توسع عثمان في الحمى وحمى لنفسه.
قال الشيعة إن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قد خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال كما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»
[البخاري، صحيح البخاري، ١١٣/٣].
وقالوا بأن عثمان حمى لنفسه وهذا مُحرَّم.يقول الأميني بعد تقريره تحريم الحمى: “كان هذا الناموس متسالما عليه بين المسلمين حتى تقلد عثمان الخلافة فحمى لنفسه دون إبل الصدقة كما في أنساب البلاذري 5: 37، والسيرة الحلبية 2: 87، أو له و لحكم ابن أبي العاص كما في رواية الواقدي، أو لهما ولبني أمية كلهم كما في شرح ابن أبي الحديد 1: 67 قال: حمى (عثمان) المرعى حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية.إلى أن قال: “نقم ذلك المسلمون على الخليفة فيما نقموه عليه وعدته عائشة مما أنكروه عليه فقالت: وإنا عتبنا عليه كذا وموضع الغمامة المحماة [3] وضربه بالسوط والعصا، فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب.
[الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 235].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا الحمى: هُوَ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ فِيهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ لِذَلِكَ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا.
[محمد بن يوسف المواق، التاج والإكليل لمختصر خليل، ٦١٣/٧].
وعرَّفه علَّامتهم الحلي بقوله:والمراد من الحمى ان يحمى بقعة من الموات لمواشي بعينها ويمنع سائر الناس من الرعى فيها
[تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 2 صفحة : 411].
والحمى في أصله جائز باتفاق السنة والشيعة، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ثبت أنه حمى كما في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» وَقَالَ: بَلَغَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ»
[البخاري، صحيح البخاري، ١١٣/٣].
وليس المراد أن لا يجوز الحمى ابدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان من قول للشافعي وهو أحد قوليه في المسألة، وقد خالفه في ذلك القول أبو حنيفة ومالك واحمد.قال الحافظ: ” قَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمُا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ مَعْنَاهُ إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا حَمَاهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْوُلَاةِ بَعْدَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَعَلَى الثَّانِي يَخْتَصُّ الْحِمَى بِمَنْ قَامَ مَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ خَاصَّةً وَأَخَذَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنْ رَجَّحُوا الْأَوَّلَ بِمَا سَيَأْتِي أَنَّ عُمَرَ حَمَى بَعْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٤٤/٥].
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: “وَقَدْ كَانَ لِلرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَال: حَمَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيعَ لِخَيْل الْمُسْلِمِينَ .وَأَمَّا سَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا لأَِنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْل الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ، وَإِبِل الصَّدَقَةِ، وَضَوَال النَّاسِ، عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الأَْئِمَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي صَحِيحِ قَوْلَيْهِ.وَقَال فِي الآْخَرِ: لَيْسَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمِيَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِأَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حَمَيَا ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمَا، فَكَانَ إِجْمَاعًا.
[مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٤٦/٢].
وإجماع الشيعة على جواز الحمى للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن يقوم مقامه قال علَّامتهم الحلي: “والحمى قد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله لخاص نفسه وللمسلمين لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لا حمى الا لله ولرسوله ولكنه (ع) لم يحم لنفسه وانما حمى النقيع بالنون لابل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين في سبيل الله وعندنا ان للامام ان يحمى لنفسه ولابل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين على حد ما كان للنبي واما غيرهما من آحاد المسلمين فليس لهم ان يحموا لأنفسهم ولا لغيرهم
[تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 2 صفحة : 411].
وقال: “ونقول بموجب الحديث فان الامام قائم مقام الرسول والمقدمة الأولى ممنوعة والثاني وهو الصحيح عندنا وعندهم وبه قال مالك وأبو حنيفة ان عمر بن الخطاب حمى موضعا وولى عليه مولى له يقال له هني فقال يا هني اضمم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فان دعوة المظلوم مجابة وادخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياك ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما ان تهلك ماشيتهما يرجع إلى نخل وزرع وان رب الصريمة والغنيمة ان تهلك ما شيته يأتيني بعماله فيقول يا أمير المؤمنين (ع) أفتاركهم؟ لا أبا لك لا أبا لك فالماء والكلاء أهون
[اسم الکتاب : تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 2 صفحة : 411].
وإذا كان الإمام باتفاق يجوز له أن يحمي كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس الاعتراض عليه الا اعتراض على الشريعة التي جوزت له ذلك .
