عدم إقامة الحد على قتلة عثمان لما تولى معاوية الخلافة.
دائما ما يردد الشيعة ان معاوية لو كان صادقا في طلبه الثأر من قتلة عثمان لسارع في القصاص من قتلة عثمان لما تولى الخلافة لكنه لم يفعل ذلك .
و الجواب علي هذه الشبهة من وجوه:
أولا: لابد من بيان وجهات النظر لكلا الطرفين ممن قالوا بتعجيل القصاص من قتلة عثمان وممن قال بتأخيره إلى حين استقرار أمور الناس والقدرة على القصاص .
الفريق الأول: فريق علي ومن معه كانوا ينظرون إلى مسألة القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه نظر مصلحة ومفسدة فرأى أن المصلحة تقتضي تأخير القصاص وعدم إقامته في هذا الهرج والفتنة القائمة خاصة أن المعروف من هؤلاء القتلة لهم قبائل ستثور لهم وتدافع عنهم، ولذلك
يقول القاضي أبو يعلى الفراء: “ووجه اجتهاد عليّ رضي الله عنه في الامتناع ؛ أشياء :
أحدها: أنه لم يعرفهم بأعيانهم ولا أقامت شهادة عليهم بقتلهم، وقد كان كثيراً ما يقول من قتل عثمان فليقم . فيقوم أربعة آلاف مقنع – أي ملبس بالحديد – وقيل أكثر .
والثاني : لو عرفهم بأعيانهم وخاف قتل نفسه وفتنة في الأمة تؤول إلى إضعاف الدين وتعطيل الحدود، فكان الكف عن ذلك إلى وقت انحسام الفتنة وزوال الخوف، وهذه حال عليّ في أتباعه؛ مثل الأشتر، والأشعث بن قيس ، والأمراء، وأصحاب الرايات، وكثرة اختلافهم .
والثالث : أنه لو عرفهم؛ فلم يحضره مُطَالِبٌ بالقود، لأن أولياء عثمان كانوا يقدحون في إمامة عليّ، ويعتقدون أنه متغلب عليهم، ولا يجوز مطالبة من ليس بإمام بإقامة حدود ليس له إقامتها.
والرابع : أنه من حق وَليّ الدَّم أن لا يَنصِبَ حرباً مع الإمام متى لم يحكم له، بل يجب الانقياد والطاعة، فإذا بارَزَهُ ولم يلتزم طاعة؛ لم يجب استيفاء القصاص عليه، وقد كانوا يعتقدون ذلك، وله على اجتهاده أجران .
تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان – القاضي أبو يعلى الفراء ص٨٥.ويقول الامام الطحاوي: «وَكَانَ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ أُولَئِكَ الطُّغَاةِ الْخَوَارِجِ، الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ – مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِعَيْنِهِ، وَمَنْ تَنْتَصِرُ لَهُ قَبِيلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِمَا فَعَلَهُ، وَمَنْ فِي قَلْبِهِ نِفَاقٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِهِ كُلِّهِ»
«شرح العقيدة الطحاوية – ت الأرناؤوط» (2/ 723).
ويقول القرطبي: “«فَكَانَ عَلِيٌّ فِي ذَلِكَ أَسَدَّ رَأْيًا، وَأَصْوَبَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَوْ تَعَاطَى الْقَوَدَ مِنْهُمْ لَتَعَصَّبَتْ لَهُمْ قَبَائِلُ، وَصَارَتْ حَرْبًا ثَالِثَةً فَانْتَظَرَ بِهِمْ أَنْ يَسْتَوْثِقَ الْأَمْرُ، وَتَنْعَقِدَ الْبَيْعَةُ الْعَامَّةُ، وَيَقَعَ الطَّلَبُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَيَجْرِي الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الْقِصَاصِ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إثَارَةِ الْفِتْنَةِ أَوْ تَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ»
«أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية» (4/ 150)
فهذه وجهة نظر فريق علي والذي يرى تأخير القصاص وهو الأصوب بلا شك .
