7ewaratwelzamat
حوارات وإلزامات

استلحاق معاوية لزياد بن أبيه.

0

 

قال الشيعة: “ولد زياد بن أبيه على فراش عبيد مولى ثقيف، ومع ذلك استلحقه معاوية معه خلافا للإسلام. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ” الولد للفراش، وللعاهر الحجر ” [1] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):” من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، فالجنة عليه حرام ” [2].

قال السكنواري: ” أول قضية ردت من قضايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانية دعوة معاوية زيادا، وكان أبو سفيان تبرأ منه وادعى انه ليس من أولاده وقضى بقطع نسبه “.” وكان قد تبرأ من زياد أبو سفيان ومنع حقه من ميراث الإسلام بحضرة الصحابة فلا زال طريدا حتى دعاه معاوية وقربه وامره ورد القضية، وهي أول قضية من قضايا الإسلام ردت “.

وقال سعيد بن المسيب: ” أول قضية ردت من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانية دعوة قضاء فلان – أي معاوية – في زياد “. ويهتف أهل السنة لمعاوية، ويباركون له أعماله، مع ما فيه فعل معاوية هذا من استهانة بأحكام الإسلام، ورد صريح على رسول الله، إذ إنه عوتب على هذا الفعل المحرم، ولكنه أصر على فعله.

[وركبت السفينة المؤلف : مروان خليفات    الجزء : 1  صفحة : 298]

والجواب على هذه الشبهة من وجوه:

أولا: قضية استلحاق زياد بن أبي سفيان من قِبَل معاوية لم يثبت فيها إسناد صحيح، وإنما ساقها المؤرخون سوق التجهيل حتى أن ابن جرير الطبري قال في أحداث سنة أربعة وأربعين: “وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَلْحَقَ مُعَاوِيَةُ نَسَبَ زِيَادِ بن سُمَيَّةَ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا قِيلَ”.

[الطبري، أبو جعفر، تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري، ٢١٤/٥].

 

فقد ساقها الطبري بصيغة التمريض والتجهيل.وقد ساق ابن الأثير قصة في ذلك لا يصح لها إسناد ولذلك صدرها بقوله “قيل”، وهذا مما يدل على تضعيفه لها.

قال ابن الأثير: “قِيلَ: أَرَادَ زِيَادٌ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنِ اسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ، فَسَمِعَ أَخُوهُ أَبُو بَكْرَةَ، وَكَانَ مُهَاجِرًا لَهُ مِنْ حِينِ خَالَفَهُ فِي الشَّهَادَةِ (بِالزِّنَا) عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِحَجِّهِ جَاءَ إِلَى بَيْتِهِ وَأَخَذَ ابْنًا لَهُ وَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ قُلْ لِأَبِيكَ إِنَّنِي سَمِعْتُ أَنَّكَ تُرِيدُ الْحَجَّ وَلَا بُدَّ مِنْ قُدُومِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا شَكَّ أَنْ تَطْلُبَ الِاجْتِمَاعَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ زَوْجِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنْ أَذِنَتْ لَكَ فَأَعْظِمْ بِهِ خِزْيًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَإِنْ مَنَعَتْكَ فَأَعْظِمْ بِهِ فَضِيحَةً فِي الدُّنْيَا وَتَكْذِيبًا لِأَعْدَائِكَ.

[ابن الأثير، أبو الحسن، الكامل في التاريخ، ٤٢/٣].

 

والراجح أن زياد هو الذي ادعى ذلك، وهذا ما حققه الدكتور خالد الغيث في رسالته مرويات خلافة معاوية، قال : .. أما اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد، فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك، هذا فضلاً عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه، وعدالته ودينه وفقهه تمنعه من أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لاسيما وأن معاوية أحد رواة حديث: “الولد للفراش وللعاهر الحجر”.

[مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري (ص 372 – 379)].