ثانيا : زعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه حمى لنفسه يقول الأميني وسبق ذكره في أصل الشبهة، ولما رجعنا للمصادر التي ذكرها الأميني لم نجد فيها ذكر لما زعمه الأميني من أن عثمان رضي الله عنه حمى لنفسه لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، بل حتى إن البلاذري في أنساب الأشراف ذكر رواية عن أبي مخنف أن الثوار لما اعترضوا عليه لم يقولوا له انك حميت لنفسك
قال البلاذري: “وروي أَبُو مخنف أَن المصريين وردوا الْمَدِينَةَ فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في المرة الأولى فأشرف عَلَيْهِم عُثْمَان فَقَالَ: أيها النَّاس مَا الَّذِي نقمتم عَلِي فإني معتبكم ونازل عِنْدَ محبتكم، فَقَالُوا: زدت فِي الحمى لإبل الصدقة عَلَى مَا حمى عُمَر فَقَالَ:إنها زادت فِي ولايتي
[البلاذري، أنساب الأشراف للبلاذري، ٥٥٢:٥٥١/٥].
فهؤلاء سبئية زماننا أشد شرا وسوءا وكذبا من السبئية القدامى الذين ثاروا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.وروى البلاذري أيضا قال: “حَدَّثَنِي محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَن عُثْمَان حمى النقيع لخيل الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يحمل فِي كُل سنة عَلَى خمسمائة فرس وألف بعير، وكانت الإبل ترعى بناحية الربذة فِي حمى لَهَا، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: النقيع عَلَى ليلتين من الْمَدِينَةِ
[البلاذري، أنساب الأشراف للبلاذري، ٥٢٦/٥].
ولأجل تلك الزيادة زاد عثمان في الحمى يقول القاضي ابن العربي: “وأما أمر الحمى فكان قديما، فيقال: إنه عثمان زاد فيه لما زادت الرعية.وإذا جاز أصله للحاجة إليه جازت الزيادة فيه لزيادة الحاجة”.
[ابن العربي، النص الكامل لكتاب العواصم من القواصم، صفحة ٢٨٩].
ولذلك فقد روى اللالكائي: «عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: لما قدم المصريون على عثمان جعلنا نطلع خلال الحجرة، فنسمع ما يقولون، قال: فسمعت عثمان يقول: ويحكم، لا تزكوا أنفسكم. قالوا: أنت أول من حمى الحمى، وقد أنزل الله عز وجل: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا} [يونس: 59] ، وحميت الحمى. قال: ما أنا بأول من حمى الحمى، حمى عمر بن الخطاب، فلما وليت زادت الصدقة، فزدت في الحمى قدر ما زادت نعم الصدقة، فأستغفر الله وأتوب إليه»
«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (8/ 1443).
ثالثا: وأما الاستدلال بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا حمى إلا لله ولرسوله»
«مسند أبي داود الطيالسي» (2/ 557) [البخاري، صحيح البخاري، ١١٣/٣].
فهذا نهي عن الحمى الخاص لمال مملوك لشخص معين، أيا كان ذلك الشخص قال أبو يعلى الفراء: “«لا حمى إلا لله ولرسوله”. فمعناه: لا حمى إلا على مثل ما حماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لمصالح كافة المسلمين لا على مثل ما كانوا عليه في الجاهلية من تفرد العزيز منهم بالحمى لنفسه»
[«الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء» (ص223)].
ولو اختص الأمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده لما أجمع السنة والشيعة على جواز ذلك لمن قام مقامه صلى الله عليه وسلم.وأما حديث: ” المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلإ والنار “» «مسند أحمد» (38/ 174 ط الرسالة)، فهذا لا ينفي جواز الحمى لمواشي المسلمين، قال السندي في حاشيته: “«والمشهور بين العلماء أن المراد بالكلأ الكلأ المباح الذي لا يختص بأحد وبالماء ماء السماء والعيون والأنهار التي لا مالك لها وبالنارالشجر الذي يحتطبه الناس من المباح فيوقدونه»
[«حاشية السندي على سنن ابن ماجه» (2/ 91)].
وفي صحيح البخاري: “عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة: إن تهلك ماشيتهما، يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين؟ أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبرا.»
[«صحيح البخاري» (4/ 71 ط السلطانية)].
فهذا دليل على أنه حتى مع الحمى لا يمنع الفقراء منه قال أبو يعلى: “«ولا يجوز لأحد من الولاة أن يأخذ من أرباب المواشي عوضا عن مراعي موات أو حمى، لقوله – صلى الله عليه وسلم – “ الناس شركاء في ثلاث: الماء، والنار، والكلأ”»
[«الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء» (ص224)].
