اعتقاد العصمة في أبي بكر وغيره من الأمة
نقل الشيعة عدة نصوص من كتب أهل السنة زعموا أنها تدل على أن أهل السنة يعتقدون عصمة الصديق وغيره سواء من الخلفاء أو من أهل بدر أو من الصحابة أو من السلاطين.قال شيخهم حسن الجواهري جمهور أهل السنة قد إدّعوا صحة الحديث المروي عن النبيّ صلى الله عليه و آله حيث قال: «أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم»[2] ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة، لأنَّ صحة الاقتداء بأيّ منهم توجب عدم مخالفتهم للشريعة الإسلامية بكل ما دقّ وجلّ لأنّ متابعتهم على الذنب لا يأمر بها الرسول صلى الله عليه و آله، فلزم أن تكون كل أفعالهم على طبق الشرع وهذا هو معنى العصمة، ولذا قال الرسول صلى الله عليه و آله: «بأيهم إقتديتهم إهتديتم»[1]، هذا وقد صرّح التفتازاني بعصمة الخلفاء الثلاثة! فقال في شرح المقاصد: «إحتجَ أصحابنا على عدم وجوب العصمة (على الأئمة الاثني عشر) بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه عنهم مع الإجماع على أنّه لم تجب عصمتهم، وإن كانوا معصومين بمعنى أنّهم منذ آمنوا كانت لهم ملكة إجتناب المعاصي مع التمكن منها»
[اسم الکتاب : دعوة الى الإصلاح الديني و الثقافي المؤلف : الجواهري، الشيخ حسن الجزء : 1 صفحة : 394].
وهناك نصوص أخرى استدلوا بها سأعرض لها تباعا في ثنايا البحث.
والجواب على هذه الشبهة من وجوه:
أولا: أجمع أهل السنة على أن العصمة فقط إنما هي للأنبياء وأما من هم دون الأنبياء فليسوا معصومين باتفاق،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ ” أَبُو الْحَسَنِ الآمدي ” أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ”.
[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ٣١٩/٤].
ومن ادعى العصمة لأحد في كل ما يقوله بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – فهو ضال، وفي تكفيره نزاع وتفصيل
[ابن تيمية، المستدرك على مجموع الفتاوى، ٢٥٢/٢].
ويقول علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (ت ٦٢٨ هـ): “«وأجمع المسلمون أن العصمة لا تجب للصحابة»
[«الإقناع في مسائل الإجماع ت الصعيدي» (1/ 48)].
ويقول الشاطبي: “:«فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْمَعْصُومِ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ نَصًّا يَقْطَعُ الْعُذْرَ»
[«الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني» (3/ 284)].
ويقول عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني (١٣١٣ – ١٣٨٦ هـ)«ولا تمكن العصمة لغير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام»
[تحقيق الكلام في المسائل الثلاث – ضمن «آثار المعلمي» (4/ 418)].
فهذه أقوال أهل السنة وإجماعهم على أنه لا أحد معصوم بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم قولا واحدا.
بل إن علّامتهم الحلي قد نقل الإجماع على عدم عصمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومن باب أولى يكون غيره، يقول: “وأمّا الكُبْرَى فَلِلإجْماعِ على عَدَمِ عِصْمَةِ العَبّاسِ وأبي بَكْرِ”.
[شرح الباب الحادى عشر ( جامعة المدرسين ، تعليقات نظامي )، العلامة الحلي، ص ٩٩].
ثانيا: ما استدلوا به من آثار وأقوال لا يسلم لهم، وهذا عرض لأدلتهم مع تنفيدها:
١- أثر “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” هذا لا يصح. وقد رواه عَبْد بن حميد في ” المنتخب من المسند ” برقم (782) ، وابن حزم في: ” الإحكام ” وأنكر معناه 2/61، 251، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/923 ـ 925، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 3/1057، وجلُّ المحققين والنقاد من أهل الحديث على تضعيفه أو تكذيبه. ولا تتقوى طرقه بعضها ببعض، لأنها لا تخلو من وضّاع أو انقطاع أو مجهول أو متروك … إلخ. انظر: تحفة الطالب لابن كثير ص 137، تخريج أحاديث مختصر المنهاج للعراقي ص 23، المعتبر للزركشي ص80، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 1/ 78 – 85.وعليه فالحديث إسناده ساقط، وأما متنه فكذلك، وذلك “أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- قد أجمعوا على تجويز مخالفة الآحاد منهم؛ فانفرد ابن مسعود بخمس في الفرائض، وابن عباس بمثلها، فسوغوا لهما الخلاف، ولو كان العبرة في الإجماع بقول الأكثر لما ساغ خلافهم»
[«موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي» (3/ 50)].