الفريق الثاني: وهم المطالبون بتعجيل القصاص من قتلة عثمان وهم أهل الشام وعلى رأسهم معاوية وكذلك الصحابة الذين ذهبوا إلى البصرة وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وطلحة والزبير وهؤلاء رأوا أن قتل الخليفة إنما هو منكر عظيم من أعظم المنكرات، وإزالة المنكر من حيث هو لمن قدر عليه فرض كفاية، لا يتوقف على إمام يرجع إليه فيه، ومنزلتهم في الإسلام وعند المسلمين تخول لهم ذلك، وهذا ما يبرر خروجهم إلى البصرة أو امتناع اهل الشام من البيعة إلا أنهم متأولون في فهمهم هذا وفي استعجالهم إزالة هذا المنكر، حيث خفي عليهم أن إزالة هذا المنكر يتعلق بالقصاص من المرتكبين له وأخذ القصاص منهم يتوقف على الإمام وإقامة أولياء المقتول البينة على الجاني عنده ثم حكمه بمقتضى ذلك، لكن اجتهادهم أداهم إلى ذلك، فما يمكن أن يقال فيهم أنهم مجتهدون مخطئون لهم أجر واحد على اجتهادهم .
ثانيا: أكثر قتلة عثمان كانوا قد قتلوا قبل أن يتولى معاوية الخلافة، يقول محب الدين الخطيب: “إن سطوة الله وعدله الأعلى نزلا بأكثر قتلة عثمان فلم يبق منهم في ولاية معاوية إلا المشرد الخائف الباحث عن جحر يختبيء فيه، وبزوال سطوتهم وتقلص شرهم لم يبق بمعاوية حاجة إلى تتبعهم»
«العواصم من القواصم ط دار الجيل» (ص171)
. وعامة من شارك في قتل عثمان رضي الله عنه قتل قبل أن يستتب الأمر لمعاوية رضي الله عنه ، ومنهم من قتل في زمن معاوية . – فقتل كنانة بن بشر التجيبي ، سنة ثمان وثلاثين ، بعد مقتل عثمان بثلاث سنين. “البداية والنهاية” (10/ 661) . – وقتل عبد الرحمن بن عديس سنة ست وثلاثين. “الإصابة” (4/ 282) . – أما عمرو بن الحمق : فقتل زمنَ معاوية ، قال ابن كثير : ” كانَ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ قَامُوا مَعَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ، فَتَطَلَّبَهُ زِيَادٌ، فَهَرَبَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَى نَائِبِهَا، فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ قَدِ اخْتَفَى فِي غَارٍ ، فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، فَمَاتَ فَقَطَعَ رَأْسَهُ ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَطِيفَ بِهِ فِي الشَّامِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ أَوَّلَ رَأْسٍ طِيفَ بِهِ ” انتهى من “البداية والنهاية” (11/ 219) ثم إن معاوية رضي الله عنه – وكان عاقلا حكيما – لم يرد أن يتتبع من بقي ممن شارك في مقتل عثمان رضي الله عنه ، درءا للفتنة ، وخاصة أن عامتهم كانوا قد قُتلوا . وكان رضي الله عنه مشغولا بأمور الدولة والجهاد ، فأراد ألا يفتح على الناس باب شر وفتنة . ويؤيد ذلك : أنه كان من بنود الصلح بين الحسن بن علي ومعاوية رضي الله عنهم: ” أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم ” “الفتوح” -لابن أعثم (4/ 291) .
موقع الاسلام سؤال وجواب
هذا فضلا عن أن معاوية هو ولي الدم فله أن يقتص وله أن يعفو كما هو معلوم.
ثالثا: شروط الصلح التي كانت بين الحسن ومعاوية كان أهمها إصدار العفو العام عن كل ما كان قبل الصلح من سفك الدماء او إتلاف للأموال او غير ذلك ولا شك أن معاوية رضي الله عنه قد فعل ذلك وعاش الكل بامن وأمان زمان معاوية رضي الله عنه،
في صحيح البخاري من قول الحسن: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا”.
