حزن أبي بكر في الغار معصية وذم له ولذلك نهاه الله عنه
قال المفيد ؛ محمّد بن محمّد بن النّعمان: “الكنايات في هذه الآية كلّها ترجع إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وليس لأبي بكر فيها فضل ومدح بل ذمّ ، لنهي النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ له عن الحزن والجزع ، ولم يسكن حتّى قال له ـ عليه السّلام ـ : «إنّ الله معنا» لا تحزن ولا تخف من القوم”.
[اسم الکتاب : نهج البيان عن كشف معاني القرآن المؤلف : الشيباني، محمد بن الحسن الجزء : 3 صفحة : 35].
وقال الحلي: “فإن الآية تدل على نقصه: لقوله: (لا تحزن)، فإنه يدل على خوره وقلة صبره وعدم يقينه بالله تعالى وعدم رضاه (لسماواته للنبي)[2] صلى الله عليه وآله وسلم وبقضاء الله وقدره، لأن الحزن إن كان طاعة استحال أن ينهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، وإن كان معصية، كان ما ادعوه فضيلة رذيلة”.
[الکتاب : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 1 صفحة : 185].
والجواب على هذه الشبة من وجوه:
أولا: عجبا لمن يعمد إلى فضيلة واضحة فيعميه حقده إلى أن يجعلها رزيلة فيؤول ذلك للطعن في أنبياء الله تعالى الذين حزنوا ونهاهم الله عن الحزن وأما حزن الصديق فهو في مقام التسلية، وفي هذا دليل على قرب أبي بكر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته له، ولو كان الحزن مذموما والعياذ بالله للزم من ذلك ذم الانبياء صلوات الله عليهم الذين ذكرهم الله تعالى في القران بانهم حزنوا، قال الله تعالى : { وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا (176) : ال عمران } , وقال تعالى : { وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) : يونس } , وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (41) : المائدة } , وقال تعالى مخبرا عن يعقوب عليه السلام : { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) : يوسف } , وقال تعالى : { لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) : الحجر } , وقال تعالى : { وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ( 33 ) : العنكبوت } , وقال تعالى : { فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ( 76 ) : يس }، وقال تعالى : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( 139 ) : آل عمران }، وقال تعالى : ” قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) : يوسف } , وقال تعالى عن موسى عليه السلام : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) : القصص } .فهذه الايات دالة على حزن بعض الانبياء، بل وفيها خوف بعضهم، ومن المستحيل أن تُحمل على الذم، أو الجبن .ولذلك قال الشريف المرتضى: “وقد يرد على الانسان من الحزن ما لا يملك رده ولا يقوى على دفعه. ولهذا لم لا يكون احدنا منهيا عن مجرد الحزن والبكاء ، وانما نهي عن اللطم والنوح ، وان يطلق لسانه فيما يسخط ربه وقد بكى نبينا صلى الله عليه على ابنه ابراهيم عند وفاته. وقال : العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يسخط الرب”.
[اسم الکتاب : تنزيه الأنبياء المؤلف : السيد الشريف المرتضي الجزء : 1 صفحة : 45].
ثانيا: قولهم ان الحزن إذا كان طاعة فلماذا ينهى عنه والعكس، فالجواب عليه بعد لزومهم مثل ذلك في الأنبياء أن يقال بأن الحزن إنما يقع تحت مسمى الطاعة والمعصية بحسب الحال فقد يثاب المرء على الحزن كما في حالة فقد الولد، وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.قال ابن مفلح: “قَالَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَخَاهُ مَاتَ فَجَزَعَ الْحَسَنُ جَزَعًا شَدِيدًا فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَا سَمِعْت اللَّهَ عَابَ عَلَى يَعْقُوبَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – الْحُزْنَ حَيْثُ قَالَ {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي التُّحْفَةِ الْعِرَاقِيَّةِ أَنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الرَّحْمَةِ مُسْتَحَبٌّ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ حَظِّهِ مِنْهُ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمَّا بَكَى عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ» وَإِنَّ هَذَا لَيْسَ كَبُكَاءِ مَنْ يَبْكِي لِحَظِّهِ لَا لِرَحْمَةِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّ الْفُضَيْلَ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ ضَحِكَ وَقَالَ: رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَرْضَى بِمَا قَضَى اللَّهُ بِهِ حَالُهُ حَالٌ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الْجَزَعِ، فَأَمَّا رَحْمَةُ الْمَيِّتِ وَالرِّضَاءُ بِالْقَضَاءِ وَحَمْدُ اللَّهِ كَحَالِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَهَذَا أَكْمَلُ”.
[ابن مفلح، شمس الدين، الآداب الشرعية والمنح المرعية، ٤/١].