وقد أطال ابن حزم في رد الحديث متنا بعد أن حكم بسقوطه سندا، فمن شاء فليراجع كتاب الإحكام في أصول الأحكام.
[ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ٨٢/٦].
٢- استدلوا بقول الذهبي في سير اعلام النبلاء: «وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلَاّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ، كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ، وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عِصْمَةِ الخُلَفَاءِ، فَقَدْ جَمَعَ الشَّرَّ»
[«سير أعلام النبلاء – ط الرسالة» (8/ 90)].
والجواب عن هذا أن يقال إن ثبت النقل في ذاك عن الأوزاعي فهو فاصل في المسألة وذلك أن الأوزاعي إمام أهل الشام كما هو معلوم يقول الذهبي في ترجمته: “الأَوْزَاعِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرِو بنِ يُحْمَدَ ** (ع) شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ”.
[الذهبي، شمس الدين، سير أعلام النبلاء ط الرسالة، ١٠٧/٧].
فإذا كان الأوزاعي ينكر هذا القول وهو إمام أهل السنة فقد ثبت أن القول بعصمة الخلفاء ليس قولا لأهل السنة وإنما قول من لا يعتد بقوله ممن شذ، ولذلك حذر منه إمام أهل السنة في زمانه وهو الأوزاعي.وقد يٌخرَّج الكلام على أنه العصمة اللغوية وليس الشرعية الثابتة للأنبياء بمعنى أنهم منعوا أنفسهم من المعاصي مع كونهم غير معصومين، ولا شك أن أولى الناس بالعصمة – لو وجدت- هم الخلفاء من بعده لكونهم أتقى خلق الله على الإطلاق يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وَأَيْضًا فَنَحْنُ إِنَّمَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْعِصْمَةِ عَنِ الثَّلَاثَةِ، لِاعْتِقَادِنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ إِمَامًا مَعْصُومًا. فَإِنْ قُدِّر أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ إِمَامًا مَعْصُومًا فَلَا يُشك أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، وَنَفْيُنَا لِعِصْمَتِهِمْ لِاعْتِقَادِنَا هَذَا التَّقْدِيرَ”.
[عبد الله بن محمد الغنيمان، مختصر منهاج السنة، صفحة ٣٤٧].
وقد يقال أن هذا من الغلو فيهم، ونحن نقول إن هذا افتراض لا تسليم بالعصمة، وهو مثل قول عبد الحسين شرف الدين الموسوي في شيخ الشيعة المفيد فقد قال: “ولا غرو فيما يخرجه قلم شيخنا المفيد أن يكون الغاية ليس وراءها مذهب لطالب ، ولا مراغ لمستفيد ، فقد كان أعلى اللّه مقامه أقضى قضاة محاكم المعقول والمنقول ، وأمضى فياصل الحقّ من أولياء آل الرسول . ولو وجبت العصمة لغير الأنبياء وأوصيائهم ، لكان أوّل من وجبت له بعدهم عليهمالسلام ، فكتبه كلّها هدى ونور وشفاء لما في الصدور . ونحن نشكر لك نشر الرسالتين ونقدّر إتحافك إيّانا بهما ، ونكبر جزيل فوائدك ، ولا ننسى جميل عوائدك ، وفّقك اللّه لتأييد الحقّ ونصره ، وسهّل لك أسباب إذاعته ونشره . في 5 جمادى الآخرة سنة 1364”.
[موسوعة الإمام السيد عبدالحسين شرف الدين، ج ٩، السيد عبد الحسين شرف الدين ( اعداد منذر حكيم )، ص ٣٩٠، ونقل ذلك جعفر السبحاني في تذكرة الأعيان، ج ٢، ص ٣٦٦].