وأما الزعم بأن أم المؤمنين عائشة: “قَالَتْ: ” أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَقِمْنَا عَلَى عُثْمَانَ خِصَالا ثَلاثًا: إِمْرَةَ الْفَتَى، وَضَرْبَةَ السَّوْطِ، وَمَوْقِعَ الْغَمَامَةِ الْمُحْمَاةِ، حَتَّى إِذَا أَعْتَبْنَا مِنْهُنَّ مُصْتُمُوهُ مَوْصَ الثَّوْبِ بِالصَّابُونِ، عَدَوْتُمْ إِلَيْهِ الْحُرَمَ الثَّلاثَ، حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَحُرْمَةَ الْخِلافَةِ، وَاللَّهِ لَعُثْمَانُ كَانَ أَتْقَاهُمْ، أَوْ أَتْقَاكُمْ لِلرَّبِّ، وَأَوْصَلَهُمْ لِلرَّحِمِ، أَحْصَنَهُمْ فَرْجًا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ”
[اسم الکتاب : تاريخ بغداد ت بشار المؤلف : الخطيب البغدادي الجزء : 14 صفحة : 191].
[«تاريخ دمشق لابن عساكر» (39/ 489)].
فالرواية ضعيفة بعكرمة بن عمار، قال ابن الجوزي: “عِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم أَبُو عبد الله الْأَزْدِيّ القَاضِي عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ يحيى وَأَبُو دَاوُد لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف وَقَالَ الفلاس ضَعِيف مُنكر الحَدِيث وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي حفظه اضْطِرَاب وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ يقلب الْأَخْبَار وَيرْفَع الْمَرَاسِيل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ
[ابن الجوزي، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي، ١٨٥/٢].
رابعا: لو سلمنا جدلا أن عثمان رضي الله عنه حمى لنفسه فإن الشيعة قالوا بجواز ذلك للإمام، يقول الحلي: “مسألة للامام ان يحمى لنفسه ولخيل المجاهدين وإبل الصدقة والضوال وكذا نعم الجزية ومواشي الضعفاء”.
[اسم الکتاب : تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي الجزء : 2 صفحة : 412].
وعند أهل السنة تدخل المسألة في مسائل الاجتهاد، ولذلك يقول الصنعاني: “واختلف هل يحمي الإمام لنفسه أو لا يحمي إلا لما هو للمسلمين فقال المهدي كان له – صلى الله عليه وسلم – أن يحمي لنفسه لكنه لم يملك لنفسه ما يحمي لأجله وقال الإمام يحيى والفريقان لا يحمي إلا لخيل المسلمين ولا يحمي لنفسه ويحمي لإبل الصدقة ولمن ضعف من المسلمين عن الانتجاع لقوله «لا حمى إلا لله» الحديث
[«سبل السلام» (2/ 121)].
فهل يستباح دم الخليفة لأجل دخوله -جدلا- في مسألة فقهية سائغ فيها الاجتهاد؟ بل على جائز بلا خلاف على فقه السبئية!
خامسا: الثابت أن عثمان كان من أكثر العرب مالا وبعيرا فلما تولى الخلافة خرج من أكثر ذلك وقد جاء في تاريخ الطبري أن عثمان قال: ” وَقَالُوا: وحميت حمى، وإني وَاللَّهِ مَا حميت، حمي قبلي، وَاللَّهِ مَا حموا شيئا لأحد ما حموا الا غلب عَلَيْهِ أهل الْمَدِينَة، ثُمَّ لم يمنعوا من رعية أحدا، واقتصروا لصدقات الْمُسْلِمِينَ يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثُمَّ مَا منعوا وَلا نحوا منها أحدا الا من ساق درهما، وما لي من بعير غير راحلتين، وما لي ثاغية وَلا راغية، وإني قَدْ وليت، وإني أكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي الْيَوْم شاة وَلا بعير غير بعيرين لحجي، أكذلك؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ”.
[الطبري، أبو جعفر، تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، ٣٤٧/٤].
وقد قال علي بن أبي طالب وهو يرد عن عثمان: “فَقَالَ: أَمَّا الْحِمَى فَإِنَّمَا حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ لِتَسْمَنَ، وَلَمْ يَحْمِهِ لِإِبِلِهِ وَلَا لِغَنَمِهِ، وَقَدْ حَمَاهُ عُمَرُ مِنْ قَبْلِهِ”.
[ابن كثير، البداية والنهاية ط هجر، ٢٧٢/١٠].
وعليه فهذا مما يمدح لعثمان رضي كونه يحمي حمى الإسلام والمسلمين بإرصاد الخيل المسومة والإبل المجهزة والمُعدة لحرب أعداء الله ورسوله، ونشر التوحيد في الدنيا كلها، وهذا مما يغيظ أعداء الله ورسوله ولذلك راموا الطعن في عثمان بما هو عين المدح له رضي الله عنه.
مواضيع شبيهة
تولية عثمان للوليد بن عقبة مع ما له من مثالب لا تؤهله للولاية!