جهل عثمان بغسل الجنابة من الإكسال.
قال الشيعة إن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفتي بعدم الغسل من الجنابة إذا لم يحصل إنزال، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري بسنده “أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ، قَالَ عُثْمَانُ «يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ» قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ”
[البخاري، صحيح البخاري، ٤٦/١].
قال الأميني: هذا مبلغ فقه الخليفة أبان خلافته وبين يديه قوله تعالى: ” لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنبا إلا عابري السبيل حتى تغتسلوا “… ثم كيف عزب عن الخليفة حكم المسألة، وقد مرنته الاسؤلة، وعلمته الجوابات النبوية، وبمسمع منه مذاكرات الصحابة لما وعوه عن رسول الله (صلى اللّٰه عليه و آله)
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 144].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: قد جاءت الروايات عن عثمان رضي الله عنه أنه كان يرى الغسل من الإكسال أيضا ومن ذلك ما رواه الإمام مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وعَائِشَةَ (1)، زَوْجَ النَّبِيِّ، كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ.
[مالك بن أنس، موطأ مالك ت الأعظمي، ٦٣/٢] وعنه البيهقي
[أبو بكر البيهقي، السنن الكبرى للبيهقي ت التركي، ١٥/٢].
وفي مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، إِنَّ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّيْنِ، الْحَدَّ وَالرَّجْمَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ»
[«مصنف عبد الرزاق» (1/ 499 ط التأصيل الثانية)]
[«مصنف ابن أبي شيبة» (1/ 85 ت الحوت)].
وفي مصنف عبد الرزاق «عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَائِشَةُ، وَالْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، يَقُولُونَ: إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ “»
[«مصنف عبد الرزاق» (1/ 245 ت الأعظمي)].
فهذه روايات صحيحة الأسانيد تدل على أن عثمان رضي الله عنه كانت فتواه أن الغسل يجب بمجرد التقاء الختانين ولو لم يحصل إنزال، وهذا المعلوم عند أهل العلم من فقه عثمان بل أيضا من فقه علي والزبير وطلحة وأبي بن كعب مع أنهم جميعا أفتوا زيد بن خالد بنفس الفتوى فلما تبين لهم الناسخ قالوا به وأفتوا قال الحافظ: “وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ نَاسِخُهُ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ مَنْسُوخٍ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الصِّنَاعَةِ الْحَدِيثِيَّةِ”.
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٣٩٧/١]
وأما كون تلك الفتوى منسوخة بالفتوى الأخرى التي ثبتت عنهم أن أحد المذكورين في رواية البخاري وهو أبي بن كعب قد ثبت عنه أنه قال بالنسخ فقد روى أحمد بسنده «عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَهْلٌ الْأَنْصَارِيُّ:، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي زَمَانِهِ، حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،: أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: “الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَنَا بِالِاغْتِسَالِ بَعْدَهَا “»
[«مسند أحمد» (35/ 27 ط الرسالة)].
ولذلك رجع من كان يقول بعدم الغسل من الإكسال لما علم الناسخ.قال الحافظ: “وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْوُضُوءِ إِذَا لَمْ يُنْزِلِ الْمُجَامِعُ مَنْسُوخٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ صَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِيان وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى عِلَّتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَهُ من سهل نعم أخرجه أَبُو دَاوُد وبن خُزَيْمَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ وَلِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا عِلَّةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا بن أَبِي حَاتِمٍ وَفِي الْجُمْلَةِ هُوَ إِسْنَادٌ صَالِحٌ لِأَنْ يُحْتَجَّ بِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ”.
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٣٩٧/١].
وعليه فإن الآثار المروية عن عثمان أنه كان لا يوجب الغسل بالتقاء الختانين إنما هو على المذهب القديم قبل ان يبلغه الناسخ، وقد كان يفتي رضي الله عنه بعد أن بلغه الناسخ بما استقرت عليه الفتوى وأجمعت عليه الأمة وهو وجوب الغسل بالتقاء الختانين وهو ما ثبت عنه بالأسانيد الصحيحة كما سبق.