٣- ما روي في السنة لابي بكر الخلال: ” أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُكْرَمٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثَ، يَقُولُ: «رُفِعَ الْخَطَأُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ»
[«السنة لأبي بكر بن الخلال» (2/ 307)].
والجواب عن هذا أن يقال إن رفع الخطأ عن أحد لا دخل له في العصمة وإلا فقد رفع الخطأ عن الأمة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم،ونحن لا ندري ما سياق كلام بشر بن الحارث حتى نجزم أنه خالف أهل السنة في هذه المسألة، ولو عُرف عنه أنه يعتقد العصمة في أبي بكر وعمر لنصّ أهل العلم على ذلك في كتبهم، كما يذكرون زلات العلماء، لكننا ما وجدنا عالما قال ذلك فوجب حمل كلامه على أن الأمر إنما كان إقرار أنهما بشر يصيبون ويخطئون، وقد رفع عنهما إثم الخطأ كما هو مرفوع عن الأمة ولعل السياق كان في إيراد بعض أخطائهما ولذلك رد بهذا، وعلى كل حال فالعبارة لا يستفاد منها العصمة على وجه الجزم وقد بينا مخرجها، ولو تنزلنا -جدلا- وقلنا بأنه اعتقد أن الشيخين قد رفع عنهما الخطأ بمعنى أنهما لا يخطئون فلا شك أن هذه زلة كبيرة ينبغي أن تقام عليه الحجة في مخالفته الإجماع على خلاف قوله .فإن أصر الشيعي على العناد فيقال إنه لا يجوز لكم إلا الحكم بالتخطئة لا أكثر من ذلك كما نصَّ علماؤكم بأن اعتقاد العصمة في غير الأنبياء والأئمة عند الشيعة مجرد غلط لا يستلزم خللا في العقيدة يقول محمد الگلپايگاني: “الاعتقاد في أحد بأزيد ممّا هو عليه وحقيق به، حتّى مثل الاعتقاد بكون فرعون مستجاب الدعوة لا يوجب الكفر من هذه الجهة فإنّ القائل بهذه الأمور المثبت لها للأنبياء و الأئمة فلا يقتضي قوله بها خللا في التوحيد حيث انّه يقول انّها ثابتة لهم باذن اللّه و مشيّته بعد إمكان تحقّقها لغير اللّه تعالى.وامّا من أثبتها لغيرهم عليهم السلام فهو مجرّد غلط صدر منه حيث انه نسب أمورا- يمكن وقوعها من البشر و تحقّقها له- الى من لم تكن له أهليّة ذلك و من هو فاقد لها.
[اسم الکتاب : نتائج الأفكار الى نجاسة الكفار المؤلف : ،الگلپايگاني السيد محمد رضا الجزء : 1 صفحة : 203].
٤- قول الحافظ ابن حجر: “وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَأَنَّ الرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَقَعُ مِنْهُمْ لَكِنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ وَمَرْجُوحِيَّةُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُمْ فَلَا يَقَعُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ”
[ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، ٤٨٠/٨].
الشيعة ينقلون هذا النص وينسبون القول بعصمة أهل بدر إلى ابن أبي جمرة رحمه الله، وهذا سفه وجهل وخطأ بيّن على النص، فإن ابن أبي جمرة يُخَطِّئ من يستدل بتلك الرواية على عصمة أهل بدر وهذا كلام أهل السنة وإجماعهم ولذلك قال ” الرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَقَعُ مِنْهُمْ لَكِنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ”، وهذا واضح لكل ذي عينين.
٥- قول الذهبي «والعِصمةُ للأنبياءِ والصديقين وحُكَّام القِسْط.ولكنَّ هذا الدينَ مؤيَّدٌ محفوظٌ مِن الله تعالى، لم يَجتمع علماؤه عَلَى ضلالة، لا عَمْداً ولا خطأ»
[«الموقظة» (ص84 ت أبي غدة)].