 

ووجَّه الدكتور خالد الغيث التهمة إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان واستدل برواية أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أَبِي عُثْمَانَ النهدي قَالَ: «لَمَّا ادَّعَى زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؛ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُول: سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم – وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ».

فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: «وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وآله وسلم –».

قال الإمام النووي – رحمه الله – مُعلقًا على هذا الخبر: «فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام الْإِنْكَار عَلَى أَبِي بَكْرَة؛ وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا هَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَعْرُوف بِزِيَادِ بْن أَبِي سُفْيَان، وَيُقَال فِيهِ: زِيَادُ بْن أَبِيهِ، وَيُقَال: زِيَاد بْن أُمِّهِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَة لِأُمِّهِ، وَكَانَ يُعْرَف بِزِيَادِ بْن عُبَيْد الثَّقَفِيّ، ثُمَّ اِدَّعَاهُ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَان، وَصَارَ مِنْ جُمْلَة أَصْحَابه بَعْد أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب – رضي الله عنه -.فَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَان لِأَبِي بَكْرَة مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ وَكَانَ أَبُو بَكْرَة – رضي الله عنه – مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهَجَرَ بِسَبَبِهِ زِيَادًا، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا. وَلَعَلَّ أَبَا عُثْمَان لَمْ يَبْلُغْهُ إِنْكَار أَبِي بَكْرَة حِين قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَام، أَوْ يَكُون مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ أَخِيك؟ مَا أَقْبَحَهُ وَأَعْظَم عُقُوبَته! فَإِنَّ النَّبِيّ – صلى الله عليه وآله وسلم – حَرَّمَ عَلَى فَاعِله الْجَنَّة» .

وبذلك يكون زياد هو المدعي، ولذلك هجره أخوه أبو بكرة – رضي الله عنه -.

ويزيد هذا الأمر تأكيدًا ما أورده الحافظ أبو نعيم في ترجمة زياد بن أبيه حيث قال: «زياد بن سمية: ادَّعَى أبا سفيان فنُسب إليه».

وفي حقيقة الأمر فإن مسألة استلحاق معاوية – رضي الله عنه – زياد هي مسألة اجتهادية ويذهب الكثير من المؤرخين بأن هناك دلائل عديدة تثبت أن أبا سفيان قد باشر سمية ـ جارية الحارث بن كلدة الثقفي ـ وكانت من البغايا ذوات الرايات ـ في الجاهلية، فعلقت منه بزياد، وذكروا أن أبا سفيان اعترف بنفسه بذلك أمام علي بن طالب – رضي الله عنه – وآخرين بعدما شب زياد ونبغ في عهد عمر بن الخطاب.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا سفيان كان يقول زياد من نطفته، فلما كانت خلافة معاوية شهد لزياد بذلك النسب أبو مريم السلولي وهو صحابي كان يعمل في الجاهلية خَمَّارًا بالطائف، وهو الذي جمع بين أبي سفيان وسمية، وكان ذلك أمرًا مألوفًا آنذاك.«معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم –

[كشف شبهات ورد مفتريات» (ص265)].

 

ولذلك قال ابن الصلاح: “قَول أبي عُثْمَان وَهُوَ النَّهْدِيّ لما ادّعى زِيَاد هُوَ بِضَم ادّعى على مَا لم يسم فَاعلهوشاهدته بِخَط الْحَافِظ أبي عَامر الْعَبدَرِي ادّعى بِالْفَتْح على أَن زيادا هُوَ الْفَاعِل للدعوة”.

[ابن الصلاح، صيانة صحيح مسلم، صفحة ٢٣٧].

 

وبذلك يكون زيادا هو المدِّعي، وفي حقيقة الأمر فإن مسألة استلحاق معاوية زياد هي مسألة اجتهادية ويذهب الكثير من المؤرخين بأن هناك دلائل عديدة تثبت أن أبا سفيان قد باشر سمية ـ جارية الحارث بن كلدة الثقفي.

 

ثانيا: الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله من قَول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» [«صحيح البخاري» (3/ 54):«صحيح مسلم» (2/ 1080)].