ثانيا: ذكر الأميني قول الله تعالى { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِی سَبِیلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُوا۟ۚ}
[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٤٣]
على أنها دليل على الغسل من الإكسال فليست نصا في حصول الجنابة لمجرد الإدخال، حتى ولو كان العرب يطلقون الجنابة على مجرد الإدخال، فإن ألفاظ اللغة خصصها الشارع فنقلها من عموم حقيقتها اللغوية إلى خصوص معين كلفظ الصلاة التي هي في لغة العرب مطلق الدعاء فجاء الشرع فخصصها بأقوال وأفعال مخصوصة، وعليه فإن لفظ الجنابة حينما نقله الشارع إلى خصوص الإنزال لم يصح ساعتها الاستدلال بالعموم اللغوي، وهذا معلوم وبلا خلاف بين السنة والشيعة.
وعليه فإن الاستدلال المجرد بالآية في مقابل حديث (إنما الماء من الماء) لا يصلح دليلا الا بانضمام حديث (إذا التقى الختانان…).
ثالثا: قد قال أكثر الشيعة بعدم الغسل من جماع المرأة في دبرها! واستدلوا على ذلك برواية الكافي: “عن البرقي رفعه قال : إذا أتي الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما وان انزل فعليه الغسل ولا غسل عليها
[الكافي ( دار الحديث )، ج ٥، الشيخ الكليني، ص ١٤٥].
[الاستبصار، ج ١، الشيخ الطوسي، ص ١٥٢].
وقد صححوا تلك الرواية وقال بها أكثر الشيعة، يقول المجلسي: “واختلف الأصحاب في وجوب الغسل بوطئ دبر المرأة ،فالأكثرون ومنهم السيد ، وابن الجنيد ، وابن حمزة ، وابن إدريس ، والمحقق والعلامة في جملة من كتبه على الوجوب ، والشيخ في الاستبصار والنهاية ، وكذا الصدوق وسلار إلى عدم الوجوب ، وأما دبر الرجل ففيه أيضا خلاف والسيد قائل هنا أيضا بالوجوب وتردد الشيخ في المبسوط ، وذهب المحقق هنا إلى عدم الوجوب وكذا في وطي البهيمة ذهب السيد ( ره ) إلى وجوب الغسل بل ادعى السيد على الجميع إجماع الأصحاب”.
[مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج ١٣، العلامة المجلسي، ص ١٤٢].
بل حتى إن الأخبار التي جاءت بوجوب الغسل من إتيان المرأة في الدبر قد ردوها وأولوها.يقول الطوسي: “فأما ما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حفص بن سوقه عمن أخبره قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ( 2 ) يأتي أهله من خلفها قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل . فلا ينافي الاخبار الأولة لان هذا الخبر مرسل مقطوع مع أنه خبر واحد وما هذا حكمه لا يعارض به الاخبار المسندة على أنه يمكن أن يكون ورد مورد التقية لأنه موافق لمذاهب بعض العامة ، ولان الذمة بريئة من وجوب الغسل فلا يعلق عليها وجوب الغسل الا بدليل يوجب العلم وهذا الخبر من اخبار الآحاد التي لا يوجب العلم ولا العمل فلا يجب العمل به” .
[الاستبصار، ج ١، الشيخ الطوسي، ص ١٥٢].
فهذا الطوسي يقول بأن الأصل براءة الذمة ويرد الرواية التي توجب الغسل من ذلك كونها موافقة لفقه أهل السنة ((هامش: قال النووي «قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَدُبُرِهَا وَدُبُرِ الرَّجُلِ وَدُبُرِ الْبَهِيمَةِ وَفَرْجِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ»
[«المجموع شرح المهذب» (2/ 136 ط المنيرية)].
فهلا على الأميني أو غيره على من قال بعدم وجوب الغسل على من جامع امرأته في دبرها كما عابو على بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بظلم وجهل ؟!
على أن الجهل بمسألة فقهية كهذه لا تقدح في الخليفة كونه لا يشترط أن يكون فقيها في في كل مسألة فقهية كما سبق وقررناه كثيرا.
مواضيع شبيهة