[البخاري، صحيح البخاري، ١٨٦/٣]
فكان من الشروط قطع الفتنة وإيقاف الحرب وقد تم ذلك على أكمل وجه، والشيعة يعترفون بذلك يقول شيخهم راضي آل ياسين: “الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها ، بشتى شروطه التي أرادها ، فيما يتصل بمصلحته ، أو يهدف الى فائدته ، سواء في نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه”.
[اسم الکتاب : صلح الحسن عليه السلام المؤلف : آل ياسين، الشيخ راضي الجزء : 1 صفحة : 258]
ثم قال وهو يعدد بنود الصلح: “المادة الخامسة :« على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه ، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وأن يؤمّنَ الاسود والاحمر ، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم ، وأن لا يتبع احداً بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق باحنة». « وعلى أمان أصحاب عليّ حيث كانوا ، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه ، وأن اصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ، وان لا يتعقب عليهم شيئاً ، ولا يتعرض لاحد منهم بسوء ، ويوصل الى كل ذي حق حقه ، وعلى ما أصاب اصحاب عليّ حيث كانوا ..». « وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لاخيه الحسين ، ولا لاحد من أهل بيت رسول اللّه ، غائلةً ، سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم ، في أفق من الآفاق
[اسم الکتاب : صلح الحسن عليه السلام المؤلف : آل ياسين، الشيخ راضي الجزء : 1 صفحة : 260]
فهذا شرط الحسن على معاوية مع ملاحظة أمر هو في غاية الأهمية وهو أن الشيعة يعترفون أنهم هم من قتلوا عثمان وأباحوا دمه بمباركة من علي -وهو منهم برييء- يقول محمد طاهر القمي: “أقول : كفانا معشر الشيعة إباحة دمه ، لأن إباحة دمه دليل على بطلان خلافته وبيعته ، وعلى أن الشورى العمرية لم يكن صوابا ، بل يدل على أن عثمان لم يكن مؤمنا”.
[كتاب الأربعين، محمد طاهر القمي الشيرازي، ص ٦١١]
ويروي الحر العاملي: “عن أبي حمزة ، قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : “ كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان ، وعلى دم أهل النهروان ، وإن لقى الله مؤمنا بأن عثمان قتل مظلوما لقى الله ساخطا عليه”.
[الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، الحر العاملي، ص ٢٦٧]
وقد قالوا أيضا بأن الذين قتلوا عثمان إنما هم المؤمنون الصالحون! روى نصر بن مزاحم ، عن عمر قال : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن جندب بن عبد الله قال : قام عمار بن ياسر بصفين فقال : ” امضوا ( 1 ) [ معي ] عباد الله إلى قوم يطلبون – فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله ، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان”.
[وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، ص ٣١٩]
وطالما أن الصالحون المؤمنون هم من قتلوا عثمان فلا شك انهم هم الشيعة الخلص في عقيدتهم فلفظ المؤمن عندهم خاص بالشيعي الأمامي الاثنا عشري قال محققهم البحراني: ” المؤمن وهو المسلم المعتقد لإمامة الأئمة الاثني عشر”.
[الحدائق الناضرة، ج ١٠، المحقق البحراني، ص ٣٥٩]
وقال الخوانساري: “الايمان بمعنى كونه قائلا بإمامة الأئمة الاثنا عشر”.
[جامع المدارك، ج ١، السيد الخوانساري، ص ٤٩٠]
وقال كاظم الحائري: “الإيمان – بمعنى كونه شيعيا اثني عشريا”.
[القضاء في الفقه الإسلامي، السيد كاظم الحائري، ص ٣١٢]
وبناء عليه فإن الحسن قد اشترط على معاوية عدم قتل قتلة عثمان، فكان لابد من إما الحرب وعدم قبول الصلح وتهراق الدماء وإما قبول الصلح على ترك ما تبقى من قتلة عثمان فكان الواجب ارتكاب أخف الضررين، فهل يلام معاوية على تنفيذه شرط الحسن ؟!