 

لا يدخل في مسألة استلحاق زياد؛ لأن سمية لم تكن فراشا لأحد حتى يقال أن زياداً للفراش، وأن لأبي سفيان الحجر!، ولذلك كان المشهور أنه زياد بن أبيه أو ابن تيمية مما يدل على أن الحارث بن كلدة لم ينسبه لنفسه ولم ينازع فيه، وقد كان أهل الجاهلية يثبتون الأنساب للعواهر، وجاء الإسلام فلم يغير تلك الأنساب وعفا عما سلف من أمر الجاهلية، ولا يعاب أبو سفيان على ما فعله في الجاهلية،وأما تعارض هذا الاستلحاق ـ إن صح ـ مع نص الحديث الشريف، قال ابن الأثير في [«الكامل في التاريخ» (3/ 42)] : “وَمَنِ اعْتَذَرَ لِمُعَاوِيَةَ قَالَ: إِنَّمَا اسْتَلْحَقَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا لِأَنَّ أَنْكِحَةَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ أَنْوَاعًا، لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِهَا، وَكَانَ مِنْهَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ يُجَامِعُونَ الْبَغِيَّ فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ أَلْحَقَتِ الْوَلَدَ لِمَنْ شَاءَتْ مِنْهُمْ فَيَلْحَقُهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ حَرَّمَ هَذَا النِّكَاحَ، إِلَّا أَنَّهُ أَقَرَّ كُلَّ وَلَدٍ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى أَبٍ مِنْ أَيِّ نِكَاحٍ كَانَ مِنْ أَنْكِحَتِهِمْ عَلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا، فَتَوَهَّمَ مُعَاوِيَةُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اسْتِلْحَاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وإنكار من أنكر من اهل العلم”.

 

قال الشيخ عثمان الخميس في كتابه [حقبة من التاريخ (ص٣٣٠:٣٣١)]:  “زِيَادٌ لَيْسَ ابْنًا لِعُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ بَلْ كَانَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِزِيَادِ بْنِ أَبِيهِ أَوِ ابْنِ سُمَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ سُمَيَّةَ بِالزِّنَا (هُوَ وَلَدُ زِنَا وَلَا يَضُرُّهُ هَذَا شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ فِيهِ) كَانَ جَاءَهَا بَعْضُ الرِّجَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَالِدُ مُعَاوِيَةَ (وَهَذَا الزِّنَا لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَقَدْ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَالزِّنَا أَهْوَنُ مِنَ الشِّرْكِ)، وَكَانَ زِيَادٌ وَالِيًا مِنْ وُلَاةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ رَجُلًا مُفَوَّهًا خَطِيبًا مُتَكَلِّمًا.

وَمُعَاويَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ وَالِدُهُ أَنَّ زِيَادًا هَذَا ابْنُهُ مِنْ سُمَيَّةَ ابْنُ زِنَا صَحِيحٌ لَكِنْ مِنْ ظَهْرِهِ وَلَم يَكُنْ أَحَدٌ ادَّعَى زِيَادًا، وَلَم يَكُن لِسُمَيَّةَ زَوْجٌ، لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَقُلْنَا: « الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ »، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ، هِيَ أَمَةٌ جَامَعَهَا أَبُو سُفْيَانَ فَأَتَتْ مِنْهُ بِزِيَادٍ فَاسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ، وَقَدْ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ إِنْكَارُ ابْنِ عَامِرٍ عَلَيْهِ اسْتِلْحَاقَ زِيَادٍ.

قَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا ابْنَ عَامِرٍ، أَنْتَ الْقَائِلُ فِي زِيَادٍ مَا قُلْتَ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أَنِّي كُنْتُ أَعَزَّهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَم يَزدْ فِيَّ إِلَّا عِزًّا وَإِنّي لَمْ أَتَكَثَّرْ بِزِيَادٍ مِنْ قِلَّةٍ وَلَمْ أَتَعَزَّزْ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَكِنْ عَرَفْتُ حَقًّا لَهُ فَوَضعْتُه مَوْضِعَهُ.

وَالَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ اسْتِلْحَاقَهُ زِيَادًا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مِن بَابِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ أَحَدًا؟ أَمْ لَا يَجُوزُ؟

مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُسَمُّونَ زِيَادًا، زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيانَ، فَهَذَا الَّذِي عَابُوا فِيه مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

وعليه فلا تثريب على معاوية لو كان قد استلحق زيادا.

 

ثالثا: زياد لم يُعرف له أب فإن ادعاه أحد وكان له بيِّنة فقد ثبت النسب بذلك وهذا إجماع عند السنة والشيعة.

وأما عند اهل السنة فيقول الخطابي في معالم السنن: “هذه أحكام وقعت في أول زمان النشريعة وكان حدوثها بين الجاهلية وبين قيام الإسلام، وفى ظاهر هذا الكلام تعقد وإشكال، وتحرير ذلك وبيانه أن أهل الجاهلية كانت لهم إماء تساعين وهن البغايا اللواتى ذكرهن الله تعالى في قوله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} [النور: 33] إذ كان ساداتهن يلمون بهن ولا يجتنبوهن فإذا جاءت الواحدة منهن بولد وكان سيدها يطأها وقد وطئها غيره بالزنا فربما ادعاه الزاني وادعاه السيد فحكم صلى الله عليه وسلم بالولد لسيدها لأن الأمة فراش له كالحرة ونفاه عن الزاني فإن دعى للزاني مدة وبقي على ذلك إلى أن مات السيد ولم يكن ادعاه في حياته ولا أنكره، ثم ادعاه ورثته بعد موته واستلحقوه فإنه يلحق به ولا يرث أباه ولا يشارك إخوته الذين استلحقوه في ميراثهم من أبيهم إذا كانت القسمة قد مضت قبل أن يستلحقه الورثة وجعل حكم ذلك حكم ما مضى في الجاهلية فعفا عنه ولم يرد إلى حكم الإسلام، فإن أدرك ميراثا لم يكن قد قسم إلى أن ثبت نسبه باستلحاق الورثة إياه كان شريكهم فيه أسوة من يساويه في النسب منهم فإن مات من إخوته بعد ذلك أحد ولم يخلف من يحجبه عن الميراث ورثه فإن كان سيد الأمة أنكر الحمل وكان لم يدعه فإنه لا يلحق به”.

[الخطابي، معالم السنن، ٢٧٤:٢٧٣/٣].

 

والشيعة يقولون أن أحدا لم يدعي زيادا وان الذي ادعاه هو أبو سفيان او معاوية فيصح بناء على ما سبق ذلك الادعاء وينسب زياد شرعا لابي سفيان حيث لا فراش ينازعه في زياد.

وأما عند الشيعة فقد قال شيخهم محمد علي الأنصاري في الموسوعة الفقهية الميسرة: “ادعي الإجماع مستفيضا على صحة الإقرار بالنسب إجمالا، وتفصيله كالآتي: أولا – الإقرار بالولد: يشترط في صحة الإقرار بالولد – إضافة إلى الشروط العامة في الإقرار – أمور أربعة:

1 – أن تكون البنوة ممكنة في حقه، فلو أقر ببنوة صغير ولد في منطقة بعيدة لم يسافر هو إليها ولم تسافر الام إلى المنطقة التي هو فيها منذ سنين لم يقبل منه الإقرار. وكذا لو أقر ببنوة من هو أكبر منه، أو مساو له في السن، أو أصغر منه بما لم تجر العادة بولادة مثله منه، كمن أقر ببنوة من بلغ عشر سنين وهو ابن ثماني عشرة سنة.

2 – أن يكون المقر به مجهول النسب، فلو كان نسبه معلوما لم يقبل إقراره.

3 – أن لا ينازعه فيه أحد، فلو ادعى شخص آخر بنوته لم يقبل إقراره، بل لابد من إثبات النسب حينئذ بالبينة أو القرعة.

