تقديم عثمان الخطبة على صلاة العيد.
قال الشيعة إن عثمان هو أول من ابتدع تقديم الخطبة على صلاة العيد، واستدلوا على ذلك بما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح قائلا: “وروى بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ فَرَأَى نَاسًا لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْ صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ
[«فتح الباري لابن حجر» (2/ 452)].
قال الأميني: “وليتني أدري كيف يتقرب إلى المولى سبحانه بصلاة بدلوا فيها سنة الله التي لا تبديل لها”.
[اسم الکتاب : الغدير المؤلف : العلامة الأميني الجزء : 8 صفحة : 163].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: جميع الروايات التي جاءت في ذلك عن عثمان لم تصح، وما ذكره الحافظ ابن حجر عن الحسن البصري ليس تصحيحا للرواية بل فيه نص على الصحة إلى الحسن البصري واما ما بعده فانقطاع، وذلك أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان قال العلائي: “«الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه يسار أحد الأئمة الأعلام تقدم أنه كثير التدليس وهو مكثر من الإرسال أيضا ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه ونشأ بوادي القرى ورأى عثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وحضر يوم الدار وهو بن أربع عشرة سنة فروايته عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مرسلة بلا شك»
[«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» (ص162)].
«سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ لَقِيَ الْحَسَنُ أَحَدًا مِنَ الْبَدْرِيِّينَ قَالَ رَآهُمْ رُؤْيَةً رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَلِيًّا قْلُت سَمِعَ مَنْهُمْا حَدِيثًا قَالَ لَا»
[«المراسيل لابن أبي حاتم» (ص31)].
قال البزار عن الحسن: “«قال ولم يسمع من بن عباس ولا الأسود بن سريع ولا عبادة ولا سلمة بن المحبق ولا عثمان»
[«تهذيب التهذيب» (2/ 269)].
فهذا يدل على أن رواية الحسن عن عثمان منقطعة وقد قرر عدم صحة جميع ما ورد في ذلك عدة من أهل العلم قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً. وَقَالَ: إنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ»
[«نيل الأوطار» (3/ 349)].
و«قَالَ: وَأَمَّا رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَمْ أَجِدْ لَهَا إسْنَادًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: يُقَالُ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَهَا عُثْمَانُ، وَهُوَ كَذِبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَيَرُدُّهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ»
[«نيل الأوطار» (3/ 350)].
وقال ابن قدامة: “«وَرُوِىَ عن عثْمَانَ، وابنِ الزُّبَيْرِ، أنَّهما فَعَلَاهُ، ولم يَصِحَّ ذلك عنهما»
[«المغني» لابن قدامة (3/ 276 ت التركي)].
ولو صح لما قوي على معارضة الثابت عنه رضي الله عنه فقد روى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ»
[«صحيح البخاري» (2/ 18 ط السلطانية)].
فعند التعارض باتفاق أهل العلم تقدم رواية البخاري .بل وقد ثبت أيضا عند البخاري أن أول من فعل ذلك هو مروان بن الحكم
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللهِ، فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ، قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ»
[«صحيح البخاري» (2/ 18 ط السلطانية)].
[مسلم، صحيح مسلم، ٦٠٥/٢]
فهذا نص من أبي سعيد الخدري مؤيد لكلام ابن عباس أن عثمان لم يفعل ذلك وإنما الذي فعله هو مروان بن الحكم وهناك طريق ثالث للجمع أو أنه رضي الله عنه فعل ذلك لمصلحة إدراك الناس للصلاة ولم يستمر عليه: يقول الحافظ: “وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَأَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمُ الْخُطْبَةَ”.
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٤٥٢/٢].
ثم ذكر الحافظ احتمالات أخرى وأنه قد يكون فعل ذلك نادرا، والأصل عنده هو الصلاة قبل الخطبة في العيدين وإلا فلو كان من تقديم فقد كان لمصلحة وقتية لم تتكرر ولا يعارض هذا الحكم الأصلي الذي يعتمده عثمان. وعليه فلو سُلِّم أن عثمان رضي الله عنه قد فعل ذلك احيانا فهو اجتهاد لمصلحة رآها في سنة من السنن لما رأى تغير أحوال الناس من ناحية إهمالهم الصلاة فحرص على حضورهم تلك السنة فسواء أصاب عثمان أو أخطأ في ذلك فلا يمكن أن يقول عاقل قد أن هذا يبيح دمه أو يجوز عزله من الخلافة خاصة مع ما ثبت من مناقبه العظيمة وحرصه على اتباع السنة، فلا يُحامل من عثمان أن يقصد مخالفة سنة قط، إنما نحمل فعله-إن ثبت- على حرصه أن يحضر الناس الصلاة لا غير ذلك.وفي مثل هذه السنن قد يهون الأمر ولذلك فقد اختلف الشيعة في تقديم الخطبة على الصلاة في الاستسقاء وأجاز الحلي كلا الأمرين
يقول الحلي: “واختلف علماؤنا في استيجاب تقديم الخطبة على هذه الأذكار وتأخيرها فقال المرتضى بالأول وتبعه ابن إدريس وقال الشيخ بالثاني وكلاهما عندي جايز”.
[تذكرة الفقهاء ( ط . ق )، ج ١، العلامة الحلي، ص ١٦٨].
[وانظر مجموعة فتاوى ابن الجنيد المؤلف : التيجاني السماوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 74].
لكن الأولى من كل ذلك هو ما سبق تقريره من أهل العلم وإن الروايات في ذلك لا تصح عن عثمان ولو صحت لما قويت على معارضة حديث ابن عباس عند البخاري.
ثانيا: إذا كان هذا الاختلاف حول سنة من السنن فما هو الحكم على شيخكم الصدوق الذي حرّف الرواية عن عثمان بل واعتقد ان الصواب في خلاف ما أجمعت عليه الأمة قاطبة، فقد قلب شيخهم الصدوق الرواية وجعلها (تقديم الخطبة على صلاة الجمعة) لا العيد وبهذا يكون عثمان قد خرج من الإشكال ودخل فيه صدوقهم.فقد قال صدوقهم: “وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَوَّلُ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى لَمْ يَقِفِ النَّاسُ عَلَى خُطْبَتِهِ وَ تَفَرَّقُوا وَ قَالُوا مَا نَصْنَعُ بِمَوَاعِظِهِ وَ هُوَ لَا يَتَّعِظُ بِهَا وَ قَدْ أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَدَّمَ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى الصَّلَاةِ”.
[من لا يحضره الفقيه المؤلف : الشيخ الصدوق الجزء : 1 صفحة : 433].
ورغم أن الرواية تذكر أن أول من قدم الخطبة على الصلاة في الجمعة هو عثمان، إلا أن الصدوق كانت هذه عقيدته، ففي كتابيه العلل والعيون قال : “وَ الْخُطْبَتَانِ فِي الْجُمُعَةِ وَ الْعِيدَيْنِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ الأخروين [الْأُخْرَيَيْنِ وَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدَّمَ الْخُطْبَتَيْنِ عُثْمَانُ”.
[اسم الکتاب : علل الشرائع المؤلف : الشيخ الصدوق الجزء : 1 صفحة : 265].
[عيون أخبار الرضا(ع) المؤلف : الشيخ الصدوق الجزء : 1 صفحة : 119]
فكأن الصدوق يقول بأن عثمان هو أول من شرع الصواب في تقديم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة وقد تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- والمعصومين، وكان الصواب في فعل عثمان!بل واستدل أحد اكابرهم بهذا على أن الصدوق والشيعة في زمانه لم يكونوا يصلون الجمعة قط فقد نص محققهم الشّوشتري على أنّ الّذي ذكره الصّدوق آنفاً يعتبر شاهداً لمن قال بعدم وجوب صلاة الجمعة تعييناً؛ وذلك لإجماع الإماميّة العملي على تركهم لصلاة الجّمعة، وإنّ نقلهم لرواياتها لا يختلف عن نقلهم لروايات الجّهاد؛ وإلّا «فإنّ الصدوق لو كان صلّى هو أو غيره من الشيعة في عصره الجمعة لما توهّم هذا التوهّم».
[الأخبار الدّخيلة: ج1، ص98].
فهؤلاء الشيعة تركوا فريضة من أعظم الفرائض على الإطلاق وهي الجمعة، حتى إن صدوقهم الأكبر لم يكن يعرف إن إجماع الإمامية فضلا عن إجماع المسلمين هو تقديم الخطبة على الصلاة في الجمعة فما حكم الشيعة على صدوقهم إذا ؟
مواضيع شبيهة