رابعا: لو تفرغ معاوية لفتن الجبهة الداخلية من الطابور الخامس لما تفرغ للجهاد ولما عادت الفتوحات بعد أن توقفت منذ استشهاد امير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
في معجم الطبراني عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَصَمِّ، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ الْحَسَنِ، وَجَارِيَةٌ تَحُتُّ شَيْئًا مِنَ الْحِنَّاءِ عَنْ أَظْفَارِهِ، فَجَاءَتْهُ إِضْبارَةٌ مِنْ كُتُبٍ، فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ هَاتِ الْمِخْضَبَ. فَصَبَّ فِيهِ مَاءً، وَأَلْقَى الْكُتُبَ فِي الْمَاءِ، فَلَمْ يَفْتَحْ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مِمَّنْ هَذِهِ الْكُتُبُ؟ قَالَ: «مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، مِنْ قَوْمٍ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى حَقٍّ، وَلَا يُقْصِرُونَ عَنْ بَاطِلٍ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَخْشَاهُمْ عَلَى نَفْسِي، ولَكِنِّي أَخْشَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَأَشَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ»
«المعجم الكبير للطبراني» (3/ 70)
وفي تاريخ أبي زرعة: «حدثنا أبو زرعة قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ، لَمْ تَكُنْ لِلنَّاسِ غَازِيَةٌ، وَلَا صَائِفَةٌ، حَتَّى اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، وَسَمَّوْهَا سَنَةَ الْجَمَاعَةِ»
«تاريخ أبي زرعة الدمشقي» (ص188)
وقال الحافظ ابن حجر: «وَقَدْ رَوَى عبد بن حميد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مُطَوَّلَةً غَيْرَ مَرْفُوعَةٍ وَمُلَخَّص مَا ذكر أَن بن عَبَّاسٍ غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ الصَّائِفَةَ فَمَرُّوا بِالْكَهْفِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ أُرِيد أَن أكشف عَنْهُم فَمَنعه بن عَبَّاسٍ فَصَمَّمَ وَبَعَثَ نَاسًا فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا فأخرجتهم»
«فتح الباري لابن حجر» (6/ 505)
وعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا كَانَ أَخْلَقَ لِلْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، إِنْ كَانَ النَّاسُ لَيَرِدُونَ مِنْهُ عَلَى وَادِي الرَّحْبِ وَلَمْ يَكُنْ كَالضَّيِّقِ الْحَصِيصِ، الضَّجِرِ الْمُتَغَضِّبِ» . سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى ثَعْلَبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَمْ يَكُنْ مُعَاوِيَةُ كَالضَّيِّقِ الْحَصِيصِ» ، فَقَالَ: يَضْبِطُ الْأُمُورَ، قُلْتُ لِثَعْلَبٍ: يَكُونُ أَنَّهُ يَعْنِي لَمْ يَكُنْ ضَيِّقَ الْخُلُقِ؟ قَالَ: يَكُونُ فِي الْخُلُقِ وَغَيْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ فِي الْمَالِ أَكْثَرُ
«السنة لأبي بكر بن الخلال» (2/ 440)
وقال الطبري وهو يذكر أحداث سنة ٤٩: “ثُمَّ دخلت سنة تسع وأربعين….. وفيها كَانَتْ غزوة يَزِيد بن مُعَاوِيَة الروم حَتَّى بلغ قسطنطينية، وَمَعَهُ ابن عَبَّاس وابن عمر وابن الزُّبَيْر وأبو أيوب الأَنْصَارِيّ»
[«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (5/ 232)]
فلو لم تكن الفتنة قد انقطعت وأوقفت الحرب بين المسلمين لما تفرغ معاوية لقتال العدو في زمانه ولما فتحت الفتوحات العظيمة والتي اعترف بها الشيعة أنفسهم
يقول مفيدهم: “أكثر فتوح الشام وبلاد المغرب والبحرين والروم وخراسان كانت على يد معاوية بن أبي سفيان وأمرائه كعمرو بن العاص وبسر بن أرطاة ومعاوية بن حديج وغير من ذكرناه، ومن بعدهم على أيدي بني أمية وأمرائهم بلا اختلاف.