والجواب عن هذا أن هذا من المتشابه الذي يرد إلى المحكم من كلام العالم، والذهبي رحمه الله يعتقد أن العصمة لا تكون لغير الأنبياء يقول الذهبي: “فَمَوْلاَنَا الإِمَامُ عَلِيٌّ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- نُحِبُّهُ أَشَدَّ الحُبِّ، وَلاَ نَدَّعِي عِصْمَتَهُ وَلاَ عِصْمَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ………. نَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ زوَالِ العَقْلِ فَلَو فَرَضْنَا وُقُوعَ ذَلِكَ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ فَمَنِ الَّذِي رَآهُ وَمَنِ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي إِخْبَارِهِ بِحَيَاتِهِ، وَمَنِ الَّذِي نَصَّ لَنَا عَلَى عِصْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ؟هَذَا هَوَسٌ بَيِّنٌ، إِنْ سَلَّطْنَاهُ عَلَى العُقُولِ ضَلَّتْ، وَتَحَيَّرَتْ بَلْ جَوَّزَتْ كُلَّ بَاطِلٍ أَعَاذَنَا اللهُ وَإيَّاكُم مِنَ الاحْتِجَاجِ بِالمُحَالِ، وَالكَذِبِ أَوْ رَدِّ الحَقِّ الصَّحِيْحِ كَمَا هُوَ دَيْدَنُ الإِمَامِيَّةِ.
[سير أعلام النبلاء – 10- 282].
ويقول: “وَبِالْجُمْلَةِ فالتطهير الَّذِي فِي الْآيَة ودعا بِهِ الرَّسُول لَيْسَ هُوَ الْعِصْمَة بالإتفاق فَإِن أهل السّنة يثبتونها للرسول والشيعة لَا يثبتونها لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا لعَلي أَو للْإِمَام”.
[الذهبي، شمس الدين، المنتقى من منهاج الاعتدال، صفحة ٤٢٩].
ويقول الذهبي: “قَالَ الرافضي وَذهب من عدا الإمامية والإسماعيلية إِلَى أَن الْأَنْبِيَاء وَالْأَئِمَّة غير معصومين فجوزوا بعثة من يجوز عَلَيْهِ الْكَذِب والسهو وَالسَّرِقَة فَيُقَال مَا ذكرته عَن الْجُمْهُور فِي تَجْوِيز ذَلِك على الْأَنْبِيَاء كذب فأنهم متفقون على عصمَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي تَبْلِيغ الرسَالَة وطاعتهم وَاجِبَة إِلَّا عِنْد الْخَوَارِج وَالْجُمْهُور يجوزون عَلَيْهِم الصَّغَائِر وَأَنَّهُمْ لَا يقرونَ عَلَيْهَا
وَأما عصمَة الْأَئِمَّة فَنعم كَمَا قَالَ لم يقل بهَا إِلَّا من ذكر وناهيك بقول عرى عَن الْحجَّة”.
[الذهبي، شمس الدين، المنتقى من منهاج الاعتدال، صفحة ١٥٥].
فهذه نصوص واضحة من الذهبي أنه لا يعتقد العصمة في غير الأنبياء. وعليه فهو قطعا لا يقول بالعصمة لأبي بكر وعمر فضلا عن غيرهما، وبالتالي يُحمل كلامه على زيادة التوفيق وقلة الخطأ، وهذا واضح في لغة العرب فقد جاء في كتب الشيعة ما يدل عليه، بل ل الشريف المرتضى في الرسائل: “الخذلان: هو أن لا يفعل في حق العاصي ما يفعله في حق المتقي من التوفيق والعصمة”.
[ في رسائل المرتضى ج2 ص 270].
فانظر للشريف المرتضى وهو يقول إن المتقي لله يرزقه الله التوفيق والعصمه. ….ولا يقول أحد أنه يعتقد أن كل تقي معصوم وعليه فمجرد توفيق الله للعبد بأن تكون أغلب أحواله الطاعة لا المعصية يسمى عصمة والحكم في اللغه العربيه للتغليب ولأجل ذلك أطلق المرتضى كلمه”العصمه” علي المتقي.
ومما يدل علي أن التقي قد تطلق عليه كلمة العصمة “بتقييد” لأنه طاهر من الرجس ووساوس الشيطان والمعاصي في أغلب أحواله ما ذكره الخوئي في صراط النجاة حيث قال: “إن العصمة عند الإمامية هي أن يبلغ الإمام أو النبي حدا من العلم واليقين، بحيث لا تنقدح في نفسه إرادة المعصية، مع كونه قادرا عليها، وهذا أمر ممكن وواقع، فإن كثيرا من الناس معصوم من بعض القبائح التي لا تليق بهم، ككشف العورة في الطريق، فإن الشخص الشريف معصوم عن هذا الفعل القبيح، بمعنى أنه لا ينقدح في نفسه الداعي لفعله، مع كونه قادرا عليه”.