هذه الشروط الثلاثة مشتركة بين الإقرار بالولد الصغير والولد الكبير، ولا خلاف فيها – كما قيل – وإن اختلف التعبير عنها.

4 – أن يصدقه المقر به إذا كان كبيرا. ذكر الشيخ الطوسي هذا الشرط في المبسوط وتبعه جميع من تأخر عنه، كما قال صاحب الجواهر.

[(الموسوعة الفقهية الميسرة-محمد علي الأنصاري ٤/٣٦٩)].

 

قلت وجميع تلك الشروط متحققة في مسألة زياد مع أبي سفيان، فالحارث بن كلدة لم يدع زيادا ولا كان إليه منسوبا وإنما كان ابن أمته ولد على فراشه أي في داره، وقد كانت سمية من البغايا ومثلها لا يقال له أنها فراش لأحد بعينه، فكل من ادعاه فهو له إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، ولم نعلم أحدا ادعى زيادا او نازع فيه أبا سفيان، فلما أقر به أبو سفيان وكان ينسبه لنفسه في حياته، وعليه يصح شرعا من أبي سفيان او من معاوية -على التسليم جدلا بأنهم ادعوه- أن يدعيه أحدهم، فلا تثريب إذا على أحد نسب زيادا إلى أبي سفيان.

 

وبمثل هذا اثبتوا نسب السيستاني

 

جاء في  [كتاب فضل المتعة في شيعة ال البيت للعلامة آية الله حسين الطباطبائي البروجردي، الصفحة 137 ]:  “ولد السيستاني في مدينة مشهد شرق إيران حيث يوجد ضريح الإمام علي الرضا ثامن أئمة الشيعة في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 هجري أي في 4 أغسطس 1930 ميلادي والده من القرعة هو محمد باقر! ووالدته هي زوجة آية الله رضا المهرباني السرابي والدته كانت تتمتع كثيرا “تقرباً لله حسب معتقد الطائفة”.

وقد تزوجت بالعقد المنقطع من محمد الحجة الكوهكمري وبعد فترة تزوجت آية الله الميرزا محمد مهدي الاصفهاني متعة أيضا، وبعد مدة تزوجت من العالم السيد محمد باقر متعة للمرة الثالثة، وبعد هذا الزواج المتكرر خلال شهر واحد حملت والدة السيستاني بالسيستاني، ولم تكن تعلم بمن يلحق السيستاني، فانتقلت والدته إلى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة، فأفتى لها العلامة آية الله حسين الطباطبائي البروجردي، وقال: بما أن علاقة الأول قد انقطعت فلا يلحق السيستاني به، وحينئذ إن كان عقد الأول والثاني كلاهما في زمان مدة الأول، فالعقدان كلاهما باطل، ويكون الوطء من كليهما شبهة، وعليه فيكون السيستاني مرددا بينهما، فبالقرعة اختاروا محمد باقر والد للسيستاني.

 

رابعا: ومع التنزل جدلا بادعاء معاوية او غيره لزياد نقول إن هذا الحكم قد يخفى على المدعي، ويكون ذلك الوعيد الوارد في الحديث غير منطبق عليه لدخوله تحت المعذور بجهله بهذا الحكم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ لَا يُصِيبُهُ هَذَا الْوَعِيدُ لَوْ أَنَّهُ فَعَلَ التَّحْلِيلَ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يَمْنَعُنَا ذَلِكَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ التَّحْلِيلَ سَبَبٌ لِهَذَا الْوَعِيدِ وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ. وَكَذَلِكَ اسْتِلْحَاقُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ الْمَوْلُودَ عَلَى فِرَاشِ الْحَارِثِ بْنِ كِلْدَةَ؛ لِكَوْنِ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ: إنَّهُ مِنْ نُطْفَتِهِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: {مَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ} وَقَالَ: {مَنْ اُدُّعِيَ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا} حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَضَى أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِ الْأَبِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيَّنَ أَحَدٌ دُونَ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ الصَّحَابَةِ فَيُقَالُ: إنَّ هَذَا الْوَعِيدَ لَاحِقٌ بِهِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْوَلَدَ لِمَنْ أَحْبَلَ أُمَّهُ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ هُوَ الْمُحْبِلُ لِسُمَيَّةَ أُمِّ زِيَادٍ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لَا سِيَّمَا قَبْلَ انْتِشَارِ السُّنَّةِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ هَكَذَا؛ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ الْمَانِعَةِ هَذَا الْمُقْتَضِي لِلْوَعِيدِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُ: مِنْ حَسَنَاتٍ تَمْحُو السَّيِّئَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ”.