[الكتاب : الإفصاح المؤلف : الشيخ المفيد الصفحه: 130.]
يقول الدكتور عمر سليمان العقيلي في خاتمة كتابه خلافة معاوية رضي الله عنه: “تبين لي من هذه الدراسة أن معاوية (رضي الله عنه قد بذل جهوداً جبارة في سبيل دعم مسيرة الفتح الإسلامي. وكان طموحه الأول هو الوصول إلى القسطنطينية مركز المسيحية في ذلك الوقت. ومن أجل هذا قام بترميم وبناء العديد من مراكز صناعة السفن، وتدريب الجيوش وصناعة الأسلحة وكل ذلك يدل على مقدرة معاوية وكفاءته كسياسي واداري بارز ولهذا نستطيع القول أنه لولا جهود معاوية (رضي الله عنه في دعم مسيرة الفتح لما استطاع المسلمون أن يصلوا المحيط الأطلسي في الغرب، والمحيط الهندي في الشرق في ذلك الزمن المبكر. كما وأن الجهود التي بذلها معاوية (رضي الله عنه كانت كقاعدة لأساس قوي أرسى قواعده معاوية (رضي الله عنه ثم رعاه وقواه من جاء بعده من الخلفاء الأمويين، وغيرهم وتبين لي من هذه الدراسة – أيضاً – أن معاوية (رضي الله عنه) حاول جهده ابقاء المجتمع الإسلامي وحدة واحدة يتعامل فيها العربي المسلم مع أخيه المسلم من غير العرب. وأن الموالي بوجه . قد عوملوا معاملة حسنة حتى وصل بعضهم إلى أعلى المراتب في الدولة. كما أن أهل الذمة أيضاً تمتعوا بكامل حقوقهم وامتيازاتهم .
وكل ما قيل عكس ذلك ما هو إلا تشويه الحقائق ظاهرة. وأوضحت هذه الدراسة أن المشاكل الداخلية التي واجهها معاوية كان لها أثر مباشر في دعم مسيرة الفتح الإسلامي والتي أولاها معاوية (رضي الله عنه ) جل اهتمامه. ولكن، رغم ذلك، نجد أن استمرار حركات الخوارج كان له أثر في اشغال الولاة للإهتمام بهم وتأجيل دعم جند الفتح، ولو إلى حين وفي هذا تأثير واضح على تأخير فتح كثير من البلدان.
[خلافة معاوية رضي الله عنه – الدكتور عمر سليمان العقيلي ص١٧٧:١٧٨]
وختاما نذكر كلاما قيما لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه في معاوية رضي الله عنه، فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوةَ، قَالَ: ” صَلَّى بِنَا يَوْمًا مِنَ الأَيْامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَوَجِمَ بَعْدَ الصَّلاةِ سَاعَةً. فَقَالَ النَّاسُ: لَقَدْ حَدَّثَ نَفْسَهُ. ثُمَّ الْتَفْتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «لا يَبْعُه مِنْهُ، وَإِنْ كُنَّا لَنَخْدَعُهُ وَمَا ابْنُ لَيْلَةَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضٍ بِأَدْهَى مِنْهُ، فَيَتَخَادَعَ لَنَا، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّا مُتِّعْنَا بِهِ مَا دَامَ فِي هَذَا الْجَبَلِ حَجَرٌ، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ، لا يَتَخَوَّنُ لَهُ عَقْلٌ، وَلا تَنْقُصُ لَهُ مَرَّةٌ، فَقُلْنَا أَوْحَشَ وَاللَّهِ الرَّجُلُ»
«الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار» (ص198 بترقيم الشاملة آليا)
مواضيع شبيهة
قالوا معاوية هو ابن آكلة الأكباد
والحمد لله رب العالمين