وعليه فالحزن لابد من حمله على الطاعة كونه عبودية لله تعالى كما هو واضح .وكذلك حزن أبي بكر كان طاعة لكونه من الحزن على الإسلام وعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن تلك الطاعة في مثل هذا الموضع قد تضر بصاحبها فجاء النهي عنه مكافأة للصديق على تلك الطاعة فأذهب الله عنه حزنه بذكر الخبر بحصول المعية وهي فضيلة للصديق ثمرتها النصر الذي يزيل الحزن، فكان الحزن قبل النهي طاعة وكان النهي عنه مكافأة على الطاعة.ولا يلزم أن يكون النهي عن الشيء لكونه معصية وهذا منه نهي الله لأنبيائه عن الحزن والخوف وغير ذلك .
ثالثا: ورد في كتب الرافضة حزن فاطمة رضي الله عنها , ففي العلل للصدوق : ” 2 – حدثنا علي بن احمد قال: حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن يحيى عن عمرو ابن أبى المقدام وزياد بن عبد الله قالا اتى رجل أبا عبد الله ( جعفر ) عليه السلام أنه سُئل: هل تشيع الجنازة بنار ويُمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يُضاد به؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله عليه السلام من ذلك واستوى جالساً ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: أما علمت أنّ علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاً ما تقول؟ فقال: حقاً ما أقول ثلاث مرات ، فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداّ وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله ، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي ، فاستحيي أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد ، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يُذهب ما بفاطمة من الحزن والغم، وذلك أن لا يهنيها النوم وليس لها قرار ، قال لها: قومي يا بنية فقامت ، فحمل النبي عليه الصلاة والسلام الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي عليه السلام وهو نائم فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجله على رجل علّي فغمزه وقال: قم يا أبا تراب! فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي ! أما علمت أنّ فاطمة بضعة مني وأنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي “.
[علل الشرائع – الصدوق – ص185 – 186] .
فهذا النبي يدعو ربه أن يزيل الحزن عن فاطمة اما الصديق فأنزل الله قرآنا يطمئن قلب الصديق وكم بين هذه وتلك من تفاوت في الفضل والقرب من رب العالمين.
وورد خوف الائمة رحمهم الله عند الامامية ايضا , ففي الكافي : ” وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إِنَّهُ يَخَافُ وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ يَعْنِي الْقَتْلَ “.
[الكافي – الكليني – ج 1 ص 340 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – موثق كالصحيح – ج 4 ص 52 ].
وقال الطوسي : ” لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار “.
[الغيبة – الطوسي – ص 329] .
وفي الكافي : ” مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَلَّامٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {لَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً }قَالَ هُمُ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ مَخَافَةِ عَدُوِّهِمْ “.
[الكافي – الكليني – ج 1 ص 427 ].
, وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – مجهول ورواه علي بن ابراهيم بسندين صحيحين – ج 5 ص 95 .وفي موسوعة احاديث اهل البيت :” [ 1755 ] 19 – البرقي ، عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان قال قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إني لأحسبك إذا شتم علي بين يديك لو تستطيع أن تأكل أنف شاتمه لفعلت فقلت : اي والله جعلت فداك إني لهكذا وأهل بيتي فقال لي : فلا تفعل فوالله لربما سمعت من يشتم عليا وما بيني وبينه إلا أسطوانة فأستتر بها فإذا فرغت من صلواتي فأمر به فأسلم عليه وأصافحه. الرواية صحيحة الإسناد ” اهـ .
[موسوعة أحاديث أهل البيت – هادي النجفي – ج 2 ص 226] .
فهذا رعب الأئمة وخوفهم من قول كلمة الحق وإيثارهم الحفاظ على النفس في مقابل ضياع الدين، بعكس الصديق الذي ما كان حزنه الا للدين وخوفا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والشيعة يعتقدون أن فاطمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه حزنا شديدا، فجاء جبريل يسليها وينسيها هذا الحزن ويقرأ عليها ما زعموا بعد ذلك أنه مصحف فاطمة، فالسؤال هنا: هل الحزن مأمور به أم لا فإن كان الحزن مأمورا به فلماذا نزل ينهاها، ويسليها عند الحزن، وإن لم يكن مأمور به وليس بحزن شرعي فقد ارتكبت فاطمة ما خالف الشرع، فإن قالوا أنه حزن طبيعي ناتج من الطبيعة البشرية فيلزم من ذلك أن الحسين أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه مأمور بالحزن عليه عندهم وهو ما يجددونه كل عام في عاشوراء.
مواضيع شبيهة
قالوا بأن فاطمة غضبت على أبي بكر حتى ماتت بسبب منعها ميراثها.