[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ٢٦٧/٢٠].

 

وهذا أولى بالعذر من القائل بتحريف القرآن والذي حكمه عند الشيعة أنه مجتهد مخطئ لا غير ذلك والمجتهد المخطئ مأجور لا مأزور عندهم .

وأما الرواية التي ذكرها صاحب الشبهة عن سعيد بن المسيب وهي في حلية الأولياء قال : “حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال ثنا أبو العباس الثقفي قال ثنا قتيبة بن سعيد قال ثنا عطاف بن خالد عن ابن حرملة. قال: ما سمعت سعيد بن المسيب سب أحدا من الأئمة قط، إلا أني سمعته يقول قاتل الله فلانا كان أول من غير قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الولد ‌للفراش وللعاهر الحجر»

[«حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – ط السعادة» (2/ 167)].

 

فالجواب أن الرواية مبهمة ولم تحدد من الذي يقصده سعيد بن المسيب تحديدا وبه يسقط الاحتجاج به على شخص بعينه، هذا فضلا عن ضعف إسناد الرواية وأنه ضعيف براويين مختلف فيهما.

 

 أولهما: عطاف ‌بن ‌خالد قال الدارقطني “ضعيف”

[«الضعفاء والمتروكون للدارقطني» (2/ 167)].

 

وقال «مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: وَيُكْتَبُ عَنْ مِثْلِ، ‌عَطَّافِ ‌بْنِ ‌خَالِدٍ؟ لَقَدْ أَدْرَكْتُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ سَبْعِينَ شَيْخًا كُلُّهُمْ خَيْرٌ مِنْ عَطَّافٍ مَا كَتَبْتُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ الْعِلْمُ عَنْ قَوْمٍ قَدْ جَرَى فِيهِمُ الْعِلْمُ»

«الضعفاء الكبير للعقيلي» (3/ 425)

 

وقال ابن الجوزي: «‌عطاف [‌بن] ‌خَالِد بن عبد الله أَبُو صَفْوَان الْقرشِي المَخْزُومِي الْمدنِي يروي عَن نَافِع تكلم فِيهِ مَالك وَلم يحمده قَالَ يحيى لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقَالَ أَحْمد ثِقَة وَقَالَ الرَّازِيّ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ ابْن حبَان يروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيثهمْ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا يُوَافق الثِّقَات»

[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (2/ 179)].

 

وثانيهما عبد ‌الرحمن ‌بن ‌حَرْمَلَة، قال ابن الجوزي: “ضعفه يحيى بن سعيد وَالْبُخَارِيّ»

[«الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي» (2/ 92)].

قال البخاري«لَا يَصح حَدِيثه»

[«الضعفاء الصغير للبخاري ت زايد» (ص70)].

 

فهذان الروايان مطعون في وثاقتهما ومختلف فيهما عند اهل العلم وبمثلهما لا تقوم حجة، هذا فضلا عما في الرواية من ابهام يسقط الاحتجاج بها.

وخلاصة الأمر أنه لم يثبت أن معاوية ادعى زيادا بإسناد صحيح، ولو ثبتت لما كان عليه مطعن لما ذكرناه والحمد لله رب العالمين.

قناة اليوتيوب

مواضيع شبيهة

دفن عبد الرحمن العنزي حيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.