[صراط النجاه ج 3 ص 445].
٥- قول التفتازاني: “من معظم الخلافيات مع الشيعة اشتراطهم أن يكون الإمام معصوما، و قد عرفت معنى العصمة، و أنها لا تنافي القدرة على المعصية، بل ربما يستلزمها، و احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر و عمر و عثمان (رضي اللّه عنهم) مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم، و إن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.
[اسم الكتاب: المؤلف: التفتازاني، سعد الدين جلد : 5 صفحه : 249].
قلنا وهذا التوضيح من التفتازاني لا يحتاج معه إلى بيان إذ أنه نقل الإجماع على عدم عصمة أبي بكر وعمر فضلا عن غيرهما، ثم قال بأن الواقع شهد لهما بأنهما اجتنبا المعاصي وليس كل مجتنب للمعصية يقال انه معصوم، وإلا فمن لم يزني يصح أن يقال عنه أنه معصوم من الزنا وقس على ذلك باقي المعاصي وهذا لم يقل به أحد قط، وعليه فالعصمة التي أثبتها هي منعهم أنفسهم من المعاصي قدر استطاعتهم، وليست العصمة الاصطلاحية الشرعية ولذلك فقد نفى الأخيرة بالإجماع.ولذلك قال التفتازاني بأن: “غير المعصوم أي من ليس له ملكة العصمة لا يلزم أن يكون عاصيا بالفعل”.
[اسم الكتاب : المؤلف: التفتازاني، سعد الدين جلد : 5 صفحه : 251].
وقال وهو يجيب عن قول الشيعة باشتراط العصمة في الإمام كونه حافظا للشريعة: “ليس حافظا لها بذاته. بل بالكتاب و السنة، و إجماع الأمة، و اجتهاده الصحيح. فإن اخطأ في اجتهاده أو ارتكب معصية فالمجتهدون يردون، و الآمرون بالمعروف يصدون، و إن لم يفعلوا أيضا، فلا نقض للشريعة”.
[اسم الکتاب : المؤلف: التفتازاني، سعد الدين جلد : 5 صفحه : 251].
٦- قول الشيخ صالح الفوزان عضو اللجنة الدائمة للافتاء – في كتاب اغاثة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ص294:[قال الشيخ يعني محمد بن عبد الوهاب {فان الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا }لانهم معصومون عن ذلك رضي الله عنهم ولايمكن ذلك ابدا في حقهم بل لم تبن المساجد في القرون الاربعة كلها، لأن القرون الأربعة أثنى عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: “خيركم قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم”، فإذا كانت القرون الأربعة لم يبن فيها على القبور مساجد فكيف يُبنى في عهد الصحابة الذين هم القرن الأول، رضي الله تعالى عنهم؟»
[«إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» (1/ 294)].
والجواب أن هذا ليس قولا بعصمة أفراد الصحابة إنما قول بعصمة إجماعهم وأنهم معصومون من الإجماع على ضلال، وهذا هو أهل السنة في أن الأمة لا تجتمع على باطل، ولذلك قال الله تعالى{ كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّه… }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١١٠].
فبنص كتاب الله الصحابة لا يجتمعون على منكر وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا» . قَالَ: «يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ , فَاتَّبِعُوا الْسَّوَادَ الْأَعْظَمَ , فَإِنَّهُ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»
[اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ١١٨/١].
فهذا الحديث نص في أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأول من يدخل في ذلك هم أصحاب نبينا قطعا.أما في كتب الشيعة فإجماع الصحابة حجة بدليل أن عليا احتج بإجماعهم على معاوية: “إِنَّمَا الشُّورَی لِلْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَی رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً کَانَ ذَلِکَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَهٍ رَدُّوهُ إِلَی مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَی قَاتَلُوهُ عَلَی اتِّبَاعِهِ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ وَ وَلاَّهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّی”.
[نهج البلاغه المؤلف : صبحي صالح الجزء : 1 صفحة : 367].
وهذه رواية أقرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الاحتجاج، ج ١، أحمد بن علي الطبرسي، ص ١٦٨ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا يجمع أمتي على ضلال”.وبعد هذا الجواب التفصيلي وجدنا أن كل قول ينقله الشيعة من أهل السنة في ذلك لا يخرج عن كونه مكذوبا عليهم، أو لا يدل على عصمة أفراد دون الأنبياء، أو أنه يدل على عصمة الإجماع، أو أنه لا علاقة له بالعصمة .
ثالثا: لو ثبت هذا عن أحد من أهل السنة فلا شك في بطلان قوله، ومخالفته الإجماع عندهم، ولا حجة لقوله، ولكن الفرق أن الشيعة إنما ينسبون دينهم لأناس زعموا فيهم العصمة وهم الاثنى عشر ولا شك أن هذا ضلال مبين، بل لم يقتصر الأمر على الأربعة عشر معصوما حتى قالوا بعصمة أناس آخرين كالعباس بن علي فقد أجمعوا على عصمته كما قال عبد الرزاق الموسوي المقرّم في كتابه العبّاس: “وهذه النظرية فـي أبي الفضل ـ نظرية العصمة ـ لم ينكرها عالم من علماء الشيعة تعرفه بالثقافة العلمية والتقدّم بالأفكار الناضجة”
[العباس عبد الرزاق الموسوي المقرّم ص٢١٠] .
واستدل على عصمته بأمور ليس هذا مجال تفنيدها.كما قالوا بعصمة زينب بن علي يقول علي الصدر: “كما وأنّه يشهد لعصمة سيّدتنا زينب الكبرى سلام اللّه عليها…وساق أمورا”.
[العقائد الحقّة المؤلف : الصدر، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 367].
وغير هؤلاء كما قال محمد جميل حمود العاملي في موقعه الرسمي: “إعتقادنا بالعصمة الصغرى أنها خاصة ببعض أولاد أمير المؤمنين ومولاتنا المعظمة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليهما السلام أمثال : الصدّيقة الصغرى مولاتنا زينب وأختها مولاتنا أم كلثوم والمولى سيِّدنا ومولانا العباس بن الإمام على (ع) وسيدنا القاسم ومولانا وسيِّدنا عليّ الأكبر والطفل الرضيع ورقية وسكينة … فهؤلاء من أهل البيت بنصِّ ما ورد في الزيارة لمولانا علي الأكبر في ضمن زيارة أبيه الإمام الحسين عليه السلام”.وفي بيان العصمة الصغرى يقول: “فالصحيح أن العصمة الصغرى هي نفس العصمة الذاتية الكبرى للأئمة والصديقة الكبرى مولاتنا فاطمة (صلَّى الله عليها وأهل بيتها الطاهرين) إلاّ أنّها عصمة صغرى بالقياس إلى العصمة الكبرى للأولياء العظام (ع) والعصمة الصغرى لهؤلاء العظام من أولاد الأئمة الأطهار (ع) هي كعصمة الأنبياء الذاتية وكعصمة مريم وأُمّنا حوّاء (ع) فإن عصمة هؤلاء عصمة ذاتية صغرى قياساً على العصمة الكبرى للأئمة والصّدّيقة الكبرى عليها السلام”.
مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث
ولا شك أن هذا ضلال مبين وغلو وشطط، وبعد عن الحق الواضح من كتاب الله عز وجل، فالعصمة الذاتية التي يعتقدونها مخالفة بصريح كلام الله تعالى في القرآن، قال الله تعالى{ قُلۡ إِن ضَلَلۡتُ فَإِنَّمَاۤ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفۡسِیۖ وَإِنِ ٱهۡتَدَیۡتُ فَبِمَا یُوحِیۤ إِلَیَّ رَبِّیۤۚ إِنَّهُۥ سَمِیعࣱ قَرِیبࣱ }
[سُورَةُ سَبَإٍ: ٥٠].
فأثبت الله تعالى أن العصمة بالوحي، وأما لو ترك الإنسان لنفسه فإنه يضل لا محالة.
مواضيع شبيهة