكَانِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” أَطِعْ أَبَاكَ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا تَعْصِهِ ” فَأَنَا مَعَكُمْ وَلَسْتُ أُقَاتِلُ»
[«مسند أحمد» (11/ 96 ط الرسالة)].
[«إسناده حسن»].
[«مسند أحمد» (11/ 96 ط الرسالة)]
[«رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ»].
[«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (7/ 244)].
أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي«حديث صحيحٌ»
[«الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (3/ 524)].
فهذا رجلان اختصما في قتل عمار بالإسناد الصحيح.وفي بعض الروايات أنهم ثلاثة، وليس فيهم أبو الغادية في مستدرك الحاكم: “قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: أَقْبَلَ عَمَّارٌ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْبِلَادِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلَانِيُّ، وَشَرِيكُ بْنُ سَلَمَةَ فَانْتَهُوا إِلَيْهِ جَمِيعًا وَهُوَ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبْتُمُونَا حَتَّى تَبْلُغُوا بِنَا سَعَفَاتِ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ عَلَى الْبَاطِلِ» ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا فَقَتَلُوهُ، وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الَّذِي قَتَلَهُ، وَيُقَالُ: بَلْ قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ”
[«المستدرك على الصحيحين للحاكم – ط العلمية» (3/ 434)].
بل وقد حكم عبد الله بن عمرو بأن الذي قتله هو شخص آخر من خلال ما حكى أثناء قتله .في تاريخ دمشق قال: “«فكان لا يزال رجل يجئ إلى معاوية وعمرو بن العاص فيقول أنا قتلت عمارا فيقول له عمرو فما سمعته يقول عند ذلك فيخلطون حتى قال ابن حوي أنا قتلته فقال له عمرو فما كان آخر منطقه قال ابن حوي سمعته يقول * اليوم ألقى الأحبة * محمدا وحزبه قال له عمرو صدقت أنت صاحبه»
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (68/ 28)].
«وَقَالَ الواقدي فِي إسناده: قاتل عَمَّار يوم صفين فأقبل إِلَيْهِ ثلاثة نفر:عقبة بن عامر الجهني، وعمرو بن الحرث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فحملوا عَلَيْهِ فقتلوه. وقد قيل: إن عقبة بْن عامر قتله وَهُوَ الَّذِي كَانَ ضربه حين أمر بِهِ عُثْمَان»
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (2/ 314)].
«وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:يَقُولُ أَهْلُ الشَّامِ: إِنَّ الَّذِي قَتَلَ عَمَّارًا: حُوَيُّ بْنُ مَاتِعِ بْنِ زرعة بن محض السَّكْسَكِيُّ، مِنْ كِنْدَةَ»
[«أنساب الأشراف للبلاذري» (1/ 171)].
وقال الكلبي«ومن بني حِدَاش بن سَكْسَكٍ: حُويُّ بن مَاتِع بن زُرْعَةَ بن يَنْحَض بن حَبِيب بن ثَوْر بن خِدَاش قاتل عَمَّار بن ياسِر»
[«نسب معد واليمن الكبير» (1/ 196)].
وقال ابن حزم «ولد السكاسك بن أشرس بن كندة ثمانية عشر ذكرا، ولهم ثروة عظيمة بالشام؛ منهم: حوى بن ماتع بن زرعة بن ينحض بن حبيب بن ثور بن خداش من بني عامر بن السكاسك «1» ، وهو قاتل عمار بن ياسر»
[«جمهرة أنساب العرب – ابن حزم» (1/ 432)].
وقال ابن الجوزي: “«قتله أبو عادية المزني، طعنه برمح فسقط، فلما وقع أكب عليه/ رجل آخر فاجتز رأسه، وأقبلا يختصمان فيه»
[«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (5/ 148)].
فثبت من خلال تلك النقول أن أهل العلم لم يعتقدوا صحة ذلك الخبر وإلا لقالوا به قولا واحدا ، ورغم ذلك كله فنحن نقول أين الدليل الصحيح الصريح على أن عمار قد شتم عثمان ؟ لم نجد الا كلام يُنسب لرجل منسوب إلى الصحابة- ولم تثبت صحبته بطريق صحيح من طرق إثبات الصحبة- وقد ضعف العلماء الرواية ولم يصححوا -اي بعضهم- الا إسنادها، فيبقى الاعتماد على مثلها غير مقبول عند أهل العلم. بل ومما يشهد لذلك أن الشيعة لم يقولوا بأن أبا الغادية الجهني هو قاتل عمار إنما اختلفوا في اسمه اختلافا كثيرا، وإليك أقوالهم باختصار.يقول المسعودي: “واشتبكت عليه الأسنة ، فقتله أبو العادية العاملي وابن جَوْن السكسكي ، واختلفا في سَلَبه
[مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج ٢، المسعودي، ص ٣٨١].
ويقول نصر بن مزاحم: “ثم حمل وحمل عليه ابن جون السكوني ، وأبو العادية الفزاري . فأما أبو العادية فطعنه ، وأما ابن جون ( 4 ) فإنه احتز رأسه”.
[وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، ص ٣٤١].
ويقول شيخهم المفيد: “وحمل عليه ابن جوين السكسكي وأبو العادية الفزاري ( 3 ) فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جوين اجتز رأسه – لعنهم الله”.
[ الاختصاص، الشيخ المفيد، ص ٢٦].
ويقول المدرسي: “فلما توسط المعركة حمل عليه اثنان من المجرمين ( أبو العادية الفزاري ، وابن جون )
[الإمام علي (ع) قدوة وأسوة، السيد محمد تقي المدرسي، ص ١٠٨].
ويقول المجلسي: “وكان الذي قتل عمارا أبو عادية المري طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع وتسعين سنة فلما وقع أكب عليه رجل فاجتز رأسه”.
[بحار الأنوار، ج ٣٣، العلامة المجلسي، ص ١٥].
فمرة (أبو العادية الفزاري ، وابن جون) ومرة أخرى (أبو عادية المري ورجل آخر) ومرة
(أبو العادية العاملي وابن جَوْن السكسكي) ، ومرة ( ابن جون السكوني، وأبو العادية الفزاري)، وهذا يدلك على حتى عدم ضبط اسم قاتل عمار عند الشيعة وهو مما يسقط دعواهم.
ثانيا : القول بأن فلانا شتم فلانا أو سبه أو وقع فيه لا يكفي للتخطئة الا بقرائن تعرفنا نوع هذا السب أو الشتم، لأن العرب يطلقون السب على مجرد التحذير من فعل شخص ما، قال الشيخ الإثيوبي: “قصد التحذير يسمّى سبًا في اللغة”.
[محمد آدم الإتيوبي، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، ١٢٨/١٩].
قلت: وعلى هذا نحمل سب عمار – على القول بثبوته تنزلا- لعثمان، بل ومجرد الدعاء على الشخص يسمى سبَّاً، فعند البخاري في سياق حديث الإفك قالت أم مسطح: “تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا…”
[صحيح البخاري (2/ 942)]
فجعلت أم المؤمنين مجرد قول ” تعس مسطح” سبَّاً، فمجرد دعوات مما يجري على ألسنة العرب كتربت يمينك وأشباهها تسميها العرب سبا وشتما.
ثالثا: لو ثبت هذا عن عمار لكان المخطئ هو عمار رضي الله عنه، وقد كان يجب عليه التوبة من هذا الذنب العظيم، وهذا مما يجعلنا نؤيد بطلان الرواية وبشدة إذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شهد بأن عمار طيب مطيب، ومثل هذا يتنزه عن شتم خليفة المسلمين ذي النورين صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ فَدَخَلَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ عَمَّارًا مُلِئَ إِيمَانًا إِلَى مَشَاشِهِ»
[«مصنف ابن أبي شيبة» (6/ 163 ت الحوت)].
[«مسند أحمد» (2/ 169 ط الرسالة)].
وعليه فحتى لو حدث خلاف بينهما فلا يمكن أن نتصور هبوط الأخلاق إلى هذا المستوى الذي يتعدى إلى السب والشتم، وقد حرص عثمان على تصفية صدر عمار، في مسند أحمد وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: «دَعَا عُثْمَانُ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَصْدُقُونِي، نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ؟ وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ. فَقَالَ [عُثْمَانُ]: لَوْ أَنَّ بِيَدِي مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ أَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ”.
[«مسند أحمد» (1/ 492 ط الرسالة)].
[«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» (7/ 227)].
هذه الرواية مع كونها ضعيفة بالانقطاع الا انها معضومضة بغيرها، بل وبعدم ورود رواية واحدة صحيحة تحكي اصرار عمار على موقفه من عثمان رضي الله عنه أو التحريض عليه، وهذا دليل على ندم عمار ما قد يكون قد صدر منه في حق أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهما
يقول الحب الطبري: ” «وقد روي أنه -رضي الله عنه- لما أنصفه بحسن الاعتذار، فما بال أهل البدعة لا يرضون! وما مثله فيه إلا كما يقال: رضي الخصمان، ولم يرض القاضي»
[«الرياض النضرة في مناقب العشرة» (3/ 98)].
ومن دلائل الود بينهما أن عثمان أقطعه قرية بالكوفة، قال أبو يوسف «أَقْطَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي النَّهْرَيْنِ، وَلِعَمَّارِ بن يسَار إِسْتِينْيَا»
[«الخراج لأبي يوسف» (ص74)].
ومما يؤيد ما ذكرناه أيضا «ما روى أبو الزناد عن أبي هريرة أن عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار: سبحان الله! قد اشترى بئر رومة وتمنعوه ماءها! خلوا سبيل الماء، ثم جاء إلى علي وسأله إنفاذ الماء إليه، فأمر براوية ماء، وهذا يدل على رضائه عنه»
[«الرياض النضرة في مناقب العشرة» (3/ 98)].
وهذا الظن باصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم عمار بن ياسر رضي الله عنه.
مواضيع شبيهة