خالف عثمان الجمهور في اخذ الزكاة من الخيل .
قال الشيعة إن عثمان كان يفتي بلا دليل ومن ذلك أخذه الزكاة من الخيل كما ثبت في مصنف عبد الرزاق «ابن شهاب أخبره، أن عثمان كان يصدق الخيل”.»
[«مصنف عبد الرزاق» (4/ 347 ط التأصيل الثانية)].
قال الأميني: ” ليت هذه الفتوى المجردة من الخليفة كانت مدعومة بشئ من كتاب أو سنة، لكن من المأسوف عليه إن الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل، والسنة الشريفة على طرف النقيض مما أفتى به، وقد ورد فيما كتبه رسول الله (صلى اللّٰه عليه و آله) في الفرائض قوله: ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شئ”.
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 155].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قد اختلف أهل العلم في وجوب الزكاة في الخيل ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْل إِلاَّ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ (3) . وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْل وَالرَّقِيقِ (4) . وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا كَالْوُحُوشِ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَيْل السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْكُل إنَاثًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْكُل ذُكُورًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لاَ تَجِبُ، وَفِي مَسَائِل النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَجِبُ
[مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، ١٩٢:١٩١/٢٠].
وسبب الخلاف في ذلك هو تعارض الآثار الواردة وقد استدل من قال بوجوب الزكاة فيها بحديث أبي هريرة عند مسلم «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: “ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ»
[«صحيح مسلم» (2/ 681 ت عبد الباقي)].
قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم( لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا) دار على وجوب الزكاة فيها إذ الثابت في رقاب الماشية ليس الا الزكاة .وبغض النظر عن المناقشات والردود الا ان من قال بوجوب الزكاة في الخيل له مستند من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو كان الراجح على خلافه، فلو سلمنا أن عثمان قد كان يوجب الزكاة في الخيل فإن له من الشرع مستند ولو بتأويل، والخطأ في الاجتهاد في مسألة فقهية لا ينقض كون العالم مجتهدا، فهذا شأن كل من هو غير معصوم، وإلا لما وجد مجتهد قط على وجه الأرض، وليس من شرط المجتهد الوصول إلى الصواب في كل مسألة باتفاق، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمْ- كما عند مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ»،
[مسلم، صحيح مسلم، ١٣٤٢/٣]
فثبت من ذلك أن عثمان رضي الله عنه مأجور غير مأزور عالم غير جاهل بفضل الله تعالى.وعليه فإنه يجب على المنصف مدح عثمان رضي الله عنه لا ذمه، والمجتهد المخطئ مأجور حتى عند الشيعة الإمامية .فقد جاء في ميزان الحكمة: “للمخطئ أجر وللمصيب أجران- رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد (١١).- عنه (صلى الله عليه وآله): اجتهد، فإذا أصبت فلك عشر حسنات، وإن أخطأت فلك حسنة (١٢).- عنه (صلى الله عليه وآله) – لعقبة بن عامر لما جاءه (صلى الله عليه وآله) خصمان اقض بينهما، قال: على ماذا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: اجتهد، فإن أصبت فلك عشر”.
[ميزان الحكمه ل محمد الريشهري ج3 ص 2591].
وقد أقر وقرر المجلسي في[ ملاذ الأخيار ج10 ص10:11].
(قال : قوله عليه السلام “فمن أخطأ حكم الله” أي بلا دليل معتبر شرعا لتقصيره ، أو مع علمه ببطلانه، فلا ينافي كون المجتهد المخطئ الغير المقصر مصيبا ومثابا)
ثانيا: الذي ورد في رواية عبد الرزاق عن عثمان أنه فعل مجرد، وليس نصا قاطعا في إيجابه الزكاة في الخيل وإلا فقد ثبت عن عمر بن الخطاب انه كان لا يرى الزكاة في الخيل ومع ذلك كان يأخذها تخييرا لا بعنوان الفرض.قال الشيخ الشنقيطي: “جَاءَ عَنْ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا أَمْوَالًا وَخَيْلًا وَرَقِيقًا، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ نُزَكِّيَهُ، فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ صَاحِبَايَ قَبْلِي فَأَفْعَلُهُ أَنَا، ثُمَّ اسْتَشَارَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: حَسَنٌ، وَسَكَتَ عَلِيٌّ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هُوَ حَسَنٌ لَوْ لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً رَاتِبَةً يُؤْخَذُونَ بِهَا بَعْدَكَ. فَأَخَذَ مِنَ الْفَرَسِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ: فَوَضَعَ عَلَى الْفَرَسِ دِينَارًا.
[الشنقيطي، محمد الأمين، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ٢٧٣/٨]
ثم قال الشنقيطي: وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فَفِيهِ قَرَائِنُ أَيْضًا، بَلْ أَدِلَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَهِيَ:
أَوَّلًا: لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُزَكِّيَهَا وَيُطَهِّرَهَا بِالزَّكَاةِ، وَإِيجَابُ الزَّكَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَغْبَةِ الْمَالِكِ.
ثَانِيًا: تَوَقُّفُ عُمَرَ وَعَدَمُ أَخْذِهَا مِنْهُمْ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ مُزَكَّاةً لَمَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ وَلَمَا تَوَقَّفَ.
ثَالِثًا: تَصْرِيحُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ، فَكَيْفَ يَفْعَلُهُ هُوَ؟ ! .
رَابِعًا: قَوْلُ عَلِيٍّ: مَا لَمْ تَكُنْ جِزْيَةً مِنْ بَعْدِكَ. أَيْ: إِنْ أَخَذَهَا عُمَرُ اسْتِجَابَةً لِرَغْبَةِ أُولَئِكَ فَلَا بَأْسَ لِتَبَرُّعِهِمْ بِهَا، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِجَعْلِهَا لَازِمَةً عَلَى غَيْرِهِمْ فَتَكُونَ كَالْجِزْيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
[الشنقيطي، محمد الأمين، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ٢٧٣/٨]
فهذا عمر قد أخذ الزكاة من الخيل تخييرا، ويبدو من عثمان مثل ذلك وقد يستدل عليه بان نفس رواية الزهري التي قررت اخذ عثمان الزكاة من الخيل قد قررت أيضا اخذ عمر ففي مصنف ابن أبي شيبة ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ «يُصَدِّقُ الْخَيْلَ» وَأَنَّ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بِصَدَقَةِ الْخَيْلِ ”
[«مصنف ابن أبي شيبة» (2/ 381 ت الحوت)].
فيبدو أن عثمان كان يأخذ تلك الزكاة تخييرا لا إيجابا، بل إن الرواية قد اختلفت عن أبي حنيفة فقيل إنه كان يقول بها تخييرا كما سبق ذكره. قال الزركشي: “حكي عنه -أبي حنيفة- التخيير في وجوب زكاة الخيل وعدمه وهذا هو الخلاف الذي يعبرون عنه بتكافؤ الأدلة”
[البحر المحيط في أصول الفقه، ج ٤، الزركشي، ص ٤١١].
ثالثا: كان الأليق بالشيعة أن يمدحوا عثمان كونه قد وافقهم في هذا الفقه فيكون على الصواب في فقههم فمن حمقهم أنهم يذمون على ما يعتقدون أنه صواب ! قال الرضوي: “وقد روى أصحابنا أن في الخيل العتاق على كل فرس دينارين ، وفي غير العتاق دينارا على وجه الاستحباب . . . دليلنا : إجماع الفرقة
[إجماعات فقهاء الإمامية، ج ٢، السيد أحمد الموسوي الروضاتي، ص ١٦٤].
وقال علي الطباطبائي: “ويشترط في زكاة الخيل حول الحول السابق عليها والسوم وكونها إناثا بإجماعنا الظاهر المصرح به في التذكرة والمنتهى”.
[رياض المسائل ( ط . ق )، ج ١، علي الطباطبائي، ص ٢٧٥].
فهؤلاء الشيعة على نفس فقه عثمان في زكاة الخيل فيكون كل ذم لعثمان مردود عليهم بلا شك .
مواضيع شبيهة