الطعن في نسب عمر بن الخطَّاب
من طعونات الشيعة الإمامية في الفاروق طعنهم في نسبه، واتهامه أنه أَتى من سفاح وزنا، واعتمدوا في هذا على كلام لهشام بن السائب الكلبي صاحب «المثالب»
[ أبو المنذر، هشام بن محمد بن السائب، الكلبي، الكوفي، توفي سنة أربع ومائتين، وقيل: سنة ست ومائتين، قال الذهبي: تركوه كأبيه، وكانا رافضيين؛ (المغني 2/711) . روى عنه جماعة، مات سنة ست ومائتين، قال الإمام أحمد: إنما كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه. (معرفة الرجال 1/219) ؛ (فهرست ابن النديم 140) ؛ (لسان 6/196)]
، قال ابن طاوس: «ومن طريف ما بلغوا إليه من القدح في أصل خليفتهم، وأن جدته صهاك الحبشية ولدته من سفاح، يعني من زنا، ثم يروون: أن ولد الزنا لا ينجب، ثم مع هذا التناقض يدعون أنه أنجب ويكذبون أنفسهم، ولو عقلوا لاستقبحوا أن يولوا خليفة، ثم يدعون أنه ولد زنا.
فمن روايتهم في ذلك: ما ذكره أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبى -وهو من رجالهم- في كتاب «المثالب»، فقال ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح -: كانت صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف، ثم وقع عليها
عبد العزى بن رياح فجاءت بـ(نفيل جد عمر بن الخطَّاب)».
[«الطرائف» [469/2]؛ وانظر: «الصراط المستقيم» النباطي (3/ 28)؛ و«القمّي» الشيرازي: كتاب «الأربعين» [577]؛ وغيرهما ممّن نقل كلام ابن طاووس. كما نقل كلام الكلبي الحلي في كتابه «نهج الحق» [348]].
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
!
أولًا: نسب الفاروق الصحيح كما ورد في الكتب المعتمدة، هو: عمر بن الخطَّاب بن نفيل ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، أبو حفص.وأمه: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، فعلى هذا تكون أخت أبي جهل، وعلى الأول تكون ابنة عمه. قال أبو عمر: ومن قال ذلك- يعني بنت هشام- فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك، إنما هي ابنة عمهما؛ لأن هشامًا وهاشما ابني المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة، وهشام والد الحارث وأبي جهل، وكان يقال لهاشم جد عمر: ذو الرمحين.وقال ابن منده: «أم عمر أخت أبي جهل. وقال أبو نعيم: هي بنت هشام أخت أبي جهل، وأبو جهل خاله. ورواه عن ابن إسحاق. وقال الزّبير: حنتمة بنت هاشم فهي ابنة عم أبي جهل- كما قال أبو عمر- وكان لهاشم أولاد فلم يعقبوا».
[«أسد الغابة» لابن الأثير (3 /642)].
وكان من أشراف قريش وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشًا كانوا إذا وقع بينهم حرب أو بينهم وبين غيرهم، بعثوه سفيرا، وإن نافرهم منافر، أو فاخرهم مفاخر، رضوا به، بعثوه منافرًا ومفاخرًا.
[«أسد الغابة» لابن الأثير (3 /642)].
فهل يعقل أن قريشًا التي تهتم بأنسابها غاية الاهتمام تجعله سفيرًا ومفاخرًا، لو كان مطعون النسب؟!
ثانيًا: ليس هناك في كلام الكلبي المتقدم أيّ إشارة إلى أنَّ أمّ عمر بن الخطَّاب قد أتت به من الزنا، بل غاية ما في النصّ: أنَّ جدّ عمر بن الخطَّاب، وهو نفيل، كانت أمّه صهاك، فليس في كلام الكلبي أيّ شيء حول ولادة عمر نفسه من الزنا، وذلك على فرض التسليم، وإلا (فَصهاك) مجرد أسطورة نقلتها لنا كتب الرَّافضة ومن شابههم.قال علي النمازي الشاهرودي: «صهاك الحبشيّة: هي أمة لعبد المطلب، فزنى بها نفيل فولدت الخطَّاب (والد عمر)، فوهبها عبد المطلب له بعد ما زنى بها، كما قاله زبير بن العوام ونقله سليم بن قيس.. فلما كبر الخطَّاب زنى بأمّه الصهاك فولدت بنتا اسمها حنتمة. فلما كبرت عند من أخذها صغيرة خطبها الخطَّاب فولدت عمر».
[«مستدركات علم رجال الحديث» (8/ 585)].
ومصدر كلام النمازي – كما هو ظاهر – كتاب (سليم بن قيس)، وهذا المصدر لا قيمة تاريخية له، وهو الموافق لرأي الخوئي في هذا الكتاب حيث يقول: «والصحيح أنَّه لا طريق لنا إلى كتاب سليم بن قيس المرويّ بطريق حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر؛ عنه، وذلك لأن في الطريق محمّد بن علي الصيرفي أبا سمينة، وهو ضعيفٌ كذاب».
[«معجم رجال الحديث» (9/235)، وقد طعن في هذا الكتاب أغلب علماء الشيعة ومنهم محمّد بن محمّد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت 413ﻫ) في (تصحيح اعتقادات الإمامية، ص: 149-150)، وأحمد بن الحسين بن عبيد الله بن الغضائري (ت القرن 5ﻫ) في (رجال ابن الغضائري، ص: 63-64)، ابن داود وكان حياً سنة 707ﻫ في كتابه (رجال ابن داود، ص: 225)، والعلامة الحلّي (ت 726ﻫ) في (خلاصة الأقوال، ص:161، 325-326)، وزين الدين بن علي الجبعي العاملي (ت 965ﻫ)(روضات الجنات، ج: 4، ص: 68)، ومصطفى التفريشي (1044ﻫ) (نقد الرجال، ج: 1، ص: 39)، وأبو الحسن الشعراني(ت 1393ﻫ) في(شرح أصول الكافي، ج: 2، ص: 227،307، وج: 7، ص: 357)، وهاشم معروف الحسني (ت 1403ﻫ)في (الموضوعات في الآثار والأخبار، ص: 184، هامش 1)، ومرتضى الحائري (ت 1406هـ) في كتابه(كتاب الخمس، ص: 646)، وجواد التبريزي (ت 1427ﻫ) في(الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية، ص: 254)، وحسين المنتظري (ت 1429ﻫ في(دراسات في ولاية الفقيه، ج: 1، ص: 182)، ومحمد حسين فضل الله (ت 1431ﻫ) في (الحوزة العلمية تدين الانحراف، ص: 94)، ومحمد الباقر البهبودي (ت 1436ﻫ) في(معرفة الحديث، ص: 359)، وعلي السيستاني) في (قبسات من علم الرجال، الجزء الثاني، صفحة 201)،محمد آصف المحسني في (مَشرَعة بحار الأنوار، ج: 2، ص: 23)، وغيرهم كثير].
ومما يدل على تهافت قصة صهاك هذه، أننا لو قارنّا النصوص الواردة في شأنها، تجد أنَّ صهاك مرةً أمة لهاشم بن عبد مناف، وأخرى أمةٌ لعبد المطلب، ومرّة هي أمّ عمر، وأخرى هي جدّته، ومرّة حملت بنفيل جدّ عمر، وأخرى حملت بالخطَّاب والد عمر، ففي المنقولات التاريخية هنا تهافتات تستحقّ التوقّف على أقل تقدير، إن لم نقل أن اضطرابها دليل على كذبها وتهافتها.
ثالثًا: لم يرشدنا هشام الكلبي المتوفى عام 206 هـ إلى مصدر كلامه سوى والده محمّد ابن السائب (146هـ). أما هشام فضعيف جدًا، بل اتهم بالكذب، قال الذهبي: «ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبيّ في ذلك، وهو من أكذب النَّاس، وهو شيعي يروى عن أبيه وعن أبي مِخْنَف، وكلاهما متروك كذّاب. وقال الإمام أحمد في هذا الكلبيّ -: ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه، إنّما هو صَاحِب سَمَر وَنُسِب. وقال الدّارقطنيّ: متروك».
[ «المنتقى من منهاج الاعتدال» [319]].
وعلماء الرَّافضة ينسبونه إليهم، قال أغا بزرك الطهراني: «هشام بن محمد بن السائب الكلبي النسابة، كذا عبر النجاشي عنه، وقال: إنه كان يختص بمذهبنا»
[«الذّريعة إلى تصانيف الشِّيعة» (1/273)].
وقال أبو القاسم النراقي: «هشام بن محمّد بن السائب، أبو منذر، السائب، العالم بالأيّام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختصّ بمذهبنا».
[«شعب المقال في درجات الرجال» [319]].
فكيف يقال بعد هذا أنه من رجال أهل السُّنَّة كما قال ابن طاوس؟!
[«الطرائف» [469/2]].
وأما أبوه محمد بن السائب، فمثله في الضعف أو أشدّ، قال فيه ابن معين: «ليس بثقة. وقال الجوزجاني وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك. وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه».
«ميزان الاعتدال» للذهبي (3/559).
رابعًا: حاول بعضهم الاستناد إلى بعض القصص التي حصل فيها زواج بين بعض الأبناء وبين زوجات آبائهم، أو وراثة زوجة الأب في ضمن التركة بحيث تصل إلى الابن، وَنَرُدُّ فَنَقُولُ إنَّ هذا شيء آخر غير الزنا، كما هو واضح؛ لأنَّ التحريم نزل في الكتاب الكريم، وأجاز الإبقاء على ما سلف من نكاح ما نكح الآباء من قبل، وحكم بصحة أنكحة الجاهليّة، وهذا باتفاق السنة والشيعة[12]
[ أما عند أهل السنة فراجع موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، ٣٤١/٣، وأما عند الشيعة فقد ذكر الإجماع على صحة أنكحة الكفار الشريف المرتضى في الرسائل1/400، والقاضي ابن البراج في المهذب 2/259 وعلي آل محسن في كتابه (لله وللحقيقة رد على كتاب لله ثم للتاريخ )، ص ٤٨٧].
، وإلا يلزم أن نتكلّم عن نسب أهل فارس، فإنَّ المجوس كانت تجيز نكاح الأخ لأخته، فهل يجوز في شرع الله ودينه أن نتحدّث عن نسب ملايين المسلمين من أهل فارس بأنَّهم أولاد زنا؟!وفي كتب الشيعة طرف من هذا، فقد جاء عن عبد الله بن سنان قال: «قذف رجل رجلًا مجوسيًا عند أبي عبد الله ، فقال: مه، فقال الرجل: إنه ينكح أمه وأخته، فقال: ذلك عندهم نكاح في دينهم».
[«وسائل الشيعة» (14/588)].
بل الطعن في أنساب العرب في الجاهلية بمثل هذه الأمور يلزم منه الطعن في نسب رسول الله ، قال ناصر مكارم الشيرازي: «وفيه إشارة إلى أنَّ رسول الله – في الظاهر – ولد في الجاهلية من غير المسلمين؛ وإن كان في اعتقادنا- في الواقع- مولود من الموحّدين المطهّرين والمطهّرات، فلو نسب الزنا إلى أولاد جاهلية العرب، دخل ذلك على رسول الله أيضًا».
[«أنوار الفقاهة في أحكام العترة الطاهرة» [كتاب النكاح] (2/425)].
خامسًا: لو كان عمر بن الخطَّاب ابن زنا، وكان هذا أمرًا معروفًا، حتى وصل إلى الكلبي وغيره، لكان من الطبيعي أن يُستخدم بقوّة من طرف مشركي قريش للتشويه عليه بعد إسلامه، في مناخ ثقافة عربية تعنى بالأنساب، وتهتمّ بها أشدّ الاهتمام. بل لقد كان مناسبًا أن يثار هذا الأمر ضدّه من قِبَلِ كلّ المخالفين له، بعد وفاة النبي وخليفته أبي بكر رضي الله عنه.فكيف لم ترد هذه النصوص والحكايات عند أشدّ معارضيه، كالرافضة إلا في كتب مبعثرة ومتأخّرة زمنًا فاقدة للأسانيد والمصادر الموثوقة، وكثير منها وجادات
[ الوجادة: هي أن يجد الشخص أحاديث بخط راويها، سواء لقيه أو سمع منه، أم لم يلقه ولم يسمع منه، أو أن يجد أحاديث في كتب المؤلفين المعروفين].
ولماذا لم نجدها في الكتب الأربعة
[الكتب الأربعة أو الأصول الأربعة، هي مصادر الحديث عند الشيعة وهي:1- الكافي — للشيخ الكليني ويحتوي هذا الكتاب على 16199 حديثًا. 2- تهذيب الأحكام — لشيخ الطائفة الطوسي ويحتوي على 13905 حديثًا. 3- الاستبصار — لشيخ الطائفة الطوسي ويحتوي على 5511 حديثًا. 4- من لا يحضره الفقيه — للشيخ الصدوق ويحتوي على 5998 حديثًا].
، أو في كتب الصدوق والمفيد والمرتضى وغيرهم؟!
سادسًا: كتاب «مثالب العرب» الذي يستدل به علماء الإمامية على قولهم هذا، هو نفسه الذي يقول أن عمار بن ياسر ابن زنا أيضًا، قال الكلبي: «باب أولاد الزنا الذين شَرُفُوا من العرب … و عمار بن ياسر مولى لأبي حذيفة بن المغيرة ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وأمّه سمية أَمَةٌ لهم، وابنه محمد بن عمار اتّهمه المختار بن أبي عبيدة بامرأته أمّ ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري فقتله، وكانت تحت عمار ابنة سعيد بن حريث أخي عمرو بن حريث».
[«مثالب العرب» [90- 91]].
فهل يقبل الرَّافضة كلام الكلبي أن عمار بن ياسر I ابن زنا، كما قبلوا كلامه في نسب الفاروق؟
سابعًا: يكفي عمر بن الخطَّاب القرشي شرفًا أن النبيّ تزوج ابنته، وقد تزوج عمر أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب .
أيقبل الرَّافضة أن يكون هذا نسب من قَبِل بمصاهرته النبي وعلي ابن أبي طالب ؟!كما أنه يلزم أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فعل المكروه في دين الشيعة، بل وجلب العار لنفسه، ففي ملاذ الأخيار : “عَنْ ثَعْلَبَةَ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عفِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ وَلَدَ الزِّنَى قَالَ لَا بَأْسَ إِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ مَخَافَةَ الْعَارِ وَ إِنَّمَا الْوَلَدُ لِلصُّلْبِ
[ ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار -العلامة المجلسي 12/490، وقال المجلسي عن الرواية موثق].
كما يشمله أيضا -صلى الله عليه وسلم وحاشاه- ارتكاب ما نهى عنه من تَزَوُّج المرأة الحسناء في منبت السوء (أحكام الأطفال- جمع من المحققين ١/٦٥.)
وأعوص من كل تلك الإشكالات مخالطة النبي -صلى الله عليه وسلم- له وعدم الحكم بنجاسته مع استحقاقه كل ذلك عند الشيعة، فكما يقول البحراني في الأنوار الحيرية، فإما أن يبطلوا كل تلك الشبهات ويسقط اتفاق الشيعة ونقلهم وبالتالي يسقط دينهم، وإما أن يقولوا بثبوت ذلك عن عمر مع مخالفة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأحكام الشرعية وهو أطمّ، وهذا ذكر هذا الإشكال وفصّله البحراني في كتابه الأنوار الحيرية، ولم يجد عنه جوابا.
[ راجع في تفصيل هذا الإشكال كتاب الأنوار الحيرية والأقمار البدرية الأحمدية- يوسف البحراني- ١/١٢٨]
ويُنظر في تفصيل الرد على شبهة النسب[الرد على الطعن في نسب الصديق].
مواضيع